لابدّ أن نقف في الخامس عشر من أيار/ مايو من كلّ عام أمام ذكرى الحريق النازي الصهيوني الذي شبّ مُخلفاً نكبة فلسطين التي استتبعت تشريد ولجوء شعبنا الفلسطينيّ في كلّ بقاع الدنيا، كي تقوم على أرضنا التي اغتصبها الصهاينة، بمساعدة ومباركة بريطانيا وسواها، "دولة الظلام" أو "كيان الاغتصاب" الذي أُطلق عليه (إسرائيل) وهي مفردة تعني بالتحديد الزوال كما تعني "الكيان المؤقت" و"الدولة المصطنعة" ومثل هذه المعاني لم يفكر بها من أقاموا الكيان، ولو فكروا بها للحظة واحدة لاقتنعوا بأنهم زائلون وأنّ كل ما يقومون به إنما هو مؤقت لا ديمومة له، كونه يسير بخطوات ثابتة نحو الغروب، والانكسار والانحسار.. وإذا كانوا، أقصد الزائلين، يحتفلون بإقامة كيان الزوال!! فإننا نُحيي الذكرى، ذكرى البُعد عن الدار، والرحيل المرّ عن الوطن، والدموع التي سالت معانقة كلّ حبة تراب من فلسطين، ذات وداع.. لنقول للعالم كله، ونحن أكثر ثقة مما يقوله اليقين، ومما يؤكـّده الإصرار، أننا نُشعل شموع العودة كل عام، بل كل لحظة، وكلّ دقيقة، مصرّين على أننا سنعود، وهذه العودة ليست مجرد كلمة، وليست مجرد قصيدة، إنما هي شيء منظور محسوس نمضي إليه بكلّ أعمارنا ووجودنا وساعاتنا البيولوجية والنفسية، مؤمنين أنّ الفلسطينيّ مرتبط بمفردة العودة ارتباط الشريان بدمه، والقلب بنبضه، والجسد بروحه..
منذ النكبة التي وقعت في 15/05/1948 ونحن مقيمون على العهد، لم يتحمل شعب كما تحملنا، لم يذق شعب ما ذقناه، لم يمرّ شعبٌ بما مررنا به، لم يعرف شعب في العالم كله ما عرفناه من الغربة والتشرّد والإقامة المؤقتة في بلاد وبلاد ثم بلاد، كل ذلك كان وما زال قائماً مستمراً، ومعه وفيه بل خلاله، سطوع إصرارنا على أننا لا يمكن أن نلين، ولا يمكن أن نُسقط مفردة واحدة من مفردات الذاكرة الفلسطينية المؤمنة أنّ فلسـطين لن تكون في يوم من الأيام إلا للفلسـطينيين، وأنّ دولـة أو كيان الاغتصاب شـيء محكوم عليـه بالزوال، احتفلوا بذلك أم لم يحتفلوا، أقاموا الأفراح أم لم يُقيموها، فهم مع كل يوم جديد يقتربون من رحيلهم وزوالهم واندثارهم وغيابهم عن أرض سرقوها، بينما نقترب ونمضي ونضع القدم بثقة على درب العودة.. والرهان لا يحتاج إلى براهين، كوننا أصحاب الحق والأرض والبيوت والشـوارع والوطن الفلسـطينيّ.. كل هذا يُعطينا الشرعية المطلقة بأن نُشعل شموعنا احتفاءً بيوم عودتنا، وإصراراً على أننا شعب لا يعرف ولا يمكن أن يعرف غير اليقين بأنّ فلسطين لنا وستبقى لنا مهما طال الزمن..
قد يجد البعض أنّ السياسة تلعب لعبتها في القبول بشيء من حقنا على حساب ضياع أشياء..!! وقد يجدون أنّ السياسيين ماضون مسرعون في ركوب مراكب المفاوضات على هذا الجزء أو ذاك من وطننا الحبيب فلسطين.. لكننا نقول بكلّ ثقة، وبتأكيد كبير وإصرار لا ينطوي، إنّ للسـاسـة ما يقومون بـه، وللشـعب ما يؤمن بـه.. فإذا كانوا يظنون أننا سـنقبل بأن نتخلى عن شـبر واحد من فلسـطين، فهم واهمون ذاهبون فيما يُشـبـه الحُلم أو التخيل، إذ كيف نرضى كشعب فلسطيني قدم ما قدم، وذاق ما ذاق، وتحمل ما تحمل، أن نتخلى عن شبر من فلسطين، أو عن حبة تراب واحدة..؟؟ هذا شيء لا يمكن أن يكون في مفهوم الشعوب الحية المناضلة ثرة العطاء.. والشعب الفلسطينيّ شعب حي، شعب معطاء، له مطلب واحد لا يتغير ولن يتغير، وهو العودة إلى فلسطين، كامل فلسطين.. والعودة تعني زوال كيان غريب مصطنع، هذا ما نؤمن به، ولن نرضى أو نؤمن بغيره..
اقرأ أيضاً:
لا سـلام صدقوني!!/ الفلسطينيّ أين؟؟!! / شجرة الدار / ذاكرة شعب/ كل رمضان وغزة بخير/ وطن بحجم الذاكرة!!/ صباح البحر الأبيض/ درّة فلسطين ياسمين شملاوي/ فلسطين أوتار الشوق والحنين