صورة العرب والمسلمين في المخيلة الصينية في العصور الوسطى
تحدث الكثير من الرحالة والجغرافيين والتجار المسلمين عن اكتشافهم لعالم الصين في العصور الوسطى، وفي الوقت نفسه، فإن المكتبة الصينية تتصف بالندرة في ما يتصل باكتشاف الصينيين للعرب والمسلمين في الفترة ذاتها. وهكذا فإن مصنف «شو – جو – كوا» يعد عملاً في غاية الأهمية للتعريف بالبلاد البعيدة عن الصين، ومن ضمنها بلاد العرب والمسلمين.
وتنبع الأهمية التاريخية والجغرافية والأنثروبولوجية القصوى لهذا العمل في أن صاحبه لم يسافر –كما جرت عادة الرحالة– إلى مواقع بلاد العرب التي تحدث عنها، وإنما كان يعمل موظفاً في جمرك ميناء كانتون الشهير في القرن الثالث عشر الميلادي، مما جعله يتلقف معلومات من أفواه التجار والبحارة المسلمين، مع ملاحظة أن معظم ما أورده يتصف بالصدق التاريخي، والباقي اختلط التاريخ فيه بالأسطورة، مع اضطراره لاعتماده على خلفيته البوذية في تفسير بعض الظواهر الدينية.
تحدث «شو – جو – كوا» عن موطن العرب فذكر أنهم يعيشون غرب بلاد فارس، ولذلك فإن السفن البحرية الآتية من الشرق الأقصى تستغرق ما يقارب الستين يوماً بمساعدة الرياح الموسمية حتى تصل إلى بلاد العرب. كما ذكر أن العرب يتصفون بالقوة والشجاعة وان لهم مكانة كبرى بين الدول المحيطة بهم.كما ذكر –في إشارة إلى بلاد الشام– أن الطقس البارد يضرب بعض مناطق العرب شتاء بحيث تهطل الثلوج ويبلغ ارتفاعها ما بين قدمين وثلاث أقدام.
أشار «شو – جو – كوا» إلى بغداد بصفتها عاصمة (ملك المسلمين)، وهو يقصد هنا الخليفة العباسي، كما أشار إلى دورها التجاري، كما أشار إلى مصر وذكر أن حاكمها (السلطان المملوكي) يتبع خليفة بغداد سياسياً ودينياً. كما أشار إلى منطقة حضرموت على بحر العرب، فذكر رواجها التجاري بفضل تجار المحيط الهندي، ووصف حاكمها بأنه كان يرتدي عمامة حرير، ويقوم في بداية كل شهر هجري، وفي منتصفه أيضاً بارتداء تاجه المرصع بالذهب، وحزامه المطعم بالأحجار الكريمة. كما وصف ستائر قصره الحرير، وقادة جيشه وفروسيتهم. غير انه وفي إشارة إلى الرواج التجاري لحضرموت ذكر أن اتساع شوارعها يبلغ أكثر من خمسين قدماً، وانه جرى تعبيد ممر في منتصف الشاعر باتساع عشرين قدماً، وارتفاع أربع أقدام، من أجل تيسير مرور الجمال والخيول والثيران التي تحمل السلع والبضائع. بينما تكتظ أسواق المدينة بالتجار، ومتاجر الأقمشة الحرير الموشاة بالذهب.
كما تحدث «شو - جو – كوا» عن بعض الموانئ التجارية العربية، فذكر أن بعضها كان يصل عمقه إلى مائتي قدم، ويقوم السكان المجاورين للميناء بإقامة أسواق ترتادها عشرات القوارب والعربات المحملة بقماش الكتان، فضلاً عن القمح والذرة والفول والسكر والدقيق والزيت والأغنام والأسماك، وأنواع الفاكهة. كما أشار إلى أن أهم منتجات بلاد العرب هي اللؤلؤ والعاج وقرون الكركدن (وحيد القرن)، ولا بد من أن التجار العرب قد قاموا باستيرادها من الأسواق الأفريقية. بالإضافة إلى اللبان والعنبر وجوزة الطيب والبخور والزجاج الشفاف، والصدف والمرجان، فضلاً عن الأقمشة الحرير والملابس المصنوعة من وبر الجمال.
