قصة طويلة أرجو أن يتسع صدركم لها، قبل 6 سنوات تقريبا دخلت إلى كلية الطب, لم يكن لدى قرار واضح حينها, ربما لأن مجموعي يؤهلني لدخول تلك الكلية، تجاوزت سنة الإعداد -جيد جدا- ثم السنة الأولى- جيد- التي شعرت فيها بأني ربما لست في المجال الذي يتوافق مع قدراتي وميولي وأثناء السنة الثانية بشرى تمنيت لو أنى لم أتورط هذه الورطة وبدأت أفكر في الانسحاب. كانت تشغل بالى ساعتها أمور كثيرة مثل المستقبل ولقمة العيش وهل ستبقى لنا مهنة الطب نصيبا من الدنيا ننعم به أضف إلى ذلك أن يكون معك في القسم الداخلي من يندب حظه على دخول كلية الطب ، وأصبت بنوع من الاكتئاب ما كنت معه أستطيع الجلوس للدراسة. طوال تجولي في الكلية أشعر بأنه ليس مكاني, لم أكن منسجما في المحاضرات والمعامل وشيئا فشيئا تصاعدت حدة الهم والغم، وصحب ذلك تقصان في الوزن وخصوصا أثناء الامتحان النهائي، فشلت في الدور الأول ثم الدور الثاني. أثناء الدور الثاني استعدت بعضا من اتزاني النفسي ونجحت إلا في مادة واحدة أصبت أثناء التحضير لها بالاضطراب وعدم التوازن النفسي ففشلت فيها بطبيعة الحال ولو كنت حافظت على اتزاني النفسي لكنت نجحت فيها. كانت الحجج التي أبرر بها فشلي كثيرة فتارة أقول إن ذاكرتي ضعيفة وتارة أقول إن هذا ابتلاء من الله وأهلي يقولون أصابتك عين، لم أستطع أن أضع لنفسي حلما في مجال الطب لا يوجد عندي طموح وشغف علمي بدراسة الطب، ولا أحب أن أتوسع في الصداقات مع طلبة الطب وما إن تنتهي المحاضرة حتى أهرول مسرعا خارج الكلية. رفعت المادة معي وانتقلت إلى السنة الثالثة لقد كنت أدرس كمجهود ولكن الإصرار على النجاح كان مفقودا ولكني أصاب أيام الامتحانات بالهم والغم والرغبة في الانسحاب لقد كان صراعا مريرا يدور في نفسي تلك الأيام من جهة أريد أن أنجح لكي أتخرج ومن جهة أخرى أخاف أن أنجح فأستمر في هذا المجال الذي لم أنسجم فيه بعد, تخيل أن يجرى هذا الصراع أيام الامتحانات فما هو المتوقع؟ حتما الفشل أحيانا تمر على أوقات أريد فيها أن أبكى ولا أستطيع، أرجو من الله العلى القدير أن يساعدني. بعد فشلي في الدور الأول أرجع إلى أهلي وأقول لهم بأني سأقرر الانسحاب ويبدأ الصراع الفكري بين ما يطرحه الأهل وبين ما أطرحه أنا ثم أستخير ثم أستخير وأدخل الدور الثاني ولا أوفق ثم أصاب بنوبة من الحزن والكآبة وأجلس لأفكر هل الطب مستقبلي أم لا وأبدأ أفكر في الانسحاب من جديد وأظل على ذلك أياما ثم أصاب بالحيرة وأستخير الله وأدخل العام الدراسي الجديد. دخلت للسنة الثالثة ورسبت فيها –(( ليس لأني مقصر فيها ))- ثم أعدتها ومع أنى بذلت فيها جهدا جبارا- شهد على ذلك زملائي في القسم الداخلي- إلا أنى فشلت مرة أخرى في الدور الأول، وعندما سمعت نتيجتي السيئة ونتيجة زملائي الذين نجحوا بمجهود أقل منى أصبت بخيبة شديدة وكادت الدموع تنهمر من عيني لقد كانت الرغبة الحقيقية في النجاح غائبة عنى أضف إلى ذلك الاضطراب الذي أصاب به أثناء أيام الامتحانات وهو عبارة عن موجة حزن مصحوبة بتدفق ألف الأفكار على عقلي أثناء تلك الفترة مثل ماذا سأفعل إذا تركت الطب وغير ذلك والتفكير كذلك بأني سأعيش باقي عمري فقيرا جاهلا متخلفا أضف إلى ذلك الغباء في التخطيط الدراسي وعدم طلب التوفيق من الله فيا ليت شعري كيف سأنجح. أوقفت القيد بعد