الطوائف المسيحية في بلاد الشام فترة الحروب الصليبية
(1097 – 1291 م / 491 – 691 هـ)
مقدمة:
تعتبر الحركة الصليبية إحدى أهم نتائج الفكر الأوربي في العصور الوسطي. كما أنها تمثل منعطفاً هاماً في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب. بالإضافة إلى ذلك فإنها المحاولة الاستعمارية الأولى من قِبل الغرب الأوربي لاستعمار الشرق العربي. وقد ساهمت العديد من العوامل التاريخية في بروز الحركة الصليبية في أوربا العصور الوسطي من تلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية و..... وأخيراً الدينية .
وعلى الرغم من أن الهدف الذي أعلنه البابا أوربان الثاني (Urban II (1088- 1099م أثناء دعوته للحملة الصليبية هو تحرير بيت المقدس من أيدي المسلمين وإنقاذ المسيحيين الشرقيين من اضطهادهم، إلا أنه بقدوم تلك الحملات إلى الشرق تأكد عملياً أكاذيب تلك الدعاية، وظهر بجلاء أن هؤلاء الصليبيين لم يأتوا لإنقاذ المسيحيين الشرقيين من الاضطهاد المزعوم وإنما جاءوا لتحقيق مصالح وأطماع شخصية، وقد أوضح الصراع بين أمراء الحملة الصليبية الأولي لأبناء البلاد من المسيحيين أن هؤلاء الصليبيين ليسوا علي استعداد للتعاون من أجل مصلحة العالم المسيحي حينما تظهر الفرصة لاغتنام ممتلكات خاصة وأن ما يظهره الصليبيون من تحركات للدفاع عن العالم المسيحي ما هي إلا تحركات مصطنعة، كما تحققوا أيضاً من أن هدفهم أيضاً هو الاستيلاء علي هذه البلاد ونهب ثرواتها .
كما أن الصليبيين قدموا إلي الشرق وهم يحملون حقداً وعداءً دفيناً تجاه المسيحيين الشرقيين بسبب الخلافات المذهبية، ذلك العداء الذي ظهر جلياً في الخطاب الذي أرسله زعماء الحملة الصليبية الأولي بعد استيلائهم علي أنطاكية إلي البابا أوربان الثاني والذي جاء فيه "لقد أخضعنا الأتراك والوثنيين ولكننا لم نستطع التغلب علي الهراطقة من اليونانيين والأرمن والسريان واليعاقبة و ....... "(1).
كما ظهر هذا العداء أيضاً في السياسة التي اتبعها الصليبيون تجاه المسيحيين الشرقيين والتي عمدت إلي القضاء علي الكنائس الشرقية وإخضاع أتباع هذه الكنائس إلي الكنيسة الكاثوليكية، الأمر الذي ترتب عليه زيادة العداء واتساع هوة الخلاف بين المسيحيين الشرقيين والصليبيين .
أما أسباب اختياري لموضوع البحث فتعود إلي قراءتي لنص الخطاب الذي ورد في مؤلف فوشيه الشارترى (2) والذي صدر عن زعماء الحملة الصليبية الأولي بعد استيلائهم علي أنطاكية وقد أدانوا في هذا الخطاب المسيحيين الشرقيين بالهرطقة وذكروا أنهم تمكنوا من القضاء علي الأتراك والوثنيين (يقصد بهم المسلمين) ولكنهم لم يستطيعوا التغلب علي هؤلاء الهراطقة من المسيحيين الشرقيين وهنا تبادر إلي ذهني عدة تساؤلات:
هل من الممكن أن تؤدي الخلافات المذهبية حول طبيعة المسيح إلي مثل هذا العداء؟ وهل كان مسيحيو الشرق ينظرون إلي الصليبيين علي أنهم هراطقة أيضا؟ وهل وقف هذا العداء المذهبي حائلاً دون مساعدة المسيحيين الشرقيين للصليبيين عندما قدموا إلي الشرق؟ وكيف كانت العلاقات بين الطرفين خلال فترة السيادة الصليبية علي بلاد الشام؟ وهل كانت أوضاع هذه الطوائف أفضل في ظل الحكم الصليبي أم خلال العصور الإسلامية وأي الحكمين كان يفضل المسيحي الشرقي ولماذا؟....وغير ذلك من التساؤلات.
