كيف تقين نفسك من التحرش الجنسي(1)
بيئة التحرش:
يبدو أن الظروف الحياتية الحالية تمثل ما يمكن أن نطلق عليه "بيئة محرضة على التحرش" ونذكر منها ما يلي:
1 - الازدحام: فحين تتقارب الأجساد إلى درجة الالتصاق في البيت والشارع والمواصلات والمدارس والجامعات والنوادي والشواطئ وفي كل مكان فإن هذا يشكل أرضية مهيجة ومنشطة لدوافع التحرش لدى المهيئين لذلك، وربما لدى غيرهم لممارسة التحرش. وهناك لدى علماء الاجتماع ما يسمى بالمساحة الحضارية وهي المساحة التي يتحرك الفرد فيها داخل المجتمع، ومن المعروف أنه كلما تقلصت هذه المساحة الحضارية كلما كثرت الاحتكاكات والمشكلات في التعامل بين الناس وزادت الميول العدوانية.
2 - اقتراب الجنسين في كل مكان: فنظرا لخروج الفتيات والنساء للدراسة والعمل فقد أصبح الحضور الأنثوي والاقتراب الأنثوي أحد مظاهر الحياة الحالية، وفي غياب الإشباع الكافي لاحتياجات الجنسين وغياب القيم الأخلاقية والدينية، تندفع النفوس المحرومة والمنفلتة تخطف ما ليس من حقها متعللة بالحرمان أو القرب.
3 – العشوائيات: وهي بيئة تجمع بين الازدحام والفقر والحرمان والتلوث البيئي والأخلاقي، ولذلك فهي بيئة نموذجية لتصدير كل الأمراض والتشوهات الأخلاقية والاجتماعية إلى بقية قطاعات المجتمع وطبقاته.
4 - الخطاب الديني والإعلامي: فالخطاب الديني المتشدد الذي يصور المرأة على أنها جسد مدنس مسكون بالغواية والإغراء ويجب إخفاءه أو وأده بعيدا عن الأنظار، هذا الخطاب يجعل المرأة جسدا مرغوبا بالفطرة الطبيعية لدى الذكور ومكروها ومحتقرا في نفس الوقت لدنسه وغوايته. وهذه التركيبة تشكل أرضية للتحرش فالمتحرش هنا يتوق إلى هذا الجسد ويرغبه وفي نفس الوقت يخافه ويحتقره.
والخطاب الإعلامي على الرغم من تناقضه مع الخطاب الديني المتشدد إلا أنه يصل تقريبا إلى نفس النتيجة فهو يعرض جسد المرأة عاريا ويستخدمه للترويج للسلع والأفلام والمسرحيات والأغاني فيبعث برسالة إلى المشاهد مفادها أن المرأة عبارة عن جسد جميل ملئ بالإغواء والإغراء ونداءات المتعة. إذن فكلا الخطابين يصلان إلى نتيجة واحدة (على الرغم من تناقضهما الظاهري) مفادها أن المرأة ليست كيانا إنسانيا جديرا بالاحترام والحب والمودة والرعاية وإنما هي كائن شيطاني ملئ بألوان المتعة والغواية. ولهذا نجد المتحرش يحمل في تكوينه كلا من الرغبة الجنسية والعدوان تجاه المرأة التي يتحرش بها فهو يريد أن يستمتع بجسدها دون اعتبار لها كإنسانة محترمة، فيخطف منها ما يريد ويتركها هملا بلا أي اهتمام أو رعاية.
5 - المسكرات والمخدرات: وهي تساعد الشخص على إخماد قوى الضبط النفسي والأخلاقي، وبالتالي تحدث لديه حالة من الانفلات وحالة من غيبوبة الضمير.
نماذج التحرش:
يأخذ التحرش أحد الصور التالية:
1 – تحرش فردي: مدير مع سكرتيرته، موظف مع زميلته، مدرس مع تلميذته..... الخ.
2 – تحرش جماعي: ويحدث حين يتجمع عدد من الأشخاص حول ضحية، وخطورة هذا النوع أن التجمع يعطي حالة من الجرأة وعدم الشعور بالمسئولية الفردية وربما يدفع للتنافس بين المتحرشين فيأتون بأفعال يصعب قيام أحدهم بها على المستوى الفردي، وهذا ما حدث في التحرش الجماعي في وسط القاهرة أمام سينما مترو وفي شارع طلعت حرب في عيد الفطر 2006 وأحدث حالة من الهرج والمرج والهلع الشديد لدى الضحايا ولدى غيرهم إذ ظهر الشباب المتحرش في حالة انفلات غرائزي شديد ومتبجح وغير معتاد في المجتمع المصري.
3 – تحرش سلطوي: ويتم في الدول البوليسية المستبدة حيث يقوم الجهاز الأمني بالتحرش بالمعارضين أو التحرش بزوجاتهم أو بناتهم بهدف نزع الاعترافات أو الضغط النفسي الشديد عليهم، وقد يتجاوز الأمر من التحرش إلى الانتهاك أو الاغتصاب، وهذا يشكل قمة العدوان على كرامة الإنسان لأنه يصيبه في شرفه وكرامته وكيانه الإنساني يهدم فيه كل هذه المعاني. ويكثر التحرش الجنسي السلطوي تجاه المعارضات من الفتيات والنساء حيث يعلم النظام السلطوي المستبد حساسية هذه الأمور بالنسبة لأي فتاة أو امرأة فيعمد إلى تسليط أعوانه للتحرش بالمعارضات في المظاهرات أو أثناء الانتخابات وذلك لبث الرعب في نفوسهن ونفوس غيرهن. وهذا التحرش السلطوي يحدث حين تنحدر أخلاقيات النظام الأمني والسياسي إلى الدرك الأسفل من السلوك، وهو دلالة على فقد الشرعية وعلى فشل هذا النظام في التحاور والمنافسة الشريفة.
4 – تحرش عكسي: وهو يعني أن تتحرش الأنثى بالرجل، وهو عكس المعتاد من تحرش الرجل بالأنثى على أساس أن الرجل هو الأقوى جسديا وهو المبادر بالتحرش في أغلب الأحيان بسبب طبيعته الذكورية، ومع هذا نجد نماذج من تحرش المرأة بالرجل خاصة لو كانت أكبر سنا أو أكثر خبرة أو أعلى في المنصب أو المكانة الاجتماعية، أو امرأة مسترجلة، أو لديها ميول جنسية مضطربة أو سادية النزعة.
سيكولوجية التحرش:
سوف نتتبع التركيبة النفسية لعملية التحرش على المحاور التالية:
1 – المتحرش: قد يكون المتحرش من النوع السادي الذي لا يستمتع بالعلاقات الجنسية العادية وإنما يسعده أن يأخذ ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر، أو يكون من النوع الاستعرائي الذي يجد متعته في استعراض أعضائه التناسلية أمام الضحية ويستمتع بنظرة الدهشة والاستغراب والخوف على وجه من يراه وكثير منهم تحدث له النشوة ويقذف لمجرد حدوث هذه الأشياء. وهناك النوع التحككي الذي يجد متعته في الالتصاق بالضحية في الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى حالة النشوة والقذف.
أما النوع الهستيري فيغلب وجوده في النساء حيث تتحرش المرأة الهستيرية بالإغواء والإغراء للرجل الضحية لفظيا وجسديا حتى إذا تحرك نحوها صرخت واستغاثت بمن حولها لإنقاذها من هذا الحيوان الذي يريد اغتصابه، والشخصية الهستيرية تفتقد للثقة بنفسها لذلك تسعى للإغواء والإيقاع بالضحية لكي تطمئن على قدرتها على ذلك ثم تتعمد توسيع الدائرة لكي يعلم عدد من الناس كم هي مرغوبة ومطلوبة وكم هي جذابة لدرجة تخرج الناس عن طورهم.
كل النماذج السابقة تعتبر نماذج مرضية مضطربة، والتحرش لا يقتصر على تلك النماذج بل يمكن أن يحدث من أشخاص عاديين في ظروف تشجعهم على ذلك، وهذا ما نسميه "التحرش العرضي" أو "التحرش الموقفي"، بمعنى أنه سلوك عارض في حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين وليس بالضرورة أن يتكرر، على عكس التحرش المرضي الذي سبق وفصلناه ففيه الفرصة للتكرار لأن وراءه دوافع متجددة تدفع الشخص للتورط فيه من آن لآخر. وكون التحرش مدفوع باضطرابات مرضية لا يعفي صاحبه من المسئولية كما قد يظن البعض أو يتخوف، وإنما ربما يفسر لنا ما يحدث وينبهنا لإمكانية تكرار حدوثه، وربما فقط يخفف العقوبة في بعض الظروف.
2 – المتحرش بها: قد تكون التحرش بها عرضيا أو موقفيا بمعنى أنه يحدث في ظروف معينة وأنها لا تقوم بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة تدفع لتكرار التحرش. أما القابلية لحدوث التحرش وتكراره فتكون أكثر في الشخصيات الهستيرية والتي تقوم بالإغواء كما ذكرنا لتثبت لنفسها أولا وللآخرين ثانيا أنها جذابة ومرغوبة وهي لذلك تحرص على التشهير بمن تحرش بها على الرغم من أنها لعبت دورا أساسيا في حدوث التحرش فهي جانية ومجني عليها في ذات الوقت، وهذه الشخصيات لديها تاريخ طويل في تحرش الناس بها فتحكي أن والدها قد تحرش بها وكذلك أخوها الأكبر وزميلها في المدرسة ومدرسها الخصوصي والطبيب الذي يعالجها ورئيسها في العمل، وكأن الرجال كلهم يتحرشون بها لفرط جمالها وجاذبيتها على الرغم من أن الشخصية الهستيرية تعاني في داخلها من البرود العاطفي والجنسي لذلك تحاول أن تعوض ذلك بسلوك إغوائي.
وهناك الشخصية السيكوباتية التي تدفع الآخرين للتحرش بها بهدف ابتزازهم وتحقيق مصالح معينة من هذا الابتزاز، وقد يحدث هذا في مجالات السياسة أو مجالات الجاسوسية أو في وسط رجال الأعمال. أما الشخصية الماسوشية فهي تستمتع بالإهانة والإذلال والعنف الذي يمارسه المتحرش ضدها فلديها إحساس عميق بالذنب والانحطاط وانعدام القيمة وأنها جديرة بالقهر والإذلال والامتهان وهي تشعر بالراحة حين يمارس ضدها أي عنف جنسي أو جسدي، وهي لا تميل إلى الشكوى أو التشهير بالمتحرش (كما تفعل الشخصية الهستيرية) وإنما تكتفي بما تحصل عليه من إهانة وقهر وإذلال.
3 – الاحتياجات: وضع عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو ما يسمى بهرم الاحتياجات فوضع في قاعدته الاحتياجات الأساسية (أو البيولوجية) وهي الطعام والشراب والمسكن والجنس، ويعلوها الاحتياج للأمن ويعلوه الاحتياج للحب، ويعلوه الاحتياج للتقدير الاجتماعي، ويعلوه الاحتياج لتحقيق الذات، وتعلوه الاحتياجات الروحية. فإذا فقد الإنسان أحد هذه الاحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعى لإشباعها من نفس نوع الاحتياج إن وجد أو من احتياج آخر أعلى أو أدنى حسب ما يتاح له. فمثلا إذا فقد الإنسان الحب أو فقد التقدير الاجتماعي أو فقد القدرة على تحقيق ذاته، أو فقد القدرة على التواصل الروحي فإنه ربما يلجأ إلى التحرش أو الانغماس في الجنس أو القمار أو المخدرات في محاولة منه لسد فجوة الاحتياج المفقود. وقياسا على هذا نستطيع القول بأن الشباب الذين قاموا بالتحرش الجماعي في وسط القاهرة كانوا يفتقدون ربما الإحساس بالكرامة أو الإحساس بالقيمة أو الإحساس بالحب أو الإحساس بالأمان أو فقدوا القدرة على الإشباع الجنسي بطريق شرعي فانطلقوا يعوضون هذه الاحتياجات المفقودة من خلال التحرش.
