أسلمة الطعام (1)
نظام الطعام
نظم الإسلام غذاءنا كما وكيفا وتوقيتا.. ومن أهم عناصر هذا النظام ما يأتي:
٠ كمية الطعام.
٠ نوعية الطعام.
٠ تسمية الطعام.
٠ كيفية [ آداب ] الطعام.. وأوجز كل عنصر كما يأتي :
ـ كمية الطعام :
(1) وأصول هذه الكمية يحددها قوله تعالى:﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف : 31] . الإسراف : تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان .
جاء في تفسير الإمام القرطبي بشأن هذه الآية الكريمة ، قال ابن عباس: "أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة. فأما ما تدعو الحاجة إليه، وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس؛ ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال؛ لأنه يضعف الجسد ويميت النفس،ويضعف عن العبادة، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل... وفي كثرة الأكل كظ المعدة ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل. وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء." أ.هـ
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بيانا شافيا يغني عن كلام الأطباء فقال:(مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ غَلَبَتْ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ).
ولقد قرر العلم الحديث أن الجسم لا يستفيد بكل ما يلقى فيه من الطعام وإنما يأخذ مجرد كفايته منه ثم يبذل بعد ذلك مجهودا كبيرا للتخلص مما زاد منه عن حاجته، وبجانب هذا تصاب المعدة وسائر الجهاز الهضمي بإرهاق شديد ويسلم الإنسان إلى أمراض معينة خاصة بذلك الجهاز، ومن الإسراف كذلك تناول مادة معينة من مواد الطعام بنسبة كبيرة تطغى على النسب اللازمة من المواد الأخرى كالإسراف في تناول الدهنيات بحيث تطغى على مقدار ما يحتاجه الجسم من زلاليات وهكذا، والآية الكريمة تحثنا بجانب هذا على الأكل من الطيبات لتصح أبداننا ولتقوى على العمل ، وكذلك فإن الإسراف في الأكل يؤدي إلى البدانة الأمر الذي يرهق الجسم ، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم والسكر والذبحة الصدرية.
وما أغنى الإنسان عن كل هذه المتاعب لو أنه اتبع المنهج الإسلامي في النظام الغذائي. لعاش حياة ملؤها الصحة والسعادة، وما عرف طريق عيادات الأطباء ومطالبهم.
ولا عجب أن جلب المسرفون على أنفسهم عدم حب الله لهم ، وسبب ذلك ـ كما جاء في تفسير المنار ـ أنهم يخالفون سنن الله في فطرتهم وشريعته في هدايتهم، بجنايتهم على أنفسهم في ضرر أبدانهم، وضياع أموالهم ، وغير ذلك من مضار الإسراف الشخصية والمنزلية والقومية.أ.هـ
وإليكم هذا الميزان النبوي الحكيم: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلا سَرَفٍ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ).
(2) والأكل بين وجبات الطعام أو الأكل مع الشبع يصيب المعدة بارتباك في الهضم وقد يحدث عنه عسر الهضم وتخمر الطعام .. ولذلك ينصح الرسول بعدم الأكل بين الوجبات وأن لا يكون الأكل ألا بعد جوع فيقول صلوات الله وسلامه عليه: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع).
(3 ) ويصف الرسول عليه السلام النهم في الأكل بقوله:(ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه) وينصح المسلمين بالاعتدال في الطعام والتوازن فيه بين أجهزة الجسم فيقول:(بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) وليس المقصود بقوله ثلث لنفسه أن النفس يصل إلى المعدة ولكن لأن المعدة إذا امتلأت ضغطت على الرئتين والقلب . ولهذا نرى أحاديث الرسول تحث المسلم على القيام عن مائدة الطعام قبل أن يحس بالامتلاء ففي الأثر: (قم عن الطعام وأنت تشتهيه).
ويعتبر الإسلام النهم في الأكل نوعا من ضعف الإيمان لأنه دليل على فراغ العقل والقلب من عظائم الأمور وبالاهتمام بشهوة الطعام وحدها وفي هذا يقول الرسول: (الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ).
(4 ) ويكره الإسلام كبر البطن والكرش. لأنهما يمنعان المسلم من الجهاد والنشاط فيقول الرسول:(أعوذ بأمتي من كبر البطن ومداومة النوم والكسل). ويقول:( أشد الناس عذابا يوم القيامة المكفي الفارغ). والمكفى هو الذي يكفيه غيره من الناس عناء الحركة لحاجاته بسبب غناه أو مركزه فهذا النوع من الناس الذي تقل حركته ونشاطه الجسمي يصاب بكثير من أمراض التخمة والكسل.
(5 ) ومن الحقائق الطبية الخطيرة التي اكتشفت حديثا علاقة المعدة بكثير من الأجهزة الحساسة في الجسم وخصوصا القلب وهو ما يسمي "تأثير المعدة على القلب" فقد وجد أن امتلاء المعدة بالطعام ثم ظهور غازات التخمر فيما يسبب انعكاسا عصبيا على حالة القلب وقد يؤدى إلي الخفقان أو اضطراب القلب والنبض أو هبوط الضغط أو ارتفاعه وأخيرا قد يؤدى إلي الذبحة القلبية. وكثير من هذه الأعراض يزول إذا تقيأ الإنسان الطعام الزائد أو استعمل بعض الأدوية المهضمة
(6 ) والجشاء (أو التكرع) ظاهرة مرضية وليست صحية كما يعتقد بعض الناس وسببه الرئيسي إرهاق المعدة بالطعام بحيث لا تستطيع أن تهضمه هضما جيدا ، فيتخلق في المعدة ويحدث له تعفن وتخمر وتخرج منه الغازات وقد يكون إرهاق المعدة ناجما عن كثرة الطعام أو نوعية الطعام.. فالطعام الدسم أو الذي يحتوي على الكثير من التوابل يؤدي أيضا إلي التخمة ولو كان قليلا ومن معجزات الرسول أنه يبين لنا الصلة الوثيقة بين الجشاء والتخمة فقد كان في مجلسه رجل يتجشأ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :(كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
(7) وللمعدة وضع خاص في حالة المرض وخاصة في حالة الحمي، ولذا ينصح الرسول بالإقلال من كمية الطعام، وكذا الإقلال من المواد الدسمة والعسرة الهضم في حالة المرض، ففي الأثر : (المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء).
ويتبع >>>>: أسلمة الطعام (3)
واقرأ أيضا :
مع التفكر وعجائب المخلوقات في تراثنا الثقافي / إسلامية المعرفة ـ المدلول والغاية