تلك المحنة الشديدة وظللت سنة وأنا أفكر وأحلل حالتي النفسية وأكتب أفكاري وتوصلت إلى أن السبب الحقيقي للفشل هو غياب الرغبة الصادقة وعدم الاستعانة بالله ومع اقتراب العام الجديد لم أدر ماذا سأفعل فاستخرت الله ثم نقلت ملفي إلى كلية الطب في مدينتي ودرست بجهد أقل من السنة التي رسبت فيها وصممت على النجاح واستعنت بالله ونجحت من الدور الأول - جيد- وبدأت أفكر إلى متى سأظل أدرس هكذا من غير متعة وانسجام، صحيح أنني أذهب إلى المحاضرات ولكنها ثقيلة الظل ومملة وروتينية، ولم أستطع إلى الآن التكيف وأن أبنى لي حلما في مجال الطب ليس ثمة ما يشدني إليه انتظرت طويلا المرحلة السريرية التي قالوا إنها ممتعة. وبدأت تلك المرحلة في السنة الرابعة ذهبت أول يوم إلى المستشفى وجلست في المحاضرة شعرت ساعتها بشعور من الحزن والغضب وكأني أريد البكاء ولا أستطيع، وشيئا فشيئا بدأت أشعر بصداع في رأسي، كان علينا بعد المحاضرة أن نلتحق بالدكتور لكي نأخذ أول درس عملي ولكني لم أطق البقاء في المستشفى أكثر من ذلك، رجعت إلى منزلي ولم أغادره تحت تأثير الصداع والحزن والكآبة حتى أنى لم أتمكن من النوم ذلك المساء لأن عقلي مشحون بالأفكار والهواجس فلم أستطع الذهاب في اليوم التالي إلى المستشفى لأني لم أنعم بليلة هادئة ولأني خائف من تكرار نفس الشيء الذي حدث في اليوم الأول، وبعض مما أخشاه أنني يوم أمس بدأت أحس باضطراب في نبض القلب كما لاحظ أهلي تبرمي ودوام سرحاني هذه الأيام وبدت ردة فعلهم متباينة بين القلق والحيرة والانتقاد وبدأت حدة ردة فعلى تظهر أحيانا. الحالة النفسية تنحى نحو الايجابية مع التدين وممارسة الرياضة ولكن في وجود التلفاز والمذيعات الجميلات وشيئا فشيئا الأفلام الفاضحة تزداد الأمور سوءا، عندما أنظر للمستقبل لا أرى نفسي طبيبا، وأما عن الانسحاب فليست حالتي النفسية إزاءه بأحسن حالا, فإن انسحبت فليس أمامي الدخول إلى العمل الحر وستنتهي آمالي في النمو الفكري والثقافي كما أنه لا توجد لدى فكرة عما سأفعله وهذا أيضا من أسباب تعاستي, وخيار الهجرة دائما يلح على دماغي فلن يكون لدى ما أفعله في بلدي هذه. يمكن إلى حد ما السيطرة على الحزن والانفعال بتلاوة القرآن والتدين الصادق ولكن الطموح والتوافق النفسي مع الدراسة والشغف العلمي لا يمكن إدراكهما بذلك، لقد تخرج أقراني من كلية الطب فضلا عن باقي الكليات ومنهم من تزوج، وهذا مما يزيد في حزني. أما عن الحال مع العائلة فبدأ الوضع يزداد سوءا ففي عقب كل فشل أو نهاية عام دراسي تتجدد موجة المواجهة مع الأهل ويقول لي أبى يا بنى هل قصرنا في حقك - حالة العائلة المادية ممتازة- إنهم يريدون منى أن أكمل, على كل حال المجال لا يتسع لذكر الحوارات التي دارت مع أبى وآخر شيء دار مع أبى هو أن قال وهو مغضب أنت حر إذا كنت تريد أن تعمل ولكن يجب أن تضع في اعتبارك أنك لن تبقى في البيت ويجب أن تعتمد على نفسك. والله ما أدر ما أنا صانع في حياتي يقول العلماء إن المسلم إذا همه أمر فليستخرْ ثمَّ لْيَسْـتَـشِرْ.... وهاأنذا أستشيركم، وما عساي سأفعل بعد كل هذه السنين لم تتعلق نفسي بدراسة الطب في الماضي ولا أدرى هل سيحدث ذلك مستقبلا أم لا، لا تدرى عن الهم والتعاسة والخيبة والمرارة التي أشعر بها وأنا اكتب هذه الأسطر، فقد عجزت يدي عن التعبير