.......(إسرائيل) الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بقرارٍ من هيئة الأمم المتحدة، وهي أكثر الدول رفضاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة، وخصوصاً القرارات المتعلقة بتصرفاتها وممارساتها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، ولعل أبرز تجليات هذا الرفض، رفض القرار الأممي 194 المتعلق بحق العودة لللاجئين الفلسطينيين، إلى أرضهم وديارهم التي شُردوا منها عُنوة وقسراً واقتلاعاً وإرهاباً وترويعاً، واليوم وحكومة الاحتلال تحتفل بالذكرى الثانية والستين لاغتصاب فلسطين أو ما يُسمى "بيوم الاستقلال"، فهي تُعلن علناً وجهراً بأنها لن تقبل بعودة أي لأجيء فلسطيني إلى الداخل الفلسطيني ـ مناطق 48 ـ، ويُعلن قادتها بكل صلفٍ وعنجهية بأنهم لن يتحملوا لا مسؤولية أخلاقية ولا سياسية عن نكبة شعبنا الفلسطيني، ويقولون بالفم المليان لن نعتذر عن الاستيلاء على صفد ويافا والقطمون، ولن نوقف البناء في القدس وغيرها، بل وأضافوا شـروطاً جديدة في مفاوضاتهم ومحادثاتهم مع السـلطـة الفلسـطينيـة، وهو شـرط اعتراف السـلطـة الفلسـطينيـة بيهوديـة الدولـة، مقابل الموافقـة على دويلـة "الكانتون" الفلسـطيني!
هم يرقصون ويحتفلون على معاناة وعذابات شعبنا وتشريده في المنافي ومخيمات اللجوء، هم يُعلنون ويُترجمون أقوالهم إلى أفعال وبدون مواربة أو خجل، بأن مشروعهم الصهيوني القائم جوهره على الاستيطان ماضٍ إلى نهاياته، وفي كل بقعة من أرض فلسطين التاريخية، لا تهمهم الأسماء والتقسيمات: ثمانية وأربعين، قدس، ضفة غربية وغيرها، فكلها عندهم ما يُسمى بـ "أرض إسرائيل"، "أرض الآباء والأجداد"، وهم تحكمهم العنجهية والعقلية التوراتية وايدولوجيا إقصاء الآخر ونفيه، وهم بكل ألوان طيفهم السياسي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين متفقين على الإستراتيجية ويختلفون على الوسائل والتفاصيل، فجميعهم يقولون "لا" قاطعة لحق العودة الفلسطيني، و"لا" للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، و"لا" لدولة فلسطينية مستقلة، ونعم لمفاوضات مارثونية مع الجانب الفلسطيني لا تمنح الفلسطينيين شيئاً، وتُعطيهم الوقت من أجل استكمال مخططاتهم ومشاريعهم في "الأسرلة" والتهويد والتطهير العرقي وتكثيف الاستيطان في كل بقعة من جغرافيا فلسطين التاريخية.
هم يحتفلون بما حققوه من انتصارات وإنجازاتهم لدولتهم على مدار اثنان وستون عاماً، هم يحتفلون بما حققوه من قوة ردع في المنطقة، جعلت من دولتهم الآمر الناهي في المنطقة، طائراتها وصواريخها وفرق اغتيالاتها تصل إلى أي عاصمة عربية، تقصف، تقتل، تغتال وتُدمر، دون أي رد أو مقاومة، بل توعد بالمزيد من القتل والدمار، في فرعنة غير مسبوقة في التاريخ، حتى أن (بارك) هدد بإعادة سوريا إلى العصر الحجري، إذا ما هاجم "حزب الله" اللبناني (إسرائيل) أو تحرش بها، أو أستخدم حقه المشروع في الدفاع عن الأراضي اللبنانية إذا ما اخترقت أجوائها الطائرات الإسرائيلية.
نعم قياداتهم وأحزابهم تتبارى وتتسابق في الإنجازات، في البناء والاستيطان، في تقديم وإقرار القرارات والقوانين العنصرية، التي تستهدف الشعب الفلسطيني في كل تجمعاته.
هم يُقدسـون العمل والفعل، ونحن نُقدس الخطب والشـعارات، هم يتفقون على الإسـتراتيجيـة ومصلحـة الدولـة، ونحن نقتتل على وهم سـلطـة لا تمتلك من مقومات السـيادة شـيء، هم يدخلون كتاب "غينيتـس" للأرقام القياسـيـة من باب الاختراعات والاكتشـافات والصناعات، ونحن ندخلها من باب "الطبيخ" لأكبر صحن "منسـف" وأكبر صحن حمُص وأكبر "سـدر" كنافـة وأكبر "سـدر منسـف".... إلخ، من أنواع الحلويات والمأكولات...
