أحلام المدمنين (دراسة استطلاعية حضارية مقارنة)
موضوع البحث وهدفه مقدمة:
لاشك أن للغة الأرقام والإحصائيات جاذبيتها العلمية، وخاصة في وقت يتفاخر فيه الجميع بالالتزام بالمنهج العلمي وتقنياته المحددة والمنضبطة بيد أن الإسراف في الاعتماد على الوظيفة المنطقية فقط ولغة الأرقام يدفع بالإنسان إلى شيء من السطحية في فهم نفسه وفهم العالم من حوله إضافة إلى أن مختلف طرق التعبير الإنساني من الفنون والأساطير والآداب والتراث الشعبي واللعب والطقوس الدينية والأحلام تكون خاوية من الدلالة والمعنى بعبارة أخرى استبعاد بعض أوجه النشاط النفسي بالرغم من وضوح أهميتها البالغة في حياة الإنسان منذ وجد الإنسان (سعد المغربي 1986 ،137).
وإذا كنا نعرف بتعدد طرق الإنسان في التعبير عن نفسه فإن الأحلام هي أحد الأوجه التي يعبر بها الإنسان عن نفسه تعبيرًا له معنى من خلال تركيب معين ورموز معينة إضافة إلى أنها تكون مختومة المعنى ومعبرة عن رغبات الشخص وإن كانت بصورة مقنعة عبر العديد من الحيل والتكنيكات الخاصة بإخراج الحلم (فرج احمد ، ب ، ت 16: 17) ناهيك عن أن تحليل الأحلام كنشاط نفسي له معنى ودلالة ليس مجرد جانب من جوانب عملية التحليل النفسي العلاجية وإنما هو بالإضافة إلى ذلك منهج ووسيلة من وسائل ومناهج البحث العلمي.
وقد كان فرويد هو المسئول في العصور الحديثة عن إحياء فكرة أن الأحلام جديرة بأن تؤخذ بشكل جدي وانتهى من نقد الاتجاهات السابقة عليه في تفسير الأحلام منتهيًا إلى أن الحلم ظاهرة نفسية ذات معنى وأن غموض الحلم ظاهرة يمكن فضها عن طريق اصطناع المنهج العلمي لفهم الحلم وتفسيره (فرويد 1994).
إضافة إلى أن الأحلام جزء من حياتنا شأنها شأن أي شيء أخر في مجال خبراتنا وتلعب دوراً كبيراً في حياتنا وتساعدنا في فهم أنفسنا وفهم الآخرين وتساعدنا على حل المشكلات كما تساعدنا على مداواة أنفسنا (نيريس دى 1986 ، 5). ولذا يجب أن يهتم المعالج بعملية تفسير أحلام المريض لأنها الطريقة التي توصلنا إلى أعماق النفس البشرية وتوقفنا على حقائق قد يجهلها الشخص عن نفسه ويجهلها عنه الآخرون (سامية القطان 1980،122 : 133) .
ولذا فإنه من المفيد أن نضع في اعتبارنا طرقًا أربعة محتملة في النظر إلى الأحلام التي يرويها المريض وهى:
أولاً: أن بعض الأحلام تمثل بالتأكيد رغبات يغلب عليها طابع الجنس أو الطموح.
ثانيًا: كثيرًا ما تعمل الأحلام كمنفذ لتصريف الدوافع التي يستحيل على الحالم التعبير عنها أو التي لا يستطيع الإقرار بها ولو جزئيًا.
ثالثًا: كثيرًا ما تكون للأحلام جانب أو دور تعويضي.
رابعًا: كثيرًا ما تُربط الأحلام بالمشاكل التي يعيشها الحالم والتي لم يجد لها حلاً بعد. ( أنطوني ستور ب ، ت : 71 72)
وأن الغموض الذي يحيط بالأحلام هو نفسه الغموض الذي يسترعى الانتباه نحو الأمراض العصابية والذهانية ( فرويد 1988 ،83)
وبالتالي فإن إزالة مصدر التحريف والغموض يتيح لنا فهمًا أفضل لمحتوى الحلم أو العرض المرضى (فرويد 1987 ،140 – 268) إضافة إلى أن الأحلام تعد أحد الوسائل الدفاعية التي يلجأ إليها الشخص لإشباع دوافعه التي تلح على طلب الإشباع خاصة إذا كان هذا الإشباع مستحيلاً في عالم الواقع ( فرج طه ، 1979 ، 65 : 66)
مشكلة الدراسة:
نشأت فكرة الاهتمام بأحلام المدمنين من خلال محورين:
الأول: وقد تمثل في فهم الباحث لأهمية الأحلام في العملية العلاجية ولفهم ما يدور في أعماق الشخص كما اتضح من المقدمة سالفة الذكر.
الثاني: عمل الباحث معالجًا نفسيًا لمدة خمس سنوات في مستشفى لعلاج الإدمان ورغم تجاهل أهمية أحلام المريض -المدمن في البداية- إلا أن حدوث واقعتين وهما الاثنين من المدمنين وأكدهما العديد من أفراد أسرتيهما قد جعلته يهتم بدراسة موضوع الأحلام.
= تمثلت الواقعة الأولى في حلم رواه لي مدمن خمر من النوع الكثيف في التعاطي حيث شاهد حلمًا ورغم
أنه استيقظ فزعًا إلا أنه صدق وقائع الحلم وذهب إلى للشرطة للإبلاغ عن جريمة قتل -لا وجود لها إلا في خياله- مما قاده إلى العديد من المشاكل .
= وتمثلت الواقعة الثانية في مدمن مواد طيارة (تشفيط) كان يستيقظ من النوم فزعًا ويصرخ بأن المنزل سينهار مما يحدث حالة من الجنون والرعب لدى أفراد أسرته بمختلف أعمارهم مما قادهم إلى العديد من المشاكل سواء مع المدمن أو المحيطين بهم أو مع رجال الأمن .
* وبما أن الأحلام نشاط إنساني عام لذا فقد رأى الباحث ضرورة عقد مقارنة بين أحلام المدمنين في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية كمقارنة حضارية بهدف الوقوف على أوجه الشبه والاختلاف بينهما، وإن كانت دراسة الأحلام تحتاج إلى إجراء العديد من الدراسات في هذا الصدد.
هدف البحث:
لم تأخذ الأحلام -رغم إقرار العديد بأهميتها- فرصتها في البحث والتقصي، إضافة إلى ضرورة التعرف على أوجه الشبه والاختلاف بين أحلام المدمنين في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.
أهمية البحث:
لما كانت مشكلة الإدمان من المشكلات العالمية ورغم تعدد أشكال الإدمان إلا أن إدمان المخدرات يظل الإدمان الذي يسبب العديد من الأضرار سواء للمدمنين أو المجتمعات التي ينتمون إليها إضافة إلى ازدياد أعداد المدمنين وعدم اقتصاره على طبقات اجتماعية وثقافية دون أخرى إضافة إلى عدم الاقتصار على مخدر دون آخر(فاروق عبد السلام 1977، 10) مع الأخذ في الاعتبار وجود علاقة بين تعاطي المخدرات والاتجاه نحو ارتكاب جرائم العنف بل أن العودة إلى ارتكاب كافة الجرائم إنما يعد نتيجة حتمية للتعاطي;
من أجل ذلك لابد من الاستعانة بالعديد من الطرق والوسائل والتي تمكننا من سبر أغوار المدمن وفهم ديناميته من خلال التركيز على تكنيك الأحلام على أساس أنها الطريق المسلكي إلى لا شعور المدمن .
الأحلام والإطار النظري:
يقوم تحليلنا لأحلام المدمنين على أساس المفاهيم الأصلية التي أوضحها (سيمجوند فرويد) باعتباره صاحب نظرية التحليل النفسي ومكتشف البناء الشامخ لنظرية الأحلام وذلك كما عبر عنها في كتابه تفسير الأحلام والمحاضرات التمهيدية، الموجز في التحليل النفسي، معالم التحليل النفسي، المجمل في التحليل النفسي، إضافة إلى التعديلات والاجتهادات التي قدمها (مخيمر) في بعض كتبه في علم النفس العام، ص 397 : 417 (مدخل إلى الصحة النفسية 1972 ، 195 : 202)
ولعل الدراسات التي تناولت لغة الأحلام عند المدمنين تكاد تكون معدومة لم نجد سوى إشارات إلى تفسير أحلام المدمنين وغير المدمنين في أطروحة (المغربي) للدكتوراه 1966 حيث تناول - ضمن العديد من أدواته- تفسير الأحلام وإجراء مقارنة بين أحلام المدمنين وغير المدمنين للكشف عن أهم الفروق (المغربي ، 1986، 241: 246) في حين أن الدراسات الأجنبية التي تناولت الأحلام عند المدمنين لم نجد بها إلا دراسة تجريبية أجريت على أحد المدمنين بمركز بحوث تعاطى المخدرات بمستشفى لكنسجون بأمريكا حيث كانت العينة مدمن واحد وتمت دراسة أحلامه عبر مراحل التعاطي ثم الانقطاع ثم العلاج ثم الكشف النهائي عن التعاطي .
تساؤلات الدراسة:
- ما هي طبيعة الأحلام لدى المدمنين المصرين والسعوديين في حالة عدم التعاطي؟
- ما هي طبيعة الأحلام لدى المدمنين في حالة التوقف عن التعاطي أو المراحل العلاجية الأولى؟
- ما هي طبيعة الأحلام لدى المدمنين في مرحلة العلاج النفسي (بعد شهر من التعامل مع الأعراض الانسحابية) ؟
- ما هي طبيعة الأحلام لدى المدمنين في مرحلة العلاج النفسي (بعد شهرين من التعامل مع البرنامج العلاجي) ؟
المصدر : مجلة علم النفس عدد 67/68 (يوليو ديسمبر 2003)
ويتبع >>>>>: أحلام المدمنين (2) طريقة البحث ونتائجه
اقرأ أيضاً على مجانين:
مدمنة ، ومغتصبه ؟! فما الحل ؟/ كيف أساعد مدمن : م2/ أخي مدمن : ما العمل؟/ نصائح لمدمن صغير !