الانتحار بين المرض والاختيار : الجزء الأول
العوامل المصاحبة أو المؤثرة في حالات الانتحار :
1- السن: الأصغر سناً أكثر تهديداً بالانتحار لكن الأكبر سناً أكثر تنفيذاً له .
2- الجنس: النساء أكثر تهديداً بالانتحار والرجال أكثر تنفيذا له (المنتحرون من الرجال ضعف المنتحرات من النساء)
3- الحاله الاجتماعية : المتزوجون أقل انتحاراً من غير المتزوجين .
4- التدين: المتدينون أقل انتحاراً من غير المتدينين، ومعدلات الانتحار أقل في المسلمين واليهود والكاثوليك مقارنه بالبروتستانت .
وهذه ملحوظة هامة نشهدها في تعاملنا مع المرضى ذوي الميول الانتحارية حين نسألهم عن نواياهم الانتحارية فيقرون بوجودها، ثم نسألهم: وما الذي منعكم من الانتحار؟.. وتكون الإجابة دائماً : الخوف من الله . ففي النصوص الدينية نهي عن قتل النفس وتحذير من عواقب قتلها . يقول تعالى (( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * َمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً)) (النساء 29 -30)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((من قتل نفسه بشي عذب به يوم القيامة )) (رواه البخاري ومسلم)
ويقول أيضاً: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً . ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم مخلداً فيها أبداً . ومن نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )) (مخرج في الصحيحين)
وهذا الموقف الديني الحاسم من مسألة قتل النفس كان له أثر كبير في انخفاض معدلات الانتحار في الدول الإسلامية بشكل عام . وهناك اختلافات بين الطوائف الدينية من حيث معدلات الانتحار طبقاً لمعتقدات كل طائفة ودرجة الترابط الاجتماعي بينهما. ويبدو أن حاله التدين لدى الإنسان تعطيه دعماً روحياً واجتماعياً يجعله لا يسقط في قاع اليأس والقنوط، وتعطيه حالة من الرضا تجعله يتقبل إحباطاته ومعاناته بدرجه أفضل من غير المتدين، وتعطيه أملاً في انفراج الأزمة مهما اشتد حصارها .
5- العرق (السلالة): البيض أكثر انتحاراً من السود. والانتحار يكون أقل بين الأقليات والمجموعات العرقية المترابطة، وتكون نسبته أكثر في المهاجرين .
6- الوظيفة: أعلى نسبه للانتحار توجد بين المهنيين Professionals وعلى رأسهم الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والموسيقيين وضباط تنفيذ الأحكام والمحامين والعاملين في شركات التأمين وتوجد أعلى نسبه للانتحار في الطبيبات (41 حاله انتحار في كل 100,000) وخاصة غير المتزوجات يليها الأطباء الذكور ( 36 في كل 100,000) . وأعلى نسبه انتحار بين الأطباء تحدث في الأطباء النفسانيين ثم أطباء العيون ثم أطباء التخدير . وعلى الجانب الآخر تزيد معدلات الانتحار في العاطلين.
7- المستوى الاجتماعي: تزداد معدلات الانتحار في المستويات الاجتماعية الأعلى، وفي المدن أكثر من القرى .
8- الحالة الصحية الجسمانية : المرضى المزمنون والمصابون بأمراض مستعصية كالإيدز والسرطان وغيرها يكونون أكثر عرضه للانتحار من غيرهم .
9- الحالة الصحية النفسية : يعتبر المرض النفسي من أقوى الدوافع نحو الانتحار ويدل على ذلك الإحصاءات التالية :
… تزيد خطورة الانتحار في المرضى النفسيين من 3-12 مرة بالمقارنة بعموم الناس .
