الساحر تأملات في شخصية باراك أوباما1
سحر إفريقيا وروحانية آسيا وبراجماتية أمريكا:
هذه هي مكونات شخصية أوباما، فقد ورث عن أبيه الإفريقي سمرة بشرته وبريق عينيه وسحر شخصيته، وقضى سنوات طفولته المبكرة في إندونيسيا (آسيا) حيث كان يصحو على صوت أذان الفجر وينام على صوت أذان المغرب (كما ذكر في خطابه) ويختلط بالآسيويين الذين تشبعوا عبر القرون بالدعوات الروحية السماوية منها والأرضية، ثم عاد إلى أمريكا مرة أخرى ليضيف إلى رصيده الشخصي تلك اللمسة من البراجماتية والواقعية الأمريكية.
وسمرة بشرته تذكرك بسحر "بيليه" لاعب الكرة البرازيلي، ورشاقة "محمد علي كلاي" الملاكم الأمريكي الأسود المسلم الشهير، وسماحة نيلسون مانديلا المناضل الإفريقي العظيم. وابتسامته تشد العيون وتبعث الإحساس بالألفة والدفء والمحبة والتعاطف، كما أن هدوءه وعقلانيته يبعثان على الثقة والطمأنينة والاحترام. وحين تنظر إلى صفحة وجهه ترى نقاء صوفياً عجيبا وكأنه أحد القادة الروحيين الذين يعيشون في أعالي جبال آسيا.
واحد منا:
هذا التعبير سمعته من أكثر من شخص يصف أوباما بأنه "واحد مننا"، وربما يرجع ذلك لكونه ملونا مثلنا، ولكون شعره قصيرا وبسيطا وكأنما قام بحلاقته عند حلاق في حي شعبي بالقاهرة أو حتى بإحدى القرى. كما أن لغته وحديثه يقتربان من الذوق المصري العربي الإسلامي الشرقي بدرجة أو بأخرى، خاصة حين يستشهد بآيات مقدسة أو حين يتحدث بلغة أخلاقية لم نعتدها من الرؤساء الأمريكيين، أو حين يتحدث عن العدالة الإنسانية والاحترام المتبادل وتكامل الحضارات، وهي كلها مفردات غابت عن القاموس الغربي.
وقد أكد أوباما هذا الإحساس حين استشهد بآيات قرآنية لأكثر من أربع مرات في خطابه (وهو مالا يفعله كثير من الرؤساء العرب والمسلمين المغتربين والمستغربين عن شعوبهم) وقد كان لهذا أثر كبير في تحريك مشاعر المستمعين والمشاهدين له في العالم الإسلامي خاصة وأنه كان يستشهد بالآيات في موضعها بدقة، ويقرأها باللغة الإنجليزية بشكل سليم ويفهم معناها جيدا (وقد علق على ذلك الفنان الكوميدي عادل إمام بقوله: كان ناقص يقرأ لنا ربع قرآن).
ومما يزيد من إحساس الناس بأنه واحد منهم ما أذيع من أن زوجته ميشيل لم تحضر معه نظرا لانشغالها بالمذاكرة لابنتيهما "ماليا" و "ساشا" حتى يتجاوزا الامتحانات، وتلك طقوس عائلية مصرية مائة بالمائة.
ويبدو أن هذا الأمر يشعر به الإسرائيليون ويقلقون منه، فقد رسموا كاريكاتيرات تضع رأس أوباما مكان رأس أبو الهول، وصوروه وهو يلبس الكوفية الفلسطينية، ووصفوه بأنه عدو للسامية وعدو لليهود وبأنه يتقارب مع المسلمين على حساب اليهود، وقال بعض المتطرفين اليهود "إنه مسلم يخفي إسلامه وسيعمل لصالح المسلمين"، بل وسرت شائعة بعد الخطاب بأن أوباما أعلن إسلامه.
والأمر في حقيقته ليس بهذه البساطة وليس متفقا مع مشاعر الناس وأحاسيسهم، ومع هذا فإن هذه المشاعر وتلك الأحاسيس ربما يكون لها انعكاسا في التعامل مع أوباما ورسالته التي جاء يوجهها إلى العالم الإسلامي من مصر ليفتح صفحة جديدة من العلاقات تتيح لعموم الناس أن يعيشوا في سلام بعدما أذاقهم بوش وإدارته صنوف القهر والإذلال من خلال تصريحاته العنصرية المستفزة، ومن خلال الحروب والمغامرات التي تسببت في قطع أرزاقهم وتضييق عيشهم.
التركيبة الجسدية واللغة غير اللفظية:
ربما يبدو هذا الأمر ثانويا أو هامشيا في نظر البعض عند الحديث عن شخصية أوباما، ولكنه في الحقيقة أمر هام وعاكس لكثير من سماته، فهو يتمتع بقوام فارع ورشيق يساعده على الحركة بخفة وتوازن واعتدال، وهو يهتم بهذا الأمر اهتماما خاصا فيمارس الرياضة بشكل يومي مهما كانت مشاغله، ويحافظ على برنامجه الغذائي متوازنا، وهذا كله يعكس قدرة على الضبط والتحكم، ورغبة في التوازن وتقديرا للجمال، وإحساسا إيجابيا بالذات. ويبدو أنه يعلي جدا من هذه الأشياء في نفسه وفي غيره لذلك جاء اختياره لزوجته محققا لنفس المعايير الجسدية.