وتتبع «شو - جو – كوا» العلاقات العربية - الصينية منذ القرن السابع الميلادي، حيث ذكر أن رسل العرب المسلمين وصلوا إلى القصر الملكي لأسرة تانغ الملكية (650 – 656م) من أجل تقديم الهدايا، ثم تحدث بعد ذلك عن وصول رسل للعرب إلى البلاط الصيني دعاهم بالعرب «أصحاب الرداء الأبيض»، كما رصد وصول رسل وسفراء عرب بعد ذلك بعقود عدة سماهم «العرب أصحاب الرداء الأسود».
وعلى رغم ملاحظته الذكية هذه، فإنه لم يستطع الاستنتاج بأن الرسل الأول كانوا من لدن الدولة الأموية، بينما جاء الرسل الآخرون من لدن العباسيين. غير انه تتبع الرسل والسفارات العربية التي أرسلت من جانب الدويلات الإسلامية في الشرق الإسلامي، طوال القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد. والذين قدموا الكثير من الهدايا إلى البلاط الصيني. كما ذكر «شو - جو – كوا» وجود تاجرين عربيين فضلا الاستقرار في بلاد الصين، أحدهما عاش حتى بلغ المئة والثلاثين من عمره، كانت له طلعة مهيبة، جذبته حضارة الصين، فاستقل سفينته ليستقر فيها، وهكذا احتفى به الإمبراطور ومنحه رداء حريرياً وحزاماً فضياً، أما التاجر العربي الآخر، فقد كان ذا ثروة طائلة، خيِّراً، قام ببناء مقبرة في مدينة كانتون من أجل دفن جثث الموتى العرب والمسلمين.
حياة العرب والمسلمين الدينية
تحدث «شو - جو – كوا»، بأفكار مشوشة، مختلطة بتراثه الديني البوذي عن ديانة العرب الذين اعتقد بأنهم شعب فارسي، فسمحت له معلوماته المضطربة بأن يذكر انه خلال الأعوام 605 – 617م، عاش رجل في الجزيرة العربية يتصف بالحكمة البالغة، حيث وجد حجراً يحمل نقوشاً فاحتفظ به كتميمة لجلب الحظ. ثم قام بالدعوة بين الناس، وأخذ في تسليح رجاله وتابعيه الذين ازداد عددهم تدريجاً، الأمر الذي مكنه من جعل نفسه ملكاً، حيث تمكن من احتلال غرب الجزيرة العربية.
ولم يستطع «شو - جو – كوا» إغفال مدينة مكة المكرمة ودورها الكبير في حياة المسلمين، غير أن معلوماته جاءت ملتبسة وأسطورية، فذكر أنها المدينة التي ولد فيها نبي المسلمين، وانه في كل عام يقام احتفال بالذكرى السنوية لوفاته؟! حيث يحتشد الناس من جميع البلاد الإسلامية في مكة، ويتسابق كل منهم في تقديم هداياه المصنوعة من الذهب والجواهر والأحجار الكريمة، وبعد ذلك يتم تزيين (البيت) من جديد بالأقمشة الحرير. ويمكننا بسهولة أن نلحظ عدم إدراك مؤرخنا الصيني لركن الحج في الدين الإسلامي، كذلك مكانة الكعبة المشرفة، وتجديد الكسوة الشريفة سنوياً قبيل موسم الحج.
غير أن معلومات «شو - جو – كوا» عن الحياة الدينية عند العرب والمسلمين جاءت متوافقة مع الواقع، إذ يذكر أن الملك (الخليفة) والجيش والشعب كله يقوم يومياً (بالتودد) للسماء، ولاحظ من دون أن يقدم تفسيرات منطقية لذلك، أن المسلمين يقومون في اليوم السابع (يوم الجمعة) من كل أسبوع بالتطهر، وقص شعورهم، وتقليم أظافرهم، غير انه لم يدرك فضل يوم الجمعة وصلاتها. كما لاحظ أيضاً أنهم يقومون سنوياً بصيام شهر كامل، من دون أن يرجع ذلك إلى صيام شهر رمضان وفضله باعتباره ركناً من أركان الإسلام، غير انه عاد في غير مرة إلى التأكيد أن المسلمين يواظبون على صلاتهم خمس مرات يومياً.
11/02/2006
هذا مقال أخذ عن جريدة الحياة، بقلم الأستاذ الدكتور حاتم الطحاوي ( كلية الآداب – جامعة الزقازيق - مصر).
واقرأ أيضا:
أوربا والإسلام في العصور الوسطى / حرب عادلة: التراث المسيحي للعصور الوسطى