حسمت عصابة الإدارة الأمريكية خيارها، وضربت بعرض الحائط رفض أغلبية نشطاء المجتمع الأمريكي، واحتجاجات الحركة المليونية على هذه الحرب القذرة في كل أرجاء العالم في استجابتها الهائلة وغير المسبوقة تاريخيًا على حدث سياسي، وذهبت عصابة بوش إلى القتال بصحبة شركاء يعملون ضد آراء الأغلبية الساحقة من شعوبهم، وهي تستخدم كل الوسائل في هذا العدوان: ضد العراقيين بالأسلحة المدمرة، وضد الناس في العالم وشعبها في أمريكا بالإعلام المليء بالأكاذيب وحجب الحقائق، وبالضغوط السياسية الهائلة على الأنظمة الرافضة لهذا الأسلوب الهمجي البلطجي في إدارة الأمور مثل: تركيا وإيران وسوريا.
وبالتالي فإن الوجه القبيح للسياسة الأمريكية موجود على أرضنا الآن، وهذه فرصة أن غطرسة القوة، وكهنة إله السوق، وسماسرة السلاح، وديناصورات النفط، ومصاصي دماء الشعوب من الجناح السياسي والعسكري للشركات عابرة القارات، قتلة الأطفال والمدنيين، وعملاء المخابرات المركزية، وقيادات إمبراطورية الشر جميعًا هم الطرف الذي يحاربنا ويقصفنا ويدمرنا، والعالم الإنساني كله ضد هذا، ولكن الجهود ما زالت تحتاج إلى المزيد من التنسيق والتشبيك والتركيز ليكون الثمن مكافئًا للجرم. ومنذ أن بدأت الحرب أصبح لازمًا أن يتحول تفكيرنا وخطابنا جميعًا من محاولات ومبادرات تجنبها بأي ثمن إلى كيفية التعاون في تكبيد المعتدي أكبر خسارة ممكنة، وهذه السطور تعرض أفكارًا ومقترحات في هذه المسألة.
العين بالعين والبادي أظلم
من الأخبار الغائبة عن التغطية لمعظم أدوات الإعلام ذلك القصف الوحشي للطرق الحدودية، وقصة قصف حافلة ركاب على الحدود السورية العراقية بعد يومين من بدء العدوان هي مجرد قطرة في بحر، وقد شاهد مراسل موقع "إسلام أون لاين.نت" عشرات السيارات المدنية المقصوفة بصواريخ على الطريق بين دمشق وبغداد، والصواريخ التي سقطت على إيران والضغوط التي تمارس على تركيا تحمل نفس الرسالة: "إياكم ودعم العراقيين". لأن الدعم المباشر من أهم سبل تلقين المعتدين دروسًا يدركون منها أن كراهية العالم ولعنات المعابد والكنائس والمساجد، وصلوات المؤمنين بالله والمدافعين عن شرف الإنسان والإنسانية يمكن أن تتحول إلى أسلحة وغذاء ودواء، ومساعدات لوجستية وعسكرية.
سمعت من صديق حميم حضر منتدى "دافوس" الاقتصادي هذا العام 2003 أن حلقة للنقاش انعقدت للتساؤل: "بعد العراق: الدور على مَن؟!!"، وطرح خبراء الإستراتيجية الأمريكية والمحللون السياسيون من خلفيات مختلفة أن هناك اختيارات متنوعة شملت كوريا الشمالية وسوريا وإيران وحزب الله في لبنان، ولم تستبعد كوبا، وأبرز النقاش في هذه الحلقة وفي المنتدى كله -أن لدى الإدارة الأمريكية قلقًا عميقًا من الخلاف مع الحليف الأوربي حتى إن ثلثي كلمة "باول" هناك ركزت على هذه النقطة، وعلى كيفية استعادة الثقة ناهيك عن الدفء لهذه العلاقة المتوترة!!
إن هذا الجموح الأمريكي الذي يتقمص دورًا يتوهم أنه يجمع بين مبضع الجراح وعصا التأديب، ثم يضيف إليهما مسحة من خطاب كهنة العصور الوسطى الذين يتسلطون على حياة الناس باسم كلمة الرب، فيستخدمون مشاعر البسطاء، وبعض المؤمنين في خدمة أغراضهم الدنيئة… هذا الجموح لن يوقفه إلا الدعم المباشر والسريع غير المتردد ولا المشروط لكل الأطراف المقاتلة -والشعبية خاصة- التي تقاوم الهجمة الأمريكية الغاشمة.
إنها ليست حربًا ضد صدام ونظامه كما تحاول أمريكا تصويرها، بل تريدها عصابة بوش أن تكون بمثابة الحلقة الأولى من مسلسل تهذيب "المتمردين"، وتأديب "المارقين" جميعًا، والذين يريدون حماية أنفسهم من الغارة الأمريكية في الحلقة القادمة عليهم أن يدعموا الأطراف التي تقاتل اليوم من بيت لبيت ومن شارع لشارع.
ولكن لكي يصبح هذا الكلام فاعلاً على الأرض فإن تأمين الطرق الحدودية وقنوات الإمداد ليس هو المهمة الوحيدة، بل على الأقل هناك نقطتان جديرتان بالذكر:
الأولى تتعلق بإعطاء المقاومة طابعا شعبيا أكثر مرونة يستوعب جهود المتطوعين من شتى الخلفيات العرقية والأيدلوجية، ويفسح المجال واسعاً لكل من يريد أن ينال شرف القتال ضد الحملة القذرة، وحتى لو سقط النظام الحاكم في العراق فإن هذا لن يكون نهاية للحرب، بل ينبغي أن يكون بمثابة مرحلة أخرى أهم تتخلص فيها المقاومة من أوزار معنوية وقيود إدارية لتصبح أكثر مرونة وفاعلية وقدرة على الصمود والإنجاز.
والنقطة الثانية أن العلاقات العربية مع الأطراف المعادية لأمريكا ما زالت دون المستوى المطلوب بكثير، بل تكاد تكون منعدمة، ومطلوب فوراً أن تتدفق مياه كثيرة دافئة في قنوات اتصال تربط الكوريين والكوبيين والإيرانيين بالهنود والإيطاليين والمناضلين من أمريكا الجنوبية وغيرهم من الملايين المناهضة للحرب حول العالم بملايين العرب الذين يرغبون في مدافعة الهجمة الأمريكية، وهذه الروابط والاتصالات تستلزم تفكيراً مختلفاً من جميع الأطراف، وتفاعلا نشطا، وخطاباً إنسانياً يتسع ليتجاوب مع الحقائق الموجودة على الأرض، وأهم شيء الآن أن نتكاتف حول الحقيقة التي تقول إن أمريكا تحارب في العراق ضد إرادة العالم كله، وضد الإنسانية بمختلف معانيها وقيمها، وينبغي بالمقابل أن يتحد العالم، وتتعاون الإنسانية في المقاومة.
ويلزم أن يقتنع الجميع بأن العراق لن تكون الأخيرة، وأن الدفاع عن الذات الوطنية والأمن القومي لأي بلد غير متواطئ مع أمريكا أو تابع لها، بل إن الدفاع عن الديمقراطية والحريات المدنية داخل أمريكا نفسها بات يستلزم دعم الأطراف والجهود التي تقاتل ضد عصابة بوش الآن.
الحرب ضد إمبراطورية العصابات إذن هي حربنا جميعاً.. حرب كل الطامحين إلى مستقبل إنساني أفضل، وعالم يسوده بعض العدل والحكمة والسلام، والمقاومة في العراق الآن هي بمنزلة القلب من هذه الجبهة الإنسانية العريضة التي ما زالت بحاجة إلى الكثير من التفعيل والتنسيق والترابط.
إن أمريكا تحاول أن تحصر العدو الذي تقاتله في صدام أو النظام العراقي، وهذا خداع خبيث لأنها بحملتها على العراق قد صفعتنا جميعاً -نحن المناهضين للحرب بطول العالم وعرضه- على وجوهنا، وصار لزاماً علينا أن ننتصر لكرامتنا ووجودنا وكل ما نؤمن به وندافع عنه.. ونرد الصفعة.
إعادة الاعتبار للناس وفعلهم
لأننا نعيش لحظة نادرة في تاريخ الإنسانية فإنه يصعب على البعض فهمها حتى الآن، ويبدو أن آخرين لن يدركوا أبعادها إلا بعد أن تنقضي!!!
وفي العالم العربي والإسلامي فإن شعوراً واسعاً بالإحباط -والتشويش أحياناً- يعطل فاعلية الناس في مناهضة هذه الحرب الظالمة، كما يبدو أن الكثيرين عندنا لا يفهمون اللغة التي يتحدثها العالم المعاصر أصلاً، ولا القضايا التي تشغله، ولا الآراء المتنازع بشأنها، ويفتقدون إلى مصدر محايد ومحترم يزودهم بما يساعدهم للخروج من هذه الحالة.
وبدءاً من إدراك طبيعة الهجمة، وتقدير أهمية الفعل الفردي والجماعي السلمي وآفاقه وإمكانياته وتأثيراتها، وفهم خريطة الجهود والتحالفات مع أو ضد الحرب، والاعتقاد بجدوى الحركة المضادة للمخطط الأمريكي، حيث تبدو هذه كلها مساحات غامضة عند البعض، وملتبسة عند آخرين فيظهر المشهد النهائي على أنه لصالح العدوان الأمريكي رغم أن إمكانيات الطرف المقابل هائلة، ولكنها ما تزال موزعة ومهدرة وغير ضاغطة ولا متواصلة مع بعضها، أو مع بقية الناس بالقدر الكافي. والأسباب الكامنة وراء هذا المشهد كثيرة منها شيوع خطابات سالبة، والوقوع في فخاخ ذهنية ونفسية أو دعايات مضللة، ومنها نفاذ الصبر أو ضعف البصيرة.
ويجب العمل بسرعة لتغيير هذه الحالة على صعيد الرد على الشبهات، ونشر المعلومات الصحيحة، وترميم واستكمال الشبكات النشيطة المتفرقة في عملها ضد العدوان وتوسيع نطاق عملها وسط الناس، والخروج بالتالي من حالة العجز والتشويش عند البعض، أو حالة اليأس والشعور بعدم الجدوى عند آخرين.
0 ينبغي النظر إلى بدء العدوان ليس بوصفه هزيمة لحركة المناهضة، ولكن على أنه مؤشر ضعف سياسي ودبلوماسي لعصابة بوش التي فشلت في كسب مساندة أية منظمة دولية فذهبت إلى الميدان مجردة من قبول المجتمع الدولي، بل وحتى من إجماع شعبها ذاته، ورغم الضغوط الهائلة التي تمارسها على الأصوات والرموز المناهضة للحرب داخل أمريكا من الاعتقال في مظاهرة، أو إطلاق الرصاص المطاطي، إلى الإقصاء عن الوظيفة، أو التعتيم والتشويه الإعلامي وحتى الاتهام بالخيانة الوطنية، فإن هذه التحركات المناهضة ما زالت مستمرة لم تضعف، طبقاً لآخر استطلاعات الرأي، وإن كانت تحتاج دعماً لتتطور.
وفي العالم العربي والإسلامي فإن المذهولين والعاجزين عن الفهم والحركة يحتاجون إلى إغاثة وتفهيم، كما يحتاج المتحركون إلى رفع كفاءة، وتدريب على مهارات الإدارة للجهود والاتصال مع أمثالهم حول العالم.
* إن أمريكا -أو بالأحرى عصابة إدارتها- ستتوقف عن المضي في هذا العدوان إذا شعرت أن هيبتها في خطر، وأن صورتها في أذهان الكثيرين قد تغيرت من تلك الإمبراطورية التي تحاول أن تكونها إلى مجرد وحش خرافي من ورق يمكن بسهولة الآن إثبات كذبه، بل ويمكن النيل منه عسكريًّا، أو إثبات عدم كفاءته على أعلى مستويات التخطيط والحسابات الإستراتيجية، وعلى إظهار خيبته في إدارة معاركه، أو فشله الذريع في حماية أمنه الداخلي ـ 11 سبتمبر ـ أو محاولته الخائبة لتحقيق نجاحات بديلة خارجية كما حدث في أفغانستان -وما يزال بن لادن طليقاً- أو كما يحدث الآن في العراق.
إن التعاون بين الأطراف المختلفة، والتشبيك بين الجهود المناهضة للعدوان لتكتسب المزيد من الفاعلية والانسجام، وتنتشر وسط جماهير أوسع في كل قطر، وعلى مستوى العالم كله باتجاه أن تصبح هذه الحركة قريباً بمثابة قطب إنساني عالمي فاعل يمكنه التصدي للجموح الأمريكي، بعد أن عجزت الكوابح الأخرى.
هذا التعاون والتشبيك والانتشار يبدو "واجب الوقت"، كما يبدو البنية التحتية الأساسية لمواجهة -غالباً ستطول- مع الرعونة الأمريكية المتبلورة في زمرة الحرب والتضليل الدعائي، وصناع أجندة السياسة الإمبريالية الوقحة الحاكمة في الولايات المتحدة الآن.
ومن ناحية أخرى فإن مضاعفة الجهود الإعلامية -المستقلة والموازية للدعاية التقليدية- بدحض الأكاذيب المنتشرة، والتصدي للشائعات والتحليلات الموالية للطرف المعتدي، ورصد وتبادل أخبار تحركات المناهضة وخبراتها حول العالم، وتدريب المزيد من المتحمسين على تنظيم معارضتهم، والتعبير عن آرائهم، والسعي لدى الأنظمة والمنظمات المحلية والدولية لتبني مواقف أكثر إيجابية وفاعلية في مناهضة العدوان، والعمل على وقفه بكل السبل الدبلوماسية والسياسية، وربما الدعم العسكري للطرف المعتدى عليه ما أمكن، وغير ذلك من المهام العاجلة والممكنة المطلوبة من كل صاحب عقل وضمير في أية بقعة من العالم، حيث تبدو هذه كلها جهودا يستطيعها الناس.
إن هذه اللحظة هي اختبار حقيقي وغير مسبوق لإيمان كل واحد فينا، وقدرته على الحركة للتعبير عن هذا الإيمان، مهما كان محتواه، لأن حرب الإدارة الأمريكية هي حرب ضد كل الإنسانية ومعانيها الإيجابية، وهي تحدٍّ متهور وحاد لقدراتنا أفرادا وجماعات على الفعل والتواصل دفاعاً عن هذه القيم، وما زال ينتظرنا الكثير من الاختبارات والتحديات والأسئلة. وأزعم أننا كمناهضين لهذه الحرب القذرة قد أنجزنا الكثير مما يغري بالاستمرار والتطوير لترتيبات وإجراءات أكثر تأثيرا.
هل تتصور حجم الهزيمة التي يمكن أن نلحقها بالعدوان؟!
عصابة بوش تريدها حرباً خاطفة حتى لا تعطي فرصة للقطب الجماهيري الدولي المناهض لها أن يجمع صفوفه ويضغط أكثر، ويتوسع أكثر وأكثر، وبالتالي فنحن في سباق صعب مع الزمن، ونحتاج إلى إيقاع أسرع لتصعيد أعمالنا، وتوسيع وتمتين جبهتنا المناهضة لعصابة بوش، وهذه بعض المقترحات:
بناء وترميم الشبكات الدائمة للحوار والفعل:
ما زالت أفكار مناهضة الحرب، والمعلومات الصحيحة عن دوافعها ويومياتها، وعن الفظائع التي تمارسها العصابة الغازية، والفجور الذي تذيعه أداة الإعلام العسكري الأمريكي كذباً وتضليلاً وتلاعباً بالعقول والنفوس، ما تزال الأفكار والتقارير والمعلومات والصور وخبرات الحركة ضد الحرب محدودة الانتشار في أوساط الناس العاديين ـ غير النشطاء ـ حول العالم كله في الوقت الذي نحتاج فيه ـ وبسرعة ـ إلى مضاعفة حجم وتأثير وفاعلية حركتنا المناهضة لتلك الحرب القذرة، وأقترح أن نفكر في أساليب غير تقليدية تناسب هذه الحرب غير التقليدية، ومنها أن نعتمد أسلوب عمل الشبكات الاجتماعية والإلكترونية كأساس للاتصال وتبادل المعلومات والأفكار والخبرات محلياً ودولياً.
وتتلخص فكرة الشبكات في أن يستعيد أو يرمم أو يستحدث كل ناشط أو مهتم شبكته الاجتماعية -التي أهملها غالباً- والتي تتكون من أفراد عائلته، ومن جماعة زملائه في العمل أو الدراسة، وجيرانه في السكن، أو رفاقه في المسجد أو المعبد أو الكنيسة، وغير ذلك من الدوائر التي لا نتعامل معها أبداً بوصفها دوائر "نشاط"، أو فعل وتفاعل في القضايا ذات البعد العام.
وبالتوازي مع هذا فإن شبكة مماثلة ينبغي أن تكون على الإنترنت، ومن ليس له أصدقاء في أنحاء العالم، وفي الولايات المتحدة بالذات، فإن هذه هي اللحظة المناسبة لبدء تكوين صداقات جديدة مع التركيز على الناس العاديين "غير النشطاء". وينبغي أن تتدفق عبر هذه الشبكات بسرعة، ولكن بإيقاع منضبط، المعلومات الصحيحة، والتقارير، والقصص… إلخ.
ومن الأفضل أن يختار المرسل الرسالة المناسبة للشخص المناسب بالأسلوب والخطاب المناسب، وألا يقتصر الأمر على مجرد تناقل رسائل كثيرة بعضها متوسط القيمة أو غير مناسب للشخص المرسل إليه، كما نتواصى بأن يبدأ كل واحد ممن نخاطبهم في تكوين أو ترميم شبكته الخاصة… وهكذا. ولعلنا نعود إلى هذه المعاني في مقال قادم أكثر تفصيلاً.
من الشارع إلى صناعة القرار:
تبدو مظاهرات الشوارع حالياً مؤثرة في القرار أو الخطاب السياسي لبلدان العالم الثالث أكثر مما هي عليه في البلدان الأعرق في ممارسة الديمقراطية!!
ولكنها تحتاج إلى تطوير يزيد من فاعليتها هنا وهناك، ففي البلدان التي تمنع وتحاصر ينبغي التفكير في أشكال تظاهر غير تقليدية مثل: الخاطفة والنوعية والمحدودة، كما ينبغي التفكير في أنواع جديدة من الاعتصام والإضراب، وأشكال الاحتجاج الجماهيري السلمية الأخرى.
وفي البلدان "الديمقراطية" نحتاج إلى عبور الفجوة بين صوت الشارع ورغبته من ناحية، والقرار السياسي من ناحية أخرى، ومما لا شك فيه أن زيادة حجم المظاهرات والاعتراضات سيكون لها تـأثير إيجابي، ولكن تكثيف الضغوط على نواب البرلمان، ورجال الأعمال، وأدوات الإعلام، وغيرها من الأطراف التي تناصر الحرب أو تصمت لتمرير العدوان، إن ممارسة الضغط المستمر، والملاحقات والتهديدات السلمية باتخاذ إجراءات قانونية أو إعلامية، وغير ذلك مما يمكن إبداعه للخروج من مأزق الديمقراطية البرلمانية التمثيلية الذي تعيشه دولاً كثيرة، إن هذه الضغوط المتواصلة والإبداعات المنشودة هي سؤال مطروح بإلحاح على الحركة العالمية لمناهضة العدوان الأمريكي على الإنسانية.
وربما يكون تحديد هدف ممكن لهذه الضغوطات مما يساهم في توسيعها وبلورتها، وقد طرح البعض استهداف دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للانعقاد بواسطة البند الموجود في ميثاقها والخاص بالاتحاد من أجل السلام.
فرز وتطوير الخبرات والمقترحات:
الهزيمة وحدها هي الصوت الذي سيعيد للعصابة المتهورة حاسة السمع، وهي الصوت الذي سيوقظ الجمهور المضلل الذي يتلقى يوميا الدروس المتلفزة التي تعلمه كيف يصبح أصم لا يصغي لصوت ضميره أو عقله أو ذاكرته وخياله، أو تجعله يستسلم للإحباط والتشويش والعجز والتبريرات السقيمة لهذا وذاك.
وفي الصحف والمجلات، والقنوات الفضائية، والصفحات الإلكترونية هناك الكثير من المقترحات القابلة للتفعيل، والخبرات المستلزمة للنقل والتطوير، والمعلومات الكاشفة للتعتيم والتضليل، ويحتاج الوضع الراهن إلى نوع من الفرز والانتقاء من بين هذا كله، حتى لا نصاب بالتخمة المعلوماتية التي تكون أحيانا أسوأ من التعتيم!
من المهم الإعداد لحرب طويلة مع هذه العصابة التي لن تنهزم أو تستسلم بسهولة، والتي يظهر منها بعض رموزها أما بقية جبل الجليد فتحتاج إلى كشف ومتابعة وملاحقة في كل قطر ومجال.
* إن الحركة المناهضة للحرب والعاملة للسلام مطالبة بمراجعة أدواتها وأولويات عملها في ضوء ما ظهر من مواقف رسمية وشعبية حول العالم، ومن المهم أن ننتبه لتلك التحركات والمبادرات الشعبية الآتية من الأجيال الجديدة، والتي تتصف بالعفوية والنظام في آن واحد، وتحتاج بدورها هي الأخرى إلى تشبيك وتطوير.
إنها لحظة إنسانية ونفسية روحية نادرة يمكن أن يتحرر فيها كل منا، ويغادر ضعفه وإحباطاته، متغلبا على ما تزرعه بداخله أنواع وأصناف القهر الظاهرة والخفية الناعمة، وليثبت لنفسه قبل الآخرين أنه جدير بأن يكون إنسانا، وأن الإنسان يمكن أن يتغلب على الشر في هذه الجولة.
إن هذا لا يبدو الآن حلما بعيد المنال… فدعونا ننتصر هذه المرة. فقط تذكروا أن الوقت يمر بسرعة.
"ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".
واقرأ أيضًا:
الجهاد المدني.. الطريق إلى فعل مختلف / الإسلاميون وحركات مناهضة الحرب والعولمة / أوهام القوة الأمريكية / الذوق العام / رمضان: ملاذ الأرواح