… نسبه الانتحار بين مرضى الاكتئاب من 15 - 18,9% وأخطر الحالات النفسية من ناحية القابلية للانتحار هي نوبات الاكتئاب الجسيم. والمكتئبون يكونون أكثر عرضه للانتحار في بداية الشفاء حيث تتحسن قدرتهم على الحركة بسبب تأثير الدواء قبل أن تتحسن الحالة المزاجية بشكل كاف لذلك يصبح المكتئب قادراً على تنفيذ الانتحار من ذي قبل وأهم الأعراض التي تدفع المكتئب للانتحار هي انعدام الأمل وانعدام الحيلة، وتظهران في صورة أرق في النوم، وإهمال للنظافة الشخصية وضعف في الذاكرة.
… نسبه الانتحار بين مرضى الفصام (الشيزوفرينيا) 10% ووجد أنه كانت توجد أعراض اكتئابية في ثلثي مرضى الفصام المنتحرين .
… نسبه الانتحار بين المدمنين 15%
… نسبه الانتحار بين حالات اضطرابات الشخصية تتفاوت حسب نوع اضطراب الشخصية ولكنها في مجملها أعلى من عموم الناس .
وهناك مجموعتان رئيستان خطرتان :
الأولى: مجموعه الاضطرابات النفسية (الاكتئاب والفصام والإدمان) والثانية مجموعه مترددة بشكل متكرر على مستشفيات الطوارئ وهذه المعدلات للانتحار بين المرضى قد سجلت في المجتمع الأمريكي، وللآسف لا توجد إحصاءات كافيه في المجتمعات العربية للمقارنة حتى الآن، ولكن العاملون في مجال الطب النفسي يلحظون أن معدلات الانتحار بين المرضى النفسيين في تلك المجتمعات اقل بكثير من المعدلات الغربية ويفسر هذا بقوة العامل الديني ووجود قدر كاف من الترابط الأسري والاجتماعي .واختلاف معدلات الانتحار بين المرض النفسيين في المجتمعات المختلفة تنفي فكرة الاضطرار للانتحار لدى المريض النفسي بسبب المرض وتؤكد فكرة أن قرار الانتحار تحيط به عوامل كثيرة يكون المرض أحدها .
10- محاولات الانتحار السابقة: هي أفضل مؤشر لمعرفة مدى خطورة الحالة. وحين ندرس المحاولات السابقة للانتحار فإننا نركز على شيئين هامين للغاية :
أولاهما : نية المريض في أن يموت ،وهي تظهر من خلال تعبيراته وسلوكياته والتي تبرز مدى رغبه الشخص وعزمه وإصراره على أن يموت .
ثانيهما: جديه المحاولة، فمثلا إذا كان قد حاول أن يلقي بنفسه من الدور العاشر في ظروف لم يكن أحد موجود بالمكان وإنما اكتشف مصادفة، أو حاول قتل نفسه بمسدس أو إشعال النار في جسده، فكل هذه المؤشرات على خطورة وجديه المحاولة، وهي مؤشر على أن هذا الشخص معرض وبشده للانتحار.
فقد وجد أن 40% من المكتئبين الذين انتحروا كانت لهم محاولة سابقه للانتحار . ووجد أيضاً أن 10% ممن قاموا بمحاولات انتحار قد انتحروا فعلاً في خلال السنوات العشر التالية للمحاولة
11- الطقس: لا يوجد موسم معين خاص بالانتحار ولكن لوحظ زيادة بسيطة في معدلات الانتحار في الربيع والخريف .
أسباب الانتحار :
(1) عوامل اجتماعية :
حاول عالم الاجتماع إميل دوركايم أن يستقرئ حالات الانتحار في نهاية القرن التاسع عشر وتوصل إلى تقسيم لحالات الانتحار طبقاً للموقف الاجتماعي :
1- الانتحار الأناني ( Egoistic Suicide ) : وهنا يكون المنتحر في حالة عزلة وليست له ارتباطات بأي مجموعات اجتماعية وهذا يؤكد زيادة الانتحار بين غير المتزوجين، وزيادة الانتحار في المدن أكثر من القرى وزيادة الانتحار في المجموعات الدينية الأقل ترابطاً كالبروتستانت مقارنه بالمجموعات الدينية الأكثر ترابطاً كالمسلمين والكاثوليك .
