أرسل محمد حسن دعدورة (طالب بكلية الهندسة، 24 سنة، مصر) يقول:
من المحلة إلى مارينا وبالعكس
السلام عليكم،
أحييك أولاً دكتور على مدى اهتمامك بمجتمعك في مقالاتك الرائعة، جزاكم الله خيراً عنها.
أود أن أضيف أن المواطنين لا يبغون علوّاً في الأرض ولا فاسداً هم يريدون طريقاً واضحاً يمشون فيه؛ قوانين ثابتة تراعي احتياجاتهم البسيطة والاتجاه إلى حل المشكلات بدلاً من الالتفاف حولها.
للأسف هو اتجاه عام الآن في بلدنا أن نرى الهروب بدلاً من المواجهة؛ فالمسئولون يريدون كراسيهم ولا يريدون الشعب، والشعب يهمه لقمة العيش ولا تعنيه مناصب السلطة إلا قليل من أفراده غير أوفياء أو بمعنى أدق عندهم انتماء غير عادي للبلد، حيث أني أذكر في مدخل الألفية كان هناك من حوالي 35 وزير 60% منهم يحمل جنسية غير المصرية؟!!!!.
وهنا لن أتحدث عن كيف قبل الشخص هذا المنصب ولكن أسأله كيف ينام قرير العين ويقول مصر بلدنا وهو ما شاء الله لا يعرف عنها غير الأماكن السياحية لما كان يأتي يصيف فيها بسعر بخس أثناء إجازته السنوية أو النصف سنوية، لم يقف يوماً على طابور العيش أو بالأحرى لو كان من أسرة ثرية أصلاً لا يفكر فيما يتطاحن الناس لأجله.
وبالرغم من أن الناس على مستويات علمية راقية جداً رفضوا الانضمام لأحد أحزابنا الشهيرة لأجل المنصب وتخطاهم من هو أقل منه كفاءة! وأعرف أيضاً أن بعضهم رفض أن تزدوج جنسيته في الخارج حباً في مصر لأنه ابنها ولأن أوروبا لم تصرف عليه كما أنفقت مصر، رجع فوجد الأمور أسوء مما كان يتخيّل!
إني الآن أجزم بأن الحل عندنا أن نقوم بإجبار المسئولين على الشعور بالشعب، بمعنى أنني لا أطلب أن أي وزير أو مسؤول شرط عليه أن يأخذ دوره في بطاقة التموين وطابور العيش وينزل بنفسه لشرائه دون حراسة (على أي حال لن يقتله أحد، فالناس لم تره منذ عشرين سنة أو خمس عشرة على أقل تقدير، كأحد أصحابنا من كندا لكنه كان خريج جامعة القاهرة)، لكن أطالب بتطبيق قانون ساقي القوم آخرهم الذي نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
أذكر أن في تاريخ الخلافة الراشدة كان سدينا عثمان وهو من أثرياء القوم أو أكثرهم ثراءً كان يأكل زيتاً وشعيراً، وكذلك كان الخلفاء ليس بخلاً لا قدر الله أو إمساك تقطير ولكن لكي يظل يتذكر أن هناك فقيراً لا بد أن يوفيه احتياجاته في مجموعة دول الخلافة وليس في مصر فقط.
ومما يجول بخاطري الآن أن أرى وزير المواصلات قد أتى إلى المنيب سيراً على الأقدام دون حراسة- ووالله لن ينتبه له أحد ولن يعرفه أصلاً- ويشهد الاختناق المروري الذي يبدأ من الساعة 8 صباحاً، تأمين لسيادة رئيس الوزراء ويشعر بما نعانيه في المواصلات والوقت غير المباشر المفقود في العمل نتيجة هذا والذي قد يتعدى تكلفة المشروع المفتتح (وهو كوبري)، هذا من الناحية المادية. ومن الناحية النفسية فحدّث ولا حرجن ومن الكلام عن الجيل الصاعد من الآباء والأمهات ومرارة العيش، فلا أمل عندي في وجود انتماء جيد الفترة القادمة، إلا أن تتدخل رحمة الله بمصر.