هم يرسـمون إسـتراتيجياتهم ويُخططون لعشـرات السـنين في كل مناحي الحياة؛ من الأمن إلى السـياسـة فالاقتصاد فالديموغرافيا... إلخ، ونحن لا يوجد لدينا لا خطط ولا إسـتراتيجيات، بل أفعالنا تكون مبنيـة في الكثير من الأحيان على ردات فعل على ما يقومون به ويُنفذونـه. أو نضع خطط وبرامج لا تنطلق ولا تسـتند إلى الواقع، بل عبارة عن شـطحات وقفزات في الهواء أو حظها من التنفيذ كحظ إبليـس في الجنـة!
هم أعداءنا وحققوا حُلمهم بإقامة دولة لهم على أرضنا وكبديل لشعبنا في أقل من مئة عام، أما نحن فمشروعنا الوطني وحُلمنا في الحرية والاستقلال، فإنه مُتعثر بل ويتراجع، ليس فقط بقوة وصعوبة الظروف والعوامل الموضوعية المحيطة، بل جزء أساسي من ذلك سببه في طبيعة ورؤية وتفكير وعقلية وسلوك قيادتنا، هذه القيادة التي تقود مشروعنا الوطني نحو الدمار والانتحار الذاتي، بفعل سياسات الانقسام والحرب على السلطة والمراكز والأجندات غير الفلسطينية، آن لها أن ترحل عن صدر شعبنا، آن لها أن تقف وقفة شجاعة أمام ذاتها، أمام أخطائها، أمام عجزها وعدم قدرتها على تحقيق الإنجاز، فالتاريخ والشعب لن يرحمها.
في هذا اليوم الذي يرفعون فيه أعلامهم وراياتهم البيضاء والزرقاء ابتهاجاً واحتفالا، ونحن نرفع راياتنا السوداء حداداً وحزناً، لا بد لنا من التأكيد على أن حق العودة لشعبنا كحق فردي وجمعي وقانوني وشرعي وتاريخي، هو جوهر مشروعنا الوطني، وهو العصب الرئيس الذي يتوقف عليه إنهاء الصراع، وبدون حلٍ عادلٍ لهذا الحق ووفق القرار الأممي 194، فإن هذا الصراع كما قال الراحل حكيم الثورة جورج حبش، سيستمر مئات الأعوام، والتاريخ لم يكشف أو يعرف شعباً خان أو تخلى عن مشروعه وحُلمه الوطني.
إن (إسـرائيل) لا تتنكر لمقررات الشـرعيـة الدوليـة فقط، بل وتتنكر لقرارات محاكمها، فهي ترفض عودة مهجري قريتي برعم وإقرث إلى قُراهم، وعلَّل مجلـس الوزراء الإسـرائيلي الذي أجتمع لهذه الغايـة في 23/07/1992 هذا الرفض، حتى لا يكون سـابقـة يسـتغلها باقي سـكان القُرى المهجرة من أجل العودة لقُراهم، وحتى لا تضعف الأيديولوجيـة الاستيطانية التوسـعيـة والقائمـة على طرد العرب وتهجيرهم.
في هذا اليوم الذي يحتفلون به، بما يُسمى "يوم استقلالهم"، يوم نكبة شعبنا وتشريده في المنافي ومخيمات اللجوء، وفي هذه المرحلة الخطيرة جداً، والتي يتعرض فيها مشروعنا الوطني إلى مخاطر التصفية والتبديد والضياع والمشاريع البديلة، بفعل استمرار سياسات الانقسام والانفصال وغياب الرؤيا والإستراتيجية الموحدة، فإنه من الهام جداً تغليب مصلحة الوطن والشعب على المصالح الفئوية والأجندات الخاصة، والشروع في حوارٍ وطني جدي ومُثمر يستند إلى التوقيع على الورقة المصرية وثيقة الوفاق الوطني ـ وثيقة الأسرى ـ واتفاق القاهرة/ آذار2005 وغيرها.
وبدون ذلك فإن ما ينتظر شعبنا المزيد من الانقسام والضعف الداخلي، والمزيد من مشاريع التهويد و"الأسرلة" وتكثيف الاستيطان، والتي ستقضي على حُلم شعبنا في العودة وحق تقرير المصير والدولة المستقلة.
______________________________
(إسـرائيل) في أيـة مواجهـة حقيقيـة لن تعود إلى العصر الحجري، لأنها ببسـاطـة لم تكن موجودة في ذلك العصر ولا بعده، كنا نحن الموجودين آنذاك.
(إسـرائيل) طارئ على التاريخ والجغرافيا، والطارئ لا ماضٍ له ولا مسـتقبل.
واقرأ أيضاً:
السياسة الإسرائيلية الأمريكية والموقف المطلوب/ ما بعد إسرائيل: بداية التوراة ونهاية الصهيونية/ إسرائيل دولة ديمقراطية!!!!/ هذه هي إسرائيل الطيبة يا مستر بوش.../ هذه هي العنصرية النازية الإسرائيلية الأمريكية..