2- الانتحار الايثاري:- ( Altruistic Suicide ) : وهنا يحدث العكس حيث نرى المنتحر شديد الانتماء إلى مجموعته وهو لذلك يضحي بنفسه من أجلها، ومثال على ذلك الجندي الذي يدفع نفسه للموت في المعركة في سبيل وطنه.
3- الانتحار الشاذ ( Anomic Suicide ) : والذي تضطرب وتتشوه فيه العلاقة بين الشخص والمجتمع لذلك يسلك سلوكاً مناقضاً للأعراف والتقاليد أو غريباً عليهما. وهذا الشذوذ يمكن أن يحدث من جانب الشخص حين يمر بظروف مادية شديدة الاضطراب تجعله مضطراً للخروج من السياق الاجتماعي المألوف، أو أن يحدث هذا من جانب المجتمع في مراحل الانهيارات والتحولات الاجتماعية المفاجئة.
(2) عوامل نفسيه :
1- نظريه فرويد:
يرى فرويد أن الانتحار هو عدوان موجه إلى الداخل يستهدف موضوع للحب تم استدماجه وثارت نحوه مشاعر متناقضة من الحب والكره ، فمثلا الشخص الذي يستدمج صورة أمه بداخله ولكنه يشعر نحوها بخليط من مشاعر الحب لرعايتها له ومشاعر الغضب والعدوان بسبب حرمانه منها في فترات معينه أو بسبب إحباطها له في مواقف أخرى، ولذلك فهو حين يقتل نفسه فإنه في الحقيقة يوجه العدوان نحو الأمم المستدمجة في داخله نظراً لغضبه وإحباطه منها . إذن فقتل النفس هنا يعني قتل شخص آخر داخل هذه النفس .
2- نظرية ميننجر:
وقد بنى كارل ميننجر نظريته على تصورات فرويد وأصدر كتابه "الإنسان ضد نفسه" وأوضح فيه أن الانتحار هو قتل مرتد ( Retroflexed Murder ) قتل مقلوب ( Inverted Homicide ) نتيجة لغضب المنتحر من شخص آخر فيقوم بتحويل هذا الغضب إلى داخله)، أو انه ينتحر عقاباً لنفسه على وجود هذا العدوان بداخله نحو هذا الشخص. وقد قسم ميننجر العدوان في الانتحار إلى ثلاثة عناصر: رغبه الشخص في أن يقتل، ورغبته في أن يُقتل ورغبته في أن يموت.
3- النظريات الحديثة :
أصحاب هذه النظريات الأحداث لا يوافقون على أن للانتحار ديناميات نفسية خاصة أو أن شخصيات معينه تكون أكثر عرضة للانتحار، ولكنهم يعتقدون أننا يمكن أن نتعلم الكثير عن ديناميات الانتحار بشكل مباشر من تخيلات الأشخاص الذين قاموا بالانتحار لما سوف يحدث لهم إذا هم أقدموا على ذلك. ومن خلال الدراسات الاسترجاعية لتاريخ الأشخاص المنتحرين وجد أنه كانت لديهم التخيلات التالية: الرغبة في الانتقام أو القوه والسيطرة أو العقاب. الرغبة في التكفير أو التعويض أو التضحية أو العودة أو الهرب أو النوم أو الإنقاذ أو الولادة من جديد أو التوحد مع أحد الموتى الأعزاء أو الحياة الجديدة .
وكما يبدو فإن هذه الخيالات براقة ومغرية للشخص الذي ينوي الانتحار، ويساعده على تنفيذها أو تفعليها أن يكون واقعاً تحت معاناة نتيجة فقد شخص أو شيء عزيز أو نتيجة جرح نرجسي مؤلم ( كالفنانة التي فقدت اهتمام الناس بها نتيجة تقدمها في السن ومرضها) أو يكون مشحوناً بمشاعر طاغية من الغضب والإحساس بالذنب، أو يكون متوحداً مع شخص آخر منتحر ( كالشاب الذي انتحر بعد انتحار أخيه الأكبر الذي كان يحبه). أما عمليات الانتحار الجماعية فيمكن تفسيرها بواسطة ديناميات الجماعة من الإيحاء والانقياد وضغط المجموعة والتوحد والمحاكاة.... الخ .
