ميليس في قفص التحليل النفسي تقديم
قراءة تحليلية نفسية لشخصية القاضي ديتليف ميليس
أمام تداعيات الأحداث الراهنة في المنطقة العربية وعليها وأمام الإصرار في لبنان على ربط تفعيل الحكم اللبناني بنتائج لجنة التحقيق المستقلة برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وأمام الاستغلال الذي تسعى إليه أميركا وإسرائيل في المنطقة العربية خاصة بعد المأزق الأميركي في الرمال المتحركة العراقية وأمام الضغوط الهائلة التي تتعرض لها سوريا وبسبب السلوك والمنهج والطريقة التي تعامل فيها مع هذا التحقيق لابد من دراسة شخصيته إذ غدا فهم شخصيته ضرورة لاستكشاف التوجهات المستقبلية لمسيرة لبنان السياسية ولخارطة النفوذ في المنطقة وتقاسم هذا النفوذ.
وبالنظر إلى خصوصية الدراسة ونتيجة لعدم توفر أي معلومات عن نشأة ميليس وطفولته وسيرة حياته في بنوك المعلومات ونتيجة لخضوع المعلومات الشخصية عن ميليس للسرية التامة وفق ما أعلنه مسؤول القسم الإعلامي في مكتب الادعاء العام في ولاية برلين وكل ما أمكن الكشف عنه أنه من مواليد 13 آب (اغسطس) 1949 إضافة إلى المعلومات الإعلامية المعروفة عن تحقيقه في قضية ملهى لابيل عام 1986 والذي استمر 15 عاماً، وفي هذه الحالات من الدراسات يستخدم علم نفس الشكل وإيماءات الوجه وتكوينه وتحليل لحركات الجسد (لغة الجسد) والتاريخ النفسي والمهني للشخص بنجاحاته وإخفاقاته وإحباطاته، مع إضافة أية معلومة متوافرة كونها توضح ما يخفي من كوامن الشخصية، وسأحاول قراءة شخصية ميليس وفق هذه المنهجية.
أولاً: الملامح وعلم الشكل(Morphopsychology ، Morphopsychologie):
تحول تحليل الملامح وعلم الشكل وكذلك تحليل الحركات وتعابير الوجه وإيماءاته أو ما يدعى (بلغة الجسد) إلى اختصاصات نفسية متفردة، وتعتبر المخابرات الأميركية سباقة لتوظيف هذه العلوم في مجالها وخدمة لمصالحها، ولعل البعض سمع عن هذا التطبيق من خلال قنوات الإعلام الأميركي، أو قرأه من خلال تصفح مواقع كثيرة على الشبكة العالمية للانترنت أو من خلال بعض المجلات الأميركية كمجلة نيوزويك التي اعتادت مقابلة المسؤول عن هذا الفرع لاستطلاع رأيه وتحليله لشخصية هذا الرئيس أو ذاك أو هذه الشخصية أو تلك من خلال ملامحه وعبر حركاته وتعابيره.
ويكتنف هذا العلم كما كافة العلوم النفسية الكثير من الغموض والتشويق، وتثير العلوم النفسية الكثير من التساؤلات المبهمة، وذلك يعود إلى ارتباط هذا المجال من العلوم بالكثير من دوافع سلوكنا وطباعنا وعثرات حياتنا وطرق تفكيرنا وتخبط عواطفنا وقبل كل شيء غموض الكثير من آلامنا التي نقف عاجزين لا حول ولا قوة لنا أمامها، هذا عدا عن الفضول الذي تخلقه حساسية فهم المرء لنفسه وللآخرين، إضافة إلى حب الإنسان لفهم نوايا الآخرين..
من هنا يحاط المختص بهذا المجال في كافة المجتمعات بهالات ضخمة من المبالغات والأوهام، إذ ينظر إليه على أنه ذو قدرة فائقة لكشف واختراق اللا مرئي عدا عن اكتشاف شخصية من يشاء وتحليل ما وراءها من دوافع وتمييز ما تُظهر وما تخفي من خلال الشكل أو المظهر أو الصوت أو حركات الجسد أو بضعة كلمات يتلفظ بها المرء، فهو الذي يرى ما لا يراه سواه.
