يتشكَّلُ نسيجُ الجهاز العصبي من نوعين رئيسيين من الخلايا هما الخلايا الدِّبْقية Neuroglia والعصبونات Neurons ، وتشكل الخلايا الدبقية 80% إلى 90% من كتلة النسيج العصبي، وتقوم هذه الخلايا بوظائف عدة مهمة داخل الجهاز العصبي المركزي وليسوا ببساطة مجرد حشو أو نسيج لدعم العصبونات، وهذا الرأي كان سائدا حتى عهدٍ قريب... حيث كانت تركيز محاولات فهم كيفية عمل الجهاز العصبي يتركز على فهم كيفية عمل الخلايا العصبية التي تختص بالاستثارة Excitable Nerve Cells .... ولكن الأبحاث والاكتشافات والنظريات الحديثة بينت وظيفة للخلايا التي كان ينظر لها وكأنها مجرد حشو... والخلايا الدبقية هي ما سنركز عليه في مقالنا القادم إن شاء الله، ولكننا في هذا المقال سنتكلم عن وحدة الاستثارة العصبية التي تنقل التدفع العصبي Nerve Impulse .......
أي سنتكلم عن الخلايا العصبية أو العصبونات Neurons وهي جمع عصبون Neurone كترجمة ارتضيناها في هذا المقال وهي المعتمدة من المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية WHO وفضلناها على ترجمة Neurone بـ "يعصوب" كما يترجمها البعض..... المهم... تشكِّل العصبونات 10% إلى 20% من خلايا الجهاز العصبي، وهي تختص بالاستثارة ونقل التدَفُّع العصبي عبر المحاوير Axons من مكان لآخر في الجهاز العصبي أو غيره من أجهزة الجسد، وتتصلُ العصبونات ببعضها البعض بواسطة مشابكَ عصبية Synapses تنقل التدفع العصبي من عصبون لآخر أو من عصبون لعضلة مثلا في الجسد أو غدة، وبالتالي تمثلُ العصبونات الوحدةَ التركيبيةَ والوظيفيةَ للجهاز العصبي فيما يتعلق بالاتصالات عبر الجهاز العصبي وعبر الجسد.
يتكوَّنُ العصبون من جَسد خلوي ومن نوعين من النتوءاتِ الخلوية هما التغَصُّناتُ Dendrites التي تشبه غصون الشجرة، والمِحْوار الذس يشبه ساق أو جذع الشجرة. وجسدُ خلية العصبونِ هو الجزء الذي يحوي النواةَ وما يحيطُ بها من الهيولى (السيتوبلازم)، وهو بؤْرةُ الاستقلاب الخلوي وفيه معظم العُضيات الجَوَّانية (داخل الخلوية) Intracellular كالمُتَقَدِّرات Mitochondria وأجهزةِ جولجي Golgi Apparatus والبيروكْسِيات Peroxisomes ، وتحتوي معظمُ العصبونات أيضا على حُبيبات نيسل القاعديةِ التلَوُّن Basophilic Staining. وتتكون مادة نيسل Nissl من الشبكةِ الحُبَيْبِيَّة الهَيُولية الباطِنة Granular Endoplasmic Reticulum والريبوسومات Ribosomes وهي المسئولة عن تخليقِ البروتين، وتوجدُ مادة نيسيل في جسدِ الخلية وفي التغَصُّنات لكنها لسبب لم يفهمْ بعد غيرُ موجودة لا في بروزِ المِحوار Axon Hillock ولا في المحوار نفسه.
وتمتدُّ الخيوط العصبية Neurofilaments خلال جسدِ الخلية وخلال التغصُّنات والمحوار وهي مهمةٌ للحفاظ على هيكلِ الخلية، وهناك أيضا نوعان من التكويناتِ الليَيْفيَّة هما الأُنَيْبيباتِ Microtubules والخُيَيْطات Micrfilaments وكلاهما يساعدُ في الحفاظِ على هيكلِ الخلية ومعمارِها وهما مهمَّان كذلك في جَريانِ هيولى المحوار وفي نموِّ المحوار.
