الاضطرابات الفصامية أو اضطراب الفصام Schizophrenic Disorder هي حالات نفسية محيرة تحدث في جميع أنحاء العالم – وليس هناك اتفاق بين العلماء على ما هو فصام وما هو ليس ذلك، والذي أدخل مصطلح فصام الشخصية هو عالم التحليل النفسي السويسري "يوجين بلولير" (وهو مصطلح إغريقي معناه انشطار العقل) ليميز بهذا المصطلح الخواطر والانفعالات المجزأة والمتضاربة لدى الأفراد الذين يعانون من الفصام، ويعتبر كثير من علماء النفس أن التفكير المشتت أو المتفسخ Disorganized Thinking هو السمة المميزة للفصام، ويقدر أن حوالي 50 % من نزلاء المستشفيات العقلية بالولايات المتحدة يعانون من هذا المرض، وأن 1 % منهم يتطور معه هذا المرض خلال فترة حياته، وطبقا للأبحاث الأخيرة فإن هذا المعدل يختلف من منطقة إلى أخرى، وكثيرا ما يتكرر هذا الاضطراب ويعاود حوالي 50% من الأفراد الذين شخصوا على أنهم يعانون من الفصام دخول المصحات العقلية بعد الخروج منها.
أعراض اضطرابات الفصام (الشيزوفرينيا) Symptoms of Schizophrenia
على الرغم من تنوع واختلاف أعراض الفصام بدرجة كبيرة إلا أن الأفراد الذين يعانون منه يميلون لان يظهر عليهم كثيرا من الأعراض التالية:
1- تصفية أو تنقية التفكير الإدراكي بطريقة خاطئة... كثيرا ما يعاني المصابون بالفصام من صعوبة تركيز الانتباه ويقال أنهم مصابون بنوبات شعورية نتيجة لمؤثرات ومعلومات حسية وقال أحد المرضى "لا أستطيع التركيز –إني أتناول أطراف موضوعات متفرقة في الحديث وكأنني محول كهربي تمر بداخله الأصوات فقط- ولكنني أشعر بأن عقلي لا يستطيع مسايرة كل الأشياء فمن الصعب علي أن أركز".
2- التفكير غير المنتظم... يعاني الأفراد الفصاميون من متاعب شديدة في محاولة ربط الأفكار بعضها ببعض بطريقة منطقية، وكذلك في محاولة حل المشكلات فكما قال أحد المرضى "أفكاري كلها تختلط حين أبدأ بالتفكير أو الحديث عن شيء ولكن سرعان ما أصل إليه بل أجد نفسي أتحدث في موضوعات شتى وتكون مرتبطة بالأشياء التي أريد قولها".
3- التشوه الانفعالي... كثيرا ما تظهر على الأفراد الفصاميين مشكلات ذات علاقة بالانفعال تتمثل في عدم القدرة على الإحساس باللذة (كالشعور بعدم الاهتمام) والقلق والإحساس بمشاعر جارفة متعارضة تجاه موضوع معين وردود أفعال انفعالية غير ملائمة.
ولتفسير الحالة الأخيرة يمكن الاستشهاد بملاحظة أحد الفصاميين الآتية:
"كما ترى قد أكون منهمكا في الحديث عن موضوع جاد وهام إليك ولكن في نفس الوقت تغزو عقلي أشياء أخرى مثيرة للضحك الأمر الذي يجعلني أنفجر ضاحكا فجأة".
