بسم الله الرحمن الرحيم "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (الأعراف:184) هذا هو التفسير العشوائي الذي يعطى لبعض الحالات الإنسانية؛ وهذا هو الجواب الحـكيم والواقعــي لـمثل هـذه الأحــــكام الخيالية. إني أتسال لماذا مازال الناس؛ خاصة الأميين وحتى بعض الواعين والمثقفين؛ يؤمنون بالجن؟ وأنا لا أنكر وجود الجن بشكل مطلق. فهم موجودون؛ وقد أقر بوجودهم؛ فهم أحد الثقلين الذين خلقهما الله في هذا الكون الواسع؛ لكن أنكر وجودهم معنا فوق هذه الأرض السعيدة...
إني لأستغرب استغرابا يكاد يطير بعقلي من هذا الإيمان; لمطلق والأعمى بهم... وبأنهم حاليا يعيشون معنا... وأنهم يدخلون في أحيان كثيرة أجساد بني البشر من باب الظلم أو حتى لرد عدوان وقع على أحدهم؟!!.
يا ناس؛ استعملوا عقولكم... اسألوا أنفسكم: هل رأى أحدكم يوما هنا الجني أو الجنية؟ هل سبــق لأحدكم أن رآه بأم عينيه حتى يقول مع القائلين بوجودهم الفعلي معنا؟ أم تراكم تسمعون بعــض الحكـايــات والروايات المتوارثة أبا عن جد؟ فإذا كان الأمر كذلك؛ مجرد سماع عن سماع؛ فهل من المنطق أن نعتقد بوجودهم معنا إلى حد الإيمان المطلق؟
دعوني أقول لكم أنه لا وجود للجن مطلقا على كوكبنا الأرض؛ ولو بشكل مـن الأشكــال؛ وأنـــهم يعيشون في أرض أخرى في سماء أخرى.قد تقولون وما الدليل؟ بسيطة: الــواقــــــع ثم القـــــرآن الكـــــــريم.
1) فمن حيث الواقع: أنا شخصيا لم يسبق لي أن رأيت جنيا في حياتي ولا رآه شخص آخر ممن أثـــق بهم؛ ومستحيل أن يعيشوا معنا ثم لا نراهم طوال حياتنا. وما رسخ وجودهم الفعلي في أذهاننا غير الحكايات الخيالية.... والطقوس الفقهية منذ أمان بعيدة. فكلنا شب على حكايات الجن وقدراتهم الخارقة وشاب عليها... وفي جميع الأوساط وفي كل مكان... مما جعلنا نؤمن إيمانا أعمى بوجودهم الفعلي والحقيقة خلاف ذلك ولا ريب!
بل إن الفقهاء البسطاء يحبذون هذا الطرح ويروجون له بأكثر من أسلوب. فهم أولا درجوا على الإيمان بهم مثلنا؛ وثانيا لأن في; وجودهم منبع رزق لهم. مستغلين الأمراض المستعصية.. والعقول الضعيفة... فترى العائلة متى أصيب أحد أفرادها بمرض عصبي... عقلي... أو نفسي... وأحيانا بهلوسة ما بسبب تعاطي بعض الأقراص؛ هلعت إلى أقرب فقيه... وعادت بأحجبة وأبخرة... وكلام فارغ ولا حول ولا قوة إلا بالله!!!
ثم من منا لم يمر بتجربة الخوف الدائم من الجن في صغره؟ فمعظمنا إن لم أقل كلنا؛ عاش تجربة هذا الكابوس طوال مرحلة الطفولة؛ ثم من منا لم يعد يئن تحت وطأة شبح الجن كلما كان وحيدا... أو تحت جنح ظلام دامس!! فهل هذا معقول؟
هل من المعقول أن نروج لوجود الجن الفعلي معنا؛ ثم نتعذب ونخاف... ونمارس طقوسا غريبة درءا للجن أو احتماء منهم!!
