خلل الوظيفة الأسرية
الاختلال الوظيفي الزواجي، الانفصال والطلاق
إن الشدات التي تتعرض لها العلاقة الزوجية عديدة ومختلفة، لذلك فإن استمرار وازدهار زواج معين يعتمد على الطريقة التي يقيس فيها أحد أو كلا الزوجين الحاجات الفردية الشخصية تجاه متطلبات الحياة الزوجية. يمكن القول إن الشروط الحالية، الاجتماعية والثقافية والمعتقدات تلعب دورا هاما في النفور الزواجي الحاصل، وعادة يكون العامل الغالب هو عدم الرغبة بتجاوز الاستقلال الفردي والتسامح الذاتي، أكثر مما تلعبه عوامل اجتماعية جديدة متعددة.
ولا يعتبر دقيقاً القول بعدم وجود الزواج المضطرب في العصور والحضارات السابقة. وفقط نحتاج إلى براهين من أخبار وسوابق لا تحصى لنؤكد وجود اضطرابات زواجية.. منذ أن وجد الزواج، ولنرى بعض الأمثلة:
هنري ابسن Henrik Ibsen
الكاتب المسرحي النرويجي الشهير هنري ابسن، كان عنده سمعة لا يستحقها في عقل الشعب كمؤلف للدراما الاجتماعية والتي فقدت لياقتها مثل: بيت الدمية، الأشباح، عدو الشعب..
كانت مسرحياته تتناول ظاهرياً مواضيع معاصرة لذلك الزمن مثل تحرير المرأة، الأمراض الزهرية، والنزاعات بين الأخلاقيات الشعبية والخاصة.
لكن عبقرية ابسن Ibsen كمؤلف مسرحي تجاوزت حتى هذا، فقد كان ثوريا حقيقياً قادرا على اختراق أعماق النفس البشرية.. ففي مسرحيته (هيدا كابلر) يتحدث عن امرأة ممتلئة بالفخر والانتقام، متحكمة بزوجها تيسمان Tesman وكأنه لعبة في يدها. وتماماً مثلما أعطت (بيت الدمية) مظهراً ساخراً للزواج كذلك فعلت (هيدا كابلر)، عدا عن كون الزوج هنا هو اللعبة.
وفي مسرحية عالمية أخرى (روسمر شولم Rosmersholm) يذهب هنري ابسن Henrik Ibsen في استقصائه أبعد من القوى اللاواعية، فنجد (بيكاويست) شابة ذكية ومتحررة فكرياً، تعمل في منزل (جوهانز روسمر)، وبسبب شوقها الذي يصعب عليها التحكم به نحو (روسمر)، دفعت زوجته العاقر (بياتا) للانتحار.
ولفترة بسيطة كانت (بيكاويست) هي و(روسمر) سعيدان، ثم بدأت تعلم شيئاً فشيئاً أن الرجل الذي رفعها كفتاة شابة، والتي أصبحت عشيقته هو والدها الحقيقي.
فتحت وطأة الشعور بالذنب والإجرام، وبأنها قامت بدور مشابه لدور أوديب مع والدها وزوجته، وهكذا (بيكاويست) أقنعت (روسمر) بذنبها الشديد، وأن يدخلا معا في عمل انتحاري. وتنتهي المسرحية بقفزهما سوية (بيكاويست وروسمر) من أعلى جسر، وهو الذي رمت الزوجة (بياتا) نفسها منه سابقاً.
أوغست سترندبرغ August Strindberg
كاتب سويدي صوّر سيرته الذاتية من خلال مسرحية (الأب) والتي تعكس المعاناة الزورية paranoia لكاتبها.
من خلال المعلومات المتوفرة لدي واطلاعي على ما استطعت من الأدب العربي والعالمي، يمكنني القول لم أجد عملا أدبيا أو مسرحية تعادل مسرحية (الأب) لأوغست سترندبرغ August Strindberg في إظهار الكراهية القاسية للنساء وكل شيء أنثوي.
ويمكن أن تلخص القصة باختصار شديد، فالكابتن إنسان ملحد يفكر بشكل حر، وهو بنفس الوقت عامل مقبرة وعالم. كان زواجه من زوجته (لورا) بارداً عاطفياً.
