أسلمة الطعام (2)
نوعية الطعام
من الأسس الغذائية في سياق المنهج الإسلامي شمول الغذاء على مختلف العناصر الضرورية وتكاملها، وكذا التأكيد على أهمية بعض الأنواع الغذائية خاصة مثل اللبن واللحوم والعسل والتمر والفاكهة، وغير ذلك كثير من أسماء الأطعمة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمام الإسلام بالأسس الصحية للغذاء، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم رسم لنا طريقة الأكل، وطريقة الجلوس أمام الطعام، وعدم النوم بعد الأكل مباشرة ، وعدم الشرب أثناء الأكل أو عقبه مباشرة ، لأن كثرة الماء تؤثر ـ كما نعلم اليوم على عملية الهضم ـ وتخفيف العصارة الهاضمة، فيقل تركيزها، ويضعف مفعولها، وتتسبب في عسر الهضم ومتاعبه.
ويستفاد من ذلك أيضا أن الإسلام حارب سوء التغذية ، لأنه لا يرضى لأبنائه ضعف البنية واعتلال الصحة ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ).
وفي هذا الصدد يوصي الرسول دائما بوجبة العشاء، ولو بكف من التمر، ويقول: (ترك العشاء مهرمة).
تسمية الطعام (معرفة نوع ما يأكل)
من الطعام ما يستسيغه الإنسان ومنه مالا يستسيغه، وهذه المعرفة تجعل الإنسان يقبل على الطعام بشهية في حالة ما إذا كان يحبه، مما يعود على الآكل بكثير الفوائد، بخلاف ما إذا كان يجهله أو لا يستسيغه، فقد يتسبب له أضرارا صحية ونفسية، ومن الهدي النبوي هنا، ما رواه سيدنا خالد بن وليد ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ ضَبٌّ ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ ، فَقَالَ خَالِدٌ : أَحَرَامٌ هُوَ ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنَّهُ لا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ ، فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ).
ـ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (مَا عَابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إِنْ اشْتَهاهُ أَكَلَهُ، وإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ) وهذا من حسن الأدب, لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره, وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب.
كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام لا يرد موجودا، ولا يتكلف مفقودا، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا إن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه، فما أيسر هديه وأعظمه .
كيفية الطعام وآدابه
(1) غسل اليدين : ومن هدي الرسول هنا قوله صلى الله عليه وسلم:( بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ) والمقصود بالوضوء غسل اليدين والفم ، لأن اليد لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة ولأن الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادة فهو جدير بأن يقدم عليه ما يجري منه مجرى الطهارة من الصلاة . وهكذا فإن الإسلام يجعل من النظافة : عبادة وطبا وقائيا ، وسلوكا حضاريا رائعا .
(2) أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعا. ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع، فيكون الجوع أحد ما لا بد من تقديمه على الأكل، ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشبع ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب .
(3) ذكر اسم الله والأكل من أمامه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم معلما لأحد الصغار: (يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ). وقال:(إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ).
(4) أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام .
(5) أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده،قال صلى الله عليه وسلم:(اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه)، وقال أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده)، وقال صلى الله عليه وسلم:(خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي).
وقد شكى إليه بعض الصحابة أنهم يأكلون ولا يشبعون، فقال لهم: (فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ)،
وقال عليه الصلاة والسلام: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ : لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ).، وقال: (طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ)، ومن فوائد هذا الاجتماع الألفة والمحبة، والود والصفاء .
(6) أن يتناول الطعام باليد اليمنى، عملا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ).
(7) وكما بدأ بذكر اسم الله على الطعام، ينتهي بحمده تعالى وشكره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا).
وأيضا ينظف يده وفمه، وما أكثر وسائل النظافة والطهارة الآن.
وهذه بعض من الآداب والقيم التي في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وما لها من مغزى في " أسلمة الطعام".
(*) (لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ )
(*) ( إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي سَبَقَ )
(*) ( أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ) [ العاني : الأسير]
(*) عن أبي هريرة رضي الله عنه:(شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ)
(*) ( إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ)
(*) ( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ).
(*) ( إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ أَوْ لِيُنَاوِلْهُ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ).
(*)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ وَقَالَ (الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ).
(*) ( إِنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ ) .
واقرأ أيضا :
مع التفكر وعجائب المخلوقات في تراثنا الثقافي / إسلامية المعرفة ـ المدلول والغاية