وأنظروا معي إلى قوله تعالى في سورة الجن بعد بسم الله الرحمن الرحيم "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً" (الجن:1) فالرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يرهم بعينيه؛ ولكن لحكمة ربانية –عدم استباق الأحداث؛ وترك مسألة رؤية الجن الفعلية إلى حينها عندما ستلتقي حضارة الجن مع حضارة الإنس يوما ما– أوحي إليه فقط بأن نفرا من الجن قد استمعوا إلى القرآن الكريم... وأنهم رجعوا إلى أهلهم مبشرين منذرين وهذا أمر طبيعي لأن محمدا (صلى الله عليه وسلم) رسول الثقلين أي الإنس والجن. وهؤلاء النفر هم رسل رسولنا الكريم إلى قومهم. ولقد تكلف الله بنقلهم من عالمهم البعيد إلى أرضنا ثم ردهم سالمين غانمين؛ وذلك على طريقة المعجزات التي ينعم بها الله على بعض من خلقه كما فعل في معجزتي الإسراء والمعراج؛ والله على كــــل شيء قدير. فالشاهد عندنا في هذه الواقعة أن الجن لو كانوا يعيشون معنا فعلا لرآهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وصـــــحبه; بل وبعث معهم من الصحابة من يشرح لهم الدين الجديد.
2) أما القرآن فإنني أجد فيه الدليل تلو الدليل من أنهم موجودون؛ ولـــكنهم يعيشون فـي مـكــان آخــــر غـــــير أرضنا..... والأكثر من ذلك أن الله يعلن في القرآن أنه سيأتي اليوم الذي ستلتقي فيه حضارة الإنسان مع حضارة الجن... وأنه سيتم التزاوج فيما بينهما؛ وأن هذا التزاوج لسبب أو لآخر سيكون غير مشروع وحراما؛ لكن ككل حرام؛ سيرتكب هذا الحرام وبكثرة... وأن الله سيعاقب كل من وقع في هذا الحرام.
اسمعوا إلى قوله تعالى "وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ" (الأنعام:128).
قالها صريحة بأن الجن استكثر من الإنس... وأن هذا سيقع في المستقبل القريب أو البعيد..إذ لا يعلم الغيب إلا الله؛ والآية صريحة أيضا بأن هناك استمتاع بعضهم ببعض... الاستمتاع الحسي وليس المقصود الاستمتاع الخيالي؛ أو الذي يكون في النوم... أو الصرع... كما قد يتبادر إلى ذهن المخرفين... أنه استمتاع واقعي... يشعر بلذته كل من الإنسي والجني... والراجح أن ذلك سيكون عند التزاوج.
ثم استمعوا إلى قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم "قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنبياء:4). فالله يسمع القول في السماء كما يسمعه في; الأرض التي نعيش عليها. فهو يسمع القول أي الكلام الجهوري الذي يدور بين اثنين أو أكثر.. مرة ومرات... هنا وهناك... فكل قول مسموع الذي يكون في السماء فالله يسمعه. لكن يبقى السؤال: قول من؟ والجواب الأكيد هو قول الجن. فهم لهم عقول مثلنا.. قلوب.. أبصار.. آذان... لكن هل هذه الأعضاء مثل أعضائنا تماما؟ اللهم لا.. لأنهم من نار ونحن من طين... لكن لهم أعضاء تؤدي نفس الوظيفة التي تؤديهــا أعضائنا ولـــو بفــارق.
وقد يرد البعض أن المقصود "بالقول" قول بني البشر يوم يصعدون إلى السماء أو ساعة يرحلون؛ يــومــا مــا إلى كوكب آخر في السماء; لكن صيغة الفعل لا تفيد ذلك؛ فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرؤون هذه الكلمة ويفهمونها بصيغة الحاضر... وحتى نحن اليوم يجب أن نفهم أنه سبحانه يسمع القول الآن... وفي السماوات... ولم يقل سيسمع! فكيف يسمع "القول" الآن ونحن لم نبلغ شيئا يذكر في الصعود إلى السماء الواحدة بل السماوات؟! وشبيه بهذه الآية؛ آية أخرى تقول:"قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً" (الفرقان:6). وبديهي أن السر المقصود الذي يدور بين شخصين مثلا في السموات؛ لن يكون سر الملائكة... إذ لا أسرار لديها تخفيها فيما بينها... ولن يكون الإنسان لأنه لا يعيش في السماوات. ويبقى الحل الوحيد لهذا اللغز -وهو ليس بلغز- إنه سر الجن. وتفسير الآية بكل بساطة أن الله يسمع سر الجن في السماوات وسر الإنس على هذه الأرض.
ثم استمعوا إلى قوله تعالى في آيات أخرى إذ يقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ* يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (الأحقاف: 29- 32).
ولعل اللبيب سيفهم من هذه الآيات ما ذهبنا إليه من أن الجن يعيشون في عالم آخر غير عالمنا... بدليل "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ" أي أن الله تكلف بإحضار نفر من الجن من عالمهم البعيد من أجل الاستماع إلى القرآن من فم محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ والذي هو نبي العالمين... ورسول الإنس والجن معا. تصرف شبيه بالإسراء والمعراج؛ عندما أسرى الله تعالى بنبيه إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماوات في ليلة واحدة... كما يفهم من الآية إنهم يعيشون على أرض أخرى غير أرضنا. فالله خلق سبع سماوات وسبع أراضي؛ ولا شك في أنهم في أرض أخرى في نقطة ما من سمائنا الدنيا -لأنها شاسعة جدا؛ ولم نكتشف منها حتى العشر على حد تعبير أحد العلماء الفلكيين المسلمين– أو حتى في سماء أخرى. واستمع إلى قوله تعالى على لسان الجن "وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً" (الجن:10 - 12).
فالأرض التي يتحدثون عنها لا يمكن أن تكون أرضنا لأنها ليست عالمهم ولا أرضهم؛ بل إن أرضهم وأرض أجدادهم هي التي يعيشون عليها الآن في مكان ما من هذا الفضاء الواسع. أما أرضنا فإنما جاءوا إليها بتوفيق من الله؛ للاستماع إلى القرآن ثم تبليغه لقومهم عند رجوعهم.
3) وأخيرا وليس آخرا؛ لا أريد أن أستمع إلى كلام يقول أنهم غير مرئيين... لذلك لا نراهم... أو أنهم قد يتخذون أشكال كائنات أخرى كالقطط والضفادع وغير ذلك من هذا الكلام السخيف... وأقول السخيف لسبب بسيط وواضح؛ هو كونهم أحد الثقلين... وأن الله خلقهم للعبادة. فهم خلق مثلنا... وفيهم الكافرون والمؤمنون.. وأنهم طرائق قددا... وأنهم لمسوا السماء فوجدوها ملأت حرسا شديدا وشهبا... وأنهم وأنهم... فهل يعقل أن تكون مخلوقات من هذا الطراز العجيب عبارة عن أرواح شريرة... حيوانات ضعيفة؟!!
وكيف يكون ذلك وهم إلى حد كبير يشبهونا لأنهم يمتلكون نفس الحواس التي نملكها... يقول الله تعالى فـــي الآية 179 من سورة الأعراف ؛ بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) سورة الجن الآيات 12.11.10. فكلاهما – الإنس والجن– لم يستغلوا هذه الحواس في ما يعود عليهم بالنفع يوم القيامة. وكأنهم أنعام لا عقل لهم. ثم كيف يكونون عبارة عن أشباح.... وأرواح لا ترى بالعين المجردة؛ والله يصرح بنص صريح بأن الجن يرى بالعين المجردة. يتضح لي ذلك في قوله تعالى في سورة النمل بعد بسم الله الرحمان الرحيم "وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ" سورة النمل الايات10.
لقد وصف الله اهتزاز العصا باهتزاز الجن. بمعنى آخر أن الجني إذا رأيته تراه وهو يهتز في مشيته ؛لعله يمشي على شكل قفزات... تموجا أو بتعبير آخر يفيد هذا المعنى. لكن المهم أنه يرى بالعين. وما دام يرى بالعين المجردة فلما لا نراه نحن؟؟؟ لما لا نرى الجن على الإطلاق؟ ما الذي يحجب رؤيتهم إذن إلا ما يكون مما سبق ذكره من أنهم في أرض أخرى غير أرضنا. أما ما يحصل لأحدنا حين يصرع؛ ويقول كلاما غريبا.. أو يطلب ذبيحة من نوع ما... أو الذهاب إلى الضريح الفلاني... فالقول الفصل فيه أنه صرع الشيطان وليس الجن كما يقول تعالى في سورة البقرة بعد بسم الله الرحمن الرحيم "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ..... (البقرة:275). فالشيطان هو الذي يجري منا مجرى الدم كما جاء في الحديث؛ وبالتالي فهو الذي يصرع الشخص.
