ما يزال الناس في بلادنا متحفظين تجاه الطب النفسي، والطبيب النفسي، والعقاقير النفسية، تحفظًا يختلفُ اختلافا كبيرا عن تحفظهم تجاه أي من تخصصات الطب الأخرى أو عقاقير العلاج المستخدمة فيها بما في ذلك علاج ما لا علاج له -في أغلب الأحيان- كالأمراض الفيروسية أو الأورام الخبيثة... إلخ
(على عكس معظم عقاقير الأمراض النفسية التي تعطي فائدةً لا تقبل الجدل في أغلب الأحيان).
فأما التحفظ تجاه الطب النفسي فقد تطرقنا إلى بعض أسبابه في مقالنا وصمة المرض النفسي: ليست من عندنا، ولكننا هنا سنتكلمُ عن أمورٍ تتعلقُ بما يلزمُ المسلمَ بطلب العلاج من المرض النفسي، مثلما يلزمه بطلبه في حالة المرض العضوي، وهي أمورٌ تتعلقُ بموقف الإسلام من الطب عامةً ثم بموقفه من الطب النفسي خاصةً، ثم بموقفه من استخدام عقاقير العلاج النفسية التأثير، ونسأل الله التوفيق فيما نحاول لم شتاتنا الفكري الحديث في كل منه، ولو هو حتى شتاتٌ بين نفوسنا ونفوسنا كأطباء نفسيين مسلمين، فهل تسألون الله لنا التوفيق فيما نقول؟ أسأل الله أن تكونوا:
جانب: موقف الإسلام من الطب ومن طلب العلم:
يعتبرُ حفظ الإنسان لنفسه جسدا وروحا، من بين ما أوجب الإسلام على الإنسان الالتزام الحثيث به، فجعل على المسلم أن يمد نفسه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول للطعام والشراب وتوفير اللباس والمسكن، ويَحْرُمُ على المسلم أن يمتنع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته، كما أوجب الإسلام على الإنسان -إذا وجد نفسه مهددة- أن يدفع عن نفسه الهلاك بما في ذلك المرض الذي يصيب الجسد أو النفس -أو كلاهما معا كما نرى في الغالب مع مرضانا كأطباء، ونراه دائما أبدًا إذا نحن أحسنا الرؤية،- فرأينا مرض الجسد يؤثر في النفس ومرض النفس يؤثرُ في الجسد، بحيث أن الفصل بين النفس والجسد غير ممكن واقعا، وبحيث يصدق في علاقتهما قول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم:
"مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاريُّ ومسلم، ولنلحظ هنا حين نتأمل كلمات الحديث الشريف، أنه بينما تصيب الحمى الجسد فإن السهر لا يفصل بينهما،
وفي ضوء هذا نستطيعُ أن نفهمَ سببَ إعلاء المسلمين من شأن علم الطب، حتى أن داود الأنطاكي يقول في مقدمة كتابه "التذكرة": ليس هناك علم من العلوم يستغنى عن علم الطب أصلا، لأن اكتساب العلوم لا يتم إلا بسلامة البدن والحواس والعقل، وهذا الرأي إن دل على شيء فإنما يدل على أن أطباء الإسلام كانوا واثقين بعلمهم ثقة لا حد لها، مدركين لأهميته في حياة الإنسان، وكان أطباء الإسلام إلى جانب ما تقدم حريصين كل الحرص على تأصيل أخلاقيات معنية استمدوها من الإسلام لعلم الطب وممارسته.