هذه النظرة ما هي إلا تراكم كبير لحالات القلق والفشل والتعلق والحنين إلى الطفولة، حيث يعتقد الطفل أن أباه يمتلك مفاتيح كل شيء وهو قادر على عمل ما يعجز عنه الآخرون وهو قبل كل شيء مصدر الحماية والرعاية، وكذلك نظرة الطفل نحو أمه، فهي مصدر الحنان والأمان والحب والتعاطف، وكل إنسان يحمل في داخله (لا شعوره) طفل ينظر إلى ذاك الأب القادر العظيم، وتلك الأم الواهبة بلا حدود، من هنا يمكننا فهم هذه النظرة على أنها نوع من التوق إلى الأبوة والأمومة المثالية التي يتمناها كل إنسان.. ويجب أن ننتبه فالتفكير على المنوال المضخم الذي ذكرت ليس دائماً على هذه الصورة، فهناك الجانب الآخر والأهم والذي يتضمن النظرة إلى هذه العلوم على أنها صعبة ومعقدة ومبهمة إلى درجة مرعبة، وتؤدي بمن يرتاد هذه العلوم إلى المزيد من العقد النفسية ولست هنا في مجال ذكر الأسباب وراء هذه الأمور..
وفي أحدث الأبحاث النفسية العالمية المعاصرة انطلق علم جديد له أسسه وقواعده ونظرياته، ويعتمد بشكل أساسي على الكلمة والتي تعتبر قبل كل شيء إشارة صوتية تحمل شكل ومضمون ومعنى محدد، وهي تحمل بين طياتها كافة المشاعر من فرح وغضب وانفعال وحزن و… الخ.
وتحليل نبرة الصوت وتوترها وتواترها بحيث يحدد شكل وعمر وملامح ووزن وطول وطباع وشخصية وحتى نفسية وأمراض صاحب هذا الصوت أو الكلمات، وتجاوزت هذه الأبحاث ذلك حيث يعتقد أن صوت وحديث كل إنسان يميزه بذاته كالبصمة، وحتى بعد وفاته يمكن جمع الكثير عن نشاطه وسلوكه وحياته وأقواله وأفعاله من خلال تجميع وتحليل الذبذبات الكهرمغناطيسية لصوته الموجودة في الهواء المحيط بنا في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وكذلك الأماكن التي تواجد فيها وتنقل بينها من خلال صوته ومجاله الإشعاعي والكهرمغناطيسي، وللوهلة الأولى يبدو هذا ضرباً من المستحيل لكن النتائج التي توصل لها العلماء تدعو للتفاؤل الكبير ويجب أن نتذكر أن لا مستحيل تحت وجه الشمس، هذا عدا عن دراسة شخصية الإنسان من خلال الإشعاعات التي تصدر عن جسده وهو علم في بداياته حتى الآن.
الشكل العام للوجه:
توصف الوجوه في الأحاديث اليومية بأنها طيبة، مراوغة، حزينة، منفتحة، جادة، سعيدة، غاضبة،... الخ، وتستعمل كلمة وجه في اللغة الانكليزية (Face) كفعل، مثلاً: (he was facing the window كان يواجه النافذة) أو من قبيل (she Faced up to the situation very well لقد واجهت الوضع بشكل جيد جداً).
ويعتبر الصينيون من أوائل الحضارات التي قامت بدراسة جدية للوجوه والتي تسمى عندهم (سايانغ ميين ـ Siang Mien) والتي تعني (قراءة الوجوه Physiognomy ) واستطاعت حضارتهم أن تربط بين ملامح الإنسان وبقية عناصر الطبيعة من حيوان أو كواكب أو تضاريس أو ... الخ، واعتبرت أن ظهور بعض ملامح الحيوان في الإنسان تعني تطبع هذا الإنسان ببعض من صفات ذاك الحيوان، وحتى الآن يعتبر الصينيون أن الوجه هو مرآة الروح يكشف أفكار ونوايا ومشاعر وشخصية و... صاحبه، ولديهم تقليد عند التعامل مع شخص لأول مرة إذ يبدأ الصيني بالتحديق المستمر والطويل نسبياً في وجه الشخص ثم يربط بين ملامحه والإرث المتوارث لديه عن قراءة الوجه، مع العلم بأن الصينيين يعتبرون وجه الإنسان مقدس ولا تجوز اهانته أو ضربه، وهم أكثر الحضارات انغماساً في معرفة الإنسان من خلال ملامحه علماً أن هذا الإرث الحضاري كان يعتبر من أسرار أباطرتهم وخصّ برجال القصر الإمبراطوري والكهنة عندهم فقط، ولم يكن مسموحاً بتداوله بين العامة من الناس.