ثم إذا بالمصروع يطلب من العائلة الذهاب إلى الضريح الفلاني... أو تقديم قربان للسيد الفلاني... وهكذا يقع الإنسان في الشرك من حيث لا يدري؛ وبتكرار العمليات تتكرر آفة الشرك العظيم؛ بل تترسخ وتتجذر وقد ترسخت وتجذرت في مجتمعنا ذي التقاليد البالية مع الأسف الشديد وهكذا يصدق علينا; قسم إبليس اللعين "..... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" (الأعراف:16). قد يقول قائل إنك تنفي وجود الجن لأنك لا تراهم؛ فهل تراك ستنفي وجود الشياطين والملائكة أيضا؟؟ والحق أن هناك فرقا كبيرا بين هذا وذاك. إذ شتان ما بين مخلوقات خفية أقر الله بوجودها –الملائكة والشياطين– ومخلوقات لم يرد في إثبات وجودها معنا على الأرض ولو آية صريحة واحدة. فكون الملائكة تلازمنا في الحياة الدنيا أمر وارد لا شك فيه؛ لأن هناك آيات عديدة تثبت ذلك فضلا عن الأحاديث النبوية. ونفس الشيء بالنسبة للشياطين؛ ومن الآيات التي تثبت وتدل على وجود الشياطين معنا وبشكل صريح وإن كنا لا نراها قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 27 "....... يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ.... " أما الجن فأمر آخر؛ لأنهم عبارة عن كتلة... عن جسم يملأ الفراغ... يعني لو كانوا موجودين معنا لرأيناهم بأعيننا وللمسناهم بأيدينا ككل جسم يملأ الفراغ.
يشرح هذا الذي نذهب إليه قوله تعالى:" َقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ" (فصلت:29). فكفار كل من الجن والإنس يطلبان من الله أن يجعل من أضلهم في الدنيا إنسا وجنا؛ تحت أقدامهم ليكون عذابهم أشد؛ وذلك تشفيا وانتقاما منهم لتضليلهم إياهم في الحياة الدنيا. ونفهم من ذلك أن كلا من الإنس والجن لهما جسم يملأ الفراغ... فهم كائنات مرئية وملموسة... ترى وتلمس... وإلا فما الفائدة من وضعهم تحت أقدامهم؟ وأقدام من؟ أقدام الإنس والجن معا...
أما ما ورد في بعض الأحاديث القليلة... أو الآثار... أو الحكايات الشعبية التي لا تعد ولا تحصى عن الجن وأفاعيله في بني الإنس؛ فأمر يجب أن نعالجه معالجة سليمة تستقيم ومعاني الآيات القرآنية التي سبق ذكرها... وأرجو أن يكون هذا المقال بداية مناقشة جدية ومنطقية لهذا الموضوع؛ لأنه بإيماننا المطلق بوجود الجن؛ نفسح المجال للتدجيل والشعوذة في أن تصول وتجول..
مع ما يترتب على ذلك من نشر للجهل والخرافات؛ وكذا ابتزاز أموال الناس البسطاء؛ واستغلال كل مريض استعصى عليه الشفاء. "وخلاصة الأمر أن ثمة خطورة يواجهها المجتمع حينما نكرس لاختزال كل متاعبنا البشرية في فعل السحر والجن؛ وكواحد من المشتغلين سابقا بالدراسات النفسية؛ أستطيع أن أجزم أن كثيرا من الحالات المرضية التي صنفت من قبل بعض المعالجين بأنها أعراض لمس الجن؛ هي حالات فصام مصحوبة بهلاوس بصرية سمعية لا علاقة لها بالجن ولا بالسحر. وكان يمكن للمرضى أن يتحسنوا لو أنهم اتجهوا إلى العلاج في المصحات النفسية. لكنهم أخطئوا طريق العلاج المناسب في الوقت المناسب؛ فتحول العارض إلى دائم والطارئ إلى مزمن". محمد صادق ده باب. نقلا عن جريدة الشرق الأوسط.
فكفى من الأفكار العتيقة والأساليب القروسطية ولنعش بمنطق وعقل يناسب هذا العصر. لنعش فاعلين في التاريخ لا منفعلين متفرجين ومشوشين بأفكار خرافية؛ انتبهوا إلى أنفسكم واعرفوا كيف تفهمون. الومضات الربانية ولا تكتموا أنفاسكم في سبات عميق؛ حتى إذا تقدم الزمن وتبين لغيرنا بالحجة والدليل أن الجن يعيشون على أرض بعيدة عنا؛ استيقظتم ورفعتم عقيرتكم كعادتكم؛ مكبرين الله أكبر! الله أكبر! إن عندنا في القرآن ما يثبت هذا!!
واقرأ أيضًا:
قيمة العقل في الإسلام! ماذا جرى؟ / نفس اجتماعي: سحر وحسد وتلبس، جهل نفسي