صيف عام 1995، كان الحديث عن دخول الإنترنت لمصر بدأ بين أعداد قليلة للمهتمين بعلم الحاسب الآلي وإن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء IDSC وبالتعاون مع المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات RITSEC قد ارتبط بخط عبر الأقمار الاصطناعية بمزود إنترنت بأمريكا إضافة للخط البحري القديم مع فرنسا والذي كان يربط المجلس الأعلى للجامعات بشبكة BITNET (Because It’s Time Network) وكان الخط القديم ذا سعة منخفضة وسرعة نقل بيانات بطيئة وكان يخدم البريد الإلكتروني في أحسن الأحوال وهذا منذ 1992 وكان من حسن حظي أن أعمل على تلك الشبكة وقت قصير من خلال أستاذي في كلية الهندسة.
عام 1995 كان مليئا بالتطور التكنولوجي في مصر، كنت وقتها في مدينتي "طنطا" وجاءني من استطاع الحصول على حساب لدخول الشبكة الجديدة ولكنه لم يستطع الدخول وجاء لأساعده وأكتشف له لماذا لا يستطيع الدخول برغم تنفيذه لجميع التعليمات التي كتبت له من خلال مهندسي مركز المعلومات بالقاهرة. وكانت بداية رحلتي الحقيقة مع الإنترنت والتي لم تنقطع منذ ذلك اليوم من صيف 1995 وهو بداية الإنترنت في مصر أيضا، حيث لم يبلغ من كان يمكنهم الدخول لها 100 شخص، اكتشفت سبب عدم استطاعة صديقي الدخول للشبكة، الأجهزة وقتها كانت تعمل على نظام تشغيل DOS 6.22 (Disk Operating System) وعلى بيئة تعامل Windows 3.11 وكانت تلك الأنظمة غير قادرة في حد ذاتها للدخول على الشبكة والتي هي أصلا ابنة نظام تشغيلUnix .
كان لابد من إضافة برتوكول الإنترنت TCP/IP وبرتوكول الربط SLIP أوPPP وهي تفاصيل تقنية ليس هذا محلها ولكني أذكرها لمن يتذكرها معي، هذا إضافة لبرنامج متصفح الإنترنت. عملت عليها من خلال صديقي هذا والذي أعطاني اسم المستخدم الخاص به وكذلك كلمة المرور وكنت استخدمها، ومن الطريف أنه لم تكن هناك قيود صارمة داخل الأنظمة، فقد كان يمكن أن يعمل هو وأنا على الإنترنت في وقت واحد (بنفس اسم المستخدم وكلمة المرور) وهذا بالطبع خطا فني فادح (لحسن الحظ أنه كان موجود).
بنهاية عام 1995 كانت مصر بدأت بتقديم الإنترنت تجاريا من خلال شركات تم التصريح لها وتضاعف عدد مستخدمين الإنترنت في مصر إلى 20 ألف مستخدم في بداية 1996.
منذ الأيام الأولى على الإنترنت تعرفت على برامج الدردشة Chat وكان أشهر برنامج mIRC والذي يعمل على قنوات الدردشة IRC (Internet Relay Chat) وتعد أساس من أسس الإنترنت ولا زلت لها مكانتها ومميزتها الخاصة الفريدة وهي تعتمد على قنوات مفتوحة للدردشة في كل الأمور ويمكنك أن تتناقش في قنوات قد تصل عددها لأكثر من 6000 قناة.
ثم انتشر برنامج دردشة اسمه FreeTel وهذا البرنامج كان من أكثر البرامج التي (في رأيي) أدخلت الحابل على النابل وعرف الكذب طريقه للإنترنت بسرعة انتشار هذا البرنامج وكان سبب انتشار هذا البرنامج تميزه بإمكانية الحوار الصوتي وهو ما كان جديد على الإنترنت، ثم جاء البرنامج الشهير ICQ(I seek you) ، اختفى FreeTel في حين استمر ICQ إلى وقت كتابتي هذه وبه الآن حوالي نصف مليار مشترك، كان تسلسل اشتراكي به وقتها حوالي 14 مليون، وهو عدد المشتركين حول العالم أجمع، تلاحقت تطورات الإنترنت من نقل للصوت والفيديو وبالتالي تلاحقت أساليب الدردشة من كتابية، لحديث صوتي لصورة مرئية كما هو الحال عليه الآن.
