نسخة للطباعة لمقال من موقع مجانين.كوم

اليتيمة


عوني الحوفي

اليتيمة اليتيمة لغةً هي من فقدت أباها، ولكننا نتحدث هنا عن يتيمة الدهر، وما يتيمة الدهر هذه؟ هي الدرة الفريدة، فسرت الماء بعد الجهد بالماء، صبراً فما هو إلا تشويق للدخول في الموضوع:يتيمة الدهر قصيدة لا يعرف ناظمها وليست له أخوة من قصائد أخرى لنفس الشاعر، وهى من أروع قصائد الشعر العربيّ. فما هي وما قصتها؟
 

تعلمون أن الجزيرة العربية كانت تقام بها أسواق للشعر بجانب الأسواق التجارية التي كان يختلف إليها التجار من شتى البلدان، من اليمن جنوباً للعراق شمالاً فيما كان يعرف برحلتيّ الشتاء والصيف، وكانت أغلب قصائد الشعراء في الفخر والحماسة والغزل والتباكي على أطلال الديار إلى آخر تلك الأغراض... وفي الجاهلية كانت أشهر القصائد تعلق على أستار الكعبة فيما سمي بالمعلقات التي قيل إنها سبع أو عشر.

كان بأرض الحجاز أميرة جميلة اسمها دعد وهبت نفسها زوجة لمن يقول فيها أجمل قصيدة شعر. وذاع الخبر وانتشر في أرض الجزيرة وامتد من اليمن جنوباً للعراق شمالاً وبالطبع في كل مدن الحجاز التي هي الآن المملكة العربية السعودية، وحدد لملتقى الشعراء والمشاركين في المنافسة يوم معلوم.وقبل هذا اليوم حدثت حادثة مقتل رجل يبدو من ملابسه أنه من جنوب الجزيرة حيث منطقة تهامة .ولم يعرف القاتل ولا المقتول.
والسر في الجريمة كما عرف بعد ذلك أن رجلاً من أهل اليمن كان يتجول في أسواق نجد فقابله رجل من أهل الشمال وسأله عما جاء به فأجابه إنها دعد، فسأله وما قلت فيها؟ فأنشده قصيدته الرائعة التي تناول فيها وصف دعد من منبت شعرها نزولاً تدريجياَ إلى أصابع قدمها دون ترك أي منطقة، عرف صاحبنا أنه لابد الفائز بالجميلة دونه فقتله وسرق منه القصيدة ،وفي يوم المهرجان ما أن ألقى الرجل القصيدة حتى صاحت دعد: امسكوه فهذا قاتل زوجي!!. كيف عرفت؟ 

ذكر الشاعر الكبير الأستاذ فاروق شوشة في كتابه (أحلى عشرين قصيدة شعر) أن اليتيمة  وكانت طبعاً في مقدمة القصائد أن النقاد أجمعوا على أن صاحب اليتيمة من سوريا في الشام واسمه دوقلة المنبجي وختم مقاله بأنه بهذا الكشف أصبحت اليتيمة ليست يتيمة بعد أن عرف أبوها. وأنا وأعوذ بالله من كلمة أنا أختلف مع الشاعر الكبير الأستاذ فاروق تمام الاختلاف للأسباب الآتية:

أولاً جاء في اليتيمة البيت القائل: إن تتهممي فتهامة وطني أو تنجدي إن الهوى نجد، فكيف يقر الشاعر بأنه من تهامة وينسبه الأستاذ فاروق إلى الشام؟؟؟ هذا من أقصى الجنوب وذاك من الشمال وهذه واحدة، الأخرى أن كل الصور والأخيلة في القصيدة مستلهمة من البيئة الصحراوية الجبلية والشام كان في أزهى عصور المدنية.

كلكم لا شك في شوق لقراءة القصيدة، ويؤسفني أن أخيب ظنكم وأحيلكم إلى قراءتها في كتاب الأستاذ فاروق شوشة وإن كنت سأذكر لكم شذرات منها خاصة البيتين اللذين حذفهما الأستاذ فاروق أو ربما لم يكن يعرفهما لاعتقاده بخدشهما للحياء وأعتقد أن في نبل التراث الأدبي الخالد لا ينبغي أن يبتر منه جزء بأي زعم وتحت أي حجة.
يبدأ الشاعر قصيدته بقوله:
لهفي على دعدٍ وما حفلت بالاً بحرِ تلهفي دعدُ
...

فالوجه مثل البدر مبيضٌ والشعر مثل الليل مسودُ
ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضدُ

وينزل الشاعر إلى الجيد والصدر والبطن والمحذوف من القصيدة وهما البيتان:
ولها هنن رابٍ مجسته وعر المسالك حشوهُ وقدُ
فإذا طعنت طعنت في لبدٍ وإذا سللت يكاد ينسدُ

ثم يواصل إلى الرفين في القيام والجلوس وما تحتهما حتى أخمص القدمين. ترى هل يستعير شاعر في بيئة متمدنة كسوريا صور بياض البدر وسواد الليل؟ أم هما استلهام تهامي من صحراء الجنوب؟

أما ما أجمع عليه النقاد من أجمل بيت في الشعر العربي فهو ما ذكره صاحب اليتيمة في وصف طول وليونة أصابع دعد إذ يقول:
ولها بنان لو أردت له عقدًا بكفك أمكن العقدُ
 
أيها الأصدقاء أترككم على خير وواثق من أنكم ستسعون لاقتناء اليتيمة فنحن في شهر الرحمات والإحسان لليتامى فيه خير.

واقرأ أيضا : 
سر الرقم 19 في القرآن الكريم / أفلا يتدبرون القرآن؟! / الشك الديكارتي