وأما التغَصُّناتُ فهي نتوءاتٌ من جسدِ خلية العصبونِ إلى الخارجِ تتفرَّعُ بغزارة وتقومُ بنقل المعلومات الواردة من المشابك العصبية على شجرةِ التغصنات إلى جسد الخلية (المشابك المحوارية التغصنية Axodendritic Synapses). ولمعظم العصبوناتِ تغصُّناتٌ كثيرةٌ (فهي عصبوناتٌ متعددة الأقطاب Multipolar Neurones)، وبينما تتشكَّلُ معظم المشابك المحوارية التغَصُّنية مباشرة بين جدار التغصُّن والمِحوار فإن بعض هذه المشابكِ يتشكَّل بين المحوار وبُرَيْعِماتٍ صغيرة Gemules تَنْبُتُ من جدار التغصن. بالتالي فإن الدورَ الأساسي للتغصُّنات هو زيادةُ المَساحةِ السطحية المتاحةِ لتشكيل المشابك العصبية Synapses بحيثُ تجعلُ التكامل بين شتى التدَفُّعات العصبيةِ الواردةِ إلى جسد الخلية ممكنا.
وبينما تحمل التغَصُّناتُ معلومات إلى جسد الخلية، فإن المحوارَ الذي هو واحدٌ لكل عصبون يحمل المعلوماتِ من جسد الخلية باتجاه نهايةِ العصبون والمشابك العصبية مع عصبونات أخرى، ورغم أن محوارا واحدا يوجدُ لكلِّ عصبون، إلا أن المِحوارَ أحيانا يتفرع إلى فروع عدة، ويحدث ذلك التفرُّع قريبا من جسدِ الخلية في حالةِ بعض العصبونات الحسية (العصبونات وحيدةُ القطب الكاذبة Pseudo-unipolar Neurons)، لكن النموذجَ الأكثرَ شيوعا هو أن يحدث التفرُّعُ قريبا من الهدفِ المشبكي للمحوار (أي قريبا من المشبك العصبي الذي ينتهي عنده المحوار).
وينْبتُ المحوارُ من منطقة في جسد خلية العصبون تسمى "بروزَ المِحوار" عندها تظهرُ القطعةُ الأوليةُ من المحوار، وهذه هي جزءُ المحوار الأكثرُ قابلية للاستثارة نظرا للكثافة العالية لقنواتِ الصوديوم الأيونيةِ فيه، وهي بالتالي مكانُ النشوءِ لجُهود الفعل Action Potentials .
ويُحَدّدُ كل عصبون بغشاء خلوي عبارة عن طبقةِ شحْم مزدوجة تضمُّ داخلها مجموعة من جزيئاتِ البروتين بعضُها يشكِّل قنوات أيونية Ion Channels ، وبعضها يشكِّل مستقبلات Receptors لكيماويات معينة تفرزها العصبونات هي الناقلات العصبية Neurotransmitters ، وبعضها يعملُ كمَضَخَّات أيونية Ion Pumps تحرِّكُ الأيونات عبرَ الغشاء الخلوي ضدّ ميلهم الكهروكيماوي Electrochemical Gradient مثلا مضخةُ تبادل الصوديوم/البوتاسيوم.
ويعرفُ الغشاءُ السطحي للمحوار بغشاء المحوار Axolemma بينما يعرف الهيولى (السيتوبلازم) المُحْتَوَى داخلَهُ بهيولى المحوار (جبلة المحوار Axoplasm)، وتُكْسِبُ القنوات الأيونية الموجودة في غشاء المحوار قدرتَه على نقل جهود الفعل، بينما تساعدُ محتوياتُ هيولى المِحوار كالخُيَيْطات العصبية والأُنَيْبِيبات والمُتَفَدِّرات في المُحَافظةِ على الميول الأيونية اللازمة لتوليد جهد الفعل العصبي، وتساعد أيضا على نقلِ وإعادةِ تدوير البروتين بعيدا من (وإلى حد أقل إلى داخل) جسد الخلية وحتى النهاية العصبية، وهذا الجريانُ عبر هيولى المحوار أو التوصيلِ المحواري قد يكونُ بطيئا (~1 ملم يوميا) أو سريعا (~100 – 400 ملم يوميا)، وليس هذا الجريان مهمّا فقط للسماحِ بفعالية عصبونية مشبكية طبيعية، لكنه قد يكونُ مُهما في بقاءِ ونماء العصبون أيضا، وبالتالي فقد يكونُ الشذوذُ فيه سببا في بعض الاضطراباتِ التَّنَكُّسية العصبية Neurodegenerative Disorders .