كان من حسن حظي أيضا أن تتصادف دخول الإنترنت السعودية بعد أسابيع قليلة من سفري إلى هناك وكان أول استعمال للإنترنت بشكل عام وتجاري في رمضان سنة 1999م وكنت أستخدم الإنترنت من أحد أوائل مقاهي الإنترنت بالعاصمة الرياض وهو "عربيوتر" وأيضا انتشرت الإنترنت هناك انتشار سريعا، بل هناك كثيرون قاموا بدفع الكثير من المال للاشتراك عبر الأقمار الاصطناعية عن طريق أنظمة VSAT وهذه الأنظمة كانت موجودة أيضا في مصر ولكنها لم تلق إقبالا كبيرا لتكلفتها العالية دون فائدة كبيرة ترجع في مقابل ما تقدمه الشركات المزودة لإنترنت من خلال مركز المعلومات وهذا قبل أن تفتح مصر التراخيص لتمكين الشركات الخاصة لعمل ربط دولي خاص بهم كما هو الحال الآن في وجود أكثر منISP (Internet Service Provider) مزود لخدمة الإنترنت.
12 عام على الخط Online . هذا عمر رحلتي على الإنترنت حتى هذه اللحظة، شاهد على كثير من تطورها وإبداعاتها وإخفاقاتها وكثير من الأحداث والتقنيات والظروف.. قد أفكر يوما أن أكتب مذكراتي حول الإنترنت.
كثير وكثير من الرسائل والقصص والحوارات والتطورات حدثت، حتى في استخدام الشبكة العنكبوتية World Wide Web كثير من التطورات سواء التقنية أو طرق الاستخدام، من صفحات ساكنة إلى صفحات مرنة Dynamics ومن حلقات نقاش Threats إلى منتديات Forums إلى مدونات Blogs .
وكما تطورت الإنترنت في التقنيات وكم البيانات المتاحة، تطورت العلاقات الإنسانية من خلالها، وتدور الأحاديث بين كثير من الشباب والفتيات حول كثير من العلاقات، منها الصداقة والحب والزواج، وهل هذه العلاقات صحيحة وصادقة، أم هي وهم من خيال وعلاقات بين الأجهزة وليس بين البشر الذين يستخدمون الأجهزة. وتطور أيضا التهور والإباحية على الإنترنت، من صور لبعض الممثلات الأوربيات والأمريكان (Models) إلى الواقع الأليم الحالي لأفلام من داخل حجرات نوم البيوت العربية والكم الإحصائي يشير أن هناك أزمة أخلاقية ونفسية حقيقية.
ولكن لا يزال يوجد شعاع أمل وإن هناك صداقات حقيقة قد يكون منشؤها الإنترنت. وهنا سوف أتشارك مع القارئ العزيز بسرد أحد أهم قصص الصداقة في حياتي؛
تراسلت معها عن طريق البريد الإلكتروني وذلك بعد حصولي عليه من شبكة أصدقاء المراسلة Pen pals ، كان هذا في نهاية عام 1997، وهي من سنغافورة تلك المدينة الدولة الساحرة، تكتب عن نفسها وبلادها وكذلك كنت أكتب أنا.
لم أكذب (لأنني مؤمن بأن الكذب حرام، وأنني حر فيما أنا فيه وعليه، فلماذا الكذب؟!!) وأيضا لم تكذب هي. استمر الحال كما هو حتى شاء الله لي وقمت بزيارة سنغافورة وكان في أغسطس 1999، قمت بالاتصال بها وتقابلت معها لأول مرة وجها لوجه في محطة المترو “MRT”، محطة Bedok، كانت في طريقها للمكتبة العامة ودخلنا سويا وهي المكان المفضل لديها بالإضافة أنها تتابع البريد الإلكتروني عبر أجهزة تلك المكتبة، ابتسمت عندما قرأت آخر بريد مني قبل سفري والذي أبلغها فيه بسفري.
