حفر جدي أول بئر مياه في قرية بيت دراس سنة 1928، وأنشأ بيارة على مساحة مائة دونم، وكانت مدرسة القرية تُغلق أبوابها في موسم القطاف، ليُشارك الطلاب في لف البرتقال الفلسطيني المصدر إلى أوروبا. ومن مفارقات القدر؛ أن جدي مات بعد أربعين عاماً، في مخيم خان يونس للاجئين سنة 1968، مات في غرفة قرميد، ولا يمتلك من الدنيا غير فرشة "شرايط" بالية، وبطانية، وبطاقة تموين، مات جدي جائعاً عارياً خائباً من العالم الذي تآمر عليه مع اليهود، فأخذوا منه كل شيء، وتركوه وأمثاله في مخيمات اللاجئين.
حق جدي وأمثالـه وأحفادهم بأرضهم لا يبلى بالتقادم، ولا ينتهي، ولا يحق لأي فلسـطيني مهما كان أن يتنازل عن حق أجدادنا، ولا يجوز لأي فلسـطيني أنى كان أن يتنكر لحقوقنا التاريخيـة في كل فلسـطين، ليقول: إن لدولة (إسـرائيل) "الحق" في الحياة!
قد أجد مبرراً للأمريكي الذي اعترف بدولـة (إسـرائيل)، ولا أغضب من الإنكليزي لو اعترف (بإسـرائيل)، ولا ألوم الصيني، ولا أعتب على الروسـي، ولا أُحارب التركي، أو الهندي لو اعترف (بإسـرائيل)، فهو لم يرتبط بالمكان، ولم يتفاعل وجدانياً بالأرض الفلسـطينيـة، ولبعضهم حسـابات سـياسـيـة، ولكنني لا أجد مبرراً لأي فلسـطيني ليقول: اعترف (بإسـرائل)!!!
فماذا نُسـمي هذا "الفلسـطيني" الذي يعترف بمدينـة يافا، وحيفا، وعسـقلان، ومدينـة عكا، وصفد "أرضاً إسـرائيليـة"!؟ ماذا نُسـمي هذا "الفلسـطيني" الذي اعترف بأرضنا المغتصبـة سـنـة 1948 "دولـة" (لإسـرائيل)!؟ وبغض النظر عن موقعـه الوظيفي، وبغض النظر عن تنظيمـه السـياسـي، وبغض النظر عن مواصفاتـه، وعن مكانتـه الاجتماعيـة، ماذا نُسـمي الذي يتخلى عن حقوقنا!!؟؟
سمني ما شئت، وقُل عني: "متطرف"، وقل عن أمثالي لا يفقهون في السياسة، وقل عن أمثالي الذي يرفضون الاعتراف (بإسرائيل): عملاء لإيران، أو (لأردوغان)، وأغبياء متشنجون، ومندسون، وغوغائيون، وقُل: إننا شيعة، وقل: من جماعة بن لادن! قُل ما تريد، إنما نحن نقول عن أي فلسـطيني يعترف (بإسـرائيل) ضمن حدود سـنـة 1967، نقول: لقد تخلى عن حق الأجداد، واسـتخف بدم الشـهداء، وتنّكر لعذاب الأسـرى، وضحّى بالتاريخ الفلسـطيني، وفرَّط بالثوابت الوطنيـة. فبالله عليكم؛ من كانت هذه صفاته! ماذا نُسمّيه؟
هذا هو جوهر الخلاف. لأصير جندياً في جيش من يقول: لن أعترف (بإسرائيل).
اقرأ أيضاً:
حملات التحريض العربية لخنق حماس/ فضيحة صمت العرب أمام استقلال كوسوفو / الغزو الأمريكي للعراق.. وعسى أن تكرهوا شيئاً/ نقد السلفيين للديمقراطية/ السلفيون العرب ومأساة غزة