وعندما حاول الكابتن تثقيف ابنته (بيرتا) كمفكرة حرّة مثله، قام صراع بين الزوجين.
قامت (لورا) بزرع بذور الشك في نفسه عن أبوّته الحقيقية لابنتيهما، دافعة به بشكل أعمق وإلى غضب وغيرة وشك زوري، حتى أصبح عنيفاً في النهاية، ثم اقتيد إلى مشفى الأمراض العقلية.
في نهاية المسرحية يستلقي الكابتن بدون مساعدة أو أمل، وعندها تسأله زوجته (لورا) فيما إذا كان يعتقد بأنها عدوّته، فأجابها: "نعم، أعتقد أن كل النساء عدواتي، أمي لم تكن تريدني أن آتي إلى العالم، لأن هذا يسبب لها ألما، كانت عدوتي، ولقد مزقت كيس الحمل لذلك ولدت غير مكتمل. وأختي كانت عدوتي عندما جعلتني أذعن لها. والمرأة الأولى التي أخذتها بين ذراعي كانت عدوتي فقد أعطتني عشر سنوات من المرض رداً على الحب الذي أعطيته لها، وعندما كان على ابنتي الاختيار بينك وبيني، أصبحت عدوتي، وأنتِ زوجتي العدوة القاتلة، لأنكِ لم تتركيني إلا وقد أنهيتِ كل حياة بقيت مني..".
أسباب خلل الزواج
العوامل داخل النفسية
قد يضع المرء لائحة طويلة من أسباب خلل الزواج مثل: (الخلل في التعامل، عدم الارتياح الجنسي، تداخل الأهل، أعباء الأولاد، الصراعات على الأدوار والآمال المختلفة،...).
على كل حال هذه الأمور ليست سوى أعراض للمشكلات الأساس التي تأتي خلف كل فشل في إنشاء علاقة ودّية ناجحة، وإن الميل نحو الصراعات حول التدابير والتسويغات الذاتية هو أكثر بكثير من حول التفاهم المتبادل والتعمق في العلاقة.
ولنتأمل أولاً بعض التأثيرات التطورية التي تتدخل بحسن العلاقة بين الزوجين، وعلينا أن نهتم بالأهمية الهائلة للعلاقات الأولى مع الأشقاء والأهل. فالحب والكراهية للأهل والأشقاء عوامل شديدة التأثير في التطور الإنساني، وقد ذُكِرَت في العديد من القصائد والروايات والقصص والمقالات والمسرحيات عبر التاريخ، فالصراعات الباكرة مع الأهل عوامل هامة للصعوبات في علاقات الراشدين المتأخرة وتتجلى بوضوح خاصة في الزواج.
لكن من الأهمية بمكان، من خلال تجاربنا أيضاً، للعلاقة مع الأشقاء، وفي الحقيقة قد تكون الصراعات الأخوية الأكثر جاهزية ومطاوعة للعلاج عند المريض. وكثيراً ما صادفنا من خلال خبرتنا السريرية الرجل فعلاً يتعامل مع زوجته كما لو أنها أمه، ولكن قد يعاملها كما لو أنها أخت محبوبة أو مكروهة أيضاً. والأطفال الذين ليس عندهم إخوة أو أخوات لا يتجنبون الصراعات لأن غياب الأشقاء له دور متزايد على العواطف الوالدية، وفي الحقيقة اقترحت بعض الدراسات أن الأولاد الوحيدين قد يعانون من صعوبات في الزواج أكثر من الأفراد الذين نشئوا مع أشقاء.
ولاحقاً عندما يصبح الطفل مراهقاً فإنه يجسد من جديد وهم الحب الرومانسي (وقد ميز هذا النوع من الحب شعراء الجاهلية عند العرب وأدباء القرون الوسطى في أوربا. وإن الشهرة الكبيرة للحب الرومانسي التي ذكرت في القصائد والأغاني والقصص تصف عادة أشواق محبين غير متاح كل منهما للآخر). ولذلك فمن النادر أن تحدث رابطة رومانسية، وإن حدثت فلم يكن عليها أن تواجه الأحداث اليومية للحياة.