قضينا حوالي 3 ساعات، تحدثنا كثيرا، وتعرفت على كثير من الفروق في السلوكيات بيننا وبينهم وكانت أول ملاحظة، انخفاض صوت الحديث التي تكاد تصل للهمس، حتى أنني تعجبت هل أجهزة الهاتف والمحمول “Handphone” على تلك الدرجة من الحساسية لنقل هذا الهمس. لا تسمع صوتا في المواصلات سوى هذا الهمس.
سوف يسترعى انتباهك أنك لن تستطيع أن تقول "من المفروض أن تكون هنا.... كذا" وليكن لافتة تعريفية انتبه جيدا وسوف تجد ما تبحث عنه. المنطقة التجارية في المدينة تقع في طريق أورشارد Orchard Rd. وكأنهم يستقبلونك مرحبين بك، أينما ذهبت. "دبي" النسخة الثانية من سنغافورة.
قالت أنها تحب دبي لما تسمع عنها وخصوصا بكون مساحة سنغافورة تجعلها تضيق بأهلها (680 كم مربع وعدد السكان حوالي 4.5 مليون نسمة) وكذلك الجو الاستوائي المتميز بدرجة الرطوبة العالية جدا.
لم نتقابل ثانية إلا عندما جاءت لتوديعي في مطار شانغي وبكلمات بسيطة تعاهدنا على تقوية أواصل الصداقة بيننا وأن تعتبر أن هناك أخا لها موجودا في بقعة ما في هذا العالم أينما كنت. وأكدت لي نفس المعنى وأنها أخت لي في الله.
تابعنا مراسلتنا بالبريد الإلكتروني، ثم تحادثنا ببرامج المحادثة وكان هذا نادرا لفروق التوقيت.
تزوجت بعد عام من رحلتي تلك وهي الأخرى تزوجت بعد زواجي بعدة أشهر. أيضا كنت صادقا ولم أخف على زوجتي المصرية أيا من صداقاتي، كانت متشككة في بادئ الأمر، إلا أنها غيرت فكرتها بعدما تراسلت معها.
مر الآن 10 سنوات من الصداقة والأخوة الحقة والسؤال الدائم منها على زوجتي وأولادي وكذلك زوجتي تسأل عنها إذا ما هي تأخرت في مراسلتي لانشغالها. ننشغل كثيرا ولكن أبدا لا تنقطع عنا ولا ننقطع عنها.
يكفي.. تحدثت كثيرا اليوم!! ولكن قبل أن أختم كلامي، أحب أن أخبركم أنها ليست الوحيدة التي استمرت صداقتها ولكنها بالتأكيد الأقوى والأعز والأقرب إلى قلبي وأنها أيضا ليست كونها أجنبية، أصدقائي الآخر عرب، وكذلك بعمر صداقة طويل، نعم هي الأطول 10 سنوات ولكن الأخر 7 سنوات، 5 سنوات، 3 سنوات. ما السر؟
في رأيي الشخصي :
1- لا صداقة دون صدق.
2- لا صداقة دون هدف.
3- لا صداقة دون الالتزام بأخلاقيات الصداقة.
عندما أتحدث مع شخص ما على الإنترنت في بداية تعارف، أحدد وبشكل قاطع نوع هذا التعارف وهدفه، وأنني صادق وعلى الطرف الآخر أن يراعي هذا جيدا، وليرى ما إذا كنا نستطيع بناء جسور صداقة أم الغاية اللهو؟؟.
أتمنى أن تنتفعوا بتجربتي وأن تبنوا أواصر الصداقة وجسور الصدق لتكوين شبكة إنترنت صدوقة لا كذوبة.
ولا زال الأمل موجودا مادمت تشرق الشمس .
ملاحظات:
(1) جميع حقوق الملكية والملكية الفكرية للعلامات التجارية والمسجلة التي ذكرت في المقال ملك لأصحابها .
(2) الحقوق الفكرية للمقالة لكاتبها وتحت ترخيص GPL General Public License. يمكن استخدمها للأغراض غير التجارية مع ذكر اسم كاتبها والموقع www.maganin.com .
واقرأ أيضًا:
عالم العنكبوت الرقمي!! / الهاكر والصياد