(3) عوامل بيولوجية :
1- الوراثة :
من الملاحظ إكلينيكيا أن هناك عائلات يكثر فيها الانتحار والمثل الشهير لذلك عائلة إرنست همنجواي الروائي الشهير فقد انتحر همنجواي وانتحرت أخته وانتحر الأب قبلها، وانتحر أشخاص آخرون في العائلة. وبدراسة التوائم المتماثلة وجد أن هناك 9 حالات فقط انتحر فيها التوأمان من بين 51 حالة أي بنسبة تقترب من 20 % في حين أن التوائم غير المتماثلة لم يحدث أي اتفاق في الانتحار بين التوأمين. وهذا يشير إلى احتمالات الوراثة الجينية ولكن بشكل جزئي وغير حتمي ويحتاج إلى عوامل أخرى تؤكده.
وقد وجد أن معدل الانتحار في أقارب الدرجة الأولى للمرضى النفسيين يزيد 8 مرات عن معدل الانتحار بين سائر الناس.
ويمكن أن تكون الجينات الخاصة بالانتحار جينات منفصلة تؤدي إلى نوع من السلوك الاندفاعي من خلال اضطراب في مستوى مادة السيروتونين في المخ أو تكون هي نفس جينات الاضطرابات النفسية كالاكتئاب وإدمان المخدرات والفصام واضطرابات الشخصية.
2- الكيمياء العصبية :
اتضح من خلال الدراسات أن مستوى السيروتونين ينخفض في مرضى الاكتئاب الذين يحاولون الانتحار ويتم رصد هذا الانخفاض بقياس مادة ( 5 - هيدروكسي إندول أسيتيك أسيد ) في السائل النخاعي وقد وجدت علاقة ارتباط بين انخفاض السيروتونين والسلوكيات الاندفاعية والعدوانية. ووجد في بعض الحالات ارتفاع مستوى الكورتيزول في البول، وعدم استجابة الغدة الدرقية للتأثير المحفز لهرمون TSH.. الخ.
3- الاضطرابات العضوية :
تزيد معدلات الانتحار في وجود الأمراض العضوية التالية :
" السرطان: خاصة سرطان الثدي والأعضاء التناسلية .
" أمراض الجهاز العصبي: مثل الصرع والتليف المتناثر، وإصابات الرأس واضطرابات الدورة الدموية المخية ومرض هنتجتون والعته والإيدز. وقد وجد أن هذه الأمراض جميعاً يحدث معها اضطرابات في المزاج.
" اضطرابات الغدد الصماء : مثل مرض كوشنج، فقد الشهية العصبي، زملة كلينفيلتر والبورفيريا (أيضاً معها اضطراب في المزاج).
" اضطرابات الجهاز الهضمي: مثل قرحه المعدة وتليف الكبد (لاحظ أن هذين الاضطرابين يمكن أن يوجدا أيضاً في الكحوليين)
" اضطرابات الجهاز البولي والتناسلي: مثل تضخم البروستاتا وحالات الفشل الكلوي والحالات الخاضعة للغسيل الكلوي.
4- الأدوية :
هناك الكثير من الأدوية المتداولة والتي يمكن أن تؤدي إلى حالات اكتئاب شديدة تكون مصحوبة برغبة في الانتحار في أشخاص يعيشون حياة عادية ولا يوجد في ظروفهم الخاصة والعامة ما يبرر هذا الاكتئاب وما يصاحبه من رغبة شديدة في الانتحار. وللأسف فإن هذه الأدوية كثيرة التداول ومع ذلك لا ينتبه لتأثيرها الكثير من الناس، ونذكر منها أدوية الضغط وأدوية القلب ومضادات الروماتيزم والكورتيزونات وأدوية علاج السرطان... إلخ .