ويُحَاطُ كثيرٌ من المحاوير بغلاف من الشحْم يُسَمى غلافَ الميالين Myelin Sheath يعملُ كعازل كهربي، وهو يُغَيِّرُ خواصَ التوصيل عبر المحوار إذ يسمحُ ذلك العازلُ بالتوصيل التوالُدِي السريعِ لجهدِ الفعل العصبي مع ضمانِ سلامةِ الشحنة، فعلى طولِ الغلاف المياليني توجدُ فجواتٌ تُسمى عقد رانفييه Nodes of Ranvier ، وعندها يكونُ غشاءُ المحوارِ غَنِيّا بالقنواتِ الأيونية (قنوات الصوديوم) وعلى صلة مباشرَة بالسائلِ النسيجيِّ (الخلالي) Intercellular Fluid ، وبالتالي فإنَّ عُقَدَ رانفييه تجعلُ التوصيلَ التوالدي السريع لجهدِ الفعل قفزا من عقدة إلى التي تليها مُمْكِنا، وعقدُ رانفييه أيضا هي النقاطُ التي يحدثُ عندها بروزُ فروعِ المحوار التي تُسمى بالروادفِ المحوارية Axon Collaterals ، ويغلف الغلافُ المياليني المحوارَ بدءا من النقطةِ التاليةِ للقطعة الأولية وحتى النقطةِ قبل التفرُّع النهائي للمحوار، وتقومُ خلايا شفان Schwan Cells بتخليقِ غلافِ الميالين في الجهاز العصبي الطرفي (المحيطي) حيث تُخلِّق كلُّ خلية شفان جزءَ الغلافِ المياليني ما بين عقدةِ رانفييه والعقدةِ التي تليها، وأما في الجهاز العصبي المركزي فتقومُ الخلايا الدِّبْقِيةِ قليلةِ التغصُّنِ Oligodendrocytes بتلك المهمة مع فرقِ أنه في كثير من الأحيانِ تُغَلِّفُ خليةٌ واحدةٌ محوارا بأكملهِ.
المِشبكُ العصبي Synapse
المِشبكُ العصبي هو الموْصِلُ الذي عنده يتصلُ العصبون بخلية أخرى، هي في الجهاز العصبي المركزي عصبونٌ آخر وفي الجهاز العصبي الطرفي قد تكونُ عضلةً أو خلية غُدِّيَّة أو أيّا من الأعضاء، والمِشبكُ العصبي المثاليُّ في الجهاز العصبي هو مشبكٌ كيميائي Chemical Synapse يتكونُ من: نهايةِ محوار قبل مشبكية Presynaptic، فلج مشبكي Synaptic Cleft، وغشاءِ الخلية بعد المشبكية Postsynaptic. وأما الفلح المشبكي فهو الفراغُ الفاصل بين النهايةِ قبل المشبكية وغشاء الخلية بعد المشبكية، وفيه ينتشرُ الناقلُ العصبي الكيميائي Chemical Transmitter المُفْرَزُ من نهايةِ المحوار قبل المشبكية.
والمشبكُ العصبي المثالي هو الذي يكونُ بين نهايةِ محوارِ عصبون وتغصُّنِ عصبون آخر (مشبك محواري تغصُّني Axodendritic Synapse)، وذلك رغمَ وجودِ مشابكَ عصبية تكونُ نقطةُ التواصلِ فيها بين المحوارِ قبل المشبكي والخلية بعد المشبكية موجودة على جسد الخلية بعد المشبكية نفسه (مشبك محواري جسدي Axosomatic Synapse)، أو _وإن كان بنسبة أقل_ تكونُ قبلَ نهايةِ محوارِ خلية أخرى (مشبك محواري محواري Axoaxonic Synapse) مثلما يظهر في الشكل المقابل والذي تظهر فيه الأنواع المختلفة للمشابك العصبية.
