أرى من وجهة نظري النفسية، بأن تربية الأبناء وكذلك البنات على حد سواء أضحت من الأمور المعقدة والصعبة في حياتنا المعاصرة بل إنها من التحديات الخطيرة التي يواجهها الآباء في ظل العولمة وعصر الاتصالات الفضائية والتكنولوجيا الحديثة، لذا ينبغي علينا جميعا آباء وأمهات إدراك وتدارك هذه المعضلة والوقوف عندها كثيرا والتقرب من أطفالنا أكثر وأكثر وفتح أبواب الحوار واحتواؤهم نفسيا وعاطفي؛
ومن تلك التحديات الخطيرة التي يعاني منها الكثير من الآباء والأمهات التفريق في المعاملة بين الأبناء والبنات والميل العاطفي -لاشعوريا- لطفل دون آخر إذ أن التفريق في المعاملة قد يكون له ما يبرره من وجهة نظر الأبوين كتفوق أحد الأبناء على أقرانه وقد يكون التمييز في المعاملة من باب الشفقة والعطف كأن يكون أحد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مهما تعددت الأسباب والمبررات فقد أكدت جميع الدراسات والأبحاث النفسية والاجتماعية قديمها وحديثها أن التفريق في المعاملة بين الأطفال له تبعات وآثار نفسية سلبية على نفسية الطفل الذي يشعر بالدونية جراء تفضيل غيره عليه،
وقد أوضحت العديد من الدراسات التي أجريت على كثير من الأسر التي تميز بين الأبناء والبنات داخل الأسرة ذاتها ووجد أن ذلك يعد من أشد أنواع العنف الأسري الذي لا تقتصر أثاره السلبية على المرحلة الآنية من حياة الطفل بل قد تتراكم آثارها حتى سنين متأخرة في العمر فتقوض دعائم المجتمع وتهدم سقفه بسبب ذلك التمايز في التربية.
ومن الآثار النفسية المبكرة في الظهور انعدام الثقة في النفس وفقدان الشعور بالأمان والدفء الأسري الذي ينبغي بل ولابد من شعور الطفل به منذ نعومة أظافره، فينشأ ذلك الطفل المعنف حاقدا على ذويه ناقما على أبويه ومجتمعه وقد يفضي ذلك إلى عقوقهم والتمرد عليهم في الكبر. كما قد يكون من نتائج فقدان الثقة في النفس تدهور واضح في القدرات العقلية والمعرفية فيقل ذكاؤه تديجيا وقد يدفعه ذلك إلى التمرد كما ذكرت آنفا والانخراط مع رفقاء السوء لتعاطي المخدرات أو تشكيل عصابات لتخريب المجتمع مما يسمى اضطراب الشخصية السيكوباتية Antisocial Personality Disorder ،
ومن الآثار والاضطرابات النفسية التي قد تظهر في مراحل متقدمة من عمر وخريف الأبناء إصابتهم بالرهاب الاجتماعي والفشل في تكوين علاقات إيجابية وفعالة مع الآخرين فينعزلون، وفي حال زواجهم فإنهم سرعان ما يفشلون في خلق أجواء عائلية متزنة وهادئة وبعيدة عن المنغصات والكدر في الخاطر والمزاج،
إذن ومن قراءتي النفسية أرى أن التفريق في التربية بين الأبناء يهدم أجيالا عديدة إذ لا يقتصر أثره على الفرد بل يتعداه ليشمل كافة الجوانب الحياتية والشخصية للشخص المعنف وهي فرصة سانحة لأن أذكر نفسي وجميع الآباء والأمهات بقول مربينا ومربي البشرية صاحب الخلق القويم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال (اعدلوا بين أبنائكم).
واقرأ أيضاً:
المقترحات العشرة في تنمية مواهب الأطفال