توقع الانتحار :
نحن لا نملك أن نفعل شيئاً لأولئك الذين ماتوا منتحرين، ولكننا نستطيع أن نفعل الكثير للأشخاص المعرضين للتفكير في الانتحار أو محاولات الانتحار، وخاصة أنه في 70% في حالات الانتحار كانت توجد علامات إنذار ولكن أحداً لم ينتبه إليها أو لم يدرك مدى خطورتها، وهناك فترة حضانة لفكرة الانتحار قد تبلغ 3 شهور أو أكثر. وبناءاً على دراسات عديدة أجريت تم وضع علامات الخطر مرتبة حسب أهميتها كالتالي:
1- السن: كلما زاد السن عن 45 سنة كان ذلك مصدر خطر .
2- تعاطي الكحوليات : حيث تزيد نسبة الانتحار فيهم 50 مرة عن عموم الناس .
3- الاستثارة والغضب والعنف
4- محاولات انتحارية سابقة : خاصة إذا استخدمت فيها وسائل شديدة الخطورة كالأسلحة النارية أو السقوط من عل أو الشنق .
5- الذكورة: حيث أن الرجال أكثر إقداماً على الانتحار كما ذكرنا من قبل .
6- رفض المساعدة .
7- طول مدة نوبة الاكتئاب أكثر من المعتاد.
8- تاريخ سابق للدخول في مصحة نفسية.
9- فقد شيء غالٍ أو الافتراق عن شخص عزيز في الفترة الأخيرة .
10- الاكتئاب خاصة نوبات الاكتئاب الجسيم.
11- فقد الصحة الجسمانية.
12- عدم وجود عمل أو الإحالة للمعاش.
13- شخص أعزب أو أرمل أو مطلق.
هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في مثل هذه الظروف لابد وأن ننتبه إليهم وأن يسألهم الطبيب النفسي المعالج بشكل واضح وصريح عن أفكارهم نحو الموت ثم يستفسر عن أية خطط في أذهانهم للانتحار ثم يستفسر عن محاولات الانتحار السابقة بالتفصيل، ثم يبحث في مصادر التدعيم الذاتية للشخص مثل إنجازاته الحياتية السابقة وبصيرته ومشاعره ثم مصادر التدعيم الاجتماعية مثل الأسرة أو الأصدقاء أو الجمعيات الخيرية المساندة، وبناءً على ذلك يقرر الخطوات التالية المطلوبة لمساعدة هذا الشخص.
والعرضان الأشد خطورة هما الإحساس بفقدان الأمل (Hopelessness) والإحساس بقلة الحيلة (Helplessness) فإذا ظهر على أي شخص منفصلين أو مجتمعين وجب علينا الانتباه .
وأحياناً نجد أن الشخص الذي كان كثير الشكوى وكثير التهديد بالانتحار فجأة أصبح هادئاً ويبدو راضياً على غير عادته ولا يتكلم كثيراً ولا تبدو عليه علامات الاضطراب التي عهدناها فيه من قبل. هذه الحالة يجب أن تثير اهتمامنا لأن كثيرين ممن قاموا بالانتحار وصلوا إلى هذه الحالة من الهدوء والرضا بعد اتخاذهم قرار الانتحار وظلوا على هذه الحالة عدة أيام قبل التنفيذ، وهذا مما يحير المحيطين بهم حيث يقولون :
"إنها كانت في أحسن حالة في الأيام الأخيرة ولم يكن يبدو عليها أي علامات اضطراب" .
وهناك عرض آخر يقوم به من قرروا الانتحار وهو الاتصال ببعض الأصدقاء وحين يرد الصديق لا يجد الشخص شيئاً يقوله فيضع السماعة، أو يضعها قبل أن يتمكن الطرف الآخر من الرد . وكأنها صرخات استغاثة يائسة.
