إنه الانسداد والجمود الذي نعاني منذ عقود وساهمت فيه السلطة والآخرون سواءً بسواء،
فالنقاش الجاد محتكر لصالح السياسة المتعثرة أصلا، والتغيرات الجذرية تقلب المجتمع رأسا على عقب ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا دون أن تجد لها متنفسا للمصارحة أو البحث العلمي المحايد والعميق، والناس تنهار وتتشرزم وتموت فرادى بعد أن فقدوا تقاليد وسياقات ومساحات التواصل التقليدي، ولم يكتسبوا غيرها في ظل عولمة تجتاح الجميع، ونحن ندفع ثمنها فادحا أكثر مما نحصل على مزاياها، أو نستفيد من قواها !!!
وبالجملة فإن الغد يأبى أن يولد لأن شروط إنضاجه ومخاضه لم تتوافر بعد.
فالسلطة تكلست وتعفنت منذ زمن، والقوى التي ما زالت تحتفظ ببقية حياة تاهت في دروب السياسة بلا أمل، والناس تلهث وراء لقمة العيش، وموضات الاستهلاك، وتقتات على أنواع رديئة للغاية من أدوات المعرفة والترفيه، والحصيلة غيبوبة شبه عامة، وتخبط ولخبطة يطال الجميع تقريبا !!
مصر تحتاج إلى حركة جديدة تبنى بجدية ومن الجذور، وتبدأ من النقاط الصحيحة للبداية في مثل حالتنا:
* الثقافة بأدواتها وأدوارها في بناء التفكير، وإيقاظ العقل، وأنسنة الإنسان .
* المساندة النفسية والاجتماعية للمواساة والتشبيك ونقل المعارف والتواصي بالحق والصبر.
* التنمية بمعناها الشامل، وبما تقوم عليه وبه من تأسيس لإطلاق وتفعيل واستثمار جهود الناس وطاقاتها لصالح أنفسهم ولصالح الوطن... إذا كانت الفكرة واضحة تتداول....
*وبالنسبة للثقافة فإن اضطراب علاقة الناس بالعالم، وباللغة، وبالتاريخ، والفنون والآداب، وبكل مفردات العيش الإنساني المتحضر، هذا الاضطراب ساهم في تكريس غيابهم وعزلتهم وفقدان الفاعلية والتفاعلية، ويبدو تصحيح هذا الاضطراب شرطا لازما لاستعادة إنسانيتهم، واستعادتهم بالتالي إلى دائرة الفهم والفعل الجماعي المنشود، وهذا دور الثقافة في المقام الأول وعيوب الأنشطة والفعاليات الثقافية الحالية ظاهرة ومعروفة، نخبوية غالبا، ومظهرية كذلك، ومقطوعة الصلة بالحياة الحقيقية للناس في دينهم ودنياهم، وهذا النمط من الثقافة المعلبة –سابقة التجهيز– لا يعدو وأن يكون ويظل سلعة ترفية، أو مثل وردة في عروة الجاكتة؛
أما الثقافة بالمفهوم الذي أقصده هنا، وأدعو إليه فهي تنبع من حياة الناس وهم يمارسون الثقافة بمعنى أنماط ومستويات وأساليب العيش والتفكير والتعامل، حركة توفير للمنتج والفاعل والمتفاعل والتفاعل الثقافي ليكون في متناول الجميع بشتى الصور والتقنيات، حركة تذهب للناس في تجمعاتهم ودوائر حركتهم ولا تنتظر منهم أن يستجيبوا للدعوة، إذا وصلتهم أصلا !!!
* حركة تجوب المدارس والمساجد والكنائس والأندية، تعرض فيلما وتناقش القضايا التي يطرحها، تقرأ وتحرض الناس على القراءة، وتفتح حوارا مع كل صاحب رأي أو فكر أو إبداع أو تخصص يتعلق بحياة الناس.
حركة تنفتح على جذورنا، وتتواصل في الوقت ذاته مع العالم الذي نعيش فيه.