مقارنة بغيرنا من الكائنات وبحكم الهيئة التي خلق الله عليها جسد الذكر والأنثى، فإن مقابلة الوجه للوجه أثناء العملية الجنسية بين الذكر والأنثى في الإنسان، كانت من الأشياء التي دعت الدارسين في علوم العملية الجنسية إلى كثير من التأمل، فاختلاف الوضع الذي عادةً ما يتخذه الذكرُ والأنثى في الإنسان عن كل المخلوقات المرئية لابد يعني شيئا، والشيء الواضح هنا هو أن هناك ضرورةً للحوار بين الطرفين، سواء كان ذلك بالكلام أو بطرق التعبير المتبادل الأخرى.
ورغم ذلك فإن الحوار بين أغلبية الأزواج والزوجات مفقود، وأنا هنا لا أتكلم فقط عن حالة الصمت الغالبة، والتي تنتجُ إما عن خوفٍ من التعبير عن المشاعر أو عن رضا قاصر أو جاهل، وإنما أتكلمُ عن حالةٍ أخرى ربما تكونُ أكثرَ انتشارا بين الأجيال الشابة كما أستطيع الاستنباط من خلال أقوال مرضاي ومريضاتي، وهي ما أسميه بالحوار المزيف، أو دون "تزويق" أسميه الكذب بين الزوجين، فيما يتعلق بالرضا عن الممارسة الجنسية.
وقد كشفت الإنترنت لي ولغيري من الأطباء النفسانيين المهتمين بالاستشارات النفسية عبر الإنترنت كثيرا من هذه الأبعاد المستترة للجنس بين الزوجين، فما تتيحه الإنترنت من سرية وخصوصية للسؤال ومن اطمئنان إلى أن السر باقٍ في بئر عميق، جعلنا نعرف كثيرا مما لا يقال وجها لوجه لا للزوج فقط وإنما للآخرين أيضًا.
إذن فهناك إلى جانب حالة الصمت حالةٌ من الكذب أو إخفاء جزء من الحقيقة، فكم من الزوجات يدعين الرضا وهن غير راضيات؟ وكي لا أكونَ متحيزًا جدا للإناثِ (وأنا أصلا متحيز لأنهن الأكثر ظلما)، فإن من الأزواج صغار السن أيضًا من أصبح يعلن الرضا وهو غير راضٍ! ولكن بنسبةٍ أقل بمراحل من الزوجات، ولعل نظرةً واحدةً إلى صفحة استشارات مجانين، تبين إلى أي حد يشيع عدم الرضا الجنسي بين الأزواج والزوجات.
وتحليل مثل تلك الحالة يأخذنا في اتجاهاتٍ عديدةٍ ومتشعبة، فأنا أعتبر أن أغلب الأزواج المعاصرين من صغيري السن خاصةً وتحت ضغط ما يقرؤون ويسمعون ويشاهدون، قد أصبح كل واحد منهم يهتم بسؤال زوجته عن رضاها بالممارسة الجنسية، أو على الأقل يهتم بملاحظة ما يشير إلى حصولها على الإشباع من عدمه.
وكثيرا ما يُسأل الطبيب النفسي السؤال التالي: كيف أعرفُ أن زوجتي وصلت للإرجاز (أي قمة النشوة)؟ وهنا تكمن مفارقة تغيب عن الأذهان هي أن ما اختزنه معظم هؤلاء في ذاكرتهم من علامات تدل على وصول المرأة للإرجاز، هي علامات مستمدةٌ من ثقافة أخرى أكثر انفتاحا في مثل ذلك النوع من التعبير، كما أن لكل امرأة خصوصيتها وتفردها فضلا عن الخصوصية الثقافية.
معنى ذلك هو أن اهتمام الأزواج في غياب الثقافة والوعي الجنسي والنفسي الصحيح والموثوق المصدر، لدى معظمهم، ولدى كل الزوجات، يجعل الأمرَ كملهاةٍ مؤسفةٍ أو مأساةٍ مضحكة لأن الزوجة تجهلُ وتخافُ ومعرضةٌ للشك فيها! والسكوتُ خطُّ دفاعها الأول، ما دام زوجها ساكتا، يليه الكذب، بادعاء أنها في منتهى السرور كذبا، إذا اضطرها زوجها لذلك!، وفي جميع الأحوال مع الأسف نجد الزوجة عاجزةً عن أن تعيش نفسها مع زوجها بصدق.
بينما الزوج واقع تحت تأثير ما سمع أو شاهد أو رأى، فهناك من ينتظر من زوجته أفعالا معينةً أو علامات معينة فإذا لم تحدث فهو يعتبرها غير راغبة فيه، وهناك من يعلنُ رغباته صراحةً ويعلنُ الرفض لسلبية الزوجة معه أثناء الممارسة، فتضطر الزوجة للتمثيل.
