الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(1)
اضطرابات الشخصية النرجسية
إن السمة الرئيسة في هذا الاضطراب هي نمط من العظمة (في الخيال أو في السلوك) والحاجة للإعجاب والحساسية المفرطة لتقييم الآخرين وفقدان التوحد العاطفي Empathy يسود حياة المصابين به، ويبدأ هذا الاضطراب في أوائل مرحلة البلوغ ويتواجد في مختلف البيئات ويتظاهر في سياق العديد من التصرفات، ويسـتدل على اضطـراب الشخصية هـذا بتوفر خمسـة مما يلي على الأقل:
* يبدي المصاب بهذا الاضطراب سلوكيات متكبرة ومتعجرفة ومواقف من التعالي والتفاخر ويرتكس بمشاعر من الغيـظ والخـجل والخزي (حتى وإن لم يعبر عن ذلك).
* يستغل العلاقات مع الآخرين حيث يستغلهم لتحقيق مآربه.
* عنده إحساس متسم بالعظمة والتفخيم لأهمية الذات، فعلى سبيل المثال يغالي في إنجازاته وقدراته، ويتوقع أن يشار إليه بالبنان على أنه فريدٌ، دون أن يحقق إنجازات مكافئة…
* يعتقد أن مشكلاته فريدة ولا يمكن فهمها إلا من قبـل أناس متخصصين…
* يستغرق في خيالات عن النجاح اللامحدود والقوة والتألق والجمال والحب المثالي…
* لديه شعورٌ بالصدارة Entitelment وهو شعورٌ لا معقول وفي اعتقاده يجب أن يعامل معاملة خاصة فمثلاً لا ينبغي عليه أن يقف منتظراً دوره بينما يجب على الآخرين ذلك…
* يتطلب اهتماماً وإعجاباً دائماً به، مثال: (يتصيد تحيات الآخرين).
* يفتقر إلى التوحد العاطفي: العجز عن إدراك ومعايشة مشاعر الآخرين، فعلى سبيل المثال يشعر بالضيق والدهشة حين يلغي صديق له موعداً معه، بسبب مرضه الشديد.
* تستحوذ مشاعر الحسد على تفكيره ..ويؤمن بأن الآخرين يحسدونه.
المظاهر المرافقة:
كثيراً ما يترافق هذا الاضطراب بالسمات المميزة لاضطرابات الشخصية الهستريائية والحدية والمعادية للمجتمع كما يشيع ترافق هذا الاضطراب بالمزاج الاكتئابي.
ملاحظات سريرية:
* وصف مفهوم النرجسية الأول من قبل Freud حين كتب عن نفاس Schraeber.
* أصبح مفهوم الشخصية الحدية والشخصية النرجسية شائعاً بشكل واسع في الأدب الطبي النفسي بعد ظهور كتاب Otto Kernberg بعنوان الحالات الحدية والنرجسية المرضية عام 1975.
* تعتبر حالياً كل من الشخصيتين النرجسية والحدية جزءاً من سلسلة متصلة على الرغم من أن كلاً من هذين الاضطرابين له كينونته المنفصلة والمميزة.
* استحوذت الشخصية النرجسية على كثير من الاهتمام، ليس في أدب الطب النفسي فحسب بل على اهتمام المؤلفات الشعبية العامة أيضاً ومثالاً على ذلك نجد أن Tom Wolf قد صنف عقد السبعينات بعقد الأنا (The Me Decade).
* كَثُرَ الاهتمام بالنرجسية بجهود كل من Heinz Kohut و Otto Kernberg.
* يعتقد Kohut أنه يمكن تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية فقط حين نلاحظ علاقة الانقال Transference المتطورة عفوياً في التحليل التجريبي، فهو يفرق اضطراب الشخصية النرجسية عن الحالات الحدية.
* في حين نجد أن وصف (Kernberg) للشخصية النرجسية يتوافق عموماً مع التصنيف المفترض من قبل الجدول التشخيصي الرابع المعدل للجمعية الأمريكية للطب النفسي (DSM -IV- TR) والتصنيف الدولي العاشر للأمراض النفسية لمنظمة الصحة العالمية ( ICD-10) ومفاده أن المنظومة الدفاعية للمرضى النرجسيين مشابهة تماماً لتلك الموجودة عند ذوي الشخصيات الحدية.
* تفترض Margret Mahler وجود متتالية من ثلاثة أطوار للتطور الطفلي تتجه جوهرياً إلى إحراز الطفل لإحساس الانفصال عن الأم.
* الانطواء المطلق: Absolute Autism (وهي ما يعبر عنها بفترة وليام جيمس في أمريكا والتي تتصف بالحيوية وكثرة الحركة والغمغمة والفوضى)، ويشمل فترة الشهر الأول بعد الولادة ويتميز بفعالية منعكسات الحفاظ على الحياة، وتكون الاستجابات مجردة بشكل كامل من التمثيل العقلي، وأثناء هذه الفترة ينظم الطفل نظرته "الكاليدوسكوبية" للعالم من حوله وفقاً لثنائية (جيد - سيء) البدائية للمفاهيم وفقاً لمبدأ اللذة الذي يعتبر أن كل شيء ينقصها جيد، وكل شيء يفشل في إنقاصها أو زيادتها سيء.
* التكافل Symbiosis:وهو المرحلة الثانية التي تمتد من الشهر الثاني حتى السادس بعد الولادة، وخلال هذا الطور فإن ثنائية الإدراك (جيد-سيء) عند الطفل تخضع للتنظيم في العلاقة مع الأم أو مع من ينوب عنها…
* عملية الانفصال -تنمية الفردية- Separation Individuation Process إحساس الطفل بالانفصال عن العالم من حوله، وتقسم إلى أربعة أطوار:
- التمايز Differentiation
- التدرب Practicing
- إعادة التقرب Rapprochement
- الترسيخ Consolidation
خلاصة:
يملك أصحاب الشخصية النرجسية إحساساً بالعظمة عن مدى أهميتها وفرديتها فيرون أنفسهم بغاية الأهمية عباقرة ويميلون ليكونوا في علاقاتهم مع الآخرين متعجرفين متعالين متكبرين، وعندما يتحدثون ينشغلون دائماً بتحقيقاتهم الشخصية ولا يحبون أن يقاطعهم أحد، وعندهم حاجة كبيرة لجذب الانتباه المستمر والإعجاب، وإحساسهم بالاستحقاق يقودهم إلى توقع أفعال معينة من الآخرين يقومون بها تجاههم دون أن يكون لهم مسؤوليات مقابلة، وقد يغضبون غضباً كبيراً عندما لا يحصلون على توقعاتهم، وهذا الشعور بالاستحقاق يقودهم إلى انتقاد الآخرين من أجل أهدافهم الشخصية دون الاهتمام بحاجات الآخرين وحقوقهم، وعندما يمرضون يطلبون خدمات الأساتذة الكبار في اختصاصات الطب، وفقط أحسن الداخليين والجراحين يمكن لهم أن يعتنوا بشخص هام كهذا، وعندما يقبلون في المشفى ينظرون إلى المقيمين بازدراءٍ متعالٍ، ولا يريدون النقاش إلا مع رئيس القسم.. ومن الأمثلة الأدبية بيتروفيتش لوتسين الثري المتقدم للزواج من شقيقة راسكو لينيكوف في رواية الجريمة والعقاب للكاتب Fyodor Dostoyevsky وكذلك السيدة رامسي في كتاب إلى بيت الضوء للكاتبة Virginia Woolf.
مظاهر هذا الاضطراب عند ميليس:
1- يبدي المصاب بهذا الاضطراب سلوكيات متكبرة ومتعجرفة ومواقف من التعالي والتفاخر ويرتكس بمشاعر من الغيـظ والخـجل والخزي (حتى وإن لم يعبر عن ذلك). وهذا واضح من خلال الكم الهائل من المرافقين وعناصر الحماية التي لا ضرورة لها بهذا الكم، وكمية الحواجز وعناصر الأمن في المونتيفيردي التي فاقت حماية أي زعيم أو رئيس حتى على المستوى الدولي، وكذلك من خلال طريقة جلوسه مع رئيس وزراء لبنان فؤاد السينيوره، ومع معظم المسؤولين اللبنانيين، وحتى في طريقة تجواله في لبنان وسهره وزياراته،... الخ.
2- يستغل العلاقات مع الآخرين حيث يستغلهم لتحقيق مآربه. وهذا واضح من خلال تعامله مع النائب سعد الحريري وتنقله في طائرته الخاصة وهو ضمن مهمة رسمية للأمم المتحدة.
3- عنده إحساس متسم بالعظمة والتفخيم لأهمية الذات، فعلى سبيل المثال يغالي في إنجازاته وقدراته، ويتوقع أن يشار إليه بالبنان على أنه فريدٌ، دون أن يحقق إنجازات مكافئة، وهذا واضح من خلال النتائج الأولية التي ضمنها تقريره الى مجلس الأمن في 20/10/2005 فهو في حقيقة الأمر لم يحقق شيئاً وتم انتقاد تقريره حتى الآن من قبل 145 منظمة وجهة منها 130 غير عربية وتوضح الأخطاء القانونية فيه. وحتى في قضية مقهى لابيل البرليني هناك إشارات وأسئلة كبيرة وراء طريقته في التحقيق ولن أعرضها هنا (فقد عرضها التلفزيون الألماني مع سرد لسجله القضائي ودوره المهني من مصدر ألماني وشهود ألمان ووقائع ألمانية.. حتى دعت بالبعض منهم بتوجيه رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان يستغربون فيه تكليف ميليس برئاسة لجنة التحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري وموضحين أسباب اعتراضهم على تكليفه بأدلة دامغة لا يرقى معها الشك حول مآخذهم على عمل ميليس ليس في قضية لابيل بل وفي سائر القضايا الأخرى التي كلف بها والتي تتعارض مع الحد الأدنى من الأصول القانونية المعمول بها ومن بين الذين أرسلوا هذه الرسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيدة هايدي بويزي).
4- لديه شعورٌ بالصدارة Entitelment وهو شعورٌ لا معقول وفي اعتقاده يجب أن يعامل معاملة خاصة، نظراً لأهمية مهمته في بيروت طلب من الأمين العام للأمم المتحد كوفي عنان تعيينه في منصب (نائب الأمين العام للأمم المتحدة) ولبى عنان طلبه، بمعنى آخر احتل المرتبة الثالثة في الهيكلية الرسمية للمنظمة الدولية. وهذا واضح لدى ميليس في أكثر من موضوع فمن يضطلع على بنود الاتفاق بين ميليس والقضاء اللبناني يشعر بتجريد الجانب اللبناني حتى من سيادته، ويجب أن يحمى بأكبر عدد ممكن من المرافقين، ولا يسمح حتى لأقرب معاونيه بالظهور إلى جانبه في أي مجال إعلامي أو التحدث أو القيام بلقاء هام مع المسؤولين اللبنانيين، وانهياره أخيراً بعد ظهور الشاهد هشام في دمشق والتلميح إلى أنه سيتنحى عن التحقيق اثر ذلك (وهذا ليس اتهاماً أو تحيزاً فحتى الصحف ومنها الواشنطن بوست ذكرت ذلك) ثم أعلن حتى في حال تركه لرئاسة لجنة التحقيق فهو سيساعدها عن بعد،... الخ، كل ذلك ناتج عن شعوره بالصدارة، وقناعته بأنه يجب أن يعامل معاملة خاصة، فهو يحب أن يدعى بـ (صائد الإرهابيين) ويحلو له تشبيهه بالكاسر الذي يعض فريسته فلا يتركها تفلت منه.
5- يتطلب اهتماماً وإعجاباً دائماً به، مثال: (يتصيد تحيات الآخرين). والأمثلة على ذلك كثيرة منها في إحدى جولاته السياحية لإحدى القلاع اللبنانية يتكرم على الإعلاميين بالسماح لهم بالتقاط الصور فقط ولكن من مسافة بعيدة، ثم في اليوم التالي يطلب مجموعة محددة من الصحفيين وفق اختيار محدد سلفاً (وجميعهم من الصحافة المكتوبة) للقاء به، وحتى في سهراته نجده يتصيد التحيات.
6- يفتقر إلى التوحد العاطفي: العجز عن إدراك ومعايشة مشاعر الآخرين، فعلى سبيل المثال يشعر بالضيق والدهشة حين يلغي صديق له موعداً معه، بسبب مرضه الشديد، وبنفس النمط تعامل مع سوريا، فلم يعجبه أن تسلمه سوريا شهادة المطلوب الاستماع إليهم مكتوبة كونه أرسل هو الأسئلة مكتوبة، ثم استمع إليهم في الجناح 323 من فندق مونتي روزا الواقع في منتصف الطريق بين بيروت ودمشق، ومن يرجع إلى فقرات التقرير نجد بأنه طلب الاستماع إلى السوريين في بلد ثالث، ثم بعد تمديد مهمة اللجنة أربعين يوماً أصر على الاستماع إليهم في المونتي فيردي حصراً، ومن يتابع الجانب السوري يلاحظ بأن سوريا تجيبه على أي طلب خلال أقل من 48 ساعة، والمماطلة والإعاقة والتأخير تتم من جانب ميليس، ومع ذلك علينا إن نتوقع تقريره الثاني الذي سيقول أن سوريا لم تتعاون أو على الأقل إن تعاونها ليس بالمستوى الايجابي المطلوب، هذا إذا لم يطلب من سوريا أموراً شبه مستحيلة.
7- قال ميليس لمجلة دير شبيغل: (نحن في وضع نؤثر فيه مباشرة في السياسة، انه حقل ألغام سياسي) وعقب مندوب المجلة في بيروت هولغر شتارك بالقول: (ميليس يقول نحن، لكنه يعني نفسه بالدرجة الأولى). إضافة إلى تصريحات كثيرة أدت إلى احتجاج المندوب الروسي في مجلس الأمن على تصريحات ميليس: (كيف يمكنه الصريح بذلك دون التشاور مسبقاً معنا).
8- طلب ميليس تسهيلات كثيرة قبل توجه فريقه إلى بيروت للتحقيق باغتيال الحريري وأهمها: إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية والمستندة إلى طلب المعارضة اللبنانية، وكذلك إقالة مدعي عام التمييز، وهذا الشرط الذي تضمنه تشكيل اللجنة بإبعاد هؤلاء، ألحق به شرط آخر يضمن حق اللجنة في إجراء المقابلات والتحقيقات مع كل المسؤولين والأشخاص في لبنان، إضافة إلى تسهيل عمل اللجنة بالتنسيق اللوجستي مع الجيش اللبناني في ما تطلبه على الصعيدين العسكري والأمني لحماية أعضائها، وقرر مكوث اللجنة في المرحلة الأولى مع رئيسها في فندق موفمبيك قبل أن تنتقل إلى معهد قوى الأمن الداخلي في الوروار للمكوث ثلاثة أشهر، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم بين لبنان ورئيس اللجنة ميليس تتضمن إطار عمل اللجنة التي حرص ميليس على حرمان القضاء اللبناني على أدنى حدود السيادة وحق الشهود أو في معرفة الأدلة الجنائية في معرفة الأدلة....... الخ.
ويتبع >>>>>>>> : الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(3)
* نشرت على الشبكة العربية للعلوم النفسية