الشك بين الأزواج
وقد أثبت العلم حديثا أن هذه الصبغات الشخصية إنما هي نتاج تداخل معقد من العوامل الوراثية والتي تظل كامنة حتى يتم تنشيطها إما بضغوط حياتية ثقيلة أو أساليب تربوية خاطئة. وعلى المستوى التحليلي، فالشك الزوجي يعكس إحساسا داخليا بالخيانة، يتم إسقاطه على الزوج الآخر، فيراه خائنا متورطا جنسيا مع شخص ثالث، أو مدبرا أمرا يهدف إلى الإطاحة بشريك حياته أو إلحاق به أذى جسديا أو نفسيا.
إذن فالزوج الشكاك بزوجته هو نتاج أرض معتلة التركيبية الوراثية وروتها مياه الصراعات البينية في أسر يكيد فيها طرف لطرف آخر ويحسب طرف على طرف تصرفاته وكلماته وأنفاسه...... وفوق ذلك الاستعداد النفسي، فان هناك أسباب أخرى تؤهل الإنسان أن يكون شكاكا مثل التعرض للخبرات المؤلمة في الطفولة سواء كانت جسدية أو جنسية أو نفسية وهنا يبنى الشخص فكرا خاطئا في الطفولة بأن العالم من حوله مؤلم عدواني خطر على وجوده، فيفشل الشخص في تكوين مبدأ الثقة الأساسية بالعالم، ويبدأ حينئذ في أخذ الحذر من كل شيء ومن كل شخص بما فيهم أقرب الأقربين إليه وهو شريك حياته.
ولابد للشك بين الأزواج من دعامات يستند عليها، على هيئة تصرفات يمكن تفسيرها بأكثر من معنى... كأن يخفض الزوج صوته وهو يتحدث بالهاتف على مسمع من شريك حياته، فهنا قد يحتمل الأمر أنه لا يريد إزعاجه، وقد يحتمل أيضا أنه يخفى شيئا ما لا يريد لزوجته أن تعرفه. أو كأن يحكم الزوج إغلاق مكان ما بالبيت على متعلقاته الشخصية، وهنا أيضا قد يحتمل الأمر أنه يحافظ على أشيائه من التلف أو أنه يدارى عن زوجته شيئا ما..........
أما العزلة الزوجية التي يقبع فيها أحد الزوجين في معزل عن كل طقوس حياة الآخر بما فيها نجاحاته وإخفاقاته، فهي تجعل هذا الزوج بمثابة الغريب في حياة شريك حياته وهو لا يدرى شيئا من خصوصياته، وكل يوم يفاجأ بأحداث جديدة عن صاحبه تخبره بأنه كان آخر من يعلم!!.......... وهنا يشعر الزوج أنه لا يمثل قيمة عند صاحبه، وأن صاحبه سيتخلى عنه عند أول مفاضلة بينه وبين أي شيء أو أي شخص من الذين يوليهم باهتمامه ويطلعهم على خصائصه وأسراره.
وقد يبقى الإحساس بالشك كامنا داخل أحد الزوجين على هيئة صبغة شخصية تنعكس على تصرفات ذلك الزوج بحيث أنها تفقده الثقة في شريك حياته، وتجعله يأخذ ألف حذر منه قبل أن يطلعه على تفاصيل حياته وأسراره. كما أن الزوج الشكاك يترجم تصرفات زوجته على نحو خاطئ قد يكون أبعد من المقصود بألف ميل، فهو يرى الأمر الذي تفعله زوجته بعفوية وبسلامة نية أنه خطر يتربص به، مما يدفعه إلى سرعة الانفعال لكي يدفع ذلك الخطر.
أي حياة زوجية هذه التي تجمع بين زوجين يشك أحدهما أو كلاهما بالآخر؟! وأي سكن أو مودة أو رحمة يذوقها هذان الزوجان؟!
أما الكارثة الحقيقية إنما هي في الأطفال الذين يولدون ويتنفسون في جو أسرى ملوث بغبار الشك والكراهية في بيت مكسور الروابط البينية بين أفراده.
واقرأ أيضاً:
النواحي النفسية والعصبية للاضطرابات الجنسية (3) / الهاتف المحمول والقتل البطيء(4) / فلسفة الصمت والثرثرة