لقد شاع بين الناس فهم مرض فُصام الشخصية بمعنى أن يكون للفرد شخصيتان مختلفتان ويكاد يكون هذا هو المعنى السائد، وساهمت وسائل الإعلام على ترسيخ هذا المعنى من خلال ما يعرض في المسلسلات والأفلام التي تتضمن محتوياتها الفنية مثل هذا التعريف بهذه الإثارة دون الرجوع للمسببات الحقيقية العلمية، فلنعرف إذن: ما هو الفُصام ؟
قبل أن نفرد الأسطر القادمة لتعريف الفُصام نود أن نشير أولا لمعنى الكلمة في اللغة العربية وكلمة فُصام في اللغة العربية تعني التناثر والتشتت، ومن هذا المعنى نستطيع أن نستدل على تعريف الفصام والفصام وإن تعددت تعريفاته إلا أن التعريف الأشمل هو وصفه بعدم انتظام الشخصية وتدهورها التدريجي فينفصل مريض الفصام عن الواقع ويعيش في عالم خاص به وكأنه في حلم مستمر، ولا نعني بالحلم أحلام اليقظة فالفرق كبير بين عالم الخيال والأحلام التي يعيشها الفصامي والتي يتجاوب معها سلوكيا ولا يستطيع أن يفرق بينه وبين العالم الحقيقي الواقعي المحيط به وبين أحلام اليقظة العادية الطبيعية وهي وسيلة دفاعية يلجأ إليها الإنسان لتخفيف الألم النفسي عن الفرد، والذي يكون مدركا أنه يحلم ولا يستجيب لأحلامه سلوكيا ويستطيع بالطبع أن يفرق بينه وبين واقعه الحقيقي.
ومريض الفصام هو مريض ذهاني، أما من يستغرق في أحلام اليقظة والتي ربما تكون عرضا لبعض الأمراض العصابية فهو شخص طبيعي. لعلك تتساءل الآن عزيزي القارئ عن معنى كلمتي ذهان وعصاب وأنا سوف أوضح معناها والفرق بينهما من خلال هذه المقارنة البسيطة.
الذهان Psychosis
1- اضطراب في الشخصية ككل.
2- الذهاني لا يعي الواقع ولا يكون مستبصرا بمشكلته.
3- لا يستطيع الذهاني أن يتوافق اجتماعيا.
4- يكون المريض خطرا على نفسه وعلى المحيطين به.
5- دائما ما نلاحظ أن لغة الذهاني مفككة ولا يستطيع التعبير عن نفسه.
العصاب Neurosis
1-اضطراب في جانب من جوانب الشخصية.
2- العصابي يتصل بواقعه ويكون مستبصرا بمشكلته ويدرك أنه يعاني ولكنه يجهل الأسباب.
3- يستطيع العصابي أن يتكيف ويتوافق اجتماعيا.
4- نسبة الخطر محدودة عند المريض العصابي.
5- يتحدث بلغة سليمة ومتماسكة ويستطيع التعبير عن ما يعتريه من ألم نفسي.
إذن هل مريض الفصام مريض عقلي؟!
مرض الفصام من أكثر الأمراض المحيرة فيصنف في بعض التصنيفات علي أنه مرض عصابي وفي بعض التصنيفات الأخرى على أنه مرض ذهاني وإن شاع التصنيف السابق في الآونة الأخيرة.
إذن لنقل أنه الشعرة التي تفصل العصاب عن الذهان وإذا ما عرفنا أن الأمراض الذهانية تنقسم إلى قسمين:
(1) أمراض ذهانية ذات منشأ غير عضوي ومنها الفصام والبارانويا على سبيل المثال.
(2) أمراض ذهانية ذات منشأ عضوي كما نرى في بعض حالات الصرع وذهان الشيخوخة على سبيل المثال أيضا، وإذا ما عدنا لتعريف الفصام مرة أخرى على أنه تدهور تدريجي للشخصية لعرفنا أن هذا التدرج هو الذي ينقله من قائمة الأمراض العصابية لقائمة الأمراض الذهانية.
أعراض الفصام:
للفصام أعراض عامة تعتبر القاسم المشترك بين مختلف أنواعه ومنها:-
1 – وجود ضلالات أو وهامات Delusions وهلاوس Hallucinations هلاوس سمعية وهلاوس بصرية ولمسية وشمية بل وجنسية أيضا ويتعامل المريض مع هذه الهلاوس على أنها حقيقية وستجيب لها سلوكيا كأن يرى أشخاصا غير موجودين يحدثونه ويحدثهم.
2 – ينشيء المريض عالما خياليا خاصا به بعيدا عن الواقع ولا يستطيع أن يفرق بين هذا العالم الخيالي وبين الواقع.
3 – اضطراب الانفعال كعدم الثبات الانفعالي أو تناقضه فتارة يضحك ضحكا هستيريا وفجأة ينقلب باكيا.
4 – اضطراب التفكير والذاكرة دائم النسيان وخاصة للأحداث القريبة.
5 – اضطراب الكلام وعدم تماسكه ومنطقيته وذلك ما يعرف ب(السلطة الكلامية)Word Salad.
6 – فقدان العناية بالمظهر والنظافة.
7 – اللزمات الحركية والحركات الجسدية الشاذة.
8 – تناقض السلوك وغرابته بوجه عام.
0 أنواع الفصام:
نعم للفصام أنماط وأنواع إكلينيكية متعددة منها.
0 الفصام البسيط Simple Schizophrenia:
وهذا النوع من الفصام يسير ببطء وتكون الهلاوس والوهامات نادرة أو غير موجودة.
0 الفصام المبكر أو الهيبفريني Disorganized Schizophrenia: -
يبدأ في سن مبكرة لذا يسمي أحيانا فصام الشباب وهذا النوع تكون بدايته مبكرة ومفاجئة.
0 الفصام الكتاتوني أو الجامودي Catatonic Schizophrenia: يبدأ في سن متأخرة ويـأخذ شكلين:
(1 ) تصلبي: وفيه يكون المريض في وضع تخشبي أو تمثالي كأن يأخذ وضع الميت أو الصليب أو الجنين " القرفصاء " ويستمر على هذا الوضع دون كلل أو ملل.
( 2 ) هياجي: وفيه المريض يكون في هياج حركي غير مستقر.
0 الفصام الزوراني Paranoid Schizophrenia: يبدأ أيضا في سن متأخرة ويأخذ شكلان:
1 – العظمة: وجود أفكار عظيمة وأوهام القدرة والسلطة.
2 – اضطهاد: يتصور المريض أنه مضطهد وهناك من يود إلحاق الأذى به.
0 أسباب الفصام:
هناك عدة عوامل تسبب الفصام منها:
( 1 ) عوامل وراثية:
مرض الفصام لا يورث ولكن الاستعداد له هو الذي يورث حيث يقول العلماء أن هناك عامل وراثي متنحي يرثه الفرد يهيئه للفصام.
( 2 ) عوامل أسرية:
اضطراب العلاقة بين الطفل والوالدين وتناقض شخصياتهما مع شخصية الطفل وأيضا المشاكل الأسرية والانهيار الأسري وعدم إيجابية الطرفين كوجود أب قاسي جدا أو سلبي جدا والأم على النقيض
(3 ) عوامل بيئية:
التغيرات الثقافية والحضارية الشديدة حيث وجد أن الذين يهاجرون إلى بيئات وثقافات مختلفة بنسبة كبيرة عن ثقافاتهم يكونون معرضين بشكل أكبر للإصابة بالفصام ولا تغفل إحباطات الحياة المتعددة.
(4 ) عوامل نفسية:
كالفشل المتكرر والصدمات النفسية العنيفة والحرمان وعدم نضج الشخصية.
هل ما سبق هو أهم مسببات الفصام؟!!
بالطبع لا: فليس كل من تعرض لما سبق عرضة للفصام ولكن هناك شخصيات تكون عرضة للإصابة بالفصام وهؤلاء الأشخاص أصحاب الشخصية الفصامية والشخصية الفصامية هي:
شخصية تتسم بالانطواء والانعزال والفردية والسلبية بمعني آخر الانغلاق علي النفس وصاحب الشخصية الفصامية هو شخص هاديء خجول لديه حساسية مفرطة يفتقر لإقامة علاقات اجتماعية جيدة ويتسم سلوكه بالغرابة على وجه عام .
0 علاج الفصام:
يكون من خلال:
1 – علاج طبي: كالعلاج بالعقاقير والصدمات الكهربائية خاصة في حالات الفصام الحركي.
2 – علاج نفسي: يصعب العلاج النفسي في الحالات الحادة من الفصام نظرا لعدم وعي المريض بذاته وعدم استبصاره بمشكلته وأكثر ما يضر المريض الفصامي هو علاجه بالتحليل النفسي حيث يزيد من درجة تأمله الفكري ويزيده استغراقا في ذاته الخيالية ويكون تقديم العلاج النفسي في شكل علاجات تهدف إلى تخفيف قلق المريض وتنمية الأجزاء السليمة من شخصيته.
3 - علاج اجتماعي: نلاحظ أن الفصامي غير متوافق اجتماعيا ومنفرد، دائم الانسحاب عن الآخرين لذا فإن هذا الجانب من العلاج يهدف إلى زيادة التوافق الاجتماعي ومن أمثلة العلاجات الاجتماعية اشتراك المريض في الحفلات والرياضات الجماعية.
4 – علاج بيئي: عن طريق تعديل البيئة المحيطة بالمريض للأفضل وإصلاح الجو العائلي.
5 – علاج سلوكي: يهدف إلى زيادة ثقة المريض بنفسه والعمل على التغلب على المشكلات السلوكية التي تصاحب مرض الفصام كعدم الاهتمام بالمظهر أو النظافة ويتحقق ذلك من خلال إثابة السلوك الجيد وتجاهل السلوك الشاذ ويجب أن نشير هنا إلى أن العلاجات السابقة تعمل معا في تناسق وتناغم فلا يمكن لعلاج واحد أن يحقق الشفاء المأمول.
كيف نحمي أنفسنا من الفصام؟!!
1– إذا ما عرفنا أن الفصام أو المرض سيء السمعة كما يحلو للبعض تسميته تلعب الوراثة جانبا فيه فيمكننا إذن تجنب زواج الفصاميين من الفصاميين أو من المهيئين للمرض.
2 – توفير المناخ الأسري السوي وتوفير الدعم والتشجيع والحب وتدريب الطفل على تحمل المسئولية وعلي أن يكون كيان مستقل.
3 – نحاول قدر الإمكان أن نجنب من لديهم استعداد للإصابة بالمرض بالاحتياطات الشديدة والصدمات وتشجيعهم علي الاختلاط والتفاعل الاجتماعي.
ربما يكون ما سبق قد أزاح اللبس عند بعض الناس ووضحنا ما هو الفصام بأنه ليس معناه أن يكون للفرد شخصيتين كما صورت لنا المسلسلات والأفلام العربية وقبل أن نختم حديثنا سوف نجيب عن سؤال يدور في ذهن الناس وهو إذا ما هذا الذي تصوره وتقدمه الأفلام والمسلسلات على أنه فصام وإذا كان هذا ليس فصاما فما هو إذن؟؟!!!
ما تعرضه بعض الأفلام علي أنه فصام هو أحد أنماط اضطراب التفكك ويسمي ازدواج الشخصية ولنوضح بصورة مختصرة ما هو التفكك هو تفكك الشخصية وانفصال وليس انفصام لبعض أجزاء الشخصية حيث تقوم هذه الأجزاء بالأداء الوظيفي المستقل ومن صور التفكك ازدواج الشخصية وهي حالات نادرة وفيها يظهر للفرد شخصيتان أو أكثر تكون غالبا مختلفة عن بعضها وينتقل المريض من شخصية لأخرى دون وعي ولا يتذكر في إحداها ما يحدث في الأخرى والانتقال هذا يكون في صورة فترات قد تكون ساعات أو سنوات.
ويتبع >>>>>>> : الفصام بين العلم والسينما مشاركة
اقرأ أيضاً:
حكايات أخصائية نفسية / ليس الفصام مرضا تسببه الجينات / الاضطرابات الفصامية / الفصام ونكباته / يا عزيزي!! كل هذا الفصام؟ كثير!.