ويعتبر البروفسور جوزيف يندهام من جامعة كمبريدج البريطانية من أكثر علماء الغرب الذين كتبوا عن شخصية الإنسان من خلال ملامحه عند الصينيين عبر موسوعته العلم والحضارة في الصين، ومن الأقوال الشهيرة للفيلسوف اليوناني العظيم أرسطو (نستطيع معرفة الناس وأفعالهم عن طريق تحديد درجة شبههم بحيوان ما) وفي محاولات منذ أكثر من قرنين لتطبيق رأي أرسـطو وجد شبه بين شكل وجه بيتهوفن Beethoven ووجه الأسـد، وكذلك بين وجه فولتيير Voltaire ووجه الثعلب، ووجه روبسبير Robspirre ووجه النمر.
ولو راجعنا سير وحياة ومواقف أصحاب هذه الشخصيات وتصرفاتهم لوجدناها تنطبق مع بعض صفات هذه الحيوانات التي تشبهها. وإذا طبقنا موضوع الشبه بالحيوانات على القاضي الألماني ميليس من خلال مجموعة من صور وجهه الأمامية والجانبية نلاحظ الشبه بينه وبين البومة، فالصور الأمامية لوجهه توضح تطابقاً مع وجه البومة في الحاجبين وجذر الأنف مع العينين إضافة إلى ملائمة صريحة في الفم و الوجه، والصور الجانبية لوجهه توضح التسطح وكأنه تقعر صحني من العين وباتجاه الذقن مما يتوافق والمنظر الجانبي لوجه البومة أيضاً والصور المرفقة
توضح ذلك.
وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأت أسس علمية لدراسة الصفات من خلال العالم Lavater في كتابه Précis de l ่ art de connaitre hommes وبعدها تابع الكثير من العلماء البحث والدراسة في هذا العلم أمثال Wieland و Herder و Gothe ثم تابع بعض العلماء تقسيمات الشكل الخارجي الذي وضع أسسها سقراط وجرت محاولات في وضع تصنيفات أخرى كمحاولات كريتشمر Kretschmer ثم فتحت الأبواب لدراسات أعمق فظهر كتابAusdruckskunde لمؤلفه Klages وكتاب Formen Sprache des Gesichtos لمؤلفه Glas وكتاب L่ art de lire le visage لمؤلفه Jagot وكتاب Visages et contacts humaines لمؤلفه Ermiane وغيرهم، وتسارعت بعدها الأبحاث والدراسات خاصة في أميركا في العقدين المنصرمنين ومع تطور التكنولوجيا وعلوم الحاسب أصبح من الممكن للخبراء استقراء الشخصية والسلوك من شكل الوجه ومعالمه كالعيون والأنوف والأفواه حتى أن أدق التجاعيد توحي بمعان محددة وليس بالطريقة التقنية الكلاسيكية فقط وإنما من خلال برامج حاسوبية فائقة الدقة وبسرعة هائلة.
كيف نعرف شكل الوجه:
|
هناك طرق عدة لمعرفة شكل الوجه من قبل أي كان وأبسطها من خلال الاستعانة بصورة فوتوغرافية أمامية للوجه كالصورة المستعملة في البطاقة الشخصية أو جواز السفر، إضافة إلى مسطرة لنستطيع من خلالها إجراء بعض القياسات للمقارنة فقط إذ أن القياسات الحقيقية لاتهمنا هنا، وقلم رصاص، نرسم خطوطاً منقطة بأبعاد متساوية فتصبح الصورة مقسمة بواسطة هذه الخطوط إلى شبكة من المربعات المتساوية وهذا يذكرنا بكيفية تعليم الأطفال رسم صور شخصية. وفي عصرنا هذا يمكننا من خلال استخدام الحاسب إجراء هذه الخطوات بسرعة، والحقيقة أن هناك برامج تعطي من خلال صور وجه الشخص كافة البيانات والمعلومات عن قراءة الوجه والملامح.
ويتبع >>>>>>>>> : ميليس في قفص التحليل النفسي(2)
واقرأ أيضاً:
ما تعرفه عن التحليل النفسي(What is Psychoanalysis)/ مدونات مجانين(1): من فليكسْ إلى ميلِسْ
* نشرت على الشبكة العربية للعلوم النفسية