من اللازم لتستطيع الخلية العصبية القيام بوظائفها (ومن أهمها نقل ومعالجة المعلومات) أن تكون قابلة للاستثارة ويتحقق ذلك من خلال فرق الجهد الكهربي عبر الغشاء الخلوي وهو الفرق الناتج عن اختلاف تركيز وأنواع الأيونات بين السائل البراني والسائل الجواني، وفي وضع راحة العصبون يكون هناك ما يسمى بالجهد الكامن للغشاء والذي يمثل الأرضية التي ينشأ عليها جهد الفعل العصبي، وجهد الفعل Action Potential هو الموجة المتشكلة من التفريغ الكهربي التي تنتقل من منطقة إلى مجاورتها على طول الغشاء الخلوي لأي خلية حية وبشكل خاص على محوار العصبون (الخلية العصبية) وتعتبر جهودات الفعل خاصية مميزة من خاصيات الحياة الحيوانية، فهي المسئولة عن حمل المعلومات ضمن وبين الأنسجة الحيوية. يمكن لجهودات الفعل أن تحدث في بعض النباتات؛
وجهد الفعل وإن كان أكثر انتشارا في الخلايا العصبية إلا انه يمكن أن يتشكل في أي نمط من أنماط الخلايا لكن الأهمية الهائلة له هي نقل المعلومات بين العصبونات أو نقل المعلومات بين أنسجة الجسم والدماغ إضافة للعضلات وكذلك الغدد Glands , وتختلف جهودات الفعل حسب نمط الخلية فجهد الفعل القلبي مختلف عن جهد فعل العصبونات، وسنحاول في هذا المقال تبسيط الصورة قدر الإمكان.
الجهد الكامن للغشاء Resting Membrane Potential (وضع الراحة)
في حالة الراحةِ يكون غشاء العصبون إلى حدّ ما غير مُنْفِذ للأيونات، وهذا مهمٌ لتوليدِ الجهد الكامن للغشاء، والبوتاسيوم هو الأيون الجَواني (داخل الخلوي) الرئيسي مقارنة بالصوديوم وهو الأيون الرئيسي في السائل البراني (خارج الخلوي)، وبالتالي فإن اتجاهَ السريان الطبيعي لتلك الأيونات تبعا لتركيزاتها هو أن يميلَ البوتاسيوم للخروجِ من العصبون بينما يميلُ الصوديوم للاندفاعِ داخلَ العصبون، وتؤدّي حركةُ الأيونات الموجبةِ إلى خارجِ العصبون إلى توليدِ جهدِ الغشاءِ السالب أو فرْطِ الاستقطاب Hyperpolarization، والعكسُ صحيحٌ أيضا إذ يؤدي اندفاقُ الأيوناتِ الموجبةِ إلى داخل العصبون إلى إزالة الاستقطاب Depolarization.
والغشاء في وضع الراحة غير مُنفذ إلى حدّ ما لأيونات الصوديوم بينما هو أكثرُ نُفوذية -إلى حدّ ما أيضا- لأيونات البوتاسيوم، وبالتالي تميلُ الأخيرةُ في وضعِ الراحة إلى الخروج من العصبون تبعا لفرق تركيزها، وبالتالي تزيد سالبيةُ الشحناتِ داخل العصبون وتستمرُّ تلك العملية حتى يحدثَ توازنٌ بين الميلِ الكيميائي عبر الغشاء (حسب فرق التركيز أو الضغط التناضحي) الذي يدفعُ البوتاسيوم إلى خارج الخلية، والميلِ الكهربي بين سطحي الغشاء (فرق الجهد الناتج عن خروج البوتاسيوم أي الشحنات الموجبة) والذي يجذبُ البوتاسيوم إلى داخل الخلية، وجهدُ الغشاء الذي يحدثُ عنده هذا الثباتُ يُسَمَّى جهد توازنِ Equilibrium Potential البوتاسيوم ويمكن حسابه من خلال معادلة نيرنست Nernst Equation *.
والحقيقةُ أننا عندما نقيس الجهد الكامنِ للغشاء على المحوار نجدُهُ أكثرَ في شحنته الموجبة من المتوقَّعِ نظرا لوجودِ بعضِ النفوذِيةِ للصوديوم في وضع الراحة، وتقوم مضخّةُ الصوديوم البوتاسيوم (التي تعتمدُ على مُرَكَّبِ الطاقة أديونسين ثلاثي الفوسفات ATP ) بمجابَهَةِ ذلك الاندفاق البسيطِ للصوديوم، وهذه المضخةُ مهمةٌ للحفاظِ على الميول الأيونية، وهي نفسُها مُوَلِّدَةٌ للكهربية لأنها تَضُخُّ ثلاث أيوناتِ صوديوم خارجا مقابلَ إدخالِ أيونين من أيوناتِ بوتاسيوم، وهي تساهمُ مساهمة بسيطة في مستوى الجهدِ الكامن للغشاء.
توليد جهد الفعل Action Potential Generation:
أحد الصفاتِ الرئيسية للجهاز العصبي هي قدرتهُ على توليد ونقل التدفعات (السيالات) الكهربية ولهذه التدفعات (السيالات) الكهربية ثلاثة أنواع:
الجهدُ المُوَلِّد Generator Potential والجهد المشبكي Synaptic Potential وجهد الفعل Action Potential ، ويُعَرَّفُ الأخير بأنه سَيالٌ كهربيٌّ واحدٌ يندفعُ عبر المحوار باتجاه نهايته، وجهدُ الفعل (أو التدفُّع العصبي أو الحسكة Spike) ينطبقُ عليه قانونُ الكلّ أو لا شيء All or Nothing، أي أنه بمجردِ وصولِ شدةِ المُنبهِ إلى عَتْبةِ الاستثارة المطلوبةِ لتنشيط جهدِ الفعل (العتبةُ الحَرِجَةُ للاضْطِرام Critical Firing Threshold) يتمُّ توليدُ جهدِ الفعل، وبالتالي فإنّ عمليةَ نقْلِ المعلوماتِ في الجهاز العصبي تعتمدُ على تِكْراريةِ اضْطِرامِ جهودِ الفعل وليسَ شِدَّتَها ويمكن أن يشفَّر لقوة المنبه الحسي عبر العصب الحسي الوارد (ضمن أشياء أخرى) أولا بزيادةِ عدد الأليافِ المُنَشَّطة (الإجلاب أو التشفير المكاني Recruitment or Spatial Coding)، أو ثانيا: بزيادة عدد جهود الفعل المُوَلَّدَة في كل محوار في وحدة وقت معينة (التشفير الزماني أو الترددي Temporal or Frequency Coding)، إلا أن العلاقة بين قوة المنبه وجهود الفعل المولدة ليست علاقة خطية بسبب محدودية جهود الفعل التي تستطيع المحاوير نقلها بسبب دَوْرِ الحران Refractory Period .
وتُعَرَّفُ شدةُ المُنَبهِ العَتْبيةِ Threshold Stimulus Intensity بأنها القيمةُ التي عندها يكون صافي التيار الداخل (ويُحَدّدُ أساسا بأيونات الصوديوم) بالكادِ أعلى من صافي التيارِ الخارج (والذي تحملُ معظمَهُ أيوناتُ البوتاسيوم) ويكونُ في الحالةِ المثاليةِ حول – 55 ميللي فولت وهي عتبةُ تنشيطِ جهدِ الفعل أو العتبة الحَرِجَةُ للاضْطِرام. ويكونُ توليدُ جهدِ الفعل أسهلَ ما يكونُ عند نقطةِ بروزِ المحوار والتي تحوي أعلى كثافة من قنواتِ الصوديوم وهي لذلك منطقةُ ابتداءِ جهودِ الفعل في العصبون، وأما إذا لم تصلْ شدةُ المنبه إلى الشدة العتبيةِ فإن إزالةَ الاستقطابِ الحادثةِ لن تؤدي إلى ابتداءِ جهدِ فعل ولن تنتقلَ الإشارةُ عبر المحوار.
ترتيب الأحداث في توليد جهد الفعل:
(1) تؤدي إزالةُ الاستقطابِ إلى تنشيط قنوات الصوديوم الحسّاسَةِ لفرق الجهدِ في غشاء العصبون وهو ما يسمحُ لبعضِ أيوناتِ الصوديوم بالحركة حسبَ مَيْلها الكهروكيماوي (زيادة طاقةِ نقل أيوناتِ الصوديوم) ويؤدي هذا إلى زيادة مُطَّرِدَة في إزالةِ استقطابِ الغشاء فاتحا قنوات صوديوم أكثرَ فأكثر من خلالِ آلية ارْتجاعية موجبة Positive Feedback Loop لتنشيط تلك القنوات، وعندما تنفتحُ كميةٌ من قنوات الصوديوم كافيةٌ لجعل التيارِ الداخلِ أعلى من التيار الخارج (الناتج عن خروج البوتاسيوم)، يحدثُ فتْحٌ سريعٌ لكل قنوات الصوديوم مما يؤدي إلى اندفاق Influx مُتَزايدٍ للصوديوم وزيادة في إزالةِ استقطابِ الغشاءِ باتجاهِ الوصولِ إلى نقطةِ جُهْد توازنِ الصوديوم (~ - 55 ميللي فولت) وهنا تَتَوَلَّدُ حَسَكَةُ جهدِ الفعل، إلا أن محاولةَ الوصول إلى نقطةِ جهدِ توازنِ الصوديوم تفشلُ بسبب خروج البوتاسيوم المستمرِّ والمتزايدِ خلال ما سبق من أحداث.
(2) تلي ذلك مرحلةُ هبوطِ جهد الفعل عندما يحدثُ التعطيلُ النشطُ Inactivation لقنوات الصوديوم الحسّاسَةِ لفرقِ الجهد، وعمليةُ التعطيلِ النشطِ تلك تعتمد أيضا على فرقِ الجهد إذ أنها استجابةٌ للمنَبّه المزيلِ للاستقطابِ لكنّ حَرائِكَها (خطوات حدوثها) أبطأُ من حرائكِ حدوث جهدِ الفعل وبالتالي يبدأُ تأثيرُها بعده، وخلالَ مرحلةِ الهبوط تلك ينشأ تيارُ أيونات بوتاسيوم يعتمدُ على فرق الجهد، وأهميةُ هذا التيارِ ترْجِعُ إلى أنّ تنشيطَهُ الناتجَ عن إزالةِ استقطابِ الغشاءِ أكثرَ بطئا من عمليةِ التعطيلِ النشط لقنواتِ البوتاسيوم، ويؤدي تنشيط قنوات البوتاسيوم (الحسّاسة لفرق الجهد) تلك إلى فترة قصيرة من فرطِ الاسْتقطابِ تحدثُ للغشاء قبل أن تتعطلَ ويعودَ الغشاءُ إلى حالة الراحة.
ومباشرة بعد حَسَكَة جهد الفعل هناك فترةٌ تُسمى دََوْر الحِران Refractory Period وفيها يكونُ العصبون إما غيرَ قابل للاستثارة (دور الحِران المطلق Absolute Refractory Period) أو فيها يكون العصبون قابلا فقط لاستثارة دون عتبةِ تنشيطِ جهد الفعل (العتبة الحرجة للاضطرام) وبمثير فوق الشدةِ المعتادةِ أصلا (دور الحِران النسبي Relative Refractory Period). ودور الحِران المطلقِ يحدثُ عند أقصى مرحلة من التعطيلِ النشطِ لقنوات الصوديوم بينما يحدثُ دور الحِران النسبيّ في وقتِ رجوع معظم قنوات الصوديوم إلى وضع الراحة لكنّ تيّارَ البوتاسيوم المُنَشَّط بفرقِ الجهد ما يزالُ فعالا. ولدورِ الحران مَعْنيانِ مهمانِ مُتَعلقان بتوليدِ ونقلِ جهدِ الفعل هما: الأول أن جهدَ الفعل يمكنُ فقطْ أن يتقلَ في اتجاه واحد بعيد عن مكان إنشائه والثاني أنه يمكنُ فقط أن يُوَلَّدَ بتكرارية محدودةِ السقف.
ويعودُ الوصفُ الأول لآليةِ توليد جهد الفعل إلى هودجكن وهاسلي في عصبونِ الحَبَّارِ الكبير سنة 1950 لكنه بعد ذلك أُثْبتتْ صحتهُ في العديد من الخلايا والعصبونات. وأدى هذا مع اكتشافِ عدد ضخم من القنوات الأيونية إلى وصفِ العديدِ من التعديلات المُتعلقة بتوليدِ وخصائص جُهد الفعل في العصبونات وغيرها من الخلايا.
______________________________
* معادلة نيرنست:
لحساب جهد التوازن لأي أيون (x): عندما يكون التركيز خارج الخلية 0(x) وداخل الخلية i(x) يمكننا استنتاج جهد التوازن تقريبيا باستخدام معادلة نيرنست:
جهد توازن (x) = ثابت الغاز × درجة الحرارة / تكافؤ (x) × ثابت فاراداي... في ... 0(x)/ i(x)
مثلا جهد توازن البوتاسيوم في الخلية العصبية البشرية : 58 في 3/140 = - 95 ميللي فولت
المراجع:
Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
واقرأ أيضًا:
الناقلات العصبية ووظائف المشبك العصبي / خلايا الجهاز العصبي: العصبونات والمشابك / كيف يعالج عقَّارٌ مادي معاناة نفسية؟ ×× / أسباب الأمراض النفسية