السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في الحقيقة ترددت كثيرًا قبل أن أكتب هذه الرسالة، ولكني وصلت إلى مرحلة ما قبل الانهيار، وإن لم يتغمدني الله برحمته فسوف أخسر كثيرا وأجعل أقرب الناس إلي يخسرون معي. أنا مسلم عربي فلسطيني ولدت في الشتات وعمري الآن 21 عامًا، نشأت في بيئة متدينة، وأعتبر نفسي مسلما وسطيا معتدلا، وقد تتلمذت منذ صغري على كتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله؛ فنور الله بصيرتي بأشياء كثيرة وتعدل تفكيري واستقام وحصلت على أجوبة لأسئلة كثيرة أعتقد أن كثيرًا من الناس الآن لا يزالون يبحثون عن جواب لها. وقد وعيت منذ صغري على قضايا الأمة الكبرى وكانت همي الأكبر، ودعم ذلك أني فلسطيني يعيش الهم اليومي للفلسطينيين فأصبحت السياسة جزءًا من دمي وهاجسًا لا يفارقني وأحيانًا خطرًا يداهمني، ولكن مع ذلك ولله الحمد كنت متفوقًا في دراستي حتى الثانوية العامة ووفقني الله فحصلت على نسبة 99%، وهذا بعد فضل الله وتوفيقه يسر لي القبول في إحدى أفضل الجامعات في العالم العربي. ودخلت الجامعة وفي الفصل الأول لي سارت الأمور على ما يرام، ولكن المشكلة بدأت في الفصل الدراسي الثاني عندما تفجرت انتفاضة الأقصى فانفعلت معها بكل جوراحي، وكانت همي الأكبر الذي استحوذ على كل كياني، وكنت أقضي يوميا أكثر من 5 ساعات متواصلة أتابع الفضائيات، مع العلم أنه لم يكن في السكن الجامعي تلفزيون فكنت أغادر الجامعة يوميا وليس عندي سيارة وأذهب إلى أحد الأماكن التي بها تلفزيون. وكانت معنوياتي تتأرجح بتأرجح الوضع الميداني هناك، فعندما تحدث عملية استشهادية ترتفع معنوياتي وينعكس ذلك على دراستي، وعندما يحدث قصف عنيف ويكثر عدد الشهداء تنخفض معنوياتي وينعكس ذلك أيضًا على دراستي، ولكن الأمور زادت سوءًا يومًا بعد يوم، وعندما تتعرض الانتفاضة لانتكاسات يزداد حزني وتهبط معنوياتي أكثر فأكثر. ولكن المصيبة أنني لست جاهلاً وأعلم أن هذا الجهاد لا ينتهي في يوم وليلة، وإن حصيلة تخلف ستة قرون تحتاج إلى وقت طويل لإصلاحه، بل وأكثر من ذلك أنني أقوم بتشجيع من يئس من الوضع ممن حولي وأرسم لهم صورة حسنة عن المستقبل، ولكن مع ذلك بدأت تحصل معي بعض الانتكاسات في بعض المواد الدراسية الجامعية فهبط معدلي التراكمي مما يعادل 95% إلى ما يعادل 65% خلال فصلين دراسيين؛ وهو ما أدى إلى انهيار معنوياتي انهيارًا كاملاً. وأصبحت مهملاً وغدوت لا أهتم بالعلم ولا بتحصيله، وصاحب ذلك أنني كنت أسكن مع شخص بيني وبينه مشاكل في المعيشة؛ حيث إننا نعيش مجبرين في غرفة واحدة حسب قانون السكن الجامعي، فكان ذلك يؤثر علي طوال اليوم. كل ذلك كان يترك في قلبي مرارة؛ فأنا أرى الناس حولي مهتمين بالعلم ويحصلونه ودرجاتهم على عكسي تمامًا ولكنهم ليسوا مهتمين بما أنا مهتم به؛ فأغلبهم همه أن يحصل على أعلى درجة ممكنة ليحصل على أفضل وظيفة وأعلى راتب وتتوقف الدنيا عنده عند ذلك باستثناء القليل منهم والذين أثرت الأحداث أيضا عليهم ولكن ليس بالقدر الذي أثرت به علي. الشيء الآخر الذي يحز في نفسي أنني أعتبر دخولي هذه الجامعة بالتحديد هي من نعم الله علي؛ فهي جامعة محترمة ولها سمعة طيبة وبها