الزوج المسافر(1)
الزوج المسافر(2)
التغيرات النفسية التي تحدث للزوج بسبب السفر:
1- العزلة: حيث يجد نفسه في بلد غريب يعيش في غرفته أو شقته وحيدًا ويقضي ساعات طويلة -بعد الانتهاء من عمله- لا يكلم أحدًا ولا يكلمه أحد.
2- افتقاد الجو الأسري: فلا زوجة تنتظره وتعد له الطعام وترعى احتياجاته، ولا أبناء يملئون البيت حيوية وحركة ومرحًا أو حتى صراخًا وعراكًا.
3- الحرمان العاطفي والجنسي والاجتماعي: ففي حالة العزلة التي يعيشها لا يوجد أنيس ولا توجد علاقة عاطفية حميمة، وحتى العلاقات الاجتماعية تكون غاية في الندرة.
4- كبت المشاعر مع ما يتبعه من مشكلات نفسية واجتماعية: فالزوج المحروم هنا يحاول كبت احتياجاته حتى يستطيع أن يواجه حياته العملية الجديدة، وهذا الكبت لا يلغي هذه الاحتياجات وإنما يدفعها إلى غياهب العقل الباطن (اللاشعور) فتؤثر في الحالة النفسية والصحية بشكل غير مباشر، وربما تؤدي إلى اضطرابات نفسية أو نفسجسدية.
5- تقلص الاهتمام بالأسرة في حدود احتياجاتها المادية: فيصبح الدور الأبوي مختزلاً في دور الممول لهذه الأسرة، وتغيب الأدوار الأبوية الأخرى من تربية وتوجيه ورعاية.
6- فقد العلاقة الطبيعية بالزوجة والأبناء وبالتالي فقد التأثير فيهم: وذلك بسبب بعده عنهم وتراجع دوره الأبوي واختزاله.
7- حدوث فجوة بين مفاهيمه ومفاهيم زوجته وأبناءه نظرًا لاختلاف البيئة التي عاش فيها كل منهما.
8- احتمالات تحول مشاعره مع الوقت تجاه أخريات، أو التورط في علاقات غير مأمونة، ويساعد على ذلك الإحساس بالعزلة والإحساس بالفراغ العاطفي، وغياب الرقابة الأسرية والاجتماعية على السلوك.
9- وحين يعود هذا الزوج المسافر في إجازة أو يعود بشكل نهائي يشعر بغربة شديدة مع زوجته وأبنائه لأنه مختلف عنهم في كل شيء ولأنهم رتبوا حياتهم لسنوات طويلة بطريقتهم الخاصة بعيدًا عن تدخله.
التغيرات النفسية التي تحدث للزوجة بسبب سفر الزوج:
1- الحرمان العاطفي والجنسي والاجتماعي: فغياب الزوج يعني غياب تلك العلاقة الحميمة، ويعني تقوقعًا وعزلة اجتماعية تفرضها أعراف وتقاليد وأخلاقيات على الزوجة التي غاب عنها زوجها.
2- كبت مشاعرها طول الوقت وما يتبع ذلك الكبت من ضعف المشاعر أو تشوهها أو تحولها إلى أعراض نفسية أو نفسجسدية.
3- فقد الاهتمام بالأمور الأنثوية كالزينة واستخدام العطور والاهتمامات الشخصية الأخرى. ويصور الشاعر نزار قبّانى هذا الموقف على لسان امرأة غاب عنها حبيبها فراحت تقول:
ارجع إلي فإن الأرض واقفـة
كأنمــا فرت من ثوانيهــــا
ارجع فبعدك لا عقد أعلقــه
ولا لمست عطوري في أوانيهــا
لمن جمالي لمن شال الحرير لمن
ضفـائري منذ أعـوام أربيهــا
ارجع كما أنت صحوا كنت أم مطرا
فمــا حياتي أنا إن لم تكن فيهـا
4- تحمل مسئولية البيت والأولاد بالكامل مع ما يتبع ذلك من شعور بالإرهاق والعصبية الزائدة وفقد السيطرة، والقلق الزائد.
5- الاسترجال والخشونة، وذلك لمواجهة ضغوط وغوايات المجتمع، وأيضًا لإحكام السيطرة على الأبناء خاصة الذكور في مرحلة المراهقة.
6- فقد الكثير من حنان الأمومة ورقتها بسبب الانشغال بالمسئوليات والخوف على الأبناء من الضياع، وبسبب لعب دور الأب والأم معًا.
7- المبالغة في الخوف على الأبناء وفرض الحماية الزائدة عليهم.
8- حدوث فجوة في الاهتمامات والمفاهيم بينها وبين الزوج، وهذه الفجوة تزداد مع الوقت وتصل إلى درجة الإحساس بالغربة الشديدة بينهما.
9- الإحساس بالضيق من تدخلات الزوج الغريبة على أسلوب إدارتها للأسرة.
10- احتمالات تحول المشاعر أو التورط في علاقات غير مأمونة.
11- الإحساس بالغربة (وأحيانًا الضيق والنفور) تجاه الزوج حين يعود.
12- بعض الحالات تنتهي بالطلاق في حالة عودة الزوج النهائية.
وتصور إحدى الزوجات محنتها بسبب سفر زوجها في الرسالة التالية والتي وضعت لها عنوان: "صرخة من زوجة مسافر":
"معذرة يا زوجي الحبيب إن كانت هذه الصرخة أفلتت مني الآن، فقد حاولت كتمانها سنين طويلة عنك وعن الناس وحتى عن نفسي، ولكن يبدو أنني قد ضعفت.. لا ليس الضعف الذي تظنه أو تخافه وأنت في غربتك، ولكنني أشعر بالتعب والإرهاق بعد هذا المشوار الطويل.