ونجدُ الطبَّ الغربيَّ (الماديَّ الحديث) في المقابل ظل يتعاملُ مع الجسد البشري على أنهُ مجموعةٌ من الأعضاء المنفردة تتحكمُ فيها المادة كلا وجزءًا، وهم أنفسهم قاموا بتهميش دور الحالة النفسية مغترين بما وضعوا أيديهم عليه من عقاقير خاصةً في بدايات القرن العشرين، إلى أن بدأت الصيحات تتعالى في الخمسينات لتشدد على ضرورة اعتبار الإنسان وحدةً نفسيةً ماديةً اجتماعية، وأن العوامل النفسية والاجتماعية مهمةٌ جدا حتى في حالة الأمراض الانتقالية أو المعدية وهي التي كان الغرور باكتشاف المضادات الحيوية يجعل الكثيرين يرونها مسألةً عضويةً مائة بالمائة، أي أن الطب الغربي وصل في النصف الثاني من القرن العشرين إلى صحة ما كانَ يقولُ به الأطباء المسلمون لأنهم تعلموه من دينهم.
والمسلم مطالبٌ بطلب العلم بوجهٍ عام، وقد ورد في الحديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة وغيره وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، ومفهوم العلم في الإسلام يختلف عن مفهومه في أي ديانة فهو لا يقتصر على اللاهوت، ومن الأدلة على أن العلم في الإسلام غير محدود بحد معين قول الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية تأبير النخل المشهورة: "أنتم أعلم بشئون دنياكم".
فهذا يفتح الباب واسعا أمام العقل ليستنبط من أنواع العلوم ما لا حصر له، ومنها علم الطب والتداوي، وقد صرح أطباء المسلمين وفلاسفتهم بأن النصوص الدينية كانت وراء إقبالهم على تعلم الطب والنبوغ فيه، وتأمل المعنى فيما يتوله الذهبي في الطب النبوي: "وقد تقدم قوله عليه السلام: "إن الله لم ينزل داء إلا وله دواء"، قلنا: إن ذلك يقتضي تحريك الهمم وحث العزائم على تعلم الطب"، خاصةً وأن الإنسان "مجبولٌ على صيانة نفسه" كما قال بعض أطباء المسلمين -وقرأته في الطب النبوي-، فإذا كان ذلك الإنسان سليم الفطرة فإنه لابد سيكافح من أجل صيانة نفسه، وبالتالي فإن الدين المناسب لمثل ذلك الإنسان لابد أن يكونَ معينا له على ذلك بل وآمرا له به كما فعل الإسلام بحق، فكلما كان المسلم ملتزما إذن، كلما كان التزامه بصيانة نفسه أكبر.
ولما كان من الواضح أن انتهاجنا كأطباء نفسيين مسلمين لمنهج الغرب لم يحقق نجاحا يمس به المجتمع لأن المجتمع المسلم بطبيعته لا يستطيع إغفال العلاقة بين توافق الفرد مع دينه وربه وبين ما يحسهُ من أمن نفسي، فإن الأجدر بنا أن نتواصل مع جذورنا نحن لكي نستطيع التأثير في مجتمعاتنا بشكل يفيدُ ويثمر، والحقيقة أن اختلافاً جوهريًّا يوجدُ في تناول موضوع الصحة النفسية ما بين علماء وأطباء النفس الغربيين وبين العلماء والمفكرين المسلمين (السابقين)، فعلماء الغرب يرون أن أهمَّ مقوِّمات الصحة النفسية هي فقط النجاح في حياة الإنسان المادية والدنيوية وقدرته على تحمل مسئوليات الحياة ومواجهة ما يقابله من مشكلات، وتوافقه مع نفسه ومع غيره من الناس، ويغفلون ما غير ذلك إغفالاً تاما وأما علماء المسلمين وأطباؤهم فكانوا يرون أن أهم مقومات الصحة النفسية هي توافق الفرد مع ربه وتمسكه بعبادته وتقواه سبحانه وتعالى، ذلك أن الإسلام حينما جاء جاء بالتوازن بين الحياة الروحية والحياة الجسدية والحياة العقلية.
فالإنسان -كما يتصوره الإسلام- جسد وعقل وروح. ولابد للمسلم أن يعطي كل جانب من هذه الجوانب حقه، ونحن هنا سنبدأ بمحاولةٍ لتقصي جوانب قضية موقف الإسلام من التداوي بالعقاقير نفسية التأثير، مبتدئين بما يجب على المسلم فعله حين يصاب بالمرض (الجسدي أو النفسي وإن كان التفريق لم ينبع من ثقافتنا كما بينا أول المقال)، ثم نضرب المثل على المرض النفسي بالاكتئاب الجسيم Major Depression وما يلزم على المسلم تجاهه، ثم نجعل ما يتبقى من جوانب القضية لمقال قادم.
جانب: إلزام الشرع للمريض بطلب العلاج:
من الثابت تاريخيا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه بعرض أنفسهم على الحارث بن كلدة، وكان الحارث طبيب العرب والعجم، وفي الطب النبوي لأبن القيم: يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة، فقال: ادعوا له طبيباً، فدعي الحارث بن كلدة، فنظر إليه، فقال: ليس عليه بأس، فاتخذوا له فريقة، وهي الحلبة مع تمر عجوة رطب يطبخان، فيحساهما، ففعل ذلك، فبرئ"، كما كان صلى الله عليه وسلم يسمح للنساء بالتطبيب، وخدمة الجرحى (التمريض) وقد جعل صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ في خيمة لامرأة يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى، وكذلك كانت أخت لها تسمى كعبة بنت سعيد الأسلمية تعالج الجرحى؛
وقد روي عن أسامة بن شريك قال (جاء أعرابي فقال يا رسول الله أنتداوى قال نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد، وفي لفظ (قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدًا، قالوا: يا رسول الله وما هو قال: الهرم) رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي وصححه، وفي رواية للطيالسي عن أسامة بن شريك أيضًا: (عباد الله، وضع الله الحرج إلا امرأ اقترض امرأ ظلما فذاك يحرج ويهلك، عباد الله تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحدا: الهرم) صدق رسول الله، وجاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لكل داء دواء فإذا أصاب الداء برأ بإذن الله عز وجل" رواه البخاري ومسلم، فعلى المريض أن يتخذ الأسباب الدنيوية للعلاج أن يلجأ إلى الله سبحانه ويدعوه ويطلب منه الشفاء، ويقول الأزرقي روى كذلك أن عمر بن الخطاب قال: أرسلوا إلى الطبيب ينظر جرحي فأرسلوا إليه.
وبرغم ذلك هناك مشكلةٌ ما تزال حتى يومنا هذا تشغل بال المتدينين من كل دين سماوي، مثل هل من حق الطبيب أن يتصدى للظواهر المرضية في مريضه باعتبارها أقدارا تصيبه والله وحده يقررُ مصيرها، وقد دار بحث دقيق بين علماء الإسلام حول الطب والتداوي (استعمال الدواء) من حيث موافقته أو معارضته لقضاء الله، وبناءً على الخلفية السابقة من أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ذهب أطباء الإسلام إلى القول بأن الطب والتداوي لا يعارضان قضاء الله، كما أكدوا على أن الإسلام نفسه يدعو إلى الإيمان بالأسباب والمسببات، ومن ينكر الأسباب فهو كافر، حيث يقول الأزرقي في كتابه تسهيل المنافع: "وقد ثبت أن الله عز وجل وضع في أشياء خواص، فمن أنكرها فهو كافر، ومن قال: لا فائدة في الطب فقد رد على الواضع والشارع، فلا يلتفت إلى قوله، وإنما يراد بالطب التسبب إلى دفع ضرر وإجلاب نفع" ويرد الأزرقي على من قال إن التداوي خروج عن الرضا بقضاء الله قائلا إن من الرضا بقضاء الله التوصل إلى محبوباته بمباشرة ما جعله الله مسببا، فليس للعطشان أن لا يريد الماء زاعما الرضا بالعطش الذي قضى الله به".
ومن الواضح أن العقيدة الإسلامية كانت واضحة في ذلك الموقف الحاسم من الطب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلّمه إلا لُيصيب عًرًضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة)) رواه أبو داود، فأي علمٍ أنبل من الطب ومداواة الناس يبتغى به وجه الله؟ وينسبُ -على سبيل المثال- إلى الإمام الشافعي قوله "لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب"، ومن المعروف أن فلاسفة المسلمين فصلوا في قضية الطب منذ بواكير الفلسفة الإسلامية، ويثبتُ التاريخ لنا كيف حاول الأكاديميون اللاهوتيون المسيحيون محاجاة ابن سينا وابن رشد في مذهبهما من عدم منافاة طلب العلاج والتداوي للتوكل على الله.
جانب: الاكتئاب وما أدراك ما الاكتئاب Major Depression:
أبدأ أولا هنا ببيان ما هو الاكتئاب: فجوهر الاكتئاب.. عندما تفقد الأفعال طعمها، وأعراضه شتى بيناها في إجابة متى يجب أخذ عقار للاكتئاب؟ وكذلك بيَّنا درجاته وبقية أعراضه وملابساته وطرق علاجه في إجابات عديدة على استشارات مجانين منها:
الاكتئاب والإجراءات الخاصة/ اكتئاب متلصص في شخصية مرحة/ الاكتئاب وأشياء أخرى ؟!!!/ الاكتئاب المتلصصُ في الغربة/ الاكتئاب والقلق: الأعراض الجسدية/ أحلام اليقظة الاكتئابية ؟؟؟/ خلطة القلق والاكتئاب ومسرح الجن !.
* وتعرضنا لأشكال وأنواع العلاج العقاري والمعرفي السلوكي والكهربي في إجابات:
الدواء لا يؤدى إلى تحسن الاكتئاب!!/ علاج الاكتئاب المعرفي : فتح الكلام/ متى يعالج الاكتئاب بالصدمات الكهربية؟
* وتعرضنا لعلاقة الاكتئاب بالأفكار الوسواسية الاجترارية Depressive Ruminations في إجابتي:
الوسواس القهري والاكتئاب/ وسواس قهري واكتئاب
* وتعرضنا لعلاقة الاكتئاب بالشعور بالذنب في إجابات: الشعور بالذنب قد يكونُ مفيدًا متابعة ثانية.
* وتعرضنا لقضية ذكر الموت في إجابة: الخوف من الموت: بين الطبيعي والمرض
* وتعرضنا كذلك للتفريق بين ما هو من غضب الله وما هو من الاكتئاب؟
ويتبادرُ إلى الذهن هنا تساؤلٌ عن رافد متصل بموضوع التدين والصحة النفسية والجسدية، ولكن في صورة ماذا يعطيه التدين لصحة صاحبه؟ وليس في صورة: ما هو الذي يلزم التدينُ المسلمَ به تجاه صحته جسدا ونفسا؟ فمن المشهور علميا لدى أهل الطب النفسي (خاصةً)، ودينيا لدى الكتاب الإسلاميين المعاصرين، وغيرهم، أن التدينَ يقي من المرض النفسي، ويحمي صاحبه في اكتئابه من الانتحار، وذلك رغم تأكيدنا على خطأ المقولة الشائعة: أن المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي، وتدليلنا على خطئها بما ذكرناه في إجابة: أبو حامد الغزالي" يعاني الاكتئاب، وإجابة الاكتئاب الجسيم: عندما يسلب الإيمان، وما أوضحناهُ من أن: الاكتئاب يسلب الإيمان ويفتح للشيطان!؛
برغم كل ذلك تبقى حقيقة علمية بسيطةٌ لكنها غير قابلة لأن ينكرها عاقل وهي أن الإيمان القوي الصحيح يحمي صاحبه ويقيه أولاً من الوقوع السهل في أعراضٍ كالقلق والاكتئاب التفاعلي والتي يمكنُ جدا أن يكونَ الوقوع السهل فيها بداية للغوص في المرض أو الاضطراب النفسي الشديد كالقلق المتعمم والاكتئاب الجسيم، وهي اضطراباتٌ نفسية بعيدةُ الأثر على حياة المريض، ولكن يبقى الإيمان القوي الصحيح أيضًا عاملاً مهما في التخفيف من وطأتها إن حدثت، كما يبقى عاملاً داعما لمحاولات العلاج على اختلاف أنواعها.
ولا يغيب عن ذهني كلام واحد من مرضاي جاء يطلب العلاج من اكتئابه الجسيم، وحكي لي كثيرا عن مكافحته الشخصية الطويلة للاكتئاب وأعراضه على مدى سنة كاملة بذكر الله ومحاولة التزود بالطاعات وتقوية الإيمانيات في مواجهة اليأس والكمد الناتجين عن اكتئابه، ورغم علمي وما أثبته هذا المريض نفسه من أن المكافحة الشخصية للاكتئاب.. كثيرًا ما تخدع!، وأنه ما جاءني إلا عندما فترت علاقته بربه وخاصمته حلاوة إيمانه، وبدأت أفكار الانتحار ووساوسه تقفز إلى ذهنه ولم تعد نفسه تحس للذكر طعما، ولم يكن أمامي إلا اللجوء للعلاج بالصدمات الكهربية، وتحسن جدا بفضل الله، وزال اكتئابه، رغم كل ذلك لا أستطيع أن أنسى ما حكاه لي عن تجربته في مكافحة الاكتئاب بذكر الله.
كل هذه الأبعاد لا تغيب والحمد لله عن ذهني وأنا أحاول تلمس الطريق نحو ما أرمي إليه، متحيزا بالطبع لما أؤمن به ولخبرتي الشخصية، وملتمسا الموضوعية قدر ما يستطيعُ البشر، ولكن ألا نخلص من كل هذا إلى ضرورة طلب العلاج من الاكتئاب الجسيم؟ وأن رضا المسلم باكتئابه يجبُ أن يكونَ مصحوبا بطلب العلاج من ذلك الاكتئاب؟ لا بالقعود عن طلب العلاج معتبرا ذلك رضا بقضاء الله؟ كذلك لا تغيب عن ذهني فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز عن حكم استعمال الأدوية لعلاج المرض النفسي، إذ يقول:
المشروع لكل من لديه علم بشيء من الأدوية الشرعية أو المباحة التي يعتقد أن الله ينفع بها المريض أن يفعل ذلك سواء سُمي ذلك طبا نفسيا أو شرعيا أو دواءً عاديا أو غير ذلك من الأسماء.، المطلوب أن يتحرى الطبيب المعالج ما يراه نافعا في علاج المرضى الذين بين يديه بما ليس فيه محظور شرعا، سواء كان بالقراءة أو بمأكول مباح أو بمشروب مباح أو أشياء أخرى لا محظور فيها، قد جرب أنها تزيل ما أصاب المريض من الخلل في عقله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شـفاء علمه مـن علمه وجهله من جهلـه"، ولقـوله صلى الله عليه وسـلم: "عـباد الله تـداووا ولا تـداووا بحرام". صدق رسول الله صلى الله عليه وسـلم.
** إذن فالاكتئابُ الجسيم والمرضُ النفسي بوجه عام ليسا استثناءً من قاعدة ما يجبُ على المسلم من طلبٍ للعلاج صيانةً لنفسه، إلا أن العلاقة بينَ الاكتئاب والشعور بالذنب Guilt Feeling، ونوعية ذلك الشعور بالذنب أمرٌ ما يزال يشغلني، وأرى أنني في هذا المقال قد ألقيت الضوء على عدة جوانب منها ما يعلق بالمفروض على المسلمين عامةً وأكملت ما أراه واجبا على المريض النفسي من طلب العلاج، لكنني ما يزال بداخلي سؤال ما الذي يجبُ على الطبيب النفسي المسلم الانتباه له والحيلولة دون حدوثه بينما هو يعالجُ ويتابع مريضه بمضادات الاكتئاب، ونكتفي بهذه التوطئة، لنكمل جوانب القضية في مقالٍ تالٍ إن شاء الله.
واقرأ أيضًا:
توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب