عقدة سندريلا (3) مظاهر العقدة
13- الخوف من النجاح :
لقد عبرت (ماتينا هومر) -وهى من المهتمات بموضوع الخوف من النجاح عند النساء-عن أن النجاح عند المرأة وعند الرجل لا يعنيان نفس المعنى، وانتبهت إلى أن كل نوع يفهم النجاح بمفهوم خاص به يجعل كل منهما يسلك بحسبه على نحو مختلف عن الآخر، أقله أن النساء لا يتابعن نجاحهن بنفس الطريقة مثلما يفعل الرجال، وقد عرضت هومر في كتاباتها للعديد من نتائج الدراسات حول هذا الموضوع، كما قدمت نتائج دراستها الشخصية وأهمها أن النساء يعانين من هذا الخوف أكثر مما يعانى الرجال.
وقد اعتبرت هومر أننا يمكن أن نحكم بحالة الخوف من النجاح إذا ما أصدر المفحوصين استجابات على شكل عبارات وأقوال تدل على أنهم يتوقعون نتائج سلبية تتبع أي نجاح أكاديمي مميز، وتخص هومر النساء بهذا الحديث، تدور هذه النتائج السلبية حول الخوف من أن تكون المفحوصة مرفوضة من الناحية الاجتماعية، وأن تفقد استحقاقها وجدارتها بين الناس، أو أن تفقد الفرصة لأن يتقدم لها من يخطبها أو يتزوجها ويكوّن معها أسرة وبالتالي ينشأ الخوف من أن تبقى وحيدة أو غير سعيدة كل ذلك بسبب النجاح الذي حققته.
وقد لاحظت هومر أن النساء اللائي انحدرن من المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض واللائي عشن في أسر تلقت فيها الأم قدرًا أكبر من التعليم من الأب وكانت الأم تعمل خارج المنزل وتجتهد طوال حياتها وتحاول أن تحقق كلاً من مطالب الأسرة ومطلب العمل:
لاحظت هومر أن بنات هذه الأسر لم يخبرن الصراع بين الإنجاز والأنوثة وهو أساس الخوف عند المرأة من النجاح لأنهن نشأن وقد رأين المتغيرين يتكاملان على نحو طيب في أمهاتهن وعلى أي حال فإن هومر أجرت مقارنة في إحدى دراساتها ظهر منها أن النساء سواء من الأصل الأبيض أو من الأصل الزنجي يخبرن القلق والخوف من النجاح أكثر مما يحدث مع الرجل الأبيض كذلك فإن نسبة 10% من الرجال البيض يخبرون الخوف من النجاح أكثر في حين أن 29% من النساء الزنجيات يخبرن هذه الخبرة، وتذكر أن نسبة الخائفات من النجاح في ازدياد من سنة إلى أخرى فقد كان متوسط من يعبرن عن الخوف من النجاح من النساء البيض في عام 1964 في حدود 65% وارتفعت هذه النسبة في عام 1970 إلى 88%.
ولنا أن نتساءل هل الخوف من النجاح يقلل من احتمالات النجاح الفعلية؟ ويبدو أن الإجابة الواضحة لهذا التساؤل بالإيجاب، حيث اتضح أن النساء قليلات الخوف من النجاح كي يهدفن إلى العمل الفني بعد الحصول على مرحلة البكالوريوس وإلى بناء حياة مهنية في علوم صارمة من الناحية العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء أكثر مما حدث مع النساء مرتفعات الخوف من النجاح ومن هذه الزاوية فإن النساء قليلات الخوف من النجاح شأنهن شأن الرجال الذين تكون لديهم تطلعات عالية من شأنها أن تزيد قدراتهم الفعلية.
إن النساء يدفعن ثمنًا غاليًا لتعلقهن بشأن النجاح، وقد انتهت هومر وزملاؤها إلى أن النساء الصغيرات -القادرات- غالبًا ما يكففن أنفسهم عن البحث عن النجاح، وفى مواقف المنافسة المختلطة التي تحوى الجنسين فإنهن يؤدين بدرجة أقل مما يتناسب مع إمكانيتهن والعديد منهن يحاولن إنهاء محاولات تحقيق النجاح ويحاولن التقليل من مستوى أدائهن فيما بعد، وبالتالي فإن هؤلاء النسوة لا يخبرن حقيقة قدراتهن ومواطن تميزهن وقد يعانين من الاختلاط والقلق عندما يضطررن إلى تحقيق طموحاتهن المهنية، والبعض منهنَّ ينسحبن من أي موقف يتضمن المنافسة.
14- المشكلات المرتبطة بالنوع:
إن المرأة تقع في كثير من التناقض وتواجه المشاكل بسبب تغير المفاهيم المرتبطة بالنوع الذي ترتبط به وهو نوع الإناث وقد تكون على وعي بعناصر وأطراف المشكلة وقد لا تكون واعية جيدًا بأبعاد المشكلة وفي هذا القسم تشير السيدة دولنج إلى بعض هذه المشكلات مثل التناقض الحاد والذي يبدو أنه لا يجد حلاً بسبب الأدوار المختلفة في الحياة ومفاهيم النجاح عند كل من الجنسين فقد ارتبط هذا التناقض بمختلف الأعراض الجسمية النفسية التي تعاني منها النساء كثيرًا.
وتقول دولنج بلسان بنات جنسها: إننا لا نتقدم بل نعود إلى الوراء، ونحاول أن ننجز في عالم تنافسي ونحن غير مؤهلات لذلك إلا بأدوات تجميلنا ومساحيقنا ونتصور أننا ننجز، إننا ندع الرجل يفتح لنا باب السيارة أو يشعل لنا السيجار قائلين لأنفسنا ما الضرر في ذلك؟ ليس العمل في ذاته هو الضار ولكن الضار هو الشعور الذي يتجذر في مشاعرنا ومضمونه: "ما ألطف أن تكون موضوع الرعاية من جانب الرجل".
وتريد معظم السيدات ببساطة أن يبقين مدللات من قبل الرجال باعتبار أن هذا الوضع يشعرهن بأنهن يتسمن باللطف والأسلوب الأنثوي، إنهن يحببن كثيرًا هذه اللمسات البسيطة من الحماية، ولكنهن في قرارة أنفسهن يردن تطبيق القانون أو المبدأ العالمي:" إنني أستطيع أن أكون جذابة وناجحة في نفس الوقت".
وتعلق السيدة دولنج على ذلك قائلة أن هؤلاء النسوة يضحكن على أنفسهن عندما يردن لأنفسهن الحماية ويردن في نفس الوقت أن يكن مستقلات تمامًا، إنهن في هذه الحالة مثل الذي يريد أن يقود السيارة بينما تكون الفرامل مشدودة في حالة عمل وإذا أردنا أن تتم الأمور على وجهها الصحيح فإن الإنسان ينبغي أن يكون عدوانيًا عندما يتطلب الأمر ذلك ، ويتطلب الأمر أيضًا من الفرد أن يناضل في سبيل معتقداته وما يعتقد أنه الصواب.
وتقول دولنج أن المرأة قد تنتهي إلى أن تعقد صفقة مع الرجل -ولو على المستوى اللاشعورى- مضمونها أن عليك أن تهتم بي في العالم الخارجي مقابل أن أهتم بك في العالم الداخلي (المنزل) وتذكر أن المرأة -حتى الناجحة مهنيًا- تحتاج إلى رجل يعطي اهتمامًا لما تشعر أو تعتقد أنه مهم لديها .
ولماذا يحدث ذلك ؟
تذكر السيدة دولنج أن النساء كثيرًا ما يعلنَّ أنهن يكرهن أن يعشن مع رجل بنفس الطريقة التي عاشت بها أمهاتهن مع آبائهن.. غبيات، شاكيات، في وضع لا يعكس الاستقلالية والحرية، حاصلات على نقود كثيرة ولكنه إعلان زائف.
ومن الناحية الانفعالية - إن لم يكن من الناحية الذهنية- أن القرار بأن تعيش المرأة على عكس ما كانت تعيش الأم شيء مزعج، فإن الأم ربما لم تكن تعيش الحياة المثالية أو الطيبة ولكنها على الأقل كما نعرف قد عاشتها.
إن البنت الصغيرة تكتسب مفهومها عن الأنوثة من ملاحظة سلوك الأم والنساء الأخريات القريبات منها والمحيطات بها فما الذي يحدث للنساء اللائي ينحرفن عن النموذج الذي مثلته الأم في الداخل؟؟
تشعر المرأة وكأنها طفل يتوقع أن شيئًا ما سوف يحدث إذا ما اتخذت هذه الخطوة نحو الاستقلال بعيدًا عن الأم وعن أسلوبها الخاص في الحياة، وتجد نفسها في موقف يثير الدهشة وتتساءل أين أجد الإشباع في الحياة إذا ما رفضت طريق حياة أمي، والمرأة التي ليس لها مثال للدور المناسب الذي تحتذيه في حياتها تكون في ورطة نفسية عميقة، فهي لا تريد أن تكون مثل أمها ولا تريد أن تكون مثل أبيها فمن إذن تكون مثله؟ إن هذا الخلط في الهوية الجنسية أو هوية النوع أقسى المشكلات المرتبطة بالنوع .
15- إنكار أن العمل داخل المنزل أكثر إشباعاً :
إن الرجل الآن يريد لامرأته أن تعمل عملين أحدهما خارج المنزل والأخر هو عملها داخل المنزل، فأغلبية رجال اليوم لا يريدون أن يرفعوا عن زوجاتهم إصر العمل في المنزل مقابل العمل الذي تتحمل أعباؤه خارج المنزل، وتقول السيدة دولنج أنها لم تقابل مطلقًا امرأة لديها قدر معادل أو مناسب من المشاركة في عمل المنزل مع زوجها بصرف النظر عما إذا كانت تعمل خارج المنزل أو أن لديها أطفال أو أنها تكسب نقودًا أكثر مما يفعل وعندما تعود إلى المنزل تدير شئونه وتهتم بالأطفال.
إن المرأة تعمل أكثر وهى تشكو من أنها لم تجد مساعدة من جانب الزوج.
إذن.. المشكلة لها علاقة بحاجات المرأة; وقد أجري مسح شامل لعدد من النساء العاملات سئلت فيه المفحوصات عما وجدنه أكثر إشباعًا من الناحية الشخصية العمل داخل المنزل أو العمل خارج المنزل؟ فكانت الإجابة الأكثر تكراراً هي: العمل داخل المنزل.
وتقول السيدة دولنج أن التحدي الأكبر الآن أمام النساء ليس أن تجعل المرأة زوجها يعمل أكثر، بل أن تعمل هي وأن تكسب مقدارًا من المال مساويًا لما يكسب ولا تستسلم أو تتخلى عن الطقوس المنزلية التي تجعل بيتها جميلاً وأنيقًا وتجعلها على المستوى الشخصي جذابة وأنثوية.
إن المرأة استمرت في أداء دور راعية المنزل سواء كانت تعمل خارج المنزل أو لا تعمل لأنها مازالت تشعر ولو على المستوى اللاشعورى أنها اعتمادية على زوجها، ومن هنا يكون حرص المرأة على الأسرة أكثر من حرص الرجل.
إن الأمان في ظل الزواج يتحقق لأنه يتيح للمرأة أن تكون مرغوبة ومحبوبة وأن ييسر لها في نفس الوقت أن تحب الآخر، لذا فإن الرجل ينظر أحيانًا إلى عمل المرأة -خاصة إن لم يكن لأسباب اقتصادية- نظرة غير مريحة لأنه يتضمن احتمالية التباعد بين الزوجين، ولكن الملاحظ في معظم الحالات أن المرأة تضحي بالعمل إذا ما تعارضت في مقتضياته مع مقتضيات الأسرة لتبقى زوجة وربة بيت متفرغة لبيتها.
المصدر : مجلة علم النفس عدد 67/68 (يوليو ديسمبر 2003)
ويتبع >>>>: عقدة سندريلا (5) خاتمة