زوجي الحبيب تذكر أنك تزوجتني منذ عشر سنوات، وكنت في غاية الفرح ليلة الزفاف، ولكن الغربة خطفتك مني بعد عشرين يومًا من هذه الليلة، وقد مرت هذه الليالي العشرين وكأنها حلم خاطف، فما كدنا نقترب حتى ابتعدنا.. لم تتح لي الفرصة لكي أتوافق مع طباعك، لم استطع التعرف على الأشياء التي تحبها والأشياء التي تكرهها، وكل ما أذكره أن السنين كانت تمر ثم تحضر إلينا شهرًا كل عام فتقضيه بيننا كزائر عابر ثم تبتلعك ظلمات الغربة من جديد..
ولا أخفيك يا زوجي الحبيب أنه بالرغم من لهفتي لعودتك فإنني كنت أخشى هذه العودة لأنني أكره لحظات الفراق مرة أخرى.. ولا أخفيك أنه رغم اشتياقي لحضورك إلا أنني كنت أشعر بالضيق في وجودك لأنني رتبت حياتي على أنك غير موجود، وكانت احتياجاتك ومطالبك عبئًا علي، وأنا آسفة ونادمة على هذه المشاعر.. ولكن كما قلت لك في بداية الرسالة أنها صرخة أفلتت مني رغمًا عني.
سامحني إن كنت طلبت منك العودة في المكالمة الأخيرة، وسامحني إن كان صوتي حزينًا دائمًا، فلست أدري كيف طلبت منك ذلك وأنا أعرف أن مصاريف البيت والأولاد لا تسمح بعودتك الآن، ولكن الكلمة أفلتت مني، فقد كنت أشعر وقتها بوحدة شديدة وباحتياجي لك كزوجة (طبعًا أنت تفهم ماذا أقصد)..
ولا أخفي عليك أنه تنتابني أحيانًا لحظات أشعر أنني في حاجة لأن أتزين، فأقف أمام المرآة وأمشط شعري وألبس أجمل ثيابي وأضع العطور التي ترسلها لي وأمشي فرحة بنفسي في غرفة نومي، وما هي إلا لحظات وأفيق من حلمي وينتابني حزن شديد حين أشعر بوحدتي التي لا أعلم متى ستنتهي، فأخلع ملابسي وأغسل وجهي من مساحيق الزينة ومن العطور، وأشعر بالندم أنني فعلت ذلك وأحمد الله أن لم يرني أحد الجيران أو الأقارب فيظنوا بي الجنون.
زوجي الحبيب لقد مرت أحلى سنين عمري وأنت بعيد عني، وأخشى عندما يحين وقت العودة أن تجدني امرأة أخرى قد غيرها الزمن وهزمتها الأحزان، أو أن أراك رجلاً آخر غير الذي عرفته. ربما تقول عني أنني مجنونة لو قلت لك أنه حين تعود فربما نحتاج إلى فترة خطوبة جديدة نتعرف فيها على بعضنا ثم نقرر إن كنا نصلح لبعضنا أم لا، وربما نحتاج إلى عقد زواج جديد، فقد غيرت فينا السنون فلست أنا الآن المرأة التي عرفتها منذ عشر سنوات، وبالتأكيد لست أنت الرجل الذي عرفته من عشر سنوات، كلانا تغير بعيدًا عن الآخر.
زوجي الحبيب، أشكو في هذه الأيام من عصبية زائدة، فلم أعد أتحمل كما كنت، ربما مسئولية الأولاد، فمطالبهم ومشاكلهم أصبحت تثير أعصابي، وهم لا يخافون مني لأنني امرأة، وخاصة ابننا الأكبر فهو كثير العناد، وربما لو كنت أنت هنا لعملوا لك ألف حساب.
أرجو أن لا تغضب من كلامي فأنا أعلم أنك مرغم على الغربة لكي توفي احتياجاتنا، وأذكر أنك حين فكرت في العودة منذ خمس سنوات وعشت هنا لمدة ثلاثة شهور كنت تخرج كل يوم لتبحث عن عمل دون جدوى وكنت ترجع إلى البيت يائسًا حزينًا وأصبحت شديد العصبية لذلك تمنيت وقتها أن تسافر مرة أخرى كي لا أراك في هذه الحالة.
ولست أدري متى تتحسن الأحوال، أو متى تعود ولكنني أشعر باشتياق، ولقد تذكرت سيدنا عمر بن الخطاب وهو يسأل ابنته حفصة رضي الله عنها عن المدة التي تتحملها المرأة بعيدًا عن زوجها فقالت له أربعة أشهر، فكان يأمر بأن لا يطيل الرجال غيبتهم عن زوجاتهم أكثر من أربعة أشهر. وأنا أشعر بالأسى كلما تذكرت هذه القصة فإذا كانت الزوجات المؤمنات الصحابيات لا يستطعن احتمال غياب أزواجهن المجاهدين في سبيل الله أكثر من أربعة أشهر، فكيف أستطيع أنا احتمال غيابك عشر سنوات ؟!
وأخيرًا أرجو أن لا يحزنك هذا الكلام، وأن تلتفت لعملك ونحن دائمًا في انتظارك".
زوجتك وأولادك
هذه الرسالة (الصرخة) أنقلها للقارئ كما وصلتني لعله يكون أقدر مني على توصيلها لمن يهمه الأمر (فعلاً).
ويتبع :........... الزوج المسافر(4)