تعريف الثناقطبي في الممارسة العملية لا يخلو هذه الأيام من الغموض، والإحصائيات حول انتشاره في المجتمع مرتبكة وفي بعض الأحيان مضللة. الثناقطبي هو اضطراب وجداني يتميز بميزة واحدة فقط وهي تاريخ نوبة هوس Mania أو نوبة هوس طفيفة Hypomania سواءً كانت واحدة أو أكثر. الارتباك يحدث في تعريف نوبة هوس أو نوبة هوس طفيفة.
إن المصطلح السابق (والذي لا يزال كثير الاستعمال) هو ذهان هوس اكتئابي Manic Depressive Psychosis والذي استحدثه أبو الطب النفسي الحديث كريبلين Kraepelin عام ١٩٢١ والذي كان يؤمن بأن مسار الاضطرابات الوجدانية على بعد واحد سواءً كانت النوبات اكتئابية أو هوسية. في الستينيات ظهر مصطلح اضطراب وجداني أحادي القطب (اكتئاب فقط) وثنائي القطب(هوس أو هوس مع اكتئاب). منذ ذلك اليوم وإلى الآن لا يزال مصطلح القطب يستعمل لوصف المسار الطولاني للاضطرابات الوجدانية. احتمال أن يتحول مسار الأحادي القطب إلى ثناقطبي هو ٢٪ واحتمال أن يتحول الثناقطبي إلى أحادي قطب هو ٢٥٪.
الطريق إلى الثناقطبي
رغم وجود مئات البحوث العلمية عن وراثة الثناقطبي والاضطرابات الوجدانية فإن العلم لم يجد إلى الآن جينات الثناقطبي. هناك مئات البحوث حول آلية وفعالية مختلف مناطق الدماغ في الثناقطبي ودور الهرمونات ولكنها أقل وضوحاً من الاكتئاب والفصام على حد سواء. تكثر ملاحظة تاريخ عائلي للثناقطبي في الممارسة السريرية ولكن هناك أيضا المريض الذي يصل إلى مراكز الطب النفسي بدون تاريخ عائلي للاضطراب.
النظريات النفسية حول الثناقطبي أقل بكثير من الاكتئاب، والسبب في ذلك هو أن نوبات الهوس لا يتم علاجها إطلاقا بالعلاج النفسي مهما كانت طفيفة، ولا يوجد سوى العقاقير. رغم ذلك فإن هناك نماذج نفسية تلقي الضوء على طريق المريض للوصول إلى نوبة هوس واضطراب الثناقطبي.
فقدان الأم قبل عمر خمسة أعوام والتعرض إلى صدمات نفسية أكثر ملاحظة في المصاب بالثناقطبي من غيره. مشاعر الاضطهاد والخوف من العنف تلاحق الإنسان في مراحل الطفولة والمراهقة ولا يقوى البعض على التعامل معها. هذه المشاعر تصل الذروة في مراحل حرجة مع دخول الإنسان النصف الثاني من أعوام المراهقة حيث تتضاعف التحديات التي تتطلب طاقة نفسية لمواجهتها. تقول بعض النظريات بأن الإنسان يلجأ إلى دفاع هوسي Manic Defence ينقله من حالة وجدانية طبيعية ضعيفة إلى موقع هوسي جديد. ذلك ما يفسر أحيانا مقاومة المريض للاستمرار في العلاج والوقاية من نوبات المستقبل. هناك أيضاً من يضيف عامل ملاحظة التاريخ العائلي للمرض لرفض المريض العلاج.
الدخول في الثناقطبي
يتغير الإنسان بصورة سريعة وتراه مبتهجاً ومتفائلاً ويتغير من شخص مكتئب إلى مرح بين ليلة وضحاها. هذا الابتهاج والمرح هو أكثر ملاحظة من العصبية والغضب التي تظهر في بعض المراجعين، وأحيانا يتقطع الشعور بالبهجة بفترات اكتئاب قصيرة.
علامات البهجة والسرور تمتد إلى ملبس الإنسان ولكنها تختفي مع زيادة فعاليته ووصوله إلى عتبة الانهيار الجسدي. لا يحتاج الى النوم ويأكل ويشرب بشراهة. تزداد الفعالية الجنسية ويصاحب ذلك التهور في العلاقات. يبدأ المريض بالتخطيط لمشاريع جديدة وبصورة عشوائية ويبذر ماله هنا وهناك. يتكلم بسرعة ويصرح عن أفكار متعددة في نفس الوقت. تتحول أفكار العظمة وارتفاع الثقة بالنفس إلى وهام العظمة، وهناك من يتصور بأنه رجل عظيم مهمته إنقاذ الآخرين. هناك أحيانا هلاوس سمعية وبصرية لا تختلف عن هلاوس الفصام. كل ذلك يحدث مع انعدام البصيرة. يصل الهوس أحياناً إلى درجة شديدة يصبح فيها الإنسان مشلولاً فكريا وحركيا ويدعى ذلك الهوس الذهولي Manic Stupor.