نحن كلنا معتادون على أفكار المراهقين باختراق النجوم، بكونهم فرسان يرتدون دروعاً براقة ويأتون على أحصنة بيضاء, وبكونهم العاشقين الأطهار والأدباء المبدعين، والعلماء الخارقين الأفذاذ والمحققين للمعجزات،...الخ.
مثل هذه النظرة الرومانسية لا تستطيع فعل الكثير مع ضغوط ومصاعب الحياة اليومية، وهي إحياء رغبات طفلية، مكونة بذلك وهماً بالأمان. والمحبوب لم يّحب كشخص بل فقط كمصدر لكل الرغبات. وهناك نتائج لا يمكن تجنبها لمثل هذه التوقعات مثل خيبة الأمل والشعور بالمرارة. وحتى لو كان بإمكان شخص ما أن يلبي كل هذه الحاجات، فإن الشريك الآخر الذي يطلب باستمرار سيغضب من اعتماده الكلي على شريكه، وسيُسقِط بعض العداء عليه.
وما الذي يبدو أنه سيكون اقتراحاً مقبولاً هو أن الفشل الزواجي نتيجة الأوهام الرومانسية قد يتضاءل أو حتى يختفي مع ملاحظة الانتشار لدرجة الشيوع في البلاد الأجنبية ومع الأسف تزايد لا فت للنظر أيضا في بلادنا، وهي ظاهرة تزايد الجنس قبل الزواج، والذي لم يدعم بعد حتى في أوربا وأميركا، بدراسات ثابتة ودقيقة علميا وثقافياً وإنسانياً.
وهذا النوع من الوصال الرومانسي يبدو أنه مدفوع بعدد من العوامل النابعة من الرغبة بشريك جنسي ثابت ليبعد الوحدة. ورغم أن نمط الحياة العازفة عن الزواج قد أصبح سائداً ومقبولاً جداً في البلدان الغربية، فكثيراً ما نجد رغبة كبيرة عند المعتمدين على هذا المبدأ بإيجاد مرافقين.
ولذلك فإن الحاجة للحلم والأمل حول موضوع الحب المثالي يبقى، وقد يتقوى من وجهة نظر خبرائهم في الصحة النفسية الحب المثالي عبر العلاقات الجنسية العابرة مع درجات أكبر من الحرية الفردية، ولكن لي تحفظاً شديداً حتى من الناحية العلمية على هذه الآراء التي يطلقها الكثير من الباحثين والخبراء في العلوم النفسية في بلاد الغرب، فهناك مجموعة من الاضطرابات وليس اضطرابا واحدا لدى متعدد العلاقات الجنسية العابرة، أقلها اضطراب في الشخصية، مرورا بالاضطرابات النفسية الجنسية، عدا عن الأمراض والاضطرابات النفسية الأخرى، والفقر الوجداني والأخلاقي.
على كل فيما أراه لا يمكن التنبؤ بمستقبل الشباب العربي في هذه الناحية رغم ملاحظات عدة في المجتمع العربي وأهمها تأخر سن الزواج لأسباب ثقافية وعلمية واقتصادية واجتماعية... الخ.
وباختصار شديد، رغم حقيقة أن الحب الرومانسي غالباً ما يعطل المحاكمة النقدية، وأنه ربما يعيد الشريك إلى حالة من الأمان والسعادة الطفولية، ولكن يبدو أن الحب الرومانسي جزء كمالي لثقافتنا لتحقيق اختيار زواجي معتمد على قاعدة "أن الحب الرومانسي تأكيد على مطلب السعادة".
لذلك حتى ولو تزوج الأقران، فإن قدرة كل منهما على إنشاء علاقة زواج مبنية على مساندة حقيقية سيكون معتمداً على درجة السعادة التي يتوقعها كل منهما للآخر.
