جمعتني وإياها الكتابة في أحد المواقع التي تهتم بالمدونات، وصرنا صديقتين رغم البعاد، هي من مصر، وأنا من جدة.
في زاوية نافذة المحادثة كانت تضع صورتها ، تلبس حجابا يغطي شعرها ، وملابس ملونة ، قالت: تصوري أني سألت الشيخ فلان – من علماء الأزهر الشريف – عن حكم وضع الماكياج للمحجبة، قال: لا بأس إذا كان خفيفا، قالت: طبعا، لم آخذ بكلامه، واضح أنه (بيقول أي كلام) !
قلت لها: لكن فتواه لها أصل فعلا، قالت: كيف، قلت لها: ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالزينة الظاهرة التي يجوز إبداؤها الكحل في العين، والخضاب في اليد، وهو قاس على ذلك أية زينة في الوجه ومنها الماكياج، واشترط أن يكون خفيفا لأن المبالغة تبرّج، وهو منهي عنه. أنا فقط أبين لك مستند فتواه، ولست أدعوك إلى الأخذ بها أو تركها.
فارقت صديقتي، لكن لم أفارق التفكير في الحوار الذي دار بيننا..
"الحكمة من الحجاب هي إبراز إنسانية المرأة دون أنوثتها" كثيرا ما يتردد هذا المعنى في سياق الحديث على فلسفة الحجاب في الإسلام ،بحيث صار مستقرا في أذهان الكثيرين، بحيث باتت مناقضة هذا المعنى في تصور البعض مناقضة للنص، مع أن هذا الاستنباط تابع لفهم النص، وليس حاكما عليه، وقد ورد التعبير القرآني بلفظ الزينة:(ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)، وفي ذلك اعتراف بالخصوصية الأنثوية.
الحجاب هو هيئة من الاحتشام، متفق على قدر منها وهو ماعدا الوجه والكفين والقدمين، ومختلف في قدر آخر، والمتفق عليه لا يلغي خصوصية المرأة كأنثى وإنما يجعلها في إطار معين ، يقابله إطار مماثل بالنسبة للرجل فهو مأمور بالستر أيضا لقدر متفق عليه عند الجمهور، وهو ما بين السرة والركبة، ثم تستوي بعد ذلك الأوامر للطرفين، بغض البصر عن النظرة غير الطاهرة ، وترك لباس الشهرة، والزينة المبالغ فيها، بما يكون المقصد منها اجتذاب الجنس الآخر في غير علاقة شرعية.
الإمام القرطبي له كلام جميل في تفسير قوله تعالى: ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)، يقول:(من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه ، ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو حرام مذموم وكذلك من ضرب بنعاله من الرجال إن فعل ذلك تعجبا حرم فإن العجب كبيرة وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز).
فتكون مسؤولية الطرفين متساوية ومتوازية .والقيود المجتمعية لا تلغي حق المرأة في اختيار المساحة التي تناسبها من الاجتهادات في شكل الحجاب وصورته، لكن من يلغي ذلك الحق فعليا هي المرأة ذاتها، ليس في مسألة الحجاب خصوصا وإنما في كافة حقوقها، ولكأن الشرع أتاح للرجل فقط أن يأخذ من الأحكام الفقهية ما تنتظم به حياته، وحجر ذلك على المرأة، هذا هو التصور الذي ركزته المرأة في وجدانها أولا ثم وجدان الرجل ثانيا، والنتيجة هو ما نراه من هدر للحق الكبير الذي تميزت به الشريعة وهو حق اختيار النمط الحياتي الذي يناسب كل فرد في الإطار الكبير للنصوص العامة، هذا الهدر تمسكت به المرأة بامتياز، ثم أخذت تشكو ظلم الرجل لها.
و الاختيار كحق لا يسترد فقط بالوعي الشرعي فحسب بل بإدراك كل امرأة لطبيعتها، و ما تحتاجه لتعيش حياتها بلا حرج، وكذلك كيف تتوصل بحكمة إلى ذلك دون صدام أهوج أو استسلام عاجز.
نشر هذا المقال في جريدة الحياة الطبعة السعودية.
حرر في يوم الخميس
22/12/2005م
اقرأ أيضا:
الاختلاط في السعودية ونظرية النعجة والذئب! / الحنابلة والدور التنموي للمرأة