4 – الدوافع والضوابط: يتميز الإنسان الطبيعي بحالة من التوازن بين الدوافع والضوابط، وهذا ما يجعله يتمكن من السيطرة على دوافعه بناءا على الاعتبارات الدينية والأخلاقية والاجتماعية. وضوابط الإنسان ليست كلها داخلية متمثلة في الضمير الشخصي، ولكن هناك الضابط الاجتماعي المتمثل في ضغط الأعراف والتقاليد، وهناك الضابط القانوني الذي يمثل نوعا من الردع خاصة لأولئك الذين لم يردعهم الضمير ولم تردعهم الأعراف والتقاليد الاجتماعية. وإذا ضعف أي من هذه الضوابط أو ضعفت كله، أو طغت الدوافع فإننا نتوقع خروج الرغبات (العدوانية والجنسية) فجة ومتحدية ومهددة للسلام الاجتماعي.
الآثار النفسية للتحرش الجنسي:
هناك آثار سريعة تظهر مباشرة أثناء حالة التحرش وتستمر بعدها لعدة أيام أو أسابيع وتتلخص في حالة من الخوف والقلق وفقد الثقة بالذات وبالآخرين وشعور بالغضب من الآخرين وأحيانا شعور بالذنب. والشعور بالذنب هنا يأتي من كون المرأة حين تتعرض للتحرش كثيرا ما تتوجه لنفسها باللوم وأحيانا الاتهام، ولسان حالها يقول لها: "ماذا فعلت لكي يفكر هذا الشخص في التحرش بك؟".... "يبدو أن فيك شيئا شجع هذا الشخص على أن يفعل ما فعل" .... "يبدو أنك فعلا سيئة الخلق وعديمة الكرامة" ..... "لماذا طمع فيك أنت بالذات؟؟" ..... "إنه يظن أنني من أولئك النساء الساقطات" .... "هل يكون قد سمع عني شيئا شجعه على ذلك؟؟؟".
وهناك آثار تظهر على المدى الطويل وتتمثل فيما نسميه بكرب ما بعد الصدمة خاصة إذا كان التحرش كان قد تم في ظروف أحاطها قدر كبير من الخوف والتهديد للشرف أو للكرامة أو لحياة الضحية وسلامته، وهنا تتكون ذاكرة مرضية تستدعي الحدث في أحلام اليقظة أو في المنام وكأنه يتكرر مرات كثيرة كما يحدث اضطراب نفسي وفسيولوجي عند مواجهة أي شيء يذكر الضحية بالحدث، ويتم تفادي أي شيء له علاقة بالحدث، ويؤدي ذلك إلى حالة دائمة من الخوف والانكماش والتردد وسرعة التأثر، كما أن الضحية تفقد قدرتها على الاقتراب الآمن من رجل، وإذا تزوجت فإنها تخشى العلاقة الحميمة مع زوجها لأنها تثير لديها مشاعر متناقضة ومؤلمة.
طرق الوقاية من التحرش:
هناك استراتيجيتان للتعامل مع حالات التحرش:
1 _ التفادي: وتعني تجنب الأماكن والمواقف التي يتوقع فيها التحرش مثل الأماكن المعزولة أو المغلقة التي يسهل الانفراد فيها بالضحية، أو الأماكن المزدحمة، أو التواجد مع أشخاص بعينهم يتوقع منهم هذا السلوك. وتتعلم الفتاة بشكل خاص أن تتجنب المواصلات المزدحمة، وأن تستفيد من وجود العربات المخصصة للنساء في الترام، وإذا ركبت تاكسي أن لا تركب بجوار السائق في الكرسي الأمامي وأن لا تتبسط إليه في الحديث بدون داعي، وإذا ذهبت إلى عيادة الطبيب أن لا تذهب وحدها، وأن تعرف الأسرة ظروف وأماكن الدروس الخصوصية لبناتها وأبنائها........ إلخ. واستراتيجية التفادي قد تمنع حوالي 75% من حالات التحرش ومواقفه دون مشكلات تذكر.
2 – المواجهة: وفيها تواجه المتحرش بها الشخص المتحرش، إما بنظرة حازمة ومهددة، أو بكلمة رادعة ومقتضبة، أو بتغيير مكانها ووضعها، أو بتهديده وتحذيره بشكل مباشر، أو بالاستغاثة وطلب المساعدة ممن حوله، أو بضربه في بعض الأحيان. واستراتيجية المواجهة تحتاج لذكاء وحسن تقدير من الضحية، وليس هناك سيناريو واحد يصلح لكل المواقف، وإنما يتشكل السيناريو حسب طبيعة الشخص وطبيعة الظروف.
وهناك طرق قد تبدو طريفة في المواجهة تستخدمها بعض الفتيات مثلا في وسائل المواصلات فبعضهن يستخدمن دبوسا ضد من يحاول التحكك بهن، وهي وسيلة دفاع صامتة وقد تكون مؤثرة ورادعة، وبعضهن يتعلمن وسائل الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه والتايكوندو والكونجفو لتتمكن من الدفاع عن نفسها دون الحاجة للمساعدة الخارجية، خاصة حين تضعف السلطات الأمنية أو تتغيب أو تنشغل بحماية أولي الأمر عن حماية الشعب أو تضعف النخوة والمروءة في المجتمع.. ويعيب استراتيجية المواجهة أنها ربما تحدث ضجة أو فضيحة لا تحبذها المرأة أو الفتاة في مجتمعاتنا المحافظة، على الرغم من أن فيها ردعا قويا لكل من تسول له نفسه بالتحرش بأي فتاة .
وهناك تعليمات عامة لمن تواجه حالة تحرش نذكر منها:
- حاولي الانتقال قدر الإمكان إلى مكان أكثر أمانا بعيدا عن المتحرش فمثلا إذا كنت في وسيلة مواصلات فعليك بالنزول منها أو تغيير مكانك فيها حسب ما يتطلب الموقف، وقد تطلبين من أحد الركاب الجالسين ممن تتوسمين فيه الخير أو المروءة أن يقوم لتجلسي مكانه ولا مانع من أن توصلي إليه رسالة موجزة بأنك تتعرضين لمشكلة وهو سيفهم ويساعد في الأغلب. وإذا كنت في مكان مغلق فعليك الانتقال في أسرع وقت إلى مكان مفتوح حتى لا ينفرد بك المتحرش.
أما إذا كان الابتعاد عن المتحرش غير متاح فعليك أن تواجهيه بنظرة حازمة وغاضبة ورافضة ومؤكدة، وأن تعلني رفضك بكلمات قليلة ومحددة، دون الدخول في نقاش معه. لا ترفعي صوتك ولا تستخدمي كلمات جارحة. لا تقولي له من فضلك أو لو سمحت أو أي كلمات من هذا القبيل ولا تفتحي معه مجالا للمناقشة، ولا تجيبي على أي أسئلة يوجهها إليك المتحرش ولا توجهي أنت إليه أي أسئلة. باختصار اقطعي عليه الطريق باستخدام النظرة الحازمة الرافضة الغاضبة واستخدام كلمات قليلة محددة ومؤكدة ورافضة. والمتحرش في أغلب الحالات يكون جبانا لذلك يتراجع عند أول بادرة رفض أو تهديد.
