كانت لدىّ سيارة قديمة أعتز بها جدا نظرا لأنها صاحبتني في فترات جميلة وأخرى عصيبة من حياتي، ولي معها ذكريات تجعلها جزءا هاما من تاريخي الشخصي المتواضع. وفى أحد الأيام بينما أقود هذه السيارة الحبيبة على طريق المنصورة القاهرة السريع فوجئت بمطب صناعي أنشئ حديثا بدون أي مواصفات أو علامات (كالعادة بعد كل حادث يقع أمام قرية على الطريق وما أكثرها)، فحاولت تفاديه حتى لا تتحطم سيارتي العجوز، وانحرفت بها على الجانب الترابي للطريق حتى تجاوزت المطب وحاولت الرجوع مرة أخرى إلى نهر الطريق فلم يطاوعني الدركسيون وكدت أسقط في الترعة لولا "ستر ربنا"؛
ذهبت لـ"ميكانيكي العفشة" فركب السيارة وحرك الدركسيون ونظر إليّ بثقة وقال في اقتضاب الميكانيكية المعهود: "الدركسيون فيه بوش"، فسألته مازحا: "وإيه اللي جاب بوش للدركسيون؟"، فنظر إليّّ متجاهلا مزاحي: "الدركسيون مبوّش، يعني مفوّت، يعني ما يظبتش حركة العربية، واحمد ربنا إنها جت سليمة".
ومن يومها وأنا أخشى البوش والتبويش، وأشعر كلما ذكرت هذه الأسماء بقرب السقوط أو الاصطدام أو الموت. وحين تولى الرئيس بوش "الابن" حكم أمريكا أصبح هذا الاسم يتكرر كثيرا نظرا لسخونة الأحداث وتداعى الكوارث على عالمنا العربي والإسلامي في عهده غير الميمون، وفي كل مرة يراودني الإحساس بفقد السيطرة وفقد الاتجاه والسقوط، وازدادت هذه الأحاسيس بشكل خاص حين علمت أن بوش الابن كان مدمن، وأنا أعرف جيدا –بحكم مهنتي– ماذا يعنى سلوك المدمن، وما هي مشاكله في الاندفاع واضطرابات التوجه والاتجاه، فيزداد خوفي وقلقي على الدركسيون، وأتخيل هذا البوش وهو يتسلل إليه ويفقده دقة الحركة والتوجيه.
ومن هنا أصبح لي اهتمام خاص بشخصية بوش وقراراته وتوجهاته خاصة حين قرر هذا البوش أن يأتي هو ومجموعته اليمينية المتطرفة ليعيشوا بيننا وفوق أنفاسنا منذ سنوات طالت وثقلت. وإليك عزيزي القارئ ما وصلني عن هذا البوش لعلك تشاركني القلق على الدركسيون، وللعلم فقد كتبت عنه كثيرا في بداية حكمه لأحذر من آثاره الجانبية والتحتية بناءا على تركيبة شخصيته ، ولكن لم يهتم أحد بنشر ما كتبت ربما لتجنب آثار ذلك على عرى (أو عريّ) الصداقة الحميمة مع سيد البيت...
وليس من قبيل المصادفة إضافة كلمة (الابن) للتعريف بجورج بوش فهي مفتاح شخصيته وبداخلها تكمن أسرار سلوكه، فهو (ابن) لبوش الأكبر السياسي الأمريكي الداهية ومهندس حرب الخليج الثانية وقائد أكبر تحالف دولي إبان فترة رئاسته. هذا الأب المحنك سياسياً والمغامر عسكرياً لم يستطع إكمال مشروعه في فترة حكمه القصيرة فراح يخطط لابنه بوش الأصغر ذو الطاقات الذهنية المتواضعة (تم عمل اختبار ذكاء له وهو صغير نتيجة للشك في قدراته الذهنية) لكي يجتاز به حملة انتخابية شرسة ويجلسه على كرسي الرئاسة، ويختار له مستشاريه ويحركه يميناً وشمالاً ليكمل مشروعه في الشرق الأوسط للسيطرة على منابع النفط ولكبح جماح التيار العربي والإسلامي المناهض لإسرائيل.
وإذا نظرت إلى وجه بوش الصغير (الابـن) فسوف تلحظ الكثير من ملامح الطفولة (غير البريئة) مازالت تحتل مساحة كبيرة من هذا الوجه، ويمكن تفسير ذلك بأن بوش الصغير قد عاش منعماً في حماية أب قوي، ولم تواجهه ظروف حياتيه قاسية توقظ قدراته المتواضعة، ولهذا حدثت له مشاكل نتيجة سلوكه المتهور غير المسئول حين تم اعتقاله قبل ثلاثين عاماً وهو يقود سيارته في حالة سكر حيث كان يتعاطى الكحول بشكل إدماني في تلك السن، وحين أثار معارضوه أثناء الحملة الانتخابية مشكلة تعاطيه للكحوليات حاول نفي هذا الموضوع (كأي مدمن ينكر مشكلات التعاطي) ولكن الأدلة أرغمته أخيراً على الاعتراف بذلك ثم أدّعى أنه مر بصحوة دينية عام 1986م جعلته يتوقف عن تعاطي الكحول...!!
ولم يكن إدمان الكحول حدثاً عارضاً –كما حاول بوش أن يصور أثناء مناوراته الانتخابية– لأن التاريخ الإدماني ممتد في أكثر من فرد من أفراد الأسرة ففي أبريل من العام الماضي (2001) مثلت "جينا" ابنة الرئيس الأمريكي بوش "الابن" أمام المحكمة نتيجة لضبطها في حالة سكر في مدينة أوستن رغم أن القانون لا يسمح لمن هنّ دون الحادية والعشرين بتناول المشروبات الكحولية وهي ما زالت في التاسعة عشرة من عمرها، وقد تم تكليفها بالقيام بخدمات اجتماعية لمدة ثمانية ساعات عقاباً لها، وتلقت دورة تدريبية لمدة ست ساعات تعلمت فيها الأضرار الطبية والنفسية للكحول، لكنها لم ترتدع وحاولت بعد أسبوعين شراء مشروبات كحولية وكان بصحبتها شقيقتها التوأم "بربارا"، ولكي تتمكن من شراء الكحول استخدمت بطاقة هوية مزورة.
