الدكتور خليل فاضل استشاري الطب النفسي، خبير الإرشاد الأسري، والكاتب المهتم بشؤون المجتمع والسياسة، حاوره موقع لها أون لاين، واستكشف معه مساحات من البوح عن المجتمعات العربية عامة والمرأة العربية خاصة، السياسة وعلاقة الكبت والقهر السياسي بالعنف والاكتئاب، وعلاقة الحروب والصراعات بتزايد معدلات الاكتئاب.. كل هذه القضايا وأكثر نتابعها معكم في الحوار التالي:
أتحفظ على استخدام الأدوية
* د. خليل.. لك مدرسة في العلاج النفسي لا تعتمد على الأدوية والعقاقير الطبية، كيف يمكن أن يتم ذلك؟
ـ اعتمد على الحوار في العلاج، فحين يسمع المريض كلاماُ حلواُ أو يتمشى على النيل، إنها أشياء صغيرة تغير من كيمياء المخ، بصفة عامة الحوار يعالج بفعالية، لدي تحفظات على استخدام الأدوية ولا أفضلها إلا في حالات الضرورة القصوى، لأن الأدوية أحياناً تؤثر على التركيز وعلى الطاقة الجنسية، وعلى المدى الطويل يتعلق بها المريض حتى لو لم يكن لها صفة إدمانية.
* متى تعتمد على العلاج بالأدوية والعقاقير للمريض النفسي؟
ـ حين يكون المريض على وشك الانتحار، أو حين يكون متعجلاً للشفاء، وبشكل عام فالناس أصبح لديها وعي بالعلاج بدون أدوية من خلال الحوار والتحليل النفسي. ومن المهم جداً مصادقة المريض، وإدخاله في أنشطة اجتماعية وثقافية أخرى لها صلة ما بالعيادة النفسية ويشترك معه فيها طبيبه النفسي مثل الصالون الثقافي، وهذا جزء من منظومة متكاملة لكي نجعل المستحيل ممكناً.
* وكيف نجعل المستحيل ممكناً؟
ـ معاًَ وسوياً، من خلال المشاركة بالاعتماد على خبرة الطبيب النفسي الإنسانية، فنحن معاً نعالج القضية، ونصلح الخلل والاضطراب بالاعتماد على جهد ومشاركة يقوم بهما المريض نفسه، وهذا يصنع تحدياً داخلياً لديه، فلا يقاومني ولا يقاوم العلاج أو ما نسميه في الطب النفسي الحيل الدفاعية.
السيكودراما
* كنت من أدخل المسرح النفسي "السيكودراما" مصر... فما المقصود به؟ وما أهميته في العلاج النفسي؟
ـ السيكودراما مسرح نفسي علاجي، يُقال فيه عادة ما يُكتم ولا يُقال في المواقف الحياتية المعتادة، تمثل فيه المشاهد التمثيلية من الحياة كما هي، كأن يعبر الشخص عن حقيقة غضبه أو كرهه لشخص ما، مثل رئيسه في العمل... هو لا يستطيع أن يقول ذلك في الحياة العادية فيقوله في السيكودراما، كما أن لها تطبيقاتها المفيدة في مجال الإدمان، من خلال تجسيد المعاني مثل الموت والجنون والسجن، وذلك من خلال مشاهد تمثيلية توضح مصير المدمن لو استمر في هذه الطريق، أو تجسيد حال أسرته، وما قد يحدث لها من تشريد وتفكك بعد سنوات من إدمانه.
تكمن أهمية السيكودراما في أنها تضم مجموعة من الناس، يجهز كل منها على أطراف المشكلة المتعددة التي يعاني منها المريض، علاوة على تعبيره عن أحزانه وآلامه واستخراج كل ذلك من داخله، فينزاح هذا المخزون بعيداً عنه، فيصح ويتمكن من الصحة الإيجابية.
* كل ست دقائق تقع حالة طلاق في مصر، فما أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في مصر والعالم العربي؟ وما نتائج هذا على المجتمع؟
ـ ترتفع معدلات الطلاق بسبب اختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية للزوجين، كما أن التطلعات والتوقعات من مشروع الزواج لا تتناسب مع الواقع المعاش وما فيه من سعار استهلاكي وطبيعة مادية طغت على الحياة بصورة كبيرة، ومع انفتاح المجتمع أصبحت هناك علاقات خارج إطار الزواج، علاوة على وجود أشياء ملوثة للوجدان العربي، مثل ما يُذاع على الإنترنت والفضائيات، وإدمان رجال كثيرين لهذه المواد، حتى المكالمات الخاطئة تستغل بصورة غير شرعية تؤثر على العلاقات الاجتماعية خاصة الزواج، وتؤدي للخيانة أو ما يسمي (الخيانة الإلكترونية)، علاوة على تزايد المشكلات بصفة عامة، وتعقد الحياة، وعدم انتظام عقد المجتمع. أما بالنسبة لنتائج هذا على المجتمع، تزايد أعداد أولاد الانفصال، ووجود زوجات بلا أزواج، أزواج مكتئبين، وتفكك في الأسرة العربية بشكل كبير، مما يزعزع أركان المجتمع، ويهلهل بنيته الاجتماعية.