وبالإضافة لهذه العوامل داخل النفسية فإن هناك عواملاً أخرى تلعب دوراً، فمنحى النمو ليس واحداً لكل فرد، وان نتوقع أن منحى النمو سيكون متوازياً لكلا الفردين هي فكرة غير واقعية. وحسـب رأي (بيرمان وليف Berman & life) نجد أن فترة الانتقال من العشرينيات للثلاثنيات والتي تحدث فيها معظم الزيجات مرحلة تهديد كبرى لمعظم الزيجات في الغرب؛
خاصة التي يعمل فيها الزوجان. فالزوجة تحدث انزياحاً تطورياً من شخصية معتمدة غير آمنة إلى شخصية مستقلة كفوءة وجذابة وتصبح سيدة Lady، وهذا قد يسبب تناقضاً واضحاً في معدل نمو الشريكين، ونظام جديد من الخصوصيات في الزواج.
وهنا الزوج دخل بمتاهات المهمات التقليدية بإعالة الأسرة والحفاظ على مستوى متين، بينما الزوجة تصبح محتارة بين الخيارات الجديدة والمقدَّمة لها. وفي الزيجات التي يعمل فيها واحد فقط، لا يزال الرجل هو الأكثر انخراطاً في الممارسة المهنية، رغم أن هذا قد يتغير مع ارتياد النساء المتزايد للعمل المهني. ويبدو أن التهديد التطوري لاستمرار الزواج -سواء في الزيجات التي يعمل فيها أحد الزوجين فقط، أو الثنائية المهنية (التي يعمل فيها كلا الزوجان)- يزداد بصورة عامة عندما تكون الرغبات والأهواء مقيدة أو غير خاضعة لتغيرات في الذات.
وخلل الزواج في هذا الوقت قد يأخذ عدة مظاهر، ويعتبر بعض الباحثين في الغرب أنه ربما يأخذ خلل الزواج شكل من أشكال الانفجار في العلاقات الجنسية خارج الزوجية كنوع من التعويض عادة عن بعض الحرمان العاطفي. وقد يحدث انسحاب متزايد سواء عاطفي أو جسدي، وقد تحل النزاعات والصراعات مكان الروابط الشعورية والجنسية. والزوجان اللذان كانا مدفوعين بآمال وتوقعات متبادلة أصبحا عدوين لدودين وأصبحت غرفة النوم حقلاً مسلحاً.
العوامل بين الأشخاص
يمكن أن يرى الزواج أيضاً كنظام تأثير متبادل، حيث التبادل أساس، ونقص هذا التبادل يؤدي مباشرة للخلل، والنظام بحد ذاته يخلق حاجات يجب أن يحافظ عليها، وأي تغير في أي مركب - مهما كان زهيداً - يخلق تغيراً في كل وجوهه.
وهذه النظرة الأوسع والتي توسع طريقة دراسة الخلل الزواجي، متجاوزة حدود مشاكل الشخصية الفردية لأي من الأعضاء، نادى بها (بيرمان وليف Berman & life) عندما لاحظا أن العلاج الزواجي يجب أن لا يرتبط فقط بالصراعات داخل النفسية، ولكن الأكثر أهمية أن يهتم بالمظاهر المحيطية والعائلية والمتعلقة بشريك الحياة. وهؤلاء الكتاب اعتبروا الحرائك الزوجية موجودة عبر ثلاثة أبعاد هي القوة، المودة، والتضمن - الاستبعاد Exclusion ـ Inclusion. وكل فرد يرى أنه حاوٍ على آلية حل الصراعات بين:
1- الرغبة في الإسعاد والحاجة الشخصية للسيطرة.
2- الرغبة في التقارب والحاجة إلى الانفصال والبعد.
3- ملكات الزواج, والملكات المرتبطة بالنشاطات والأفراد الخارجين عن مجال الزواج.
بالنسبة لـ (بيرمان وليف Lief & Berman) كلما كانت الحلول صارمة وثابتة كلما ازداد خلل الزواج. أما بالنسبة إلى كل من ساجر Sager وكابلاين Kaplan فقد أخذا نظرة مختلفة بعض الشيء حول العلاقة الزواجية، إذ اعتبراها ضمن مفاهيم "الحرائك التعاقدية Contractual Dynamics" وأعلنا أن سوء التناغم الزواجي يبدأ عندما لا يستجاب لحاجات أحد الفردين. والفرد الذي أصيب بخيبة الأمل يختبر الفشل كجهد واع، مقصود وعدائي من الفرد الآخر الذي لا يلبي مفاهيم "التعاقد الزواجي Marriage Contract"، رغم أن الفرد الجاني قد يكون غير عالم ماذا تعني هذه المفاهيم أو غير قادر على القيام بها.
