كان زواج المتعة قد وضع لحل جانب كبير من الواقع الاجتماعي، والذي فهمته الثقافة الغربيّة بعد أن فصلت بين علاقة حميمة بين رجل وامرأة وبين علاقة زواج تجمع القدسية والمسؤولية، والفرق أن الإسلام حاول أن يغلف العلاقة الحميمة بالمسؤولية أيضا، لأن من يخاف الزنا فيتزوج متعة، لن يترك زوجته أو أبنه للشارع، وبالتالي حلّ الإسلام معضلة هائلة ومشاكل فادحة بسب الزنا الذي هو "ممارسة جنس بلا تحمل أوزار المسؤوليّة".
ولكن الظروف- لأسباب غبيّة وقبليّة وتاريخية إثر تدمير الحضارة الإسلامية على أيدي الغزاة - حوّلت هذا الزواج لمسألة منبوذة، في حين أنه كان حلا مهما ومفيدا للمجتمعات التي تعاني من كبت أو عرقلة اجتماعية. طبعا مازالت مجتمعاتنا تعيش بأتون الشذوذ والكبت والدائرة الجنسيّة والسبب ربما لأننا شعب لم يستطع التعبير عن رغباته بشكل صحيح، رغم أن الدين (الدين الذي لا يصادر العقل وليس ذاك الذي يصادر العقل) قد سمح بالكثير مما حرمناه نحن على أنفسنا. وقد ورد ما يلي في موسوعة وكيبديا:
زواج المتعة أو الزواج المؤقت هو إلى أجل لا ميراث فيه للزوجة، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل، وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة النساء الآية 24 (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً).
في السنة النبوية في باب نكاح المتعة من صحيحي مسلم والبخاري ومصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أنْ ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لِكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) سورة المائدة الآية 87.
زواج المتعة في عهد النبي:
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي، عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنّها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشبّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليّ أعجبتها، ثمّ قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً. ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال:"من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخُلّ سبيلها"
اختلفت المذاهب الإسلامية اليوم في شرعية زواج المتعة وهل نهي عنها من قبل النبي (ص) أم عمر ابن الخطاب في قوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: متعة الحجّ، ومتعة النساء.
وكذلك قول جابر بن عبد الله الأنصاري في صحيح مسلم: ((كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث )).
فترى المذاهب الفقهية الأربع لأهل السنة حرمتها بينما يرى المذهب الفقهي الجعفري الشيعي أن هذا الزواج لازال جائزا.
إذن هو "خلاف فقهي" وتفسيري للقرآن، ولكن بعض مسلمي اليوم يكفرون بشرا ويقتلونهم لهذا، وكأنهم متأكدين من حيازتهم للحقيقة.
الكل يحوّل القضية لمسألة خطيرة، كأن الزواج لأجل المتعة الجنسيّة المسئولة لأمر معيب، وهم بذلك يجهلون سببيّة تحريم الزنا، وهو تفتق المجتمع وغياب مفهوم الأسرة، بينما في زواج المتعة تلزم المحكمة الإسلاميّة الأب بتوريث ابنه والنفقة على أمه أو بتسديد أجور نفقة أبنه لها - لأنه بحال انفصالها عنه تعامل كما الطليقة ذات الولد - وبذلك تحل مشكلة اجتماعية كبيرة في مجتمعاتنا.
وواقعا، كثير من الفتيات العربيات يتقبلن المتعة، ويجدن بها شكلا منطقيا ووسطيا لمن لا يتمكن من الزواج الدائم، ولكن - طبعا - تجدهن من أشد الذامات له عندما يذكر الأمر بشكل علني، ولقد شهدت هذا الأمر شخصيا إذ ذمت بنت عربيّة زواج المتعة مع أنها كانت على ذمتي آنها، وفسرت موقفها بأنه موقف اضطراري.
إذن هناك ثلاثة حلول لتعيش هذه الأمة:
-1أن نبقى على نفاقنا فيزني البعض ويشذ الآخر وينافخ الكل بالشرف.
-2ن نعمل بعقولنا لتدمير التخلف الذي لحق بنورانيّة ديننا.
-3ن نتحول تماما للثقافة الغربيّة.