إمكانات لا تتوفر في أماكن كثيرة في العالم العربي، وأخاف إن لم أقم بشكر هذه النعمة أن يحرمني الله منها، خاصة أن حلمي قديمًا كان أن أكمل الدراسات العليا إلى أبعد مدى أستطيعه ولكن بهذه الدرجات لن يسمح لي بالإكمال، كما أن الدراسة عمل أسند إلي ولم أقم بإتقانه وهي واجبي الأول في هذه الفترة من حياتي. ولكن مع علمي بذلك كله فإنني لم أستطع تغيير نفسي وبدأت أنتقل من حال إلى حال أسوأ وتغير سلوكي حتى على المستوى الشخصي، فأصبحت أنام كثيرا بشكل غير طبيعي وزاد وزني كثيرا، ونظرا لمزاجي السيئ فقد ساءت علاقتي مع بعض الأصدقاء، مع العلم بأنني اجتماعي جدا ولدي الكثير من الأصدقاء والعلاقات، وبالأساس أنا أعتبر نفسي داعيا إلى الله وعلي الاختلاط بالمجتمع ومحاولة إصلاحه وليس الانعزال عنه والتقوقع على النفس. حالتي هذه ناقشتها مع العديد من الناس، وشكوت همي إلى الله أولا ثم إلى بعض من يهمهم أمري، ولكني لم أسترح بشكل كامل، وبعد مروري بمراحل تفكير عديدة غيّرت بعض أفكاري عن الحياة وأولوياتي فيها وماذا يجب أن يكون دوري فيها، وأصبحت أنظر إليها من منظار مختلف، فلم يعد للعلم في قلبي مكان. ومع أنني لا أستطيع أن أتراجع عن التخصص الذي أدرسه؛ لأنه الوحيد المفتوح أمامي بسبب اعتبارات معينة تتعلق بظروف سياسية واجتماعية للبلد الذي أعيش فيه، فإن اهتماماتي هي في قضايا الفكر الإسلامي والسياسة، وأعتقد أن قراءاتي في هذين الموضوعين أستطيع أن آخذ بها شهادة البكالوريوس في الفكر الإسلامي وشهادة الماجستير في الفكر السياسي. قد أكون بالغت قليلا ولكن ما أردت قوله إنني مهتم بهما كثيرا وأقرأ في هذه المجالات بكثرة وأتابعها بشكل يومي، ولكني بعد فترة قابلت الدكتور زغلول النجار ووجهني للاهتمام بالدراسة والعلم، وفي الحقيقة أنا معجب جدا بشخصه وعلمه وفكره، وأتمنى أن أكون مثله ولكن ذلك أصبح من الصعب تحقيقه؛ حيث إن درجاتي بسبب وضعي الحالي لا تساعدني على إكمال الدراسات العليا حتى أصبح عالما له قدره أتكلم فأُسمع وأدعو إلى الله على بصيرة. وبعد ذلك بفترة ظهر الأستاذ يوسف ندا -فرج الله كربه- على الجزيرة فقلب تفكيري رأسًا على عقب فأصبحت أفكر أن أصبح مثله وأخدم الإسلام بالمال الذي لو توفر في أيد أمينة لصنع للحق قوة تحميه، ولكن ليست لي ولا حتى لأهلي تجارب سابقة في التجارة. في الحقيقة أنا الآن حائر في أمور كثيرة، لقد تلقيت الإنذار الأكاديمي الأول وإن لم أنجح هذا الفصل بنسبة معينة فسوف أحصل على الإنذار الأكاديمي الثاني الذي يكون بعده الطرد من الجامعة، فوق ذلك أهلي لا يعلمون بما يحصل لي؛ فهم واثقون مني من ناحية الدراسة، ولكن والدي بدأ يشعر بأنني مقصر في دراستي مع أني أسكن بعيدًا عنه بأكثر من 1000 ميل. ذهبت لأداء فريضة الحج وكنت وما زلت أدعو الله لأن يهديني لما يحبه ويرضاه، ولعل الله يجعل هذه الهداية على يديكم. أرجو أن تصفوا لي حالتي؛ إذ إنني مع كل هذا الكلام لا أستطيع تحديد المشكلة بالشكل المناسب الدقيق الذي يمكنني من عمل خطوات محددة لحلها وهنا تكمن المصيبة العظمى، وأرجو أن تدلوني على مفتاح شخصيتي وعلى الطريق الذي يؤدي إلى الحل. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.