أنا مواطن مصري مثلك يا دكتور أشعر بمرارة لما وصلنا إليه لأن السلطة تعتبر أنّه إذا عرف المواطن حقه فسوف يزعجهم، ولا تعلم أن ثمة كارثة تحدث بسبب هذا تكبد الدولة ملايين من الجنيهات، فنرى مثلاً الناس عندنا في الأرياف يبنون فوق الأراضي الزراعية المباني العشوائية (وهنا لن أتحدث عن الأراضي الزراعية والمساحة الخضراء)، ولكن سنتحدث عن الإهمال حيث لا أعرف كيف يسعى رئيس مجلس مدينة، رجل جيش أو شرطة إلى منصب أعلى، بالرغم من أنه لو تمّت محاكمته هندسياً يحق إعدامه! نعم يا دكتور يحق إعدامه، لماذا؟ لأن كل رشوة تمت تحت يده دمرت في قدرة الاقتصاد الوطني، تخيّل؟ ولكي لا أكون قصير نظر سأضرب لك مثالاً؛
لو عندي خط توزيع يتحمل قدرة معينة وأدخلت عليه شارع أو اثنين عشوائياً فستنخفض كفاءته وهذا يكلفنا في التحديث ويكلفنا في معالجة المشكلات التي قد تصيب الوحدات الكهربية، لاحظ في الأرياف أن الكهرباء تكون حوالي 150 فولت إلى 180؟؟؟ أين سيادة رجل العسكرية الفاضل وأين سيادة المهندس المشرف على هذا والذي يتقاضى حوالي 600 جنيه بالرغم من أنه من أوائل دفعته، والأخير على دفعته مدير عام اليوم في شركة خاصة أو شركة كبرى يتعدى مرتبه 5000 جنيه؟.
ويقولون دع الناس يسترزقون! ما يعملون كارثة في مساواة نفس الإسراف المنظّم الذي تقوم به الحكومة.
نحن نحتاج عهداً مثل عهد شوين لاي في الصين، عندما رفض رئيس الوفد المرافق إلى مصر أيام عبد الناصر أن يشتري هدية تذكارية لابنه كما نصحه أحد رجال الجيش (وأعرفه شخصياً) وردّ عليه قائلاً عندما يشتري العامل الصيني هدية تذكارية لابنه سأشتري لابني هدية تذكارية من مصر! وبعض علامات التعجب حين نقول أن الصين اشتراكية ونحن اشتراكيون في هذا العهد (عبد الناصر).
المجتمع يلزمه بصيرة وتثقيف بدلاً من الإلهاء في برامج سئم منها الشيطان نفسه في التلفاز، أو التقوقع داخل نطاق القنوات الدينية. قديماً في بداية الثمانينات قررت الإذاعة البريطانية خفض مدة بث بعض قنواتها (والتي كانت لا تتعدى ثلاث ساعات للقناة الواحدة) وذلك لأن الشعب لم ينتج بالقدر الكافي كي يترفة ويسمع التلفاز!.
أطلب اليوم عمل دورات تبصيرية للشعب، ليس حقه في السياسة أو ما شابه ولكن حقه في أن يفكر ويرتقي، يصنع أعمالاً يدوية ويتعلم حرفة، يجد مؤسسة ترعى زواجه مثل ماليزيا (من خلال دورات للزواج لتقليل المنازعات، ولابد أن يتقدّم كل مقبل على الزواج لهذه الدورة).
سيدي، إن المجتمع لن يقوم بكباره كما يظن بعضهم، فالحجر الذي يهدم الهرم ليس في القمة ولكنه الذي تحت قدمك.
أرجو من الشعب أن يبدأ يتعاون ويفكر ولا ينغلق على نفسه كما هو الحال، بل يتكاتف ويضع حلولاً جماعية.
والله الموفق،
جزاكم الله خيراً لحسن القراءة وللصبر.
أخوكم محمد.
12/8/2008
أشكرك أخي العزيز محمد على هذا التعليق الوافي، وعلى الاسترسال حول الموضوع، وهذا هو هدفنا أن نتواصل وأن نحاول تحريك الماء الراكد لعلنا في يوم من الأيام نستطيع أن نجعل بلدنا أجمل وحياتنا وحياة أبنائنا أفضل.
اقرأ أيضاً:
الزملكاوية! / الدركسيون فيه بوش / الانتصار البديل في الساحة الخضراء / الفهلوة اللغوية العصبية / إيجار قديم