وأصدقكم القول، أنه لا أمل بثورة تنويريّة إسلامية بوجود مدارس التكفير والتبعيّة العمياء لآراء أهل العقود السالفة، وبالتالي سوف تجد هذه الأمة طريقها نحو الغرب سريعا (إن لم تجده حتى الآن) لأن عهد النفاق قد بدأ بالنهاية وكل شيء صار يبرز على حقيقته، فالنساء صرن قادرات على العمل وبالتالي صرن يستطعن الزنا وممارسة ما يشأن ساعة يشأن، والرجال أصبحوا غير مهتمين فعليا بتأسيس أسرة، والمواقف السياسية تتحول من سيء لأسوء والغباء السلفي والتحجر الديني الأعرابي يفتك بنا.
ومن الجدير بالذكر أن هناك صراعا بين إسلاميين، أولهما يمثل قيم البداوة والجاهليّة العربيّة، والآخر يمثل روح الإسلام ورغبته ولتمدين الشعوب وبث روح التنوير فيها، لاحظ - مثلا - أن الإسلام البدوي يغطي على كثير من ما أتى به الإسلام الخام كقدرة المرأة على تطليق زوجها، وعندما أقرّ أمرا كهذا صعقت الشعوب المسلمة لتوفر أمر كهذا وكونه بسيطا! كانوا يتوقعون الإسلام مادة معقدة مفاتيحها بأيدي ذوي اللحى الطويلة فقط.
الإسلام البدوي حارب المرأة ومنعها من القضاء والإفتاء، بينما يسمح الإسلام للمرأة بالإفتاء ويقبل قضاءها ويذكر التأريخ أن الخليفة الراشدي الثاني قد ولّى امرأة بفصل قضايا السوق، أي هو منصب أشبه بقاضي المحكمة الاقتصادية العليا اليوم.
عمر بن الخطاب حرّم المتعة، وهو رأي فقهي اجتهادي، وعرف عن الخليفة عمر بن الخطاب أنه صاحب "مدرسة الرأي" التي عادة ما ترمز "للمدرسة النسبيّة الإسلاميّة"، إذ يذكر التأريخ أن عمرا لم ينفذ آراء الصحابة بقضايا فقهيّة كثيرة رغم نزول نص قرآني بهذا، وربما كان هذا لفهم عمر المختلف (كغيره) للآيات، فيذكر أنه لم يقطع أي يد للسراق بعام الجوع، وتبيّن لاحقا أن من تقطع يده هو السارق المحترف الذي يتبع السرقة كنهج للحياة، وليس ذاك الجائع. إذن عمر له نقطة بما يراه ويجتهد به.
لكن ما نراه هو أن بعضهم حوّل رأي عمر الفقهي لنص مقدس لا يجب العمل بغيره، وهذا مرفوض وغير صحيح إطلاقا، ومن جديد نعود للنقطة الهامة، وهي وجود صراع بين قيم إسلام بدوي يحب أن يتقوقع على أراء "شيخ العشيرة" وبين إسلام مدني تنويري لا يقدس سوى العقل والتي منه نثبت الله والوحي والنبوة والحريّة العقلانيّة المسئولة وحق الاختيار.
ولنتساءل: هل يؤمن أي شخص من متبعي الإسلام البدوي بمفردات مثل "حرية" و"حق الاختيار" و"تنوير" و"تمدن"؟ سيقولون أنها بدع، ومن هنا ندرك أن الصراع مازال مشتعلا، وأن الشيعة - بما أنهم يعتمدون على المنطق الخام في فقههم- يمثلون قمة المدرسة الإسلاميّة المتنورة، وبينما يمثل السلفيون قمة الإسلام البدوي، فإن هناك نقطة صدام قوية جدا، وهي ما نراه اليوم من قتل للشيعة بالعراق أو تشويه للشعب العراقي أو تكفير.
هل سينتصر متبعي للإسلام البدوي؟ لا أعتقد فالعالم ليس مستعدا لتقبلهم.
ويتبع >>>>>>>>>: زواج المتعة بين التحريم والتنوير مشاركة
ويتبع أيضًا >>>>>>>>>: زواج المتعة .. رد على من أباحه
* اقرأ أيضاً:
نقد الخرافة .. أسطورة الحقبة الأمومية /عندما كنتُ مشروع إنسان تافه