* وكيف ترى مستقبل هذه القضية ؟
- المنحنى في هبوط، والوضع في تدهور متزايد، أصبحت هناك دلائل لهذا، مثل ظهور هيئات تحاول لم شمل الأسرة وحل المشكلات الأسرية مثل مستشار العائلة في قطر، ومحكمة الأسرة في مصر.
* ترى ما هو حل هذه المشكلة في رأيك؟
- الحل في المنظمات الأهلية، فلابد من وجود شبكة قوية من الرعاية الاجتماعية والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، يعملون في إطار الشارع العربي، ويعقدون ندوات للتوعية في الأحياء الشعبية وليس فقط الراقية، مع عقد دورات تدريبية للأزواج تؤهلهم للحياة الزوجية.
* ما أسباب ارتفاع معدلات الإدمان في المجتمعات العربية؟
- أصبح الإدمان شائعاً لدرجة أنه المفروض أن نسأل لماذا لا يدمن الشخص؟! والسبب في شيوعه هو محاولة تعتيم الوعي لأن الواقع الاجتماعي مرير ومن يحتفظ فيه بوعيه يعاني، فهو محاولة للهروب من الواقع، وأحياناً يكون بسبب افتقاد الحب من الأسرة أو سفر الوالد وافتقاد الابن لأبيه.
* ما سبب زيادة معدلات العنف في المجتمع العربي؟
- تزايد الغضب الداخلي، وما نتذكره هنا أحداث العنف والبلطجة التي وقعت في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة، شاع العنف اللفظي، فأصبح لا يوجد حياء، وساد القهر الوظيفي، والتحرش الأخلاقي واستغل الكبير للصغير.
* كيف ترى مستقبل المجتمعات العربية والعنف؟
- أرى زيادة العنف نتيجة الحياة اليومية القاسية والزحام والوساطة والمحسوبية، والمفاهيم السلبية أصبحت تسود في المجتمع، وتفرض الحياة العنيفة.
* هل توجد علاقة بين العنف والكبت والقهر السياسي في المجتمعات العربية؟
- طبعا العلاقة موجودة، فحين لا تمارس الناس حريتها ولا تأخذ حقوقها الطبيعية، يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات العنف؛ فنحن مجتمعات لم ترب أخلاقياً ولا سياسياً، كما أننا قد أصبحنا شعوباً قاصرة، تقودها حكامها كالطفل الذي لم يبلغ بعد، مع وجود مفهوم الدولة الرخوة، فمهما كانت قبضة الدولة قوية، فهي هكذا ظاهرياً، أي أن يفعل الشخص ما يريد في أي وقت، فتسود الفوضى.
الاكتئاب في العالم
* تقول منظمة الصحة العالمية إن الاكتئاب أزمة صحية عالمية تهدد البشرية وقد يمثل المرتبة الثانية بعد مرض القلب عام 2020، وفي دول العالم الثالث يصيب 20% من السكان، ويصيب 10% من السكان بالدول المتقدمة، لماذا معدلاته في الدول النامية أعلى، ما هو تعليقك؟
- أولاً لا نستطيع أن نقول بدقة أن هناك زيادة في المجتمعات النامية عن الدول المتقدمة، لأن منظمة الصحة العالمية تلجأ لباحثين يطبقون البحث على عينة غير معبرة عن المجتمع المبحوث، ولكن بالنظر للواقع نجد أن الناس في مصر وجوهها يملؤها التجهم، فإذا قضينا على مشكلة البطالة، وأقمنا مشروعاً قومياً يلتف الناس حوله فهذا ـ حتماً ـ سيسعد الناس، وإذا علمنا الناس كيف تحب وكيف تنظم وقتها وألا تكون همجية، زال اكتئابهم، إذا أطلقنا حق اللعب وحللنا مشكلات الناس سيختفي التجهم.
* ما هي خطورة الإصابة بالاكتئاب؟
- لابد في البداية من التفرقة بين الاكتئاب كشعور وكمرض، فهو كمرض أنيق، ينال من الشخص الحساس الذكي، له أعراض مثل الكف عن الطعام، أو الإقبال الشديد عليه والأرق وعدم القدرة على النوم أو الفشل الدراسي. كما أن هناك الاكتئاب المقنع أو الخفي، ويظهر في صورة قولون عصبي أو ذبحة صدرية كاذبة، أو صداع أو آلام أسفل الظهر.
وخطورة الإصابة بالاكتئاب أنه قد يؤدي بالشخص إلى القتل أو الانتحار(الذي يقل في مجتمعاتنا بسبب التمسك بالدين)، كما يؤدى الاكتئاب إلى عدم القدرة على الاستمتاع، الكسل النفسي والعضوي، فقدان القدرة على التركيز، فقدان الذاكرة الزائف، والإرهاق الشديد حتى مع النوم الكافي.
* هل هناك علاقة بين الإصابة بالاكتئاب والحروب والصراعات؟
- طبعا توجد علاقة، فمشاهد الحرب على لبنان مؤخراً، والحرب على العراق من قبل وفلسطين، ومناظر الشهداء تؤثر جداً في الناس وتؤدي لاعتلال المزاج وما يصطلح عليه بالاضطراب الاكتئابي.
* هل هناك ما يُسمي الاكتئاب الموسمي، بمعنى أن يُصاب شخص ما باكتئاب في وقت معين من السنة؟
- نعم خاصة في وقت رياح الخماسين وفي الربيع، وفي الخريف وهذا له علاقة بالكيمياء العصبية، فالبيئة تؤثر على كيمياء المخ، فمثلاً حادثة غرق العبارة السلام 98 في مصر، أحدثت حالات اكتئاب شديدة.
* وما هي علاقة الكبت بالاكتئاب؟
- حينما لا تتوافر حقوق الإنسان، مثل الغذاء والماء والهواء النظيف، والستر، وهذا موجود في بلدان عربية كثيرة، فهناك ناس كثيرة تعيش في عشش من الصفيح، يحدث الكبت والاكتئاب، وحين تتعاظم السلطة السياسية وتتوحش وتزيد سلطاتها وبطشها وأدواتها القمعية، يؤدي هذا بالمواطن العربي إلى الاكتئاب.
* كيف نواجه الاكتئاب الواقعي مع ما يحاصرنا من أخبار الحروب والصراعات في العالم؟
- نتعلم فن الحياة، فهي مسألة مهمة، أن نتأقلم، ونلتف حول الواقع المرير باي شكل، بالتمشية على النيل مثلاص، أن نسمع كلاماً حلواً، أو.. أو. كلها أمور صغيرة، لكن تأثيرها كبير، كذلك يجب أن يسعى الإنسان إلى أن يُغسل من الداخل.
* هل تسيطر على المجتمعات العربية الخرافة؟
- نعم لدينا هوس في المجتمعات العربية، فالمتعلمين لدينا غير مثقفين، فقد يكونون من حملة الدكتوراه، ولكن يذهبون لاستخراج العفاريت من أجساهم!
* لماذا يلجأ الناس إلى التفسير الخرافي للأمور؟
- لأنه التفسير الأسهل ولا يعتمد على أي ثقافة، ولا على أي مجهود.
السعادة السعادة!
* وفق ما ذكر البعض أن 3% فقط هم السعداء فما سر فقدان السعادة في العالم؟
- عدم الاتزان، وعدم تعلم فن الحياة والتكيف والتأقلم مع الواقع، فالناس تصطدم بالواقع المؤلم ولا تعرف كيف تتعامل معه، فتصاب بالإحباط واليأس والاكتئاب.
* ما رأيك في الحُمى التي تجتاح وسائل الإعلام وفي الفضائيات من تفسير الأحلام وقراءة الطالع؟
- هذا عبث، ولا يوجد أحد يستطيع معرفة الغيب أو ما سيحدث للشخص، ومن الاستخفاف أن يخرج علينا أحد المفسرين في القنوات الفضائية التي تفتح مصراعيها، لأمثال هؤلاء النصابين ليقول أنه تنبأ بمصرع فلان كما قال أحدهم عن الممثل علاء ولي الدين، فهذا تخريف وجهل وإدعاء والاعتماد على تفسير الأحلام جزء من ميل الناس للخرافة وتصديق أي شعوذة.
* هل تعيش شخصية الطبيب النفسي طوال الـ24 ساعة؟
- لا طبعاً من الخطأ أن يعيش أي شخص مهنته طوال الوقت، فإذا حدث هذا وعشت شخصية الطبيب النفسي طوال الوقت بالطبع سأنهار، وأصاب بأمراض نفسية نظراً لطبيعة المهنة الشاقة.
* ما رأيك في تربية الطفل في المجتمع العربي؟ وما هو تقييمك لها؟
- تقوم تربية الطفل لدينا على نظرية التفوق، وعدم إعطاء الطفل حقه وحريته في اللعب أو الفشل أو الخطأ، عدم السماح له أن يكون له شخصية، والعمل على إلغائه وذوبانه في الآخر، والمشكلة أن كل أسرة تعتبر نفسها أفضل أسرة في العالم، وتحسن هذا الوضع يرتبط بالبيت والتعليم في المدارس.
* ذكرت في حوار سابق أن المرأة مظلومة... فكيف ترى أوجه الظلم؟
- أرى أن الرجال أوغاد! حتى يثبت العكس، فهناك قهر شديد يُمارس ضد المرأة يومياً في الأسرة والحياة، والعمل، والعيادة النفسية مليئة بالنساء المقهورات المصدومات، واللاتي يعانين من التفرقة في المعاملة بينها وبين الرجال، وهذا بسبب التخلف الثقافي الذي نعيش فيه.
* لكن على الرغم من هذا هناك قول شائع أن المرأة أطول عمراً من الرجل، فهل هذا صحيح؟ وما سببه في رأيك؟
- نعم المرأة أطول عمراً من الرجل، ولكن هذا لأسباب لها علاقة بزيادة نسبة الكوليسترول عند الرجال من النساء، وزيادة معدلات أمراض القلب لدي الرجال، وأسباب أخرى مجهولة.
* ترى ما هي فوبيا المجتمعات العربية؟
- الظلم والسجن والقهر، والموت والزلازل والكوارث، والخوف من أسوء سيناريو، والخوف من الفشل، مشكلة الشخصية العربية أنها تضع أمامها دائماً أسوء تصور للأمور، ويمكن أن نطلق عليها أنها شخصية اكتئابية.
* ما أكثر ما يعوق المجتمعات العربية عن التقدم؟
- قهر الحكام، سيطرة الغرب على الموارد، هجرة العقول العربية ونزيف عقولها، عدم رعاية الشباب، عدم ترشيد الموارد الطبيعية في المجتمع للنهوض به، الخيانة والخداع في البحث العلمي، والواسطة.
* ولكن هل أنت راضٍ عن الشباب العربي.. هل هو منتج ومبدع في رأيك؟
- الشباب العربي لديه إمكانات وطاقات كثيرة وبه نماذج مشرفة، ويمكن أن تخرج منه عناصر ممتازة، ولو تحرر من الطوق الذي يقيده لأصبح شيئاً عظيماً.
* هل ترى أن كل الناس بحاجة لتلقى إرشاد نفسي أم أن هناك أشخاص لا حاجة بهم لهذا ؟
- نعم كل الناس يجب أن تحصل على إرشاد نفسي، ونحن أعددنا دورات تدريبية من قبل للناس العادية كي تقوم بمهمة الإرشاد النفسي، ومثلها للأمهات، من أجل تربية الأبناء في الزمن الصعب، وأحلم أن تتم بعد هذا في الأحياء الشعبية.
* ولكن هل لدي الناس الوعي للاشتراك في مثل هذه الدورات التدريبية؟
- نعم أصبح لدي الناس وعي بالاهتمام بهذه الأمور، وهناك أحد علماء النفس الذي قال لو أسسنا مركز إرشاد نفسي في غابة سيأتي إليه الناس للحصول على الإرشاد والعلاج النفسي.
* هل لدينا نقص قدرات تواصل واتصال فعلاً في المجتمعات العربية؟ وهل نعاني من عدم وجود مهارات الحوار؟
- نعم تغلب علينا العصبية، ومقاطعة بعضنا البعض، لدى كل منا شعور أنه أفضل شخص في محيطه، وأنه صواب على طول الخط، وأن بلده أفضل بلد، وهذا جزء من عدم قبول الآخر، بمعنى عدم وجود مرونة وعدم التدرب على هذا بسبب الكبت السياسي الشديد.
08-صفر-1428 هـ:: 26-فبراير-2007
حوار. ولاء الشملول
بتصرف عن موقع (لها) www.lahaonline.com
اقرأ أيضا:
سيكولوجية المنافق، الضلالي.. والبلطجي / نفسية المصريين : الزواج :أهم الاحتياجات العاطفية / سر الخلافات الزوجية المتكررة