الكاتب: د.أحمد عبد الله نشرت على الموقع بتاريخ: 30/01/2006
يعجبني إعلان في قناة الجزيرة يحمل فيه الناس ما يشبه المصابيح على راحة أيديهم، فأتذكر مصباح "ديوجين" الذي صار رمزا عالميا للحكمة والتنوير، وأتذكر رجلا أحبه هو الإمام سعيد النورسي الرجل العجيب الذي صار بثقة، وعاش من أجل أن يبقى نور الإسلام في نفوس وبيوت وعقول الأتراك حين شعر أن هذا مهددا من جهة السلطة الغاشمة في عصر "أتاتورك"، ومن مسارات النورسي وأساليبه العجيبة أنه كان يخط بيده رسائل دورية لتلامذته هي خليط من الأفكار، والتأملات الصوفية، ومواجهة الشبهات المثارة ضد الدين، ولأن هذا كان ممنوع النشر والتداول في تركيا فإن الدائرة المحيطة بالأستاذ كانت تعيد نسخ رسالة الأستاذ يدويا في عدة نسخ يسلمونها للمقربين منهم، والذين يقومون بنسخ الرسالة في المزيد من الطبعات اليدوية يوزعونها، وهكذا إلى ما لانهاية!!! وسميت هذه الرسائل "رسائل النور".
كان هذا في زمان المنع والتضييق، والحجب والحصار والتعتيم، وكان التحدي يكمن في كيفية وصول النور: نور المعرفة والحقيقة إلى من يحتاجون إليه في عتمة الجهل والتشويش !!
ثم انفتحت الدنيا فلم يعد يجدي منع ولا تضييق ولا حصار ولا تعتيم، ورسائل النور الآن بملايين النسخ في كل اللغات، وغيرها من الأفكار لا يمكن وقفها ولا منعها، بل إن قرار المنع الآن قد صار مسخرة، وأكبر دعاية للمادة الممنوعة !! فهل تغير التحدي ؟؟!!
أظن أن شكله قد تغير، أما مضمونه فما زال كما هو: كيف يصل النور الآن إلى من يحتاجون إليه، ولكن وسط ضجيج الأصوات، وتشويش زخم المعلومات، وفخ الأفكار والأخبار بأحجام وأرقام تفوق الخيال ؟!!
لم يعد الناس يفتقدون المعلومة بل صارت "على قفا من يشيل" كما يقول المصريون، ولكن كيف أتأكد من صدق هذه المعلومة، ومن صحتها، ومن دقة نقل الأقوال والتصريحات والأحداث ؟!
هذه معضلة من معضلات ثورة الاتصالات، وأتفكر أن الصمام الأهم يكمن في وعي المتلقي، وقدرته على التمييز، وعلى قدرته واتصالاته للتحقق مما يهمه من معلومات، وعلى التخلص مما لا يفيده لأنه تشويش!!،أتخيل مزارعا في قرية يغرق في معلومات عن التسلح النووي الإيراني مثلا، وأخبار النجوم والرياضة في العالم كله، وفتاوى في تفاصيل كثيرة لا تتعلق بحياته ولا مشاكله المباشرة، بينما يجهل تماما عن أحدث أساليب تطوير الزراعة، ومكافحة الآفات المحتملة في حقله !!
ولا يرشده أحد إلى كيف يتعامل مع زوجته، وأولاده وجيرانه أو كيف يكسب معارفَ أو أصدقاء جدد ؟!!
كم صرخت وناقشت بإلحاح أننا نحتاج إلى تعليم وإعلام ينفع الناس، وإلى نقل للمعرفة ينبع من احتياجاتهم، ويجيب على أسئلتهم، ولا يقوم بهذا حاليا لا شيخ في مسجد، ولا معلم في مدرسة، ولا برنامج في فضائية!!
إلا السباحة أو بالأحرى الغرق في تفاصيل، القليل منها مفيد !!!
وربما نحتاج مرة أخرى إلى رسل للنور يتواصلون ويعيشون وسط الناس، ولنرى كيف يعيش أهلنا، وماذا يحتاجون ونحتاج من معارف ؟!! ثم أمامنا مصادر المعرفة – أقصد المعلومات – مفتوحة على مصراعيها، وحين يتضح السؤال الهام يمكن أن نجد له الجواب السديد الرشيد الشافي النافع.
سمعت أن بعض الأصدقاء قد نسخوا مقالا سابقا لي –لم أنشره بعد على مجانين– وأنهم تداولوه فيما بينهم، ونشروه على أوسع نطاق راق لهم، وأحسب أنه دون هذا الجهد، دون أن يتحاور الناس جميعا ليعرفوا ما نحتاج وما ينفعنا، ودون أن يتواصلوا حاملين الأسئلة والأجوبة والأفكار، إذا لم أحمل أنا الأفكار لغيري فيحملها هو لغيره، وهكذا .... فإن العتمة ستظل رغم زحمة القنوات والمجلات ومواقع الأخبار والشات.
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com