التعامل مع الحالات المعرضة للانتحار :
بعد دراسة تاريخ الحالة المرضي ودراسة عوامل التدعيم والمساندة المحيطة بالشخص والقيام بالفحوصات الطبية اللازمة يقرر الطبيب النفسي، إذا كان المريض يحتاج لدخول مصحة نفسية أو أنه سوف يعالج من اضطراباته النفسية وهو وسط أسرته.
فإذا لم يكن هناك دعماً أسرياً كافياً، أو كانت تصرفات المريض مندفعة وفجائية أو كان يعاني من اضطرابات نفسية شديدة، أو كان غير قادر على تناول الطعام والشراب بشكل كاف، فإن هذا المريض لابد وأن يوضع في المصحة النفسية تحت ملاحظة شخصية لصيقة طوال الوقت ولا يترك وحده حتى أثناء النوم أو أثناء دخول الحمام، لأن هذا المريض ينتظر أي لحظة مناسبة لتنفيذ فكرة الانتحار وبعضهم كان ينتظر تغيير دوريات التمريض أو لحظة دخول الحمام أو أي غفلة ولو قصيرة من فريق التمريض لينفذ الانتحار وأثناء وجوده في المصحة أو المستشفى يتم علاج الاضطراب النفسي الموجود بجرعات كافية ومؤثرة من الدواء بجانب العلاج النفسي المكثف والعلاج الاجتماعي المناسب والعلاج الديني الذي يحيي في المريض الأمل ويجعل خيار الانتحار مستبعدا.
وتتم مناظرة المريض عدة مرات يومياً بواسطة الفريق العلاجي، ولا يسمح له بالخروج إلا بعد التأكد من زوال الأفكار والخطط الانتحارية واستقرار حالته النفسية. وإذا تقرر علاج المريض في بيته فيجب أن يتأكد الطبيب من وجود الدعم والمساندة من الأسرة والملاحظة الكافية للمريض طوال الوقت واستبعاد أية آلات حادة أو أسلحة نارية أو حبال أو أحزمة أو أي شيء يمكن أن يقتل به المريض نفسه.
ولا بد وأن يكون الطبيب متاحاً للمريض طوال الأربع وعشرين ساعة يومياً حيث يعطيه أرقام تليفوناته ليتصل به في أي وقت وأيضاً يأخذ الطبيب كل أرقام تليفونات المريض وعنوانه لكي يستطيع التدخل في حالات الطوارئ. وتتلخص خطة العلاج سواء في المستشفى أو خارجها في ثلاث نقاط: الأولى: تخفيف الألم النفسي بكل الوسائل، الثانية: التدعيم والمساندة، الثالثة: إعطاء بديل للانتحار.
وفي المجتمعات ذات الدوافع الدينية القوية، من المفيد جداً أن نساعد المريض بأن يغير تصوراته وتخيلاته نحو الانتحار، ففي التعاليم الدينية زجر وتخويف من خيار الانتحار وبدلاً من كونه نوع من الراحة والخلاص في خيال المريض نجد أن التصور الديني يجعله مصيراً مخيفاً حيث يخلد المنتحر في جهنم ويتعذب بالوسيلة التي استعملها في الانتحار، وهذا التصور وحده يعكس المنظومة الانتحارية برمتها ويغلق باب الخيار الانتحاري، وفي ذات الوقت يفتح باب أمل في رحمة الله والأمل في تفريج الكربات مهما اشتدت، وأن الله قادر على كل شيء حين يعجز البشر، وأن الدنيا دار ابتلاء واختبار وأن الصبر والرضا فضيلتان جزاؤهما الجنة، وأن لا شيء يحدث عبثاً في هذه الدنيا، بل كل شيء يدور في هذا الكون بمراد الله وحكمته، وأن الله الذي منح الإنسان هذه النفس هو وحده الذي يقرر متى يقبضها.
واقرأ أيضًا:
استشارات عن الانتحار / الأفكار الانتحارية والتعامل معها / تعتعة: المأزق الانتحاري، وأن تولد من جديد! / ظاهرة الانتحار .. متى، أين، ولماذا ؟