هناك إطارات أخرى للهوس منه الهوس الطفيف أو الخفيف وبدون أعراض ذهانية. يتم استعمال مصطلح الثناقطبي الثاني Bipolar II لوصف حالات تاريخ نوبة هوس طفيف (لا تقل مدتها عن أربعة أيام) مع تاريخ نوية اكتئاب جسيم. هناك حالات وجدانية مختلطة حيث ترى الهوس والاكتئاب في آن واحد، يتحول الثناقطبي أحيانا إلى اضطراب سريع الدوران Rapid Cycling حيث تتكرر النوبات (هوس أو اكتئاب) أربع مرات على الأقل في عام واحد، وذلك أكثر ملاحظة في الإناث ويصاحبه أحيانا ضمور الغدة الدرقية. مصطلح دوروية المزاج Cyclothymia يشير إلى عدم توازن المزاج بصورة مستمرة مع نوبات اكتئابية وهوسية طفيفة.
يلاقي الكثير من العاملين صعوبة في تمييز نوبة هوس ذهانية من نوبة فصام حادة، ولكن القاعدة العامة هي:
١- أعراض الهوس مطابقة للحالة الوجدانية ويمكن تعليلها كذلك.
٢- أعراض الفصام غير مطابقة للحالة الوجدانية ولا يمكن تفسيرها كذلك.
٣- الأعراض السالبة وضعف الاندفاع أكثر ملاحظة في الفصام المزمن.
٤- التاريخ الطبي السابق والتاريخ العائلي.
٥- وهناك أحيانا الخليط من الفصام والهوس وما نسميه الهوس الفصامي Schizomania أو الوجداني الفصامي Schizoaffective.
استعمال عقاقير محظورة قد يـؤدي أحيانا إلى حالات مرضية تشبه الهوس وما يسمى ذهان محدث بالأدوية Drug Induced Psychosis. هذه النوبات كثيرة التشخيص أحيانا ولكن القاعدة العامة بأن أكثر من نوبة ذهان واحدة بسبب العقاقير تعني وجود اضطراب ذهاني وظيفي. أعراض نوبة هوس قد تصاحب اضطرابات الجهاز العصبي العضوية المختلفة.
يلاقي البعض صعوبة في تفريق اضطراب الشخصية الحدية عن الثناقطبي. تقلبات المزاج من قطب إلى آخر في الشخصية الحدية سريعة وقصيرة ومتكررة جدا، ويمكن تعليلها بضغوط بيئية.
رحلة مع الثناقطبي
يبدأ المرض في نهاية أعوام المراهقة أو بداية العقد الثالث من العمر. الظاهرة الكثيرة الملاحظة هي تاريخ اكتئاب لعدة سنوات قبل نوبة الهوس. معدل طول نوبة الهوس بدون علاج هو ستة أشهر، وتتميز دوما بانعدام البصيرة وبالتالي فإن الإنسان يدمر نفسه ومهنته وعلاقاته الاجتماعية إذا لم يتم علاجه. ما لا يقل عن ٩٠٪ من المرضى يعاني من نوبة أخرى في المستقبل ومعدل عدد نوبات الهوس على مدى ٢٠ عاما هو عشرة والفترة ما بين نوبة وأخرى تنخفض تدريجاً.
ظهور الهوس لأول مرة بعد عمر الأربعين عاما يتطلب البحث عن أسباب عضوية والإدمان على الكحول وخاصة إذا كانت النوبات غير نموذجية العلامات والأعراض وغياب تاريخ عائلي للمرض.
الثناقطبي لا يؤثر على المريض نفسياً فحسب، والدراسات عموما تشير إلى أن الانتحار ينهي حياة ٨٪ من الذكور و٥٪ من الإناث خلال ٤٠ عاماً. الانتحار ليس هو السبب الوحيد ولكن عمر الرجل الذي يعاني منه ١٣ عاما أقل من أقرانه والمرأة ٨ أعوام أقل من أقرانها بسبب الانتحار وأمراض القلب كذلك. لذلك لابد من علاج الاضطراب بعناية.