وإذا كنت أما وتريدين حماية ابنتك من التحرش فافعلي ذلك دون إثارة حالة من الرعب والفزع في نفسها، فمثلا أوصها ألا تسمح لأحد غريب باصطحابها إلى أي مكان، أو أن يتحسس جسدها أو يكشف ملابسها، أو يعبث بها، وأن لا تدخل في أماكن مغلقة مع رجل سواء في محل بقالة أو مكتبة أو غيره، وأن لا تمشي في أماكن معزولة، أو في أوقات متأخرة من الليل. ولا تلبسي هذه التنبيهات ثوبا جنسيا وإنما علميها إياها من خلال وجوب محافظتها على كرامتها وسلامتها.
ويحتاج المجتمع لأن يقي أبنائه وبناته شر التحرش وأن يجنبهم آثاره وذلك بتيسير إشباع الاحتياجات الإنسانية بطرق مشروعة، والحد من المواد الإعلامية والإعلانية المثيرة للغرائز، وترشيد الخطاب الديني الذي يصور المرأة على أنها جسد شيطاني شهواني يجب تغييبه عن الحياة تماما وعزله بالكامل داخل غرف مغلقة بعيدا عن أعين الرجال الحيوانيين. ويحتاج المجتمع لأن يرعى وينمي في أبنائه ضوابط الضمير والضوابط الاجتماعية والضوابط القانونية للحفاظ على التوازن الصحي بين الدوافع والضوابط.
الوقاية من فرط الوقاية:
يبدو أن تجنب السلوك الوسواسي في الوقاية لا يقل أهمية عن أمر الوقاية، فقد حكت لي أحد الأمهات أنها تسأل ابنتها البالغة من العمر عشر سنوات كل يوم حين عودتها من المدرسة أو من أي مكان تذهب إليه إن كان أحدا قد مسها أو لمسها أو تحرش بها أو حاول الاعتداء عليه، ولا تكتفي بذلك بل تقوم بفحصها أحيانا فحصا جسديا بحثا عن آثار الاعتداء الذي تخشاه أو تتوقعه.
وهذا النموذج يتكرر بصورة أو بأخرى وبدرجات مختلفة بين نسبة غير قليلة من الأمهات، والأم هنا تعتقد أنها تقوم بواجبها الأمومي على خير وجه في حين أنها تزرع في ابنتها بذور الوسواس والشك تجاه مسألة العذرية وتجاه الأخطار المحيطة وتجاه الرجال "المتوحشين" أو "الحيوانيين"، ولا نتوقع بعد ذلك نموا نفسيا طبيعيا لهذه الفتاة التي مارست معها أمها ما نسميه "فرط الوقاية" أو "الوقاية الوسواسية".
وبعض الأمهات أو الآباء من كثرة ما يسمعونه من حوادث التحرش والاعتداء الجنسي وخطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم أحيان، ربما يعمدون إلى منع أبنائهم وبناتهم من الخروج نهائيا من البيت، مع تحذيرهم من كل شيء يقترب منهم أو يحيط بهم، وهذا أيضا موقف مرضي يكون في عقل الطفل (أو الطفلة) صورة مرعبة وغير حقيقية عن العالم المحيط به وعن الناس وهذا يحول بينه وبين الإحساس بالأمان ويحول بينه وبين الثقة بأي أحد من الناس، والناتج النهائي لكل هذه الصور من فرط الوقاية إما حالات قلق، أو وسواس، أو بارانويا.
اقرأ أيضا:
انفجار ماسورة الغرائز في وسط البلد / عن السعار الجنسي في وسط البلد / التزنيق في المواصلات هل أصبح ظاهرة؟ / إدمان الجنس أم إدمان التزنيق مشاركة (3)