حين تحمل الأم تفكر كثيراً في اختيار اسم المولود ويظل الوالدان في حيرة الاستقرار على الاسم، وقد يختار الوالدان اسم غريب فإحدى المدرسات التي كانت في مدرستي حين أنجبت قام الأب بتسمية المولودة نفس اسم والدتها!! (رغم أنها لم تكن جميلة أبداً) وذلك ليبرهن لها على حبه.... أما إحدى الصديقات فأسمت ابنها نفس اسم حماها لنفس السبب.... وقد نجد على العكس من ذلك فترى خلاف بين الوالدين فالأم تريد أن تسمي الطفل نفس اسم والدها والأب يريد أن يسميه نفس اسم والده....
ويرتبط الاسم بالحقبة التاريخية التي نعيش فيها، ففي الماضي كانت المجتمعات رعوية وبها تنقلات كثيرة من مكان لآخر، وربما كان ظهور الأسماء المرتبطة بالحيوانات والطيور من هنا مثل أسامة، وأسد وفهد وصقر وهيثم..... وحينما بدأت المجتمعات تتحول إلى الزراعة ساد الاستقرار فأصبح ينسب المرء إلى المكان الذي يستقر فيه وهذا النسب أصبح جزء من الاسم فنجد "الشرقاوي" من الشرقية، و"لمحلاوي" من المحلة و"لإسكندراني" من الاسكندرية و"المنياوي" من المنيا وهكذا...
وحين كثرت الأعمال أصبح الناس ينسبون إلى حرفهم ففلان "النجار" أو "الحداد" أو "الجزار" أو "الخياط" أو"الساعاتي".... وأصبحت هذه الأسرة مشهورة ومعروفة وتوارثت الأجيال هذه الأسماء المرتبطة بالعمل الحرفي وكأنه دليل على الفخر بأن أجدادنا كانوا يعملون بتلك الحرف، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحدكم طعامًا أحب إلى الله عز وجل من عمل يده»، ومع الهجرة من بلد لآخر ومن دولة لأخرى أصبح الفرد ينسب لبلده الأصلي ففلان المغربي وفلانة السوداني...
وللاسم دلالات أخرى فمن اسمه" أحمد" هو انسان مسلم فاسمه يعلن عن ذلك حتى إن كان سلوكه على العكس.... ومن كان اسمه "صليب" بالتأكيد هو مسيحي...وقد يكون الأمر عكس ما نتوقع فكارمن صديقتي مسلمة ونهى التي تعرفها أمي مسيحية.... وعلى أي حال فإن خير الأسماء هو ما حمّد (مثل محمد ومحمود وحامد.....) وعبّد _مثل عبد الرحمن وعبد اللطيف...)، وذلك كما أخبرنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
وقد يكون للاسم المركب دلالة أخرى فقد قابلت في حياتي من اسمه: "مصطفى محمود" و"جمال عبد الناصر" و"فاطمة هانم" ... والاسمان الأوليان لمشاهير فيظل صاحب الاسم يسير بهذه الشهرة أو التعليق على اسمه أينما ذهب أما الاسم الأخير فقد كان لمريضة بالمستفى النفسي....
وقد يكون على العكس فقد ذكر لي جدي –رحمه الله- حين كان يعمل في منطقة شعبية أن أحد سكان المنطقة اسمه "الجحش"... وحين تعجبت وسألته: ليه اسمه كده يا جدو؟ أخبرني أن أهله كانوا يخافون عليه من الحسد ومن ذلك نستدل أن هذه الطبقات تحب إنجاب الذكور عن الاناث...
والحقيقة أن ديننا الحنيف حث على أن نعطي الطفل حقوقه حتى قبل أن يولد وذلك بأن نحسن اختيار اسمه. ولكننا أحياناً نحب أن ينادينا الآخرون باسم الدلع فنجد فسيدة تصبح سوسو، ولمياء تصبح لولو، وفريدة تصبح فافي... وأحمد يصبح حمادة و و و....