قبل عدة أيام قرأت مقالات عن الاكتئاب في مجلتكم الموقرة وقررت أن أرسل إليكم، وبعد كل هذا الذي ذكرته لا أدري ماذا أفعل هل أنا مصاب بالاكتئاب هل أحتاج إلى مضادات اكتئاب هل سأستمتع بدراستي ومجالي مستقبلا. إن بقى الحال على ما هو عليه الآن فهذا لا يشجع على الاستمرار, ومما يزيد الطين بله أنني محبط من كلا الطريقين اللذين أمامي- الانسحاب والاستمرار- أفكر في هذا وأفكر في هذا الأفكار تتوالى على حتى ما عاد عقلي أن يحتمل أنا بين نارين لا أدري ماذا سأفعل إذا تركت الدراسة إنني خائف من ألا أجد شيئا أعمله وخائف كذلك من أن أعيش باقي عمري جاهلا وحالتي مع الدراسة كما ذكرت آنفا في القصة السالفة الذكر أخشى ما أخشاه أن يكون استمراري في الدراسة هروبا من مواجهة الحياة العملية. وكما تلاحظون من هذه الرسالة فإن التشتت والحيرة باديان على صاحبها، أرجو عدم نشر هذه الرسالة على الإنترنت أفيدوني وانصحوني أثابكم الله وأشيروا على بما يمليه عليكم دينكم وعلمكم وأخلاقكم وعسى الله أن يجعل خلاصي على أيديكم وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
16/11/2003
الابن الكريم، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بموقعنا، لست أول من يعيش هذه الحيرة فيما يتعلق بدراسة الطب أو ترك كليته التي تضغط بصعوبة مناهجها، وطول الدراسة فيها علي نفوس البعض فيتراجعون عندما يجدون أن رغبتهم السابقة، وحلمهم التاريخي لن يتحقق إلا بالمرور عبر (رحلة أهوال)!!!، وقد تكون أعراض الاكتئاب قد تمكنت من نفسك بفعل ضغوط التردد، ومضاعفات الفشل تلو الفشل، وأوصيك بالعرض علي طبيب متخصص لتقييم حالتك من حيث احتياجك للعلاج من عدمه. أما فيما يخص دراستك بكلية الطب فأدعوك للتركيز علي الإنهاء من سنواتك التي طالت، وتجاوز التفاصيل والأسئلة الخاطئة التي مازلت تطرحها علي نفسك، والتي تربط بين التخرج في كلية الطب، وممارسته بعد ذلك. وأنا في غني عن القول بأن العديد من خريجي كلية الطب لا يمارسون المهنة، ولكنهم يحتفظون باللقب الذي يعني الوجاهة الاجتماعية والسمعة التي أري أنك تستحقها بمجهودك ومعاناتك طوال السنوات الماضية، انته من كليتك متحملا ما ينبغي علي كل طالب تحمله، وبعد الانتهاء والحصول علي الشهادة ستكون الصورة أمامك أوضح حول ما ينبغي عليك عمله، والاختيارات ستكون أكثر تحديدا، أما أن تترك الكلية الآن – وبغير بديل دراسي واضح – فأخشى أنك ستندم طوال عمرك، وتابعنا بأخبارك. ** ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الأخ السائل ومشروع الزميل الحائر (والزميل قريبا إن شاء الله)، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بصفحتنا استشارات مجانين، ما أود إضافته بعد الإجابة الشاملة لأخي وزميلي الدكتور أحمد عبد الله، هو أولاً أنني لم أجد ما يخجلُ في كل ما جاء في رسالتك، ولذلك أستأذنكَ في نشرها على صفحتنا استشارات مجانين، مع تجهيل بياناتك كلها بالطبع، كما أحيلك إلى ردنا السابق على الصفحة تحت عنوان: حيرة متفوق، بين الطب والسعادة ! وتذكر جيدا بعد كل ذلك ما استهلَّ به أخي، وزميلي الدكتور أحمد عبد الله، إجابته عليك من توصيةٍ بالعرض علي طبيب متخصص لتقييم حالتك من حيث احتياجك للعلاج من عدمه، وأهلا وسهلا بك دائما، فتابعنا بأخبارك وشاركنا بآرائك.