وهنا قمت بعرض موضوع الطوائف المسيحية في بلاد الشام فترة الحروب الصليبية في الفترة من (1097 – 1291 م/ 491 – 691 هـ) علي أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور/ قاسم عبده قاسم الذي شجعني علي دراسة هذا الموضوع. ومن ثم انطلقت أبحث في مصادر ومراجع فترة الحروب الصليبية ولكني لم أجد سوي معلومات متناثرة عن هذه الطوائف سواء في المصادر الصليبية أو في المصادر العربية والتي كانت تهتم بشكل أكبر بالعلاقات بين المسلمين والصليبيين، ولكني لا أنكر أن المصادر الأرمينية والسريانية أفادتني بشكل كبير فيما يخص الأرمن واليعاقبة.
ولما كانت بلاد الشام تضم عدداً كبيراً من الأجناس والأعراق، فكان لزاماً علي الباحثة أن تتناول في الفصل الأول أصول هذه الطوائف عرقياً، ثم يتناول الخلافات التي دارت حول طبيعة المسيح والتي أدت إلي انقسام المسيحيين إلي فرق متعددة متنافرة ومتناحرة.
أما الفصل الثاني فقد تناول أوضاع هذه الطوائف في ظل السيادة البيزنطية علي بلاد الشام والصراع بين البيزنطيين والطوائف المسيحية المخالفة لمذهب كنيسة القسطنطينية. ثم تناول أوضاع هذه الطوائف في ظل الدولة الإسلامية وذلك لتوضيح مدي ما كانت تنعم به هذه الطوائف من حرية في أمورها الدينية وغير الدينية في ظل الحكم الإسلامي، كما أنها لم تتعرض لأي اضطهاد من قِبل المسلمين ولم يحدث أن استغاثت هذه الطوائف بالغرب الأوربي كما روجت الدعاية البابوية. ثم تناولت العلاقة بين كنيسة روما والطوائف المسيحية في بلاد الشام قبل قدوم الحملات الصليبية.
أما الفصل الثالث فقد تناول العلاقات بين الصليبيين بعد استقرارهم في بلاد الشام وبين المسيحيين الشرقيين وإلي أي مدي أثر كلُ ُ منهما في الآخر سواء في النواحي الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية أو الفكرية .
أما الفصل الرابع والأخير فقد تناول الوضع السياسي والاجتماعي لهذه الطوائف داخل الكيان الصليبي وإلي أي مدي تدهورت أوضاع هذه الطوائف بشكل جعلها ترحب بعماد الدين زنكي ومن جاءوا بعده، ثم تناول سقوط الإمارات الصليبية في أيدي المسلمين ليصبح المسيحيون المحليون مرة أخري تحت الحكم الإسلامي الذي راحوا يتأسفون عليه خلال فترة الحكم الصليبي، ثم تناول أوضاع هذه الطوائف داخل الدول المسلمة ابتداء من الدولة الزنكية وحتى دولة سلاطين المماليك والقضاء على آخر معاقل الصليبيين في عكا عام 1291 م – 691 هـ .
ويتبع >>>>>: الطوائف المسيحية في بلاد الشام(1)
______________________________________________________________________________
(1) فوشيه الشارترى ، تاريخ الحملة إلى بيت المقدس 1095- 1127م، ترجمة د. قاسم عبده قاسم،
الكويت ، 1993 ، ص 141 .
(2) تاريخ الحملة إلي بيت المقدس، ص 141 .
واقرأ أيضا:
أوربا والإسلام في العصور الوسطى / حرب عادلة: التراث المسيحي للعصور الوسطى