وما أرمي إليه من خلال هذا ليس فقط تأثير الصورة على العلاقة الجنسية، وما هو مشهورٌ من ممارسات دخيلةٍ على مجتمعاتنا ككل، كثيرا ما تجد الزوجة نفسها فيها بين فلقي الرحى ومن الزوجات من تعجز عن التصرف ومنهن من ترضى ومنهن من تساير زوجها، ويجيءُ الأخير شاكيا من أنها تعطيه الإحساس بأنها تمثل الاستمتاع أو تمثل الرضا، ما أرمي إليه أخطر من كل هذا في الحقيقة.
لن أستطرد أكثر من ذلك وسأحاول أن أركزَ على كيفية تأثير الصورة، ففي العصر الذي نعيشه وبعد الثورة التكنولوجية الهائلة والانترنت تغيرت أشياءٌ كثيرة، ولن أتكلم هنا عن الصورة الجنسية بوصفها مثيرا، ولا بوصفها تصنع خيالات وتصورات غير نابعة من ثقافة مجتمعاتنا وما ينتج عن كل من هذين التأثيرين للصورة معروفٌ وفي منتهى الخطورة، لكنني سأتكلم عن تأثيرين آخرين أخطرُ وأعمقُ تأثيرا ولا دراية لكثيرين بهما، وهما:
أولاً: ما تقوم به الصور الجنسية من حجرٍ على الخيال، والحقيقة أن المساحة التي يمارس فيها الخيال دوره في الإثارة والرضا الجنسي كبيرةٌ إلى حد بعيد، وكلما كانت مساحة العري أكبر كلما كانت عتبة الإثارة والرضا أعلى، وما يحدثُ بعد مشاهدة الصور الجنسية هو أن مساحة الخيال تتقلص، ويصبح الزوج طالبا لعري أكثر من زوجته، محاولاً الوصول إلى إثارةٍ أكبر، وواصلاً مع الأسف إلى رضًا أقل!
ثانيا: ولعله الأخطر وهو كلام ينسحبُ تأثيره ليس فقط على العملية الجنسية وإنما على شكل الجسد بصورة عامة، ففيما يتعلق بالممارسة الجنسية تصبح بعض التعبيرات وبعض الحركات مثلا هي الدليل على الاستمتاع فإن لم تحدث من الزوجة فإنها لا تكونُ مرضية لزوجها أو مقنعةً له، وبالتالي فإن الصورة أو المشهد الذي اختزن في الذاكرة قد أصبح معيارا يتم الرجوع إليه بوعي أو بدون وعي.
وفيما يتعلق بشكل الجسد فإن الصورة المتكررة لنموذج معين للجسد (هو النموذج المثالي للجسد الرشيق)، تختزن في الوعي البشري مع الوقت على أنها النموذج الوحيد للجمال، ويصبح كل شكلٍ من أشكال الجسد البشري إما مطابقا للمواصفات وإما مُعَرَّضا لعدم الرضا من صاحبه ومن الآخرين، فكم من الأزواج يشتكون من تغير جسد الزوجة بعد الزواج.
وكم من الزوجات يعشن معظم حياتهن في حمية منحفةٍ (ريجيم) دائم مدة الحياة؟ وذلك أيضًا لأن النموذج الشائع والمتكرر لشكل الجسد الجميل أصبح هو المعيار الذي نقيم خلق الله على أساسه! بل يقيم الناس أنفسهم على أساسه، وحقيقة ألمر أن الصورة ليست أكثر من فخ كاذب عندما تتخذُ معيارا لأي شيء لسببٍ بسيط هو أنها تعبر عن لحظة لا تتكررُ حتى في حياة صاحبها أو صاحبتها فكيف نتخذُ من لحظة معيارا دائما يطبق على الجميع؟؟
وتحت تأثير كل تلك الضغوط يتم التعبير عن حالة عدم الرضا تلك بصورٍ كثيرة لعل أأمنها وأرشدها هو السؤال عبر الإنترنت، للحصول على الإرشاد النفسي، كخطوة مبدئية ثم الوصول بعد ذلك إلى من يستطيع تقديم المساعدة العلمية والعملية لكيفية التفاهم والتحاور بين الزوجين وصولاً إلى الرضا المتبادل.
يتبع >>>>>>>>>>: الرضا الجنسي بين الزوجين؟؟ مشاركة
اقرأ أيضا:
البرود الجنسي في النساء / الماء والنساء ، ماء المرأة في الإرجاز / من يعلم الجنس لأولادي !؟ / مجانين على الشيزلونج:ماما.. أنا حامل من بابا!