وهناك عددٌ قليلٌ من المشابك العصبية في الجهاز العصبي المركزي ليستْ لها الخصائص السابقة، وإنما هي مُلْتَقَياتُ مقاومة منخفضة (أو مَوْصِلاتٌ فَجوية Gap Junctions) وتسمى هذه المشابك العصبية بالمشابكِ العصبية الكهربية Electrical Synapses، ويسمحُ هذا النوعُ من المشابك العصبية بالانتقالِ السريع لفروقِ جهدِ الفعل Action Potentials دون تكامل أو دمْج مع بعضها البعض، وهذا هو ما يجعلُ مجموعات من الخلايا العصبية تستطيعُ أن تَقْدَحَ تدفُّعَاتِها العصبيةِ في نفس الوقت أو بتناغم. ويحدثُ النقل العصبي الكهربي في عدد قليل من الأماكن في المخ، ويُعْتَبَرُ وجود المَوْصِلاتِ الفَجوِية سريعةِ التوصيل مهمّا لتفعيلِ الانتقال السريعِ واسعِ الانتشارِ للنشاطِ الكهربيِّ اللازمِ لتزامُنِ بعضِ الوظائفِ القِشْريةِ، وفي الجهاز العصبي المحيطي يؤدّي الغيابُ غير الطبيعي للموصلات الفجويةِ في خلايا شفان إلى أحدِ أشكالِ الاعتلالِ العصبي الوراثي هو الاعتلالُ العصبي المحيطي الحركي الحسي الوراثي.
الخلايا الجِذْعِية العصبية Neural Stem Cells:
في كثير من أنسجةِ البالغين، يتم تعويضُ أو موازنةُ الفقد الخلوي الناتج عن الانْسِحال الطبيعي Natural Attrition أو الجروحِ من خلال تكاثرِ Proliferation ثم تَمَايُز Differentiation الخلايا الجذعية في ذلك النسيج، وفي الجهاز العصبي المركزي (CNS) في البالغين كان المعْتَقَدُ أن الأمر ليس كذلك، إلا أن الدلائلَ الحديثةَ أظهرتْ أن الخلايا نَذِيرَةَ العصبية موجودةٌ في الجهاز العصبي المركزي (CNS) الناضجِ في الثديياتِ ومنها الإنسان، وتوجدُ هذه الخلايا أساسا في الحُصين وحول بطيناتِ الدماغ (المناطق تحت البطينية Subventricular Zone) ويبدو أنها قادرةٌ على التمَايُز إلى عصبونات نشيطة وظيفيا، إلا أن دورَ تلك الخلايا الجذعية العصبية في اللدونة العصبية Neural Plasticity والترْميم غير معروف.
ويحدثُ فقْدٌ نوعي للعصبوناتِ في الاضطرابات التنكسية العصبية Neurodgenerative Disorders وهي الحالات التي يكون الحدث الباثولوجي الأولي فيها هو الفقد المترقي (المتزايد) لجمهرة معينة أو أكثر من عصبونات الجهاز العصبي المركزي مع الوقت مثل: السبه (الخرف) Dementia من نوع ألزهايمر (DAT) ومرض باركينسون PD ومرض العصبونات الحركية (Motor Neuron Disease) أو (Amyotrophic Latreral Sclerosis).
المراجع:
Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
اقرأ أيضاً:
أسباب الأمراض النفسية/ الأمراض النفسية رد فعل للظروف ××/ لا فائدة من العقاقير النفسية ××/ كيف يعالج عقَّارٌ مادي معاناة نفسية؟ ××
التعليق: أولا شكرا على هذا الموضوع القيم وباقي المواضيع الأخرى.
ثانيا أريد إفادة فيما يخص نوع المشابك على مستوى المخ المتوسط وهل لها علاقة بتنظيم السيالات العصبية الواردة من المراكز الانعكاسية. إذا كان ممكنا
وشكرا .