ويحضرني الآن اسم صديقتي حنان واسمها المكتوب في شهادة الميلاد هو أم كلثوم.... ففي البيت ومع المقربين ينادونها باسم في حين تنادى باسم آخر في أماكن العمل والدراسة.... وقد يكون لذلك تأثير على صاحب الاسم فقد يذكره اسمه المكتوب في الأوراق الرسمية بذكريات غير إيجابية أو قد يصنف الآخرين بناء على مناداتهم له فمن يناديه باسمه الرسمي تبقى علاقته به سطحية والعكس صحيح... وقد نحرف بعص الأسماء فعائشة تصبح عيشة، وهناك أسماء لها دلالات يبدو أن من اختار الاسم لم يدرك دلالته فاسم "ديانا" وهي إلهة الليل والصيد لدى الرومان، واسم "نهاد" هو جمع نهد.
وكما قلنا أن الاسم مرتبط بالثقافة ففي السعودية مثلاً –التي عشت فيها –جزء من طفولتي ومراهقتي- تهتم باسم الأسرة فإذا سأل أحد عن اسمك.. توقع أن السؤال التالي هو: من بيت مين؟ أي من أي أسرة؟ وكلمة آل-فلان يمثل الجزء الأخير من معظم أسماء الناس مثل آل-سعود وآل-الشيخ....
أما في القرى المصرية فنجد طفلة اسما "أم الخير" أو .... وبمجرد أن تتزوج –وحتى قبل أن تنجب- تجد الجميع ينادونها بكنية أم فلان....
وتحضرني إجابة إحدى السيدات الريفيات في برنامج تلفزيوني مصري حينما سألتها المذيعة اسمك إيه؟ فقالت أم فلان... وحين سألتها: لأ اسمك انتي إيه؟ فأجابت: وليه قلة القيمة دي...... ومن هنا نجد أن أحد القيم التي تتبناها هذه المرأة وثقافتها من حيث أن وظيفة المرأة الأساسية هي الأمومة، وأن الابن هو الذي يعطي لها قيمة وأهمية... وفي الثقافة الغربية نجد أمرا مشابها لذلك لكن لاتنسب المرأة لابنها بل لزوجها، ومن ثم يتم تغيير اسمها في البطاقة...
والطريف ما ذكرته أستاذتي د.مايسة المفتي حيث عاشت في أمريكا لعدة سنوات فتقول: كنت أبحث عن كتابات باحثة معينة، والغرب يكتب اسم الأسرة أولا فإذا شاركت في بحث سيكتبون اسمي كالتالي"المفتي م." ومن ثم وجدت أن لتلك الباحثة ثلاث أسماء.....الأول وهو اسم أسرتها قبل الزواج والثاني اسم زوجها الأول والثالث اسم زوجها الثاني.... ولم يكن من السهل أبداً الحصول على أعمال تلك الباحثة....
وهذا يجعلني أحمد الله على تكريمه للمرأة فلا تفقد اسمها بعد الزواج ولا تنشر امام الناس أنها تزوجت مرتين مثلاً... وإن كنت ألاحظ بعض التأثر بتلك الثقافات حيث نقول لفلانة مثلاً: مدام فلان الفلاني أو حرم فلان الفلاني... دون ذكر اسمها أو اسم والدها أو حتى كنيتها.
وقد نمى إلى علمي أن بعض الولايات الأمريكية تختار لأبنائها اسمين!! فيكون اسمك مثلاً: "لمياء مي" أو"جميل عليّ".... وهذا أحياناً ما نلاحظ تواجده في بلادنا العربية ايضاً فوالدي مثلاً اسمه مركب وهو "محمد عزت" وهناك أسماء مركبة من نوع آخر مثل "شمس الدين" و"قمر الزمان"... وإذا تسآلنا عن أسماء أخر مثل :عصمت وهمت وشوكت وعزت... وغيرها من الأسماء التي تشعرك أن الاسم لابد أن يكتب بتاء مربوطة وليس مفتوحة...
فستعرف أنك بصدد اسم مأخوذ من الثقافة التركية والجدير بالذكر أن بعض هذه الأسماء يصلح للذكور والاناث مثل عصمت... وهناك أسماء أخرى لا تنتهي بهذه التاء ولكنها أيضاً تحيرنا إن لم نرى صاحبها مثل رجاء ووسام ونور وغيرها.
والأسماء أيضاً ترتبط بالموضة فحين كنت صغيرة كان اسمي موضة فكان في فصلي داليات كثيرات –إن صح التعبير- أما الآن فالموضة هي أسماء قديمة جداً من أيام جدتي.... ويمكنك أن تجد على النت الأسماء ومعانيها بسهولة.
واقرأ أيضاً:
التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري / علم النفس والحرب