نسخة للطباعة لمقال من موقع مجانين.كوم

مشروع الصحة النفسية للشرطة والشعب


أ.د محمد المهدي

 نظرا لما حدث في 25 يناير 2011 م وما تلاها من تداعيات أثرت على الصورة الذهنية للشرطة وعلى العلاقة بينها وبين الشعب المصري مما نتج عنه انسحاب أو احتجاب الشرطة بشكل كلي في البداية ولعدة أيام حرجة للغاية ثم جزئي بعد ذلك في الوقت الذي كان الشعب المصري يقوم بثورة تغيير عظيمة ويحتاج لكل قواه الوطنية لتدعمه في مواجهة النظام الفاسد، لذا كان من الضروري عمل مراجعات لعقيدة جهاز الشرطة ولسلوكيات أفراده وتصورهم لوظيفتهم وتصورهم لعلاقتهم بالنظام وبالشعب، وهذه المراجعات لا تهدف إلى الاتهام أو التقليل من شأن أحد وإنما تهدف إلى تعديل المسار كما هو الحال في الكثير من مؤسسات المجتمع بعد قيام الثورة. ومن المؤكد والمعلوم أن جهاز الشرطة رغم كل المشكلات التي حدثت بسبب فساد النظام السابق لا يخلو من شرفاء يعطون من جهدهم وحياتهم لخدمة وطنهم، وله تاريخ وطني مشرف في خدمة قضايا مصر وأمنها.

ولهذا السبب اجتمع عدد من الأطباء والاختصاصيين النفسانيين في عدة جلسات لمناقشة هذا الأمر من الناحية النفسية، وقد تم تجميع الآراء والمقترحات لعرضها على أولي الأمر للاستفادة منها، مع العلم بأن هذا الفريق المشارك في المناقشات مستعد لتقديم المشورة والدعم الفني والمساعدة في أي جهود تهدف إلى الارتقاء بالأداء الأمني وبتحسين العلاقة بين الشرطة والشعب في المستقبل، تلك العلاقة التي لابد وأن نعترف أنها قد أصيبت بخلل نتيجة لظروف أخرجت بعض قطاعات وزارة الداخلية عن مسارها وعن وظيفتها، وقد آن الأوان لتعديل المسار وتطهير ذلك الجهاز الحيوي والهام من كل ما يسئ إليه.

وفيما يلي بعض المقترحات التي خلصنا إليها: 
٠ تكوين لجنة متعددة التخصصات من خبراء الأمن وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وقانونيين وناشطين في حقوق الإنسان وذلك لمراجعة المناهج وطرق التدريس والتدريب بكلية الشرطة وتقديم مقترحاتها لإدارة الكلية. ونقترح أن يكون دخول الكلية بناءا على مجموع أعلى وذلك لاختيار المتميزين من أبناء مصر لهذه المهنة العظيمة، وتنتفي كل الوساطات والمحسوبيات والرشاوى، ويصبح المعيار هو الكفاءة الشخصية. كما يلزم عمل فحص نفسي كامل للطلاب قبل التحاقهم بالكلية وأثناء فترة إعدادهم بشكل دوري على أن يتضمن هذا الفحص اختبارات ذكاء واختبارات شخصية وتقييم إكلينيكي طبي مفصل ومحدد.

٠ الاهتمام بتدريس علم النفس الأمني وعلم نفس الجريمة لكي يكتسب الضباط مهارات عالية في التعامل مع المتهمين ومع الجمهور ولا يلجئوا إلى استخدام وسائل العنف والترهيب للحصول على اعترافات أو معلومات.

٠ معالجة عقيدة وعقلية الاستعلاء الشرطي فالناس يعانون كثيرا من هذا الأمر، وهو ما يعكسه كثرة استخدام لفظ الباشا في أروقة الداخلية والتعامل بقسوة وازدراء مع الناس، لذلك نريد الخلاص من عقلية رجل الشرطة السيد الذي يتعامل مع العبيد من الشعب، فهذا يجعل العلاقة غير سوية، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كثيرة وتعديلات في التدريب والتعليم لرجال الشرطة بحيث تكون عقيدتهم متفقة مع الشعار المعلن "الشرطة في خدمة الشعب".

٠ كان من سياسات العهد السابق وضع أعباء هائلة على الشرطة، ونظرا لطبيعة الدولة البوليسية التي كان يرتكز عليها في حماية كرسي الحكم والنظام فقد أوكل بمعظم الملفات إلى جهاز الشرطة، وعمل على تضخيم دور هذا الجهاز وأتاح له التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس، وقد خلق هذا حالة من الغضب لدى قطاعات كبيرة من الشعب وجدت أن جهاز الشرطة في ذلك العهد يعمل لمصلحة بقاء النظام وحماية الفساد ولا يعمل لصالح الشعب.

وكان لكثرة الأعباء والمهام دور في جعل جهاز الشرطة جهازا مرهقا ومتوترا وعصبيا وانعكس هذا على طريقة تعامله مع المواطنين، لذلك نرى عودة جهاز الشرطة إلى مهامه الأساسية والمحددة المنصوص عليها في الدستور وهي الحفاظ على أمن الشعب وتحقيق الطمأنينة للجميع، وقد أحسنت وزارة الداخلية حين قامت بحل جهاز مباحث أمن الدولة نظرا لما ارتكبه هذا الجهاز في حق المصريين من إيذاء وتعذيب واستبعاد للشرفاء وتزوير للانتخابات وإحباط لمحاولات الإصلاح وكذب وتلفيق وتشويه لسمعة المعارضين ومحاربتهم بكل الطرق على اعتبار أنهم أعداء للنظام وللوطن وأخيرا فرم وحرق الوثائق والملفات الخاصة بالجهاز وهي جرائم لا تصدر عن جهاز أمني محترم. كما نقترح تخفيف أعباء الداخلية بجعل بعض القطاعات مؤسسات مدنية تتولاها وزارات أخرى مثل الأحوال المدنية والجوازات والمرور كما يحدث في كثير من الدول.