وتراه دائما يرفع رأسه في شموخ واعتزاز بالنفس لا يصلان إلى حد الغطرسة أو الغرور، وملامح وجهه تبدو هادئة وحازمة في آن، وهو إذ يحاول السيطرة على مشاعره في أوقات التوتر لديه لازمة تظهر من وقت لآخر حيث يزم شفتيه.
وعيناه لامعتان تعكسان ذكاءً حاداً ورؤية نافذة، كما أن ابتسامته مبهجة وحقيقية وصادقة ودقيقة في ذات الوقت فهو لا يبالغ في إظهار أية مشاعر أكثر من اللازم. وهناك توازن في مقاييس وملامح وجهه بحيث لا يطغى أنف على عين أو يطغى فم على أذن. وهو يجيد التحكم في اللغة غير اللفظية الصادرة عن وجهه وعينيه ونبرات صوته.
أما عن لغة الجسد في يديه فهو ينوعها بحيث توصل الرسائل المناسبة، فيكرر مثلا حركة تشبه الإمساك بالقلم حين يريد أن يوصل مفهوما دقيقا محددا، وفي أحيان أخرى يشكل دائرة من السبابة والوسطى بينما يبسط بقية أصابع اليد اليمنى حين تدور بداخله إشارات التحذير، كما يرفع سبابته اليمنى منتصبة بينما يقبض بقية الأصابع فتبدو الصفة السلطوية التعليمية المحذرة والناقدة لديه (سواء بوعي أو بغير وعي). وأثناء حديثه يدير وجهه يمنة ويسرة ليحصل التواصل البصري مع الجميع بشكل متوازن.
دراسته وثقافته واهتماماته:
درس المرحلة الابتدائية في إندونيسيا، ثم انتقل إلى أمريكا ليعيش في كنف جده وجدته لأمه في هونولولو حتى نهاية المرحلة الثانوية عام 1979 م، وكان في هذه الفترة يمارس أنشطة متنوعة –كعادته– فهو يلعب كرة السلة، ويشارك في تحرير صحيفة المدرسة، وكان له دور فعّال في النقاشات التي تدور وسط الطلاب حيث كان يلتقي أسبوعيا مع مجموعة من زملائه من الطلاب السود في مكان أصبح يعرف باسم "الركن العرقي".
ولا شك أن أوباما في هذه المرحلة وربما قبلها بدأ يدرك مسألة التمييز العرقي ويكون وجهة نظر في حلها وإن لم تكن قد اكتملت بعد. يقول "توني بيترسون" أحد الذين شاركوه في تلك اللقاءات بأن أوباما في أحد اللقاءات قال: "هل تعتقدون باحتمال أن نرى رئيسا أسود في حياتنا؟". وعلى الرغم من إدراك أوباما للمسألة العرقية إلا أنه لم يكن يرحب بحالة الاستقطاب الموجودة بين البيض والسود، وكأنه يرفض عنصرية الاثنين، ولم يستعمل قط النزعة العرقية التي يستعملها النشطاء السود لاستقطاب أبناء جلدتهم، لذلك كانوا يقولون عليه "إنه ليس أسود بما فيه الكفاية".
انتقل أوباما بعد ذلك إلى لوس أنجلوس والتحق بكلية "أوكستندال"، ثم انتقل بعدها إلى جامعة "كولومبيا" في نيويورك وتخرج منها عام 1983 م، وقد مر في فترة مراهقته وشبابه بأزمة هوية أدت إلى اندفاعه إلى تعاطي المخدرات ليحد من ضغط الأزمة على نفسه، وهو يقول عن هذه الفترة: "أردت من خلال تعاطي الماريجوانا والكوكايين أن أطرد أسئلة حول من أكون أنا خارج تفكيري".
وعمل بعد تخرجه في مؤسسة Business International Corporation، وبعد أربع سنوات انتقل إلى مدينة شيكاجو، والعامل المشترك بين نيويورك وشيكاجو هو وجود أعداد كبيرة من الأمريكيين الأفارقة، وكأنه يشعر بالألفة لقربه منهم على الرغم من رفضه لعنصريتهم المضادة لعنصرية البيض.
وفي شيكاجو عمل موظفا في تنظيم وتعبئة المجتمعات المحلية براتب متواضع وقدره عشرة آلاف دولار سنويا، وكان يستعمل سيارة هوندا صغيرة في تنقلاته. وكان في تلك الفترة يحمل أفكارا مثالية ورغبة بلا حدود لخدمة الفقراء، وكان يحاول أن يحرك طموحاتهم للخروج من الفقر في ذات الوقت الذي يحرك طموحاته بلا حدود، وكان وعيه حادا جدا بتلك المسألة، مسألة النهوض والصعود وتحقيق الأحلام، وظن أنه يمكن أن يصبح كاتبا ليحرك الناس إلى أعلى وإلى الأمام فكتب بعض القصص القصيرة والتي يصور فيها بدقة -حسب وصف بعض أصدقائه– مشاعر البسطاء من الناس، وفي وقت لاحق كتب كتابين عن تجربته الشخصية في حلم الصعود بعنوان:
"أحلام من أبي" و "جرأة الأمل". وتعلم أوباما في هذه الفترة أن يصغي إلى الآخرين جيدا وأن يسابق الزمن في التعلم، كما كان مهموما بالتغيير الاجتماعي، وأصبح في هذه المرحلة ناشطا اجتماعيا.
لم يكتف أوباما برؤية المجتمع المحلي في شيكاجو أو حتى في أمريكا وحدها، لذلك سافر إلى أوروبا عام 1988 م حيث أمضى ثلاثة أسابيع هناك، ثم ذهب إلى بلد أبيه كينيا يبحث عن جذوره الإفريقية وسعد كثيرا بلقاء بعض أقاربه والتعرف على قبيلته وتأثر بجدته لأبيه وأخته، وحاول أن يمد لهم يد العون لمساعدتهم على النهوض من خلال مساعدات مادية ومعنوية.
وفي عام 1988 م التحق بمدرسة هارفارد للقانون وتخرج منها عام 1991 م وكان أول أسود يترأس تحرير مجلة هارفارد للقانون، وهي مجلة تحظى بسمعة علمية رفيعة.
وعاد مرة أخرى إلى شيكاجو عام 1995 م ليصدر كتابه المذكور آنفا "أحلام أبي"، ثم لفت نظره ضعف تأثير الأمريكيين الأفارقة في الانتخابات وبالتالي ضعف الاهتمام بهم، لذلك شارك في حملة لتسجيل الأمريكيين الأفارقة في لوائح الانتخابات، وعمل في شركة استشارات قانونية وكان متخصصا في قضايا التمييز العنصري، ومهتما بالدفاع عن البسطاء من الناس الذين يتورطون في مشكلات قانونية، كما عمل بتدريس القانون في جامعة شيكاجو حتى عام 2004 م.
تم انتخابه سيناتور في الكونجرس عام 2004 م وذاع صيته ولمع نجمه، وكان المتحدث الرئيسي في مؤتمر الحزب الديموقراطي في بوسطن في يوليو 2004 م، وفي هذا الخطاب دعا الأمريكيين إلى تحقيق وحدتهم عبر التنوع الثقافي والعرقي والديني، وقال في ذلك الخطاب جملته المهمة والشهيرة والتي شكلت بعد ذلك فلسفته في الحياة: "لا يوجد ليبراليون أمريكيون أو محافظون أمريكيون بل توجد الولايات المتحدة الأمريكية".
وفي عام 2007 م أعلن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وكان شعاره "التغيير الذي يمكننا أن نؤمن به"، واستطاع أن يجمع خلال حملة التبرعات مبلغا هائلا بلغ 265 مليون دولار، وهذا المبلغ لم يسبق أن جمعه مرشح خلال الانتخابات التمهيدية، وكان الملفت للنظر أن المتبرعين (وعددهم مليون ونصف) ينتمون إلى طبقة البسطاء ومحدودي الدخل.
التوازن الانفعالي:
يتمتع أوباما بدرجة عالية من التوازن الانفعالي، فهو هادئ دائما شديد التركيز، يعرف متى يتكلم ومتى ينصت، ومتى يبتسم ومتى يظهر عدم رضاه. وقد كان هذا واضحا إبان حملته الانتخابية حين حاول منافسه "ماكين" أن يستفزه بالتشكيك في خبراته السياسية والطعن في سيرته الذاتية، ولكن أوباما احتفظ بهدوئه ولم يستدرك إلى هذه المهاترات الشخصية فكسب بذلك تعاطف الجماهير. وهو بعيد تماما عن المبالغة في الانفعالات حتى في أشد المواقف سخونة، بل يستطيع التعبير عن مشاعره الدافئة بمقدار مناسب تماما للموقف.
وعلى الرغم من أصوله الإفريقية التي تمنحه مشاعر فيّاضة وأحيانا جارفة إلا أن صفة الحذر فيه تجعله يسيطر على تلك المشاعر ويوجهها توجيها مناسبا. ولديه حب للآخرين خاصة البسطاء والمهمشين، وهذا لا يجعله يصل إلى درجة الصراع مع الأغنياء والطبقة العليا بل هو يحاول أن يوفق بين هؤلاء وهؤلاء، ولديه طاقة هائلة للحب والتعاطف الإنسانيين.
التركيبة الدينية:
يقال بأن أبوه ينحدر من عائلة كينية مسلمة وهذا يتضