صفحات من تاريخ الطب النفسي: هيرمان رورشاخ (1884 – 1922)
اشتهر رورشاخ عالم النفس السويسري بالاختبار الإسقاطي الذي ارتبط باسمه "اختبار رورشاخ"، وهو نفس اختبار بقع الحبر، إلا أن رورشاخ طوره وقننه، وصار هذا الاختبار من أكثر الوسائل الإسقاطية استخداما في المجالات التشخيصية في النصف الأول من القرن العشرين، ويشتمل على عشر بطاقات مرسومة ببقع من الحبر يتفاوت فيها السواد والبياض والظلال، ومنها ثلاث بطاقات ملونة، ويقوم المفحوص بالإدلاء برأيه في تلك الرسومات الناشئة عن وضع نقاط الحبر بتوزيع معين، وما تمثله من أشكال في نظر المريض النفسي أو الشخص السليم؛
ولذا يُسمى بالاختبار الإسقاطي؛ حيث يُسقط الشخص ما ينشغل به عقله على صورة بقعة الحبر في كل بطاقة، ومن هنا يكشف هذا الاختبار عن طبيعة الشخصية، كقربها من الواقع، وثرائها العقلي والحيل الدفاعية المستخدمة كثيراً لدى صاحب الشخصية التي يطبق عليها الاختبار.
ورورشاخ رغم قصر حياته؛ حيث عاش ما يقرب من نيف وثلاثين عاماً، إلا أنه أبدع في إصداره كتابا كاملا عن هذا الاختبار قبل وفاته بعام واحد، أي في عام 1921، والذي أسماه؛ التشخيصات النفسية “Psychodiagnostics”، ويقصد به أنماط الشخصية أو نمط خلق الشخصية أو نمط حياة الشخصية.
ورورشاخ كان سعيد الحظ بأنه عاصر فرويد وبلويلر ويونج وهؤلاء الثلاثة هم أكثر من تأثر بهم في حياته العلمية؛ بل نستطيع أن نقول أنهم قد شكلوه علمياً. لقد تتلمذ هيرمان رورشاخ على بلويلر صاحب كتاب "العته المبكر" والذي كان يقصد به مرض الفصام، وبلويلر هو الذي أطلق على الفصام لفظة "شيزوفرينيا"، وهي كلمة من مقطعين: "شيزو" وتعني انقسام وتفتت، والمقطع الثاني "فرينيا" وتعني عقل، وبهذا يصبح معنى كلمة "شيزوفرينيا" هو انقسام وتفتت العقل، وكان مرض الفصام قبل بلويلر يُسمى "بالعته المبكر"، وقد أشرف بلويلر على رسالة الدكتوراه المقدمة من تلميذه المبدع رورشاخ، والذي كان مستمتعاً بتطبيق اختباره الجديد عن نقط الحبر على عدد كبير من المرضى والأصحاء بجامعة زيورخ، والتي كان عضوا لهيئة التدريس فيها، حيث كان يقوم بتجميع استجابات وانطباعات المرضى والأصحاء عن اختباره الإسقاطي الجديد.
أما "فرويد" فهو صاحب نظرية التحليل النفسي، ومؤسس مدرسة التحليل النفسي بالعالم، وهو الذي تأثر رورشاخ بكتاباته الفلسفية التحليلية الغزيرة، كما عاصر رورشاخ بزيورخ تلميذ فرويد النجيب والمنشق على بعض فكره فيما بعد وهو "كارل جوستاف يونج"، والذي أنكر فكرة الجنس كدافع أساسي لكل العقد والاضطرابات النفسية لدى المرضى فيما بعد، ويونج أيضاً هو من ذكر أهمية دور الدين والعقيدة في بناء نفسية الأشخاص.
كما اهتم رورشاخ بالقراءة في الأدب الروسي –بعد تعلمه للغة الروسية- قراءة تحليلية نفسية، وبالذات روايات ديستوفسكي وبوشكين وتولستوي وغيرهم؛ ولقد أضافت تلك الجهود والقراءات إلى قدرته على تحليل انطباعات الناس من المرضى والأصحاء. ومعنى هذا الكلام أن رورشاخ قد تأثر بعظماء عصره من الأطباء النفسيين والكتاب المبدعين، والذين وجهوا عبقريته إلى تصميم اختباره الإسقاطي المعروف باسمه.
واقرأ أيضاً:
الشبه بين قتل صدام والمستعصم مشاركة / صفحات من تاريخ الطب: من محن الأطباء(2) / مدرسة الإسكندرية الطبية