٠ ولقد أحسنت القيادة الجديدة في وزارة الداخلية حين قدمت اعتذارا للشعب عن الأخطاء والتجاوزات التي صدرت عن الوزارة في العهد السابق وإبان قيام الثورة وإعلانها عن فتح صفحة جديدة مع الشعب قوامها التعاون والاحترام المتبادل، وهذه روح جديدة نتمنى أن تميز ممارسات الشرطة في العهد الجديد.

٠ زيادة عدد رجال الشرطة لكي نخفف عنهم الأعباء ونعطيهم فرصة للراحة والاسترخاء وممارسة حياة طبيعية، ويتحقق ذلك بالتوسع في قبول الطلاب بكلية الشرطة، أو الاستعانة بالمتقاعدين من ضباط الجيش في سن مبكر، أو طلبة الحقوق مع إعطائهم دورات مكثفة في العلوم الشرطية في فترة ستة شهور.

٠ تحسين أحوال رجال الشرطة من حيث المرتبات والسكن وساعات العمل وفرص الترفيه حتى يكونوا في حالة نفسية جيدة، لأن سوء أحوالهم وشعورهم بالظلم من التفرقة في المرتبات والامتيازات يملأهم بالغضب فيزيحون هذا الغضب على الجمهور الذي يتعاملون معه.
 
٠ زيادة الشفافية في جهاز الشرطة وذلك يساعد على اكتشاف الفساد والتجاوزات ومعالجتها أولا بأول.

٠ أن تكون في كل قسم شرطة غرفة يجلس فيها أخصائي نفسي للتعامل المهني مع بعض المشكلات التي تحتاج للدعم النفسي أو الإرشاد. ونوصي أيضا بوجود اختصاصيين نفسانيين في السجون مع تدريبهم وإعدادهم ليقوموا بمهمتهم على خير وجه. كما نوصي بوجود ناشط في حقوق الإنسان يتابع مدى التزام الممارسات الشرطية بقواعد حقوق الإنسان المتفقة مع المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر.

٠ إعداد وتنفيذ برامج تأهيلية للمسجونين تحت إشراف فر يق نفسي متخصص لكي تتحول السجون إلى مؤسسات إصلاحية.

٠ خط ساخن بوزارة الداخلية لتلقي المشكلات المختصة بضحايا سوء معاملة الشرطة أو انتهاكات حقوق الإنسان على أن تعلن أرقام هذا الخط بشكل مستمر في وسائل الإعلام.

٠ عمل دورات نفسية منتظمة للسادة الضباط ولأفراد الشرطة لرفع الوعي بالجوانب النفسية والسلوكية ومعرفة أفضل الطرق لفهم الذات وفهم الآخر والتواصل الصحي والتعامل مع المختلفين في الرأي وضبط المشاعر والتحكم في الغضب وغيرها.

٠ عمل فحص نفسي دوري لكل من يحمل سلاح، ولكل من يصدر عنه سلوك ينم عن اضطراب نفسي أو اضطراب في الشخصية مع استبعاد العناصر غير المناسبة للمهنة أولا بأول.

٠ عمل ندوات جماهيرية يحضرها بعض رجال الشرطة وفي وجود متخصصين نفسيين أو قادة اجتماعيين يديرون الحوار في هذه الندوات وذلك لكسر الحاجز بين الشرطة والشعب ولزيادة التفاهم والتعاون بين الطرفين.

٠ أن يقوم الإعلام بإبراز نماذج من الضباط والأفراد الشرفاء في الشرطة ويسلط الضوء على جهودهم وتضحياتهم من أجل أمن المجتمع.

٠ أن يلتزم منسوبو الشرطة بالقانون ولا يخرجون عنه مهما كانت الظروف، فكرامة رجل الشرطة وهيبته ومكانته كلها تنبع من احترامه للقانون وتطبيقه له على الكبير والصغير.

٠ أن يكون جهاز الشرطة جهازا وطنيا محايدا ومستقلا لا يستخدمه حزب أو تيار أو حاكم فهو أولا وأخيرا لخدمة الشعب.

٠ أن نسعى لتقديم الأمن المجتمعي الذي يجعل وظيفة الحفاظ على الأمن مسئولية مشتركة بين جهاز الأمن وأفراد ومؤسسات المجتمع، وهذا المفهوم يخفف الكثير من الأعباء عن الجهاز الأمني، ويجعل المجتمع إيجابيا ومشاركا في الحفاظ على أمنه وليس اعتماديا على جهاز الأمن.

وسوف تواصل المجموعة اجتماعاتها المفتوحة لكل الأطباء والأخصائيين النفسيين لوضع تفاصيل المشروع وبرامجه التشخيصية والعلاجية والوقائية والتدريبية لخدمة هدف الأمن والصحة النفسية لجميع أبناء مصر.

نفسانيون من أجل الثورة
عنهم:
أ.د أحمد شوقي العقباوي
أ.د محمد المهدي
أ.د وائل أبو هندي
أ.د خليل فاضل
د. أحمد عبد الله
د. عاطف فايد


واقرأ أيضاً:
ساخن من مصر أيام الغضب أحد الشهيد/ الفاسدون وراثة أم تربية؟/ علاج الاستبداد/ دروس الانتصاركنت في التحرير.. لستُ أمّك!!