4- الوهامات والهلوسة Delusions & Hallucinations.. تدل الأفكار الوهامية والهلوسة التي يعاني منها هؤلاء الأفراد على مدى اضطراب تفكيرهم ومشاعرهم وإدراكهم وإليك وصف هذه الظواهر في حالة اضطراب الفصام:
"بعد نقلي بقليل إلى المستشفى للمرة الأولى وجدت نفسي وقد زج بي إلى عالم الرعب والكوارث فشعرت بأنني وقعت في حبال تغير عنيف مذهل، وحجبت عن العالم وقد كنت نفسي مسئولا عن تحريك قوى للتدمير على الرغم من أنني كنت أتصرف دون أن اقصد الإضرار بأحد، وخلال ثلاثة أسابيع من وجودي بالمستشفى بدأت تنتابني رؤى عديدة في أوقات متفرقة، النوع الأول من هذه الصور كان عبارة عن إسقاطات كاملة لحالتي الداخلية الشعورية التي كانت تبدو أمامي وكأنها صور متحركة، ويمكن القول عن النوع الثاني بأنه هلوسة وتشوه بصري أوحي إلي به تراقص الضوء والظلال.. الخ والذي بدأ يؤثر على خيالي المنهمك.
واقرأ على مجانين:
أسمعهم ولكن من يصدقني: نحن نصدقك ولكن!
5- الانسحاب من الواقع.. كثيرا ما يشعر الأفراد الفصاميون بتبلد الحس وعدم الاهتمام بعالم الواقع والانشغال بالأوهام الداخلية وأحلام اليقظة والخبرات الخاصة وإليك وصف لأحد الأفراد الفصاميون لهذه الخبرة:
"لا نستطيع مسايرة دافع الحياة ولا نستطيع الهروب منها، أو جعل أنفسنا نتكيف معها ومن ثم لدينا القوة لخلق عالم من نوع معين نستطيع التعامل معه وتختلف هذه العوالم التي نخلقها بخيالنا باختلاف العقول وكل منها خاص بدرجة كبيرة ولا يمكن أن يشارك فيه إنسان آخر وهو أكثر واقعية بالنسبة لنا من الواقع ذاته حيث لا يستطيع أن يقترب أي شيء مما يحدث في عالم المخلوقات العاقلة المألوف من حدة الأشياء التي تحد ث أثناء الوهم فهناك حدة وإثارة تفرض نفسها من خلال الشعور وهي أكثر إقناعا من سلاح العقل غير الجاد.
6- غرابة السلوك واضطراب الكلام.. قد يكون السلوك الفصامي غريبا جدا ويكون كلام الفرد مختلطا وغير مفهوم.
على الرغم من أن الفصام قد يبدو أول ما يبدو في فترة الطفولة أو الشيخوخة، إلا أنه في العادة يبدأ الظهور في مرحلة المراهقة أو بداية البلوغ وحينما يتطور هذا الوضع تدريجيا عبر السنين فإنه يسمى عملية الفصام Schizophrenic Process، والأفراد الذين تحدث فيهم هذه العملية في الانفصام يبدون مرضى ومنسحبين وغير قادرين على التوافق وتؤدي هذه الأعراض بالإنسان عادة إلى الضعف، ومن المحتمل ألا يبرأ الأفراد المصابون بهذا المرض، وعلى العكس نجد أن حالات الفصام الاستجابي Reactive Schizophrenia تثار فجأة عن طريق الضغوط وتبدو على الأفراد عناصر ارتباك وتقلب انفعالي بصورة شديدة وهذا النوع من الفصام معتدل نسبيا وفرص الشفاء منه معتدلة.
الفصام البارانويدي (الزوراني أو الهذائي) Paranoid Schizophrenia
يُبدي الأفراد المصابون بفصام البارانويا خوفا من الاضطهاد، وتبدو أفكار الاضطهاد الوهامية Delusions of Persecution في قول المريض "إنهم يريدون أن يشدوا وثاقي تحت أحد المعابر ثم يقومون بسرقة أثاث منزلي" "حاول مدير فريق البيسبول أن يصيبني بداء السيلان بوضع الجراثيم في شطيرة طعامي" ويفعل الأفراد المصابون بالبارانويا فعل الأفراد المصابين بالجنون حيث تنتابهم وهامات العظمة Grandiose Delusions متمثلة في الاعتقاد بأنهم مهمون بدرجة كبيرة فهم يشعرون بأنهم أغنى أفراد العالم فمنهم من يتعقد أنه ملك انجلترا ومنهم من يعتقد أن المسيح، كما أن الأفراد المصابين بالبارانويا تنتابهم هلوسة بصرية سمعية أيضا، وبالتدريج تتمركز حياتهم على معتقدات وإدراكات خاطئة فهم يتخيلون أن الأحداث الطبيعية غير الشخصية هي نوع من الاتصال موجه إليهم، وقد يفسر عاصفة ثلجية على أنها رسالة معناها أن الشيوعيين يسيطرون على مدينة نيويورك، وعلى الرغم من هذه الأوهام إلا أن بعض المصابين بالفصام البارانويدي يستجيبون للواقع ويستطيعون العيش خارج المصحات العقلية.
واقرأ على مجانين:
فصام زوراني نماذجي/ يتربصون بي: عملاء المخابرات/ الفصام الزوراني : وهام اللوطية/ دم الحيض والفكرة الوهامية في الفصام؟/ اضطراب زوراني غالبا ذهاني/ كيف يمكن التعامل مع الزوراني/ الحقوه قبل أن يقتلنا.. عندك حق
الفصام الجامودي (الحركي أو الكتاتوني) Catatonic Schizophrenia
يحدث الفصام الجامودي فجأة وبصورة متكررة على مدى السنين ويتميز هذا الاضطراب أساسا بسلوك حركي شاذ، ورد فعل المرضى ذوي الفصام الحركي يتسم بالإثارة والاهتياج والنشاط الفائق والانفجار في الثرثرة وكذلك العنف، كما أنهم يبدون في معظم الأحيان فاقدي الوعي، سلبيين وفاقدي الاتصال، وأحيانا يتصرف الفصاميون حركيا كالتماثيل حيث تأخذ أطرافهم أوضاع ثابتة لعدة دقائق وأحيانا لعدة ساعات وهي خاصية تعرف بالمرونة الشمعية Waxy Flexibility.
الفصام التفسخي (الخللي أو فصام جنون المراهقة)
يبدو على المصابين بالفصام التفسخي Disorganized Schizophrenia أو Hebephrenic Schizophrenia (جنون المراهقة) سلوك شاذ شبيه بسلوك الأطفال، فقد اشتمل نشاط أحد الذكور البالغين على ممارسة (الاستمناء) جهرا ووضع أجسام غريبة في الفم وحشو الأنف بورق التواليت وربط بعض الأشرطة حول أصابع الأقدام وتبليل الملابس والتحدث إلى النفس بطريقة غير مفهومة مع إظهار ابتسامة سخيفة بلهاء.
والمصابون بفصام جنون المراهقة (الفصام التفسخي) يسيئون وجهتهم بدرجة كبيرة، فهم غالبا ما لا يعرفون أين هم ومتى وصلوا ولماذا؟ كما أن هلوستهم وأوهامهم غير واقعية وغير مترابطة ومن الصعب فهم حديثهم كما يبدو سلوكهم سخيفا فهم يضحكون بطريقة عصبية وسخيفة ويقومون ببعض الإشارات وتقطيب ملامح الوجه، ويقضون الساعات يتحدثون إلى أنفسهم أو إلى أصدقاء يتوهمون أنهم موجودون. وتوضح المحادثة التالية بعض سمات فصام الخلل.
مطلقة تعاني من الفصام التفسخي
"كانت المريضة مطلقة في الثانية والثلاثين من عمرها دخلت المستشفى ولديها وهامات شاذة وهلوسة وعدم تكامل حاد في الشخصية وإدمان المشروبات وشذوذ واحتمال وجود علاقة جنسية غير شرعية"
الطبيب: من أين أتيت؟
المريضة: ألا تذكر يا دكتور "ضحكة عالية سخيفة"
الطبيب: هل تعرفين لماذا أنت هنا؟
المريضة: نعم في سنة 1951 تحولت إلى رجلين وكان الرئيس ترومان قاضيا في محاكمتي وحكم عليّ وشنقت "ضحكة عصبية سخيفة" وأعطى لي أنا وأخي أجسامنا الطبيعية منذ سنوات خمس مضت وأنا الآن سيدة تعمل بالشرطة ولدي جهاز ديكتافون أخفيه.