و"نويل بوش" ابنة "جيب بوش" حاكم ولاية فلوريدا (شقيق جورج بوش الابن) تعرضت للحكم بالحبس لانتهاكها شروط برنامج علاج من الإدمان كانت المحكمة قد أمرتها بالخضوع له. وقد ألقت الشرطة القبض على "نويل" وهى تحاول شراء عقار "زاناكس" المخدر بواسطة وصفه طبية مزورة.
وهذه الأحداث توضح تغلغل جينات الإدمان في العائلة وما يتبع ذلك من سلوكيات إدمانية مثل التهور والاندفاع والكذب والمناورة والتزوير وانتهاك القوانين. وهذه الصفات ربما يمكن محاصرتها على المستوى الفردي، ولكن الخطورة تكمن في وجود هذه الصفات أو بعضها في سلوك شخصية عامة تتحكم في مقادير العالم وتقوده.. فهل يا ترى تسربت هذه السلوكيات الإدمانية إلى شخصية بوش "الابن" وبالتالي إلى قراراته؟!
إن استقراء الأحداث منذ تولى بوش الابن للرئاسة توحي بذلك، فقد شهد عهده انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وللشرعية الدولية تحت ادعاءات محاربة الإرهاب، وتم تنحية أغلب القيم الأخلاقية التي تعارفت عليها الإنسانية وتم انتهاك حقوق الإنسان في أفغانستان وفلسطين والعراق، وتم تزييف الحقائق من خلال الكذب والمناورات والتزوير، وتم ارتكاب حماقات ومغامرات سياسية وعسكرية تتسم بقدر عالٍ من الخطورة على مستقبل البشرية. فهل يرجع ذلك إلى التركيبة الشخصية لذلك "الابن" المدمن غير المسئول والذي جيء به ليكمل مشروع أبيه الذي فشل في إنفاذه بعد حرب الخليج الثانية؟!! أغلب الظن أنه كذلك.
ولو عدنا إلى أحداث 11 سبتمبر فسنعثر على صورة أوضح لخاصية الابن الخائف عند بوش الصغير، فقد ظل هارباً بعد الأحداث ينتقل من طائرة لأخرى ومن مخبأ لآخر حتى نهرته أمه بشده وطلبت منه أن يكون رجلاً ويواجه الأزمة ويحاول الظهور لطمأنة الجماهير المرتعدة، ولكنه في الحقيقة –كأي ابن– كان مرتعداً أكثر من غيره.
والابن الضعيف غير الواثق من نفسه، والمتقلب في قراراته ربما يتوقع منه استجابات عنيفة وغير محسوبة لكي يثبت أنه "ليس كذلك"، وهذا ما نراه من مغامرات عسكرية استعراضية غير عاقلة تكاد تضع العالم على حافة الهاوية، وهو مع هذا يخرج على العالم كأي "ابن" (طفل) ليعلن في تبسيط ساذج أن "من ليس معنا فهو علينا".
وإذا كان بوش الابن صادقاً في ادعاء صحوته الدينية بعد إدمانه، فهو كأي مدمن يميل – عند تدينه إلى التطرف خاصة وأنه محاط بمجموعة من اليمين الديني المتطرف، وكانت نتيجة ذلك تورطه في الإعلان عن حرب صليبية جديدة، ثم تراجع عن ذلك حين نهره الكبار عن هذا التصريح الخطر ، وكانت نتيجة ذلك أيضاً تورطه في تأييد مطلق وغير مسبوق لقوى اليمين المتطرف بزعامة شارون في إسرائيل وهو بذلك يتصرف كابن متطرف لم يعرف بعد معنى التوازنات والحساسيات وأهمية القانون الدولي والتعايش الإنساني بين سائر البشر على اختلاف ألوانهم ومعتقداتهم.
وبناءا على حسابات شخصية ضيقة أو تواطؤات نفعية قصيرة النظر أسلمت قيادات كثيرة في العالم العربي والإسلامي القياد لهذا البوش ليدمر أفغانستان والعراق وفلسطين وليتآمر على ليبيا ولبنان والسودان ومصر وليغير خريطة المنطقة لحساب بلاده ولحساب إسرائيل دون أدنى وعى بمخاطر ما يحدث أو ما سوف يحدث.
وهكذا ساهمت السمات الشخصية لبوش في خلخلة وزعزعة الشرعية الدولية، وأدت سياساته هو ورفاقه المتطرفين إلى قتل وتشريد الملايين من البشر خاصة وبالتحديد في العالم العربي والإسلامي، وإلى زعزعة اقتصاد دول، وإلى إذعان حكام، وإلى ترك القيادة العالمية لسائق متهور ومهووس، وإلى تفويضه لوضع خرائط الطرق وتحديد مسارات وسرعات المركبات.
بعد هذا الذي رأيناه من مواصفات فيروس بوش (الذي هو قابل للاستنساخ مرات ومرات، ونحن أيضا قابلون للعدوى) أتمنى أن تكتب لافتات ضخمة على طرقات مصر والعالم العربي: "احذروا البوش في الدركسيون".
اقرأ أيضاً:
الباشا والخرسيس / ماذا حدث للفلاح المصري؟ / الزملكاوية! / الانتصار البديل في الساحة الخضراء