وبهذا يصبح كل فرد متحدياً للآخر ويتحول الزواج لمعركة مستمرة لتنفيذ الانتقام ولإنشاء توازن تعويضي. وهي عادة الزيجات التي تحوي على مناطق واسعة من الفشل والمُخاتلة الواعية منذ البداية، بسبب خوف وقلق كل من الزوج والزوجة حول علاقته بالطرف الآخر وفيما إذا كان مقبولاً ومرغوباً به من هذا الطرف الأخر.
في الحقيقة، فقط عندما يتغير أحد الزوجين، ويرغب بعلاقة أكثر مساواة وتماثلاُ، يدخل الزواج في الخلل بتعبير سريري. على سبيل المثال، من الصعب جداً أن تتغير أو تنتهي الزيجات السادية - المازوخية. لكن هناك بعض التغيرات الدقيقة على هذه العلاقة التي هي مقاومة أيضاً للتداخل الخارجي. وطالما أن الفردين يرغب أن يكون والداً أو والدة وعنده طفل يمثله شخصية الشريك الزوجي (وكأنها علاقة بين والد وابنته أو والدة وابنها)، أو أن أحد الفردين يرغب أن يكون مسيطراً والثاني يرغب أن يكون منقاداً، فإن الزواج قد يستمر في توازن لعديد من السنوات، وأبداً لن يصل لمرحلة الخلل.
وعلى الرغم من أننا نفكر بأن الرجل هو السيد، فهذه الفكرة شديدة السذاجة والإغراض، لأن النساء أيضاً يستطعن أن يقمن بهذا الدور، ونرى هذا بشكل خاص في زوجات الكحوليين المزمنين أو العاطلين عن العمل، أو زوجات الحالمين والذين لا يبدو لهم شيء من الواقع مناسباً من أجل مهاراتهم المتفردة. أو النساء المرتابات (من ريبة) بأنفسهن مع الأزواج المعاقين بشدة بشكل إرادي، فهنا في هذه الأمثلة كلها، نرى غالباً المرأة هي السيد. وبينما يوضح عدم الارتياح الجنسي كسبب لتحطم الزواج، تكون هذه الشكوى كما لاحظنا، عرضاً بسيطاً للصراع المخبّأ وراءه، والذي يتخذ السرير والفراش كقاعدة للنزاع.
بشكل عام يساء غالباً للجنس في الزواج القائم على الصراع، وقد يستعمل من أجل الاستغلال، المعاقبة، المكافأة، أو لتلبية حاجات الشخص النفاسية وحتى الذهانية، وقد يصبح الفرد مصاباً بالعنانة بسبب الصراعات داخل النفسية أو الصعوبات بين الأشخاص، ومن ثم يصبح الجنس كوسيلة للتلاعب بها أو عليه.
ويمكن للجنس أن يكتسب صفة الرمزية كلغة لنقل مراسلات بين الأفراد، ولكن في الزواج المختل تكون كل الوسائط سلبية بما فيها الجنس. ويمكن أن يتواجد الخلل الجنسي كمشكلة أولى في الزيجات، ولكن إذا كانت الطاقات، من أجل علاقة مفيدة، فعالة وموجودة، فقد يتوقع أن يتطور الزواج على عدة أصعدة، طالما أن الصعوبة الجنسية تستجيب للمعالجة.
وكثيراً ما يعتقد المعالجون والمرضى أن التحسن في الصعوبات الجنسية سيقود إلى تحسن في العلاقة الزوجية، وهذا خطأ فادح. فإذا كان الزواج مبنياً على أسس جيدة فإن العلاج الجنسي سيكون له فائدة عظمى، ولكن إذا كان الزواج أصماً فعندها سيقود العلاج الجنسي إلى وضع أسوأ.