الطبيب: هل باستطاعتك أن تخبريني بمكان المحاكمة؟
المريضة: لم أتناول المشروب منذ 16 عام وأنا الآن في راحة عقلية بموجب تصريح مكتوب بالقلم هل تعرف "غطاء القلم" يا دكتور، أنا إنسانه من دم ولحم انظر يا دكتور "وترفع فستانها"
أسباب الاضطرابات الفصامية
يركز العلماء على المحددات البيئية في الفصام وفي نفس الوقت يفترض العلماء أن هناك استعدادا وراثيا مؤثرا، وينظر إلى الفصام طبقا لنظرية التحليل النفسي على أنه نكوص Regression إلى المرحلة الفمية Oral Phase، ويفترضون أيضا أن الفصامي يفتقد الأنا الذي يختبر الواقع وعليه يفقد الاتصال بالعالم وينهمك في ذاته ويعزى النكوص إلى القلق الحاد الراجع إلى الدوافع العدوانية أو الجنسية اللاشعورية الحادة.
هذا ولم يعرف بعد على وجه الدقة مدى إسهام الجينات في الفصام ويعتقد الكثير من العلماء السلوكيين في الوقت الحاضر أن الأفراد الفصاميين يرثون استعدادا مسبقا ويفترض أن المرض يتطور تطورا كاملا في الظروف غير الملائمة.
وإذا كان هناك أساس وراثي للفصام فيجب أن يفحص من منظور الشذوذ البيوكيميائي Biochemical Abnormality، ويحاول الكثير من العلماء تقصي الميكانزمات (الآليات) المحتملة.
ومن النظريات الرائدة في ذلك فرض الدوبامين Dopamine Hypothesis الذي يفترض بان نشاط الدوبامين المفرط داخل دوائر عصبية معينة في المخ يحدد الفصام ويؤيد هذا الفرض نتائج دراسات عديدة متمثلة فيما يلي:
- أن الفينوثيازينات Phenothiazines وهي مجموعة العقاقير العلاجية للفصام إنما تقوم بسد ممرات التوصيل المستخدمة لدوائر النشاط في المخ، وكلما زادت فعالية العقار المؤدي إلى زيادة الدوبامين في مناطق معينة من المخ زاد احتمال ظهور أعراض الفصام.
- عقَّار الأمفيتاماين Amphetamine الذي يساعد على تنشيط دوائر المخ مما يجعل أعراض الفصام أكثر سوءا، فالجرعات الكبيرة منه تؤدي إلى رد فعل نفسي لدى الأفراد الأسوياء يشبه ردود أفعال المصابين بالفصام الزوراني.
- الأدوية شديدة الفعالية في وقف الأعراض الفصامية المحدثة بالأمفيتامين تساعد في خفض حدة الفصام الحقيقي.
يبدو أن هناك خلايا مخية في الأشخاص الفصاميين حساسة بدرجة غير عادية لوجود الدوبامين في مناطق عديدة في المخ، وعلى الرغم من أن فرض الدوبامين يبدو مشجعا إلا أن كثيرا من العلماء السلوكيين يتوخون الحذر فالعقاقير تؤثر فعلا في مناطق كثيرة داخل المخ، والدوائر العصبية تتفاعل باستمرار وقد تكون التغيرات وعدم الانتظار الملاحظ والتي ترتبط بالدوبامين مجرد آثار جانبية أو إحدى الحلقات في سلسلة كبيرة.
واقرأ أيضاً:
مقالات عن الفصام والوهام / الفصام والوهام Schizophrenias & delusions