الخروج من الثناقطبي
الحديث عن الخروج من الثناقطبي يتعلق بعلاج نوبة الهوس الحادة سواء كانت هذه النوبة طفيفة أم لا. القاعدة الأهم في علاج نوبة الهوس هي الحماية Safeguarding المريض من الهوس وحماية الآخرين منه كذلك.
تنخفض عتبة التثبيط بصورة ملحوظة وذلك قد يؤدي إلى تبذير الأموال والدخول في علاقات حميمية غير مرغوب فيها. من جهة أخرى لا يصعب استغلال الإنسان المصاب بالهوس من قبل الآخرين. انخفاض عتبة التثبيط قد يؤدي إلى تعجرفه واعتدائه على الآخرين لسبب أو لآخر. كل ذلك يعني أنه يجب معالجة المريض في مكان آمن وهو المستشفى لتجنب المخاطر، وأحيانا يعني ذلك علاجه قسرياً. الحجز على تصرفه المالي مؤقتا ضرورة في بعص الحالات.
يجب الانتباه إلى الحالة الجسدية للمريض بسبب فعاليته المفرطة، وعلاجه يتضمن ما يلي:
١- إذا كان المريض يستعمل مضاداً للاكتئاب فيجب وقف العقار.
٢- إذا كان المريض يستعمل موازناً للمزاج فيجب أولاً معايرة الجرعة إلى الأعلى قبل الخطوة الثالثة.
٣- إذا كان لا يستعمل موازناً للمزاج فالعلاج كالآتي:
• عقار هالوبيردول Haloperidol بجرعة ١٠ – ٢٠ مغم يومياً. لا يفضل خلط هذا العقار مع ملح ليثيوم ولذلك يفضل البعض بداية العلاج بعقار أولانزبين Olanzapine ١٥ – ٢٠ مغم ليلاً وأحيانا أعلى من ذلك لمن يدخن. هناك أيضاً عقار كوتايبين Quetiapine بجرعة يتم رفعها تدريجيا من ٥٠ مغم مرتين يوميا إلى ٣٠٠ مغم مرتين يوميا أو أعلى. هناك من يستعمل عقاقير أخرى من الجيل الأول (كلوبيكسول) Clopixol أو الثاني (مثل رسبيردون).
• إضافة عقار لورازيبام Lorazepam بجرعة واحد إلى ٤ مغم يوميا لتهدئة المريض.
• مع عدم التحسن يتم إضافة ملح ليثيوم أو فالبرويت Valproate(ديباكوت) بجرعة ٢٥٠ مغم ثلاثة مرات يوميا ورفع الجرعة تدريجيا إلى ٥٠٠ مغم ثلاث مرات يوميا مع قياس تركيز العقار في الدم.
يجب استمرار العلاج لمدة ستة أشهر على الأقل قبل سحب العقار تدريجيا وبعد مدة ثمانية أسابيع بدون أعراض تماما.
الاكتئاب الثناقطبي Bipolar Depression
يتم استعمال هذا المصطلح لوصف نوبات اكتئاب تتبع الهوس أو نوبات اكتئاب متكررة مع وجود تاريخ طبي واضح لنوبة هوس. التوصيات هي كالآتي:
١- عقار أولانزبين مع فلوكستين Fluoxetine أو بمفرده.
٢- عقار لامتروجين Lamotrigine.
٣- إذا كان المريض يستعمل موازناً للمزاج مثل فالبرويت أو ليثيوم فيجب مراجعة الجرعة ومعايرتها إلى الأعلى.
الوقاية من ثناقطبي
القاعدة العامة هي استعمال عقار موازن للمزاج إذا كان عدد النوبات ٣ في خمسة أعوام أو شدة تأثير النوبات على حياة الإنسان الاجتماعية والمهنية. الكثير من المرضى لا يرغب في استعمال عقار للوقاية على المدى البعيد، والعقاقير بحد ذاتها ليست خالية من أعراض جانبية على المدى البعيد. هناك أيضاً أسباب نفسية يجب التطرق إليها في الحديث مع المريض والتي تفسر مقاومته للوقاية من نوبات الهوس.
يحتاج المريض إلى تنظيم إيقاعه اليومي وتوخي الحذر من الضغوط البيئية التي تسبب الانتكاسة. تثقيف المريض حول علامات الانتكاسة المبكرة وتمييزها في غاية الأهمية.
واقرأ أيضًا:
الجنسانية الحديثة Neosexuality / العقاقير المضادة للقلق