ومن المهم أن نبقي في أذهاننا كمعالجين وأخصائيي صحة نفسية فكرة أن هناك كثيراً من الزيجات غير السعيدة والتي تكون فيها الآليات الجنسية جيدة. وهناك زيجات قائمة على الثقة والحب والاحترام المتبادل تستطيع فعلاً أن تبقى، حتى مع وجود اضطراب جنسي عميق كالأذية الشللية في النصف السفلي للجسم على سبيل المثال.
الأولاد
إن الحدث الذي قد يكون له القدرة الكبرى على الإخلال باستقرار العلاقة هو دخول الأولاد. وإن معظم الزيجات تحدث معتمدة على دافع ولادة أطفال بحكم الواجب، ولكن دافع بناء عائلة نادراً ما يكون هو الأساس للزواج.
وفي الحقيقة، في السنوات الأخيرة، فإن الزوجين الشابين أصبحا في الكثير من دول الغرب يقرران بشكل متزايد عدم إنجاب الأولاد نهائياً، أما في بلادنا فبدأت تلاحظ ظاهرة تدعوا للانتباه وهي محاولات الأزواج تأخير الإنجاب إلى عدة سنوات.
إن الدوافع التي تأتي خلف إنجاب الأولاد معقدة جداً، وتدخل كاستجابة للضغوط الخارجية أو الحاجات الداخلية التي قد تكون ملاحظة فقط بشكل مبهم أو تكون خارج حدود الوعي تماماً. وفي كل حدث فإن القادم الجديد يغير النظام ويتطلب من الأهل إعادة بناء علاقتهما وإعادة البناء هذه، قد يكون لها تأثير مكافئ معوّض ومقوّي للعلاقة، ولكن قد يؤدي أحياناً إلى تحطم وتدمير العلاقة.
إذاً: مهما كانت النظرة التي نأخذها للزواج، سواء بتعابير داخل نفسية أو بين الأشخاص، أو كلاهما، فهذه الشراكة أو النظام الهش هو الآن في خطر بسبب دخول مجموعة جديدة من المتطلبات عليه. وإن انتقال الانتباه نحو الطفل يخلق فرصة تغيير وتخفيف للصراعات القائمة، ولكن قد يخلق أيضاً فرصة لصراعات جديدة حول مواضيع القوة والحكم، وفرصة لبناء فعاليات مبعّدة ومنفّرة.
وإن الاعتبارات الشعبية تناقض ما أوضحته الدراسات العائلية والتي بينت باستمرار بأن الزيجات الميالة للصراع لا تتحسن بوجود الأولاد، بل على العكس، إذ يصبح الأولاد كأنهم دمى تستعمل بيد أحد الزوجين ضد الأخر.
العوامل الاجتماعية والثقافية
من الضروري الآن أن أتحدث عن نحو تأثير المعايير الثقافية والاجتماعية بعد أن تحدثت عن كل من دور العوامل داخل النفسية والعوامل بين الأشخاص.
يقترح J.R.Udry في كتابه "المحتوى الاجتماعي" أن أربعة أنظمة أساسية تلعب دوراً في الزواج وهي:
1. التقليد الديني .
2. المساواة الديمقراطية .
3. الفردية .
4. المذهب الدنيوي.
وإن التغيرات الدرامية التي أخذت مكانها بسبب هذه الأنظمة الاعتقادية لم تبدل فقط من التوقعات والمتطلبات التي يعتقد بها المقدمون على الزواج، ولكن أيضاً تصيب توازن الزيجات طويلة الأمد باضطراب. وإن المذهب الدنيوي خاصة (أي إبدال القيم الدينية بقيم اجتماعية) هو الذي يلعب دوراً أكبر بالتلاؤم الزوجي في الغرب عموماً وأميركا خاصة. وإن الزواج المنظور إليه كنظام مقدس محافظ عليه من قبل التقاليد غير المحسوسة، قد تأثرت أهميته في العقود الأخيرة كنتيجة للدنيوية المتزايد في أغلب بلدان العالم.
كتبت العالمة الاجتماعية (جيسي بيرنارد) كثيراً عن التلاؤم الزوجي وهي تصّر على وجود نمطين من الزواج: إحداهما خاصته والأخرى خاصتها. وإن اعتقاد بيرنارد بأننا نتعامل مع معيار مضاعف من الصحة العقلية والتي تحقق في النساء مساواة التوافق مع التكيف الكافي، فإن احتمال الخلل الزواجي تجربة شائعة لكثير من النساء، واستنتجت بيرنارد أن معظم النساء يقبلن بالضغط الزواجي طالما الرفقة الاجتماعية متوفرة بأدنى حدودها من قبل أزواجهن.
على كل حال فإن هذا النهوض المقترح للنساء قد يزيد من الخلل من وجهة نظر الزوج، لأن للرجال أيضاً معاييرهم الاجتماعية المستبطنة، فإذا كان رأي الزوج في المرأة المرغوبة هو زوجة مثقفة واجتماعية لتقوم بالتزاماتها من تعاطف ومنافسة في نفس الوقت، فسيكون فشلها في أداء مستوى عالي من التربية خيبة أمل شديدة له.
وكقوة اجتماعية، فإن الحركة النسائية تؤثر على الزواج بصورة حتمية فالزواج حسب كل الأعراف الاجتماعية عبر التاريخ البشري يميل ليعطي أنماطاً معينة وبخاصة نمطاً معيناً لدور كل جنس، وهذا الدور النمطي هو الذي تعارضه الحركات النسائية في معظم دول العالم الغربية وليس الزواج بالذات، وليست كل النساء مرتاحات لهذا التحرر من هذه النمطية، وأيضاً ليس كل الرجال يهددون بما يسمونه بتحولات في التوازن بين الجنسين.
ولكن داخل هذا الجو من الخلل والتناقض، تريد العديد من النساء أن تزيد شرعية الأهواء المضادة لتكوين الأسرة، ولذلك أي فحص لأسباب الثبات، أو عدم الثبات الزواجي يقتضي مجموعة أسئلة تؤخذ بعين الاعتبار، وقد يوحي قرار الزواج المطبق حالياً أكثر من السابق، وأيضاً قرار عدم الإنجاب، قد يوحي بشعور متزايد بالاستقلالية، ليس فقط من أجل عدد من النساء بل وللرجال أيضاً.
لذلك فقد تغيرت في الكثير من المجتمعات الغربية المعاصرة أنماط الزواج التقليدية. ومثالاً فإن الزواج المعاصر يجب أن يكون رفقة من المساواة والسكينة، وليس معركة من أجل القوة والسيطرة أو نمط من العلاقة الأبوية – الطفلية. ولكن حذار من الخطأ الذي قد يقع فيه الأطباء والمعالجين غير المدربين بشكل كاف من أصحاب وجهة النظر الفردية أو الزوجية والذين يحاولون أن يخلقوا تغيرات جديدة بشكل غير متعقل في المعايير الثقافية وبشكل سريع لمرضى غير مهيأين، فقد يقدموا أذى أكثر من الفائدة المرجوة، وإن الإيحاءات أو الإيعازات الصادرة عنهم إلى النساء السلبيات أو الرجال السلبيين بالتحرر من الزواج ترى كاضطرابات من قبل المعالجين.
لكن على الغالب ليس بالضرورة أن تأتي هذه الآراء من قبل الأطباء الممارسين بل في غالبها -لسوء الحظ- تصدر عن المختصين، وألفت النظر إلى أن آراؤهم وإيعازاتهم قد تكون أكثر تخريباً وتهديماً من أن تكون مساعدة.
_____________________________
- هنري ابسن Henrik Ibsen ولد عام 1828 وتوفي في 23 أيار 1906 وهو كاتب مسرحي نرويجي، يعد من كبار كتاب المسرح في العالم كما يعتبر من أهم رواد الحداثة في القرن العشرين.. أهم أعماله: (ندم على حياة محطمة، الأشباح، عدو الشعب، بيت الدمية).
ومازال الحديث مستمراً......... الاختلال الوظيفي الزواجي، الانفصال والطلاق(2)
واقرأ أيضًا:
أسباب فشل الحياة الزوجية / التراكمات في الحياة الزوجية(2) / الطلاق المتحضر (تسريح بإحسان) / آداب الطلاق في الإسلام