تعد الفكرة بأنها الخطوة الأساسية للسلوك الإنساني، فنحن نفكر، وهذا يثير لدينا مشاعرنا وردود الفعل التي تجعلنا نسلك أو نتصرف بطريقة معينة، بناءً على طبيعة أفكارنا والأطر المرجعية للتفكير.
ونستطيع أن نقسم (مناطق التفكير) -إذا جاز التعبير- إلى خمس مناطق أساسية:
1) الأفكار المتعلقة بالذات: وتعد هذه الأفكار الأساس في طبيعة نظرة الشخص إلى نفسه، وهذا يشمل، كيفية فهمه ونظرته إلى جسده، وهل يرى نفسه جذاباً؟ أو هل يرى أن عضواً ما في جسمه غير جميل؟ أو أنه قبيح؟ كيف ينظر إلى قدراته الجسدية وقوته؟ وهل يرى أنه يستطيع القيام بجهد ما أو عمل ما، أم أنه عاجز عن ذلك؟ كيف ينظر إلى قدراته العقلية؟ وهل يرى أنه لمّاح وذكي أو أنه متفوق أو أنه يستطيع أن يفكر بطريقة مبدعة وأن يدرك طبيعة الأشياء بسهولة؟ وكيف ننظر إلى سلوكنا؟
من الناحية الاجتماعية أو أن الناس لا يحبون طريقتنا وأسلوبنا في التعامل، أو أن أحدنا يفتخر بصراحتة الشديدة، أو بعض الصفات الشخصية من مثل الكرم، أو الشهامة، ويمكن أن نعرف ما هي مثلنا من الناحية الجسمية إذا عملنا قياساً معيناً، مثلاً بالنسبة للطول يرى أحمد أن طول قامة صديقه محمد جميل ويعطيه جاذبية، وهنا نستطيع معرفة ما هي القامة المثالية من وجهة نظر أحمد.
2) الأفكار المتعلقة بالآخرين: وهي تشتمل على طبيعة تفكيرنا بالآخرين، وكيف يعاملوننا، ولماذا يعاملوننا بهذه الطريقة، وكيف نرى سلوكيات الآخرين، ولماذا نعزو سلوكهم وأسباب هذا السلوك، وما هي مقاصد الآخرين، وما الذي يريده الآخرون منا، وما هي نوايا الآخرين عندما يتعاملون معنا، ولماذا يسلكون أو يتعاملون أو يفكرون بهذه الطريقة، وكيف ينظر الشخص إلى الجنس الآخر أو باقي أفراد العائلة.
3) الأفكار المتعلقة بالأشياء: تشمل الأشياء الوضع المادي أو الوضع الاقتصادي العام، طبيعة العمل، المقتنيات وما نريد اقتناءه، فكيفية نظرة الإنسان لأي من أموره المادية، أو إلى طبيعة عمله، أو إلى ما يملكه من عقارات أو أموال، أو مكان سكنه، كل هذه الأمور المادية والفيزيقية مهمة جداً في طبيعة نظرة الإنسان للأشياء.
4) الأفكار المتعلقة بالغيبيات: وتشمل كيف ينظر الإنسان إلى المستقبل وكيف يرى هذا المستقبل؟، ما الذي يخيفنا من المستقبل؟، وما الذي يهمنا في المستقبل أيضاً؟، وهل يتحلى الواحد منا بالأمل أم لا؟.
5) الأفكار المتعلقة بالروحانيات: وهي تشمل طبيعة علاقة الفرد بخالقه وكيف ينظر إلى طبيعة هذه العلاقة، هل يرى أنه مقصر، أو أنه يرى أن كل مشاكله هي بسبب تقصير من ناحية العبادات، أم يرى أن ما يحصل معه هو غضب من الله، أو أن ما يواجهه هو اختبار للصبر جزاؤه الخير في نهاية الصبر، فكل هذه الأمور تحدد طبيعة الأفكار المتعلقة بالناحية الروحانية.
ومما سبق نرى أن مناطق التفكير الخمس هي الأساس في اتجاهات التفكير، وأن أي فكرة تخطر لنا تكون في أحد الاتجاهات الخمس لمناطق التفكير.
إذن فمن المهم أن نعرف طبيعة تفكيرنا وطبيعة الأفكار التي تصب في كل اتجاه من اتجاهات التفكير الخمس، ونرى الكثير من المواقف والسلوكيات التي تدل على اتجاه التفكير في منطقة ما من مناطق التفكير، فنرى فلاناً من الناس الذي يشك في نوايا الآخرين ومقاصدهم ويفسر سلوكهم بنوايا خبيثة؛
نرى أنه مرّ بتجارب قد تكون من خلال التربية أو خبرات في المدرسة أو أثناء التعامل مع الآخرين وكانت هذه التجارب مع شريحة من الناس قاموا بخداعه أو بالتلاعب به، أو أنه تعرض للنصب أو الاحتيال عدة مرات بحيث أن فكرة (أن الآخرين خبثاء أو أنهم يريدون الشر للآخرين ولا يفكرون إلا بمصلحتهم)؛
تعززت وأصبحت قوية وأساسية في بنية الأفكار في اتجاه منطقة التفكير الخاصة بالآخرين، ونرى آخر يظن أنه قبيح المظهر، وأذكر هنا أحد الأشخاص الذي كان خلال المرحلة الأساسية في المدرسة يقوم زملاؤه بالتعليق عليه حيث أن بنيته الجسدية كانت ضعيفة، وحجم جسمه صغير، فكانوا يعلقون عليه كما يطلقون علية الألقاب المختلفة، حتى أن صاحبنا صار يعاني من الخوف من الوقوف أمام الصف لأنه يظن أنهم سينظرون إلى جسمه وسيحدثون أنفسهم بأن جسمه صغير جداً، حتى أنه قام بوصف جسمه بأنه حقير، وتطور الموضوع بشكل أكبر مع كل سنة دراسية حتى صار يعزل نفسة أكثر وأكثر وأنه صار مقتنعاً بفكرة أن جسده حقير وأن الناس ينظرون إليه بازدراء واحتقار لطبيعة جسده؛
ورغم أنه تخرج من الجامعة لكنه ما زال يعاني من نفس الفكرة بالرغم من أن جسده قد تغير وأصبح حجمه طبيعي جداً، لكنه ما زال غير واثق من هذه الناحية التي ما زالت تسبب له الإحراج، بل أنها سببت له مخاوف اجتماعية، وكل ذلك لتكرر مواقف متعددة ولفكرة خاطئة في اتجاه التفكير لمنطقة الأفكار المتعلقة بالذات.
إذن فالأفكار تحرك سلوكنا وتتحكم بنظرتنا للأمور، وتتحكم بحياتنا، وهذه الأفكار إن كانت خاطئة فإنها تكون سبباً في سلوكيات غير متوازنة، بينما لو كانت هذه الأفكار منطقية أو أنها وجهة نظر لا علاقة لها بكون الأمور صحيحة أو خاطئة فإنها لن تسبب لنا الإشكاليات والتشويش في سلوكياتنا.
لذلك، من المهم أن نكون على دراية بطبيعة بعض أفكارنا وخاصة تلك التي تسبب لنا الخوف أو تجعلنا دفاعيين أو حذرين جداً، فقد تكون مثل هذه الأفكار لا علاقة لها بالواقع الفعلي، وحتى أن مفهومنا للحب أو الجمال على سبيل المثال متعلق بطبيعة أفكارنا والتي كان السبب فيها طريقة تربيتنا وتنشئتنا، فنحن عندما نشجع ابننا الصغير أن يلبس بطريقة معينة وألوان معينة نقول لها أنها تجلعه مرتباً وتبدو جميلة عليه فإننا بالتالي نعزز فكره عن مفهوم الألوان الجميلة لدى هذا الطفل، وكأننا نقول له أن يتبنى وجهة نظر أحد الوالدين أن اللون الأحمر -مثلاً- جميل، فنرى أن الطفل الذي كبر أصبح من محبي اللون الأحمر وينظر إليه على أنه اللون المناسب والذي يجعله يبدو أكثر وسامة وشياكة!
وهذا مثال بسيط نستطيع أن نقيس عليه الكثير من الأشياء، مثل مفاهيم الجمال لدينا، وكيفية نظرتنا للآخرين، أي أن ذلك أساسي جداً لتأسيس اتجاهات الأفكار في مناطق التفكير الخمس لدى كل منا، ومن بعد ذلك أي عقب دور الأهل يأتي دور الرفقة ثم المدرسة، حتى تصبح العناصر الاجتماعية كلها فاعلة ومؤثرة في طبيعة الأفكار وتبنينا اتجاهات فكرية في المناطق المختلفة للتفكير، إضافة لدور الإعلام، ووسائله المختلفة، إضافة للخلفيات والمعتقدات الفكرية التي يتبناها الشخص عندما يبلغ سناً مناسبة لتبني الأطر الفكرية والعقائدية.
إذن لو استهجنا سلوكاً معيناً من شخص ما ثم حاولنا أن نعرف اتجاه التفكير الخاص بمنطقة التفكير المحركة للسلوك، فلن يكون غريباً علينا أن نفسر هذا السلوك، وعلى العكس تماماً فقد نجد أن هذا السلوك مبرراً حسب المرجعية الفكرية له.
كما من الممكن أن نرى في أحد السلوكيات أن أكثر من منطقة للتفكير تشترك في صياغة هذا السلوك، فقد يدل سلوك ما على أكثر من اتجاه تفكير في أكثر من منطقة تفكير واحدة، وبالتالي قد يشوب هذا السلوك بعض التعقيد لدى محاولة فهمه، إلا أننا في حال قمنا بالتركيز بطبيعة الأفكار المتعلقة بالسلوك فإننا سنجد أن هنالك سيطرة أكبر لأحد مناطق التفكير تفوق مناطق التفكير الأخرى.
واقرأ أيضاً:
ما هو الغضب؟! / ما هو الخوف؟ / ما هو الحزن؟ / ما هو فقدان الأمان؟ / الرِّعاية النَّفسية / الأفكار والاستدلال الانفعالي
التعليق: ما هي المعايير العامة للجمال البشري مثلا،
وما هي معايير الذوق الرفيع من الوضيع