البعض يفرح ويقول : مصر ولادة ... ولكن العدد في الليمون .. وأولادنا متفرجون ومتفجرون
أكتب أحيانا ما يمكن أن يندرج تحت بند "البلوغرز" وهي بمثابة يوميات أو مدونات فتحنا لها الباب على موقعنا www.maganin.com وفي 21 مارس الماضي كتبت تعليقا على التفجير الذي حصل في " قطر"، وتوقعت حينذاك أن الظروف والضغوط المتنوعة والمتزايدة التي نعيشها ونتعرض لها جميعا بدرجات متفاوتة، من شأنها أن تنتج المزيد من المتفرجين؛كما ستنتج متفجرين.
ويشغلني بحكم التخصص والاهتمام موضوع سيكولوجية العنف، وهو ما أسهمت فيه بالكتابة وحضور بعض المؤتمرات والحوارات العامة، والمتخصصة محليا ودوليا.
كما أستقبل مع الزملاء والزميلات أسئلة ومشكلات من الشبان والشابات حول العالم على الموقع الإليكتروني سالف الذكر، ومن قبله على موقع www.islamonline.net وأحرص منذ سنوات منذ بداية هذه الخبرة وحتى من قبلها على الالتقاء بالأجيال الجديدة، وكتبت عن ظواهر مثل " المتدينين الجدد" وغير ذلك من الظواهر الشبابية والاجتماعية التي تدخل فيها الاتصالات، وبخاصة شبكة الإنترنت، كعنصر فاعل ومؤثر مع مؤثرات أخرى متنوعة؛
وبناء على هذه الخلفية فإن التفجير الأخير بمنطقة الأزهر، والإعلان عن الفاعل الشاب بظروفه التي فصلها بيان الداخلية، يدخل في قلب بؤرة اهتماماتي من عدة جهات وبهذه المناسبة أستطيع القول مطمئنا ومنبها إن ما نجهله عن الأجيال بل والعوالم الجديدة هو أضعاف ما نعرفه!!
ولعلنا لا نفلت هذه الفرصة لنتعرف على جزء مجهول من حاضرنا وتكوين مستقبلنا.. والجهل هنا خطأ وخطر ما لم نتدارك ونحاول ونجتهد لنفهم ونتعامل أفضل وأرشد.
ومبدئيا، ودون محاولة للإطاحة بكل جوانب الموضوع، أرصد الملاحظات التالية:
تركيبة أغلب أفراد الأجيال الجديدة تدعو للقلق، فمستوى التعليم الذي يتلقونه –مثلا– متخلف عن حالة العلم في كل ميدان من ميادينه بعدة سنوات ضوئية!!!
وعلاقتهم بالدين والعالم شديدة الهشاشة والتخبط، وربما التناقض، بعضهم يعيش في ظروف غير آدمية وأملهم في المستقبل يكاد يكون مسدودا إلا لفئة المحظوظين المحدودة، وفوق هذا وغيره يتغطون بقشرة من الصلابة التي تصل إلى حدود الشراسة أحيانا، ربما مثلما يتسلح القنفذ بالأشواك لحماية جسده الرخو.
لدى هذه الأجيال قدرة هائلة للغاية على التواصل أو بالأحرى الاتصال الإليكتروني، ولم يتوقف عندنا أحد تقريبا ليرصد آثار تنامي مساحة هذا الاتصال مقارنة بانقطاعهم المتزايد عن واقعنا الحي الذي يرونه مدانا كله، ومتخلفا كله، وسلبيا كله، وكل تعميم مضلل، ومسألة آثار الاتصال، وبالتالي التكوين النفسي والثقافي "الديجيتال" تحتاج إلى تفصيل أكبر، ولكنني أقتصر هنا على ما لاحظه الأستاذ حسين أحمد أمين ببراعة من أن ثقافة هذه الأجيال، لو اتسعت، فإنها تتضمن من المقومات العولمية أكثر مما تضم شيئا يذكر عن تاريخنا أو تراثنا أو لغتنا، أو تضم قشورا في أحسن الأحوال.
لم تستوعب جهود الآباء والأمهات المنهكين والمنهكات في معارك العيش اليومي حركة الأبناء والبنات وسط المتغيرات المتلاحقة، والتحولات الجذرية المتسارعة، وكما فاتت أغلب هذه الأجيال بالتالي محاضن التربية والدعم داخل الأسرة، فإنه لم يصبهم الدور في الاستفادة من أي جهود أو أنشطة ثقافية أو تكوينية، اللهم إلا ما كان متاحا أو سعوا إليه، من دور اللغات الأجنبية أو الكمبيوتر، أو مهارات البيع والشراء أو العلاقات العامة على الطريقة الأمريكية، ولو معربة.. أو غير ذلك من أنشطة محدودة، ولا تسأل عن وصول المنتجات أو الخدمات الثقافية الصادرة عن الدولة إليهم، لأن هذه قصة أخرى تطووووول.
أدى انحسار تواجد الدوائر والهياكل الاجتماعية والسياسية من أحزاب أو جماعات دينية أو أهلية أو ما شابه، إما بسبب ملاحقة السلطات أو الجموح عن التجديد، أو التآكل الداخلي، إلى دفع الشباب خارج تلك الدوائر بحيث لا يشعرون أنها تعبر عنهم أو تمثلهم أو يحرصون على وجودهم فيها، فبدوا متخلصين من عيوب هذه الهياكل التي كانت، ولم تزل، مزمنة ومعششة فيها، ولكنهم أيضا فقدوا الانتماء لأية جماعات فرعية مع أهمية هذا الانتماء، وخطورة فقده.
بالتالي لا يسعدني كثيرا محض انضمام هذه الأجيال إلى صفوف الساخطين اللاعنين لكل سلطة أو قيد، لأن خواء المحتوى، وغياب الرؤية، وفقدان الأمل والانتماء يجعل من حامله عبئا على مستقبل أية محاولة تغيير أكثر من كونه رصيد إيجابيا لها، وإذا فرح البعض بهذه الكتل، وقال:
يا سلام... مصر ولادة، والعدد في الليمون، فإنني أشفق على هذا الشباب/الليموني..... كما أشفق علينا جميعا، ولا أتردد في القول إن توظيف حماسهم وطاقاتهم دون الاهتمام بتنمية وإنضاج خبراتهم هو نوع من الاستخدام والخيانة.
انتهت ملاحظاتي السريعة المبدئية، وأؤكد قبل أن تتركوا بقية المقال أن هذه النقاط التي قد تبدو عيوبا هي في رأيي مجرد نقاط لعمل كان ينبغي أن يبدأ منذ زمن، ولعله يبدأ الآن بمصارحة عميقة ندخلها جميعا فيقول الكبار لنا مثلا كيف أخطئوا، ولماذا خدعونا أو انخدعوا؟؟!
وكيف لا نخدع أنفسنا حاليا أو غدا ؟؟ ويتفهم الشباب أنه ليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كل ما يأتي من الغرب يسر القلب، كما أنه ليس كل ما ورثناه من الماضي هو بلا قيمة أو من ناحية أخرى جدير بالاحتفاظ أو قابلا للاستمرار.
هؤلاء الشباب يكرهون الكذب والظلم،وهما خبزنا وغموسنا اليومي، وهم يعيدون فهم وتعريف وترتيب الأشياء بطريقة تتداخل فيها الرؤى على نحو ستحق التواصل والدراسة، ولديهم زهق مبكر وشديد، ولكن هذا لا يمنع أن نندرج جميعا في حوار دائم نحتاجه أكثر من أي وقت مضى، بدلا من استمرار الضجر أو الفرجة أو الهجرة أو الانفجارات.
حضرت مؤخرا لقاء للدكتور جلال آمين، وكم كان بسيطا ومذهلا، وهو يروي للحاضرين حقيقة ما صاحب حياته من خداع واكتشافات له، في كل مرحلة من عمره الذي جاوز السبعين .
وقال في خواتيم كلامه:
إن غاية ما يملكه من هم في مثل سنه –بارك الله له فيه– أن يقولوا للناس الحقيقة، على الأقل.
وقرأت مقالين في أدب الاعتذار لأخي الكاتب اللامع "بلال فضل" على صفحات الدستور، وربما نبدأ حوارنا المفقود المنشود بهذه البداية المتواضعة العظيمة، قول الحقيقة والاعتذار .
ودمتم سالمين
واقرأ أيضًا:
كيف تدفع عصابة بوش الثمن فادحًا؟! / الذوق العام / رمضان: ملاذ الأرواح / قراءة في كتاب: سيكولوجية الشائعات