نحن نعرف جميعاً أن هناك ما يسمى بالعلاج النفسي وإذا سألت أي شخص يسير في الطريق: "يعني إيه علاج نفسي؟" سيقول لك أن المريض يجلس مع الطبيب أو المحلل النفسي ويفرغ ما بداخله... وهذه الجملة رغم سطحيتها فإن بها قدر من الصحة، ولكن هل كل أنواع العلاج النفسي تعتمد على العلاج النفسي الفردي؟ أي القائم بين المعالج النفسي والمريض؟ والإجابة هي لا بالطبع فهناك أنواع أخرى من العلاج النفسي منها العلاج النفسي الجماعي والعلاج الزواجي والعلاج الدوائي والعلاج النفسي للأسرة، ويعد الأخير نوع من العلاج يركز على اعتبار الأسرة وحدة العمل العلاجي وليس الفرد المريض نفسياً،
بمعنى أن المعالج النفسي يتعامل مع الأسرة ككل، ويقابلهم جميعاً، فالمشكلة هنا مجزأة كل فرد من أفراد الأسرة له دور في حدوث المشكلة بل وهذه المشكلة تنعكس عليه بشكل أو بآخر، فإذا رجعت بذاكرتك إلى أي مشكلة عانى منها أحد أفراد أسرتك ستجد أن مشكلته تلك قد أثرت عليك وعلى الأعضاء الآخرين في الأسرة...
وتدرك بعض الأمهات أن مشكلات أطفالهن ترجع إلى طريقة تعامل الأم والأب مع الطفل، وتدرك بحسها أن الطفل يتحسن سلوكه حين يكون مع أشخاص آخرين!! فيصبح أكثر أدبا وهدوءاً حين يذهب إلى الحضانة أو المدرسة أو إلى جدته.... ويتضح الأمر حين نستمع إلى مشكلات المراهقين فنجدهم يشتكون من الإحساس بالوحدة وأن الأب والأم منشغلين عنهم... وكذلك إذا قابلنا أحد الوالدين أو كلهما تجد يشكو "مرّ الشكوى" من تصرفات ابنه المراهق... وإذا تساءلنا من هو صاحب المشكلة سندرك أنها الأسرة ككل!!
وعلى أي حال فإن العلاج الأسرى يعتبر من المناهج الحديثة نسبياً في مجال العلاج النفسي والذي بدأ يظهر مؤخراً في عالمنا العربي، وهو يتميز عن غيره من أنواع العلاج فيختلف مثلاً عن العلاج النفسي الجماعي لأن المتلقين للعلاج يكونون بالفعل وحدة كان لها كيانها من قبل العلاج.
وقد بدأ العلاج الأسري كطريقة علاجية واضحة في فترة الخمسينيات رغم أن هناك بعض العوامل التي ساعدت في ظهور هذا النوع من العلاج قبل تلك الفترة، وبمضي الوقت أصبحت هناك قناعة واضحة بأن أسرة المريض عامل وسيط هام جداً في نجاح العلاج النفسي، وقد اكتشف هذا النوع من العلاج حينما لاحظ المعالجون النفسيون أن التحسن الملحوظ للمرضى يتم فقط حينما يسمح النظام الأسري بحدوث التغيرات السلوكية الدائمة التي يتطلبها العلاج، وإلا تنهار كل المحاولات العلاجية فتزداد حالة المريض سوءاً بسبب تأثيرات الأسرة؛
بحيث يمكن القول أن التقدم في العلاج الأسري قد حدث عندما بدأت الرؤية تنتقل من المريض نفسه إلى رؤيتها في العلاقات المرضية مع والديه مثلاً، وعندما تغيرت رؤية المريض من كونه ضحية إلى رؤيته على أنه يعكس في اضطرابه جانباً محدوداً من مرض والديه أو أعضاء أسرته.
ومن الطريف أن الأسرة المضطربة تأتى إلى العلاج ومعها أنماط من السلوك غير السوي له تاريخ سابق طويل. ومع ذلك فإن الأسرة التي تكون في حاجة إلى العلاج قليلاً ما ترى نفسها مضطربة أو تعانى من مشاكل. بل إنها في أكثر الأحيان تحضر إلى العيادة النفسية بطفل مضطرب تقدمه بوصفه السبب في أنهم قدموا إلى العيادة.
أهداف العلاج الأسرى:
ما الذي نهدف إلى الوصول إليه من خلال العلاج الأسرى ؟ يهدف هذا المنهج العلاجي إلى تحسين أداء الأسرة ككل، وذلك من خلال تفهم العلاقات داخلها أولاً ثم وضع خطة علاجية تسعى إلى تغيير العلاقات الشخصية المتبادلة (وغير السوية) بين أفرادها، وتشارك الأسرة المعالج في إعداد هذه الخطة، كما يهدف إلى محاولة تحقيق الانسجام والتوازن في العلاقات بين أعضاء الأسرة، وتقوية القيم الأسرية الإيجابية وإضعاف السلبية منها لدى أعضاء الأسرة.
ولا يركز العلاج الأسري على الأسرة ككل متجاهلاً أعضائها فهم أساس الأسرة لذا يعمل هذا العلاج على تحقيق نمو شخصيات أعضاء الأسرة وأدائهم لوظائفهم الأسرية في جو أسرى مشبع، كما يهدف إلى تأكيد وإظهار الفروق بين أفراد الأسرة، أي تنمية هوية كل فرد وتطوير إحساسه بالاستقلالية دون الشعور بالخوف والقلق من هذا الاستقلال، فالصحة النفسية تتحقق من خلال القدرة على خلق توازن بين الولاء للأسرة وإشباع الذات.
وأخيرا يهدف إلى إعادة بناء الانقسامات بين أعضاء الأسرة فقد نجد الأبناء في جانب الأم وضد الأب مثلاً، أو نجد انقسم داخل الأسرة بشكل آخر فالأم وابنها في جانب والأب وابنته في جانب آخر... وكأن هناك عداء وانقسام بين أعضاء وحدة الأسرة...
اقرأ أيضاً على مجانين :
العلاج الزواجي السلوكيMarital Counseling / العلاج المعرفى/ الهوية العربية ...الأمل.. أسئلة ذكية..!! / تعرف على شخصيتك من خلال رسمك / اسمك... ودلالته