تعريف الهيپنوثيراپي
الهيپنوثيراپي هي طريقة لعلاج الاضطرابات السيكولوجية والسيكوسوماتية باستخدام الاقتراحات أو الإيحاءات أثناء حالة الهيپنوسيس أو الترانس Trance الثبات، حالات الوعي غير الاعتيادية، الاستغراق. الترانس العلاجي هو فترة من الزمن يستطيع العميل أو المريض (العميل) خلالها أن يخرج من إطارات التفكير المحدودة والمعتقدات الاعتيادية حتى يمكنه أن يمارس إمكانياته الدفينة والتي تكمن فيها أساليب العلاج المناسبة له. أي أن الترانس العلاجي هو فترة استكشاف نفسي حيث يتعاون العميل والمعالج في البحث أثناء الهيپنوسيس عن ردود الفعل التي ستؤدي إلى تغير علاجي في حياة العميل .
وبالتالي فان فن المعالج يكمن في مساعدته للعميل أو المريض (العميل) في الوصول إلى مفاهيم جديدة تساعده على التخلي عن الحدود المعتادة في حياته اليومية)الإطار المرجعي المعتاد) Habitual Frame of Reference حتى يمكنه تقبل واستقبال قدراته الخلاقة الكامنة بداخله.
تاريخ الهيپنوسيس
بدأت قصة العلاج بالإيحاء (الهيبنوثيرابي) منذ بدء التاريخ الإنساني منذ آلاف السنين استخدم المصريون والإغريق والفرس والفقير الهندي هذه الطريقة في مختلف أنواع العلاج والممارسات الدينية ، في معبدي إيزيس ودلفاي وجدت رسومات ومنحوتات تعبر عن العلاج بالهيپنوسيس حيث نرى المريض (العميل) أو التلميذ في أوضاع خاصة بحالة الهيپنوسيس والتي في ظاهرها تبدو كالنوم وإن كانت تختلف عنه فسيولوجيا كل الاختلاف . كانت أيضا هناك عيادات أو أماكن للعلاج في مصر القديمة وعند الإغريق تسمى"معابد النوم" حيث كان المريض (العميل) يعالج بالإيحاء أثناء نومه.وعلى مر العصور نرى أمثلة كثيرة للمقدرة العلاجية الإيحائية من الأطباء وشيوخ القبائل والقديسين ورجال الدين. بردية إيبرز من 3000 سنة تحمل وصفا للهيپنوسيس قريب جدا من الذي يمارس الآن.
أما التاريخ الحديث للهيپنوسيس فقد إبتدأ مع الطبيب الفييني فريدريك فرانز(أنطون مسمر)Freidrick (Franz) Anton Mesmer 1734-1815) في سنة 1776 أكمل "مسمر" بحثا عن "تأثير النجوم والكواكب على القوى العلاجية" وقدمه لهيئة التدريس في كلية الطب بفينا. كانت نظرية "مسمر" أن للمجالات المغناطيسية الكائنة في النجوم والكواكب تأثير على المجال المغناطيسي لجسم الإنسان وأن المرض سببه اضطرابات في توزيع هذا المجال في الجسم وبالتالي ففي نظرية "مسمر" فإن الشفاء يحدث نتيجة لإعادة توزيع أو لإضافة المغناطيسية اللازمة في جسم الإنسان.
وكان في البداية يستخدم مغناطيسا في جلسات العلاج ثم قرر بعد ذلك أن هذه المغناطيسية يمكن تحريكها بواسطة تلك الموجودة في جسمه هو أو في جسم إنسان آخر. وبالفعل بدأ في العلاج باستخدام اللمس والمسح باليد وبعد ذلك تطور إلى الاعتقاد في أن هذه المغناطيسية يمكن نقلها إلى أجسام جامدة أخرى مثل شجرة أو حوض به ماء وبالتالي تنقل إلى جسم المريض (العميل) بملامسته لهذه الأشياء. في الحقيقة كانت مقدرة "مسمر" العلاجية تكمن في إيمان المرضى في الشفاء بهذه الطريقة، أي أنه كان علاجا بالإيحاء. وكانت تصاحب جلسات العلاج حركات وأصوات انفعالية وهستيرية، وتشنجيه من المرضى
" الماركيز دي پويسيجور(1781-1825 The Marquis de Puysegur)
في سنة 1784 اكتشف بعض خواص حالة الهيپنوسيس الأكثر شيوعا اليوم التي لم يكن مسمر يعرفها هو السير أثناء النوم الاصطناعي Artificial Somnambulism لاحظ الماركيز في حالة راعي الغنم فيكتور رايس Victor Race أن الإنسان "الممغنط " قد يدخل في حالة تشبه المشي أثناء النوم وأنه لا يسمع ولا يعي أي شيء آخر غير إرشادات المعالج. وبعد خروجه من الحالة لم يتذكر أي من تفاصيل ما حدث عندما أمره الماركيز بالمشي للإمام ثم الخلف ثم الوقوف جامدا وكرر ذلك عدة مرات. واستمرت دراسة هذه الحالة واكتشف أنه يمكن التأثير والسيطرة على أفكار وأفعال المريض (العميل) وأن عقل المريض (العميل) في هذه الحالة يكون نشطا جدا وقد يظهر طفرات من الذكاء الخارق للعادة .
" فيليب فرانسوا دولوز(1753- 1835 Philippe Francois Deleuze )
اكتشف دولوز أن الاقتراحات أو الإيحاءات المعطاة للمريض أثناء حالة الهيپنوسيس يستمر تأثيرها إلى حالة الوعي الاعتيادية وأطلق على هذه الظاهرة اسم الاستجابة للإيحاء بعد الهيپنوسيس Response to Post-Hypnotic Suggestion
" في سنة 1815 أضاف القس البرتغالي هوزيه كوستوديو دي فاريا (1755- 1819 ) Jose Custodio de Faria أن تعاون المريض (العميل) واستعداده للدخول في هذه الحالة لازمان لنجاحها وأنه على عكس ما كان مسلما به فإن الدخول في هذه الحالة يخضع لرغبة المريض (العميل) وليس لرغبة أو لمهارة المعالج.
" جون اليوتسون (John Elliotson (1791-1868: في سنة 1837 استقصى وبحث اليوتسون، استاذ الجراحة في جامعة كوليدج في لندن في استخدام الهيپنوسيس في التخدير للجراحة بدون ألم ولكنه إتهم بالنصب واستقال من منصبه ليبدأ مجلة " زويست " Zoist التي كانت تنشر حالات عديدة نجح فيها التخدير بهذه الطريقة.
" وفي سنة 1842 وبعد قراءة كتاب اليوتسون ، استخدم د/ جيمز اسدايل (1808-1859) الهيپنوسيس في التخدير بمستشفى في كلكتا في أكثر من الف عملية جراحية بدون ألم تتضمن 300 من العمليات الكبيرة و19 عملية بتر وكان هذا قبل ظهور الكيماويات المستخدمة، في التخدير مثل الكلوروفورم والإثير و اكسيد النيتروجين. وكانت دهشته لهذا النجاح أشد لأن معدل الوفيات انخفض من 50? إلى 5? . وبعد عودته هاجمه أحد الأطباء باعتبار أن الجراحة بدون ألم هي إهانة للدين لأن الله أراد للبشر أن يعذبوا في الحياة وأن الألم يجب أن يحتمل بشجاعة مسيحية (دينية) حقة .
" يعتبر الطبيب والجراح الاسكتلندي جيمز برايد)1795-1860James ( Braid هو أبو الهيپنوسيس الحديث لأنه هو الذي اطلقه تعبير هيبنوتزيم )مشتقه من كلمة هيپنوس والتي تعني النوم في اللغة اللاتينية(على هذه الحالة واستخداماتها وألف كتاب نيوريپنولوجي)النوم العصبي(Neurypnology وشرح فيه آراءه واكتشافاته عن الهيپنوسيس، ولأنه اكتشف أن الهيپنوسيس ليست حالة نوم فقد حاول تغيير الإسم إلى مونو أيد ييزم (Monoideism) أو التركيز على فكرة واحدة دون غيرها إلا أن استعمال كلمة هيپنوسيس كان قد شاع في جميع الأوساط إلى حد يصعب معه التبديل، وأرسى بريد قواعد فهم هذه في كتابه وقال أن حالة الهيپنوسيس هي حالة شخصية بحتة وأن العلاج يتم عن طريق الإيحاء والاقتراح لأفكار وأفعال يجتاجها المريض (العميل) وليس عن طريق أي قوة أخرى أو تأثير يعبر من المعالج إلى المريض (العميل) مثل " مغناطيسية " مسمر .
" متأثرا بكتاب جيمز بر، بدأ أمبروز ليبو (1823-1904) في تكوين أول مرحلة علاجية حقيقية بالهيپنوسيس. في سنة 1895 عالج ليبو حالة عرق نسا بعد فشل هيپوليت بيرنهايم Hyppolyte Bernheim الاستاذ بكلية الطب بمدينة " نانسي " بفرنسا في علاجها فشلا ذريعا وعولجت الحالة بالهيپنوسيس فقط. حاول برنهاميم مبدئيا اتهام ليبو بالنصب والشعوذة والجنون ولكنه اقتنع بقيمة الهيپنوسيس العلاجية واشترك مع ليبو في إنشاء "مدرسة نانسي للهيپنوسيس" الشهيرة والتي عولج فيها 12000 مريضا باستخدام الهيپنوسيس وحده من أمراض عضوية ونفسية وسلوكية، وكان أحد بين الوافدين على مدرسة نانسي للهيپنوسيس لمعرفة المزيد هو سيجموند فرويد Sigmund Freud.
" جان مارتان شاركو (1825 - 1893) Jean-Martin Charcot: بدأ شاركو في أواخر القرن التاسع عشر في إجراء تجارب بالهيپنوسيس وإعطائه الأساس العلمي. كان شاركو مؤمناً بأن كل الأعراض الهستيرية (السيكوسوماتية)يمكن إحداثها والتخلص منها بالهيپنوسيس. وآمن أيضاً بأن الهيپنوسيس أو الترانس هو شكل من أشكال الهستيريا. هذا في حين أن برنهايم وليبو كانا يعتقدان أن الإيحاء أو الاقتراح هو الأساس الأوحد للهيپنوسيس والترانس وأن أغلب الناس ممكن إدخالهم في الترانس.
" وضع بيير جانيه(Pierre Janet 1859-1947) وكان أحد العاملين مع فرويد ورئيس المعمل السيكولوجي في مستشفى السالبترييه بباريس نظرية الانفصال Theory of Dissociation والتي تشرح أنه أثناء الهيپنوسيس يعمل جزء من العقل بصفة مستقلة عن بقية الأجزاء فمثلا أمكنه في مرات عديدة مساعدة الشخص في تذكر أشياء وأيضا في نسيان أشياء يتذكرها جيدا في حالة الوعي الاعتيادية مثل اسمه أو رقم أو كلمة دارجة في حياته. واكتشف جانيه أن العصابيين ينسون أشياء كثيرة خصوصا إذا كانت متعلقة برغبات مكبوتة وأحداث غير سارة. وبذلك بدأ الهيپنوسيس أن يعد أسلوبا علاجيا معترفا به في الطب.
" سيجموند فرويد (Sigmund Freud1856-1939) درس في السالبترييه وفي مدرسة نانسي تحت إشراف وليبو وبيرنهايم وترجم أعمال بيرنهايم عن الهيپنوسيس إلى الألمانية . وعمل أيضا مع جوزيف بروير Josef Breur)1842-1925 (الطبيب الذي كان يعد أفضل رجال الطب المستعملين للهيپنوسيس في ذلك الوقت. وأراد فرويد استخدام الهيپنوسيس لاستكشاف العقل الباطن في المصابين بالأمراض العقلية نحو فهم أفضل وأعمق لشخصياتهم.
ومن دراسته هذه كون نظرياته في العلاج بالتحليل النفسي، ومن الغريب أن نقطة التحول في فرويد من دارس للهيپنوسيس إلى مطور للتحليل النفسي جاءت نتيجة لصعوبات قابلها مع مريضة واحدة تدعى لوسي حيث فوجئ على عكس توقعاته أنها تذكرت أشياء وأحداث من ماضيها البعيد في حالة الوعي الاعتيادية كما تذكرتها في حالة الهيپنوسيس. كان مقتنعا لسبب ما بأن العلاج لا يتأتى إلا بدخول المريض (العميل) في حالة هيپنوسيس عميقة جدا وبما أن هذا لا يحدث مع جميع المرضى أو الأشخاص بنفس السهولة فقد قرر ترك الهيپنوسيس وكرس وقته للتحليل النفسي، وبسبب شهرة فرويد، أفل نجم الهيپنوسيس لفترة ولم يعتمد عليه حتى إضطر الأطباء لإيجاد حلول سريعة لمعالجة الحالات العصابية التي تتجت في الجنود أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، وحرب كوريا. وبسبب علاج عصابي الحرب أطلق هادفيلدHadfield اسم هيپنوأناليسيس على عملية مزج تقنيات الهيپنوسيس والعلاج بالتحليل النفسي.
" كارل جوستاف يونج (Carl Gustav Jung 1874-1961):في سنة 1905 عين يونج محاضرا في الطب النفسي في جامعة زيوريخ ورئيسا لعيادة برجهولزلي والتي كانت معملا لدراسة الأمراض النفسية. وبدأت شهرته العلاجية في الانتشار بسبب صدفة حدثت في أحد محاضراته. كان يونج في هذا الوقت مهتما بالبحث في الهيپنوسيس وعلاقته بالسير أثناء النوم والهيستيريا وردود الفعل الآلية.. إلى آخره من ظواهر الهيپنوسيس عندما دخلت المحاضرة شابة بعكازين تشكو من شلل مؤلم في ساقها اليسرى وقد كانت تعاني من هذه الحالة منذ 17 عاما، فأقعدها يونج في كرسي مريح وطلب منها أن تحكي له وللحضور قصتها وبدأت في السرد بكل التفاصيل المملة والتطويل الزائد إلى أن قال لها يونج" والآن.. لم يعد لدينا وقت أكثر . سوف استخدم معك الهيپنوسيس الآن".. وما أن قالها حتى أغمضت عيناها تلقائيا ودخلت في ثبات عميق وهي ما زالت تسرد قصتها والتي تخللتها أحلام مثيرة للفضول والدهشة، وحاول يونج إيقاظها عدة مرات ولكنه فشل لمدة 10 دقائق وعندما أفاقت قال لها: " أنا الطبيب. كل شيء على ما يرام " فصرخت"ولكنني شفيت" ورمت العكازين واستطاعت المشي.. فقال يونج للحضور "هذا ما يمكن تحقيقه بالهيپنوسيس".
وفي 1955 أصبحت الجميعة الطبية البريطانية British Medical Association أول جهة طبية رسمية توافق على وتستخدم الهيپنوسيس في كليات الطب مناهج والدراسات العليا، وتبعتها الجمعية الطبية الأمريكية American Medical Association في ذلك.
ويتبع >>>>>>: هيپنوثيراپي : العلاج الإيحائي (2)
واقرأ أيضاً:
العلاج النفسي مجرد كلام ×× / العلاج السلوكي / العلاج المعرفي / العلاج النفسي الأسرى (1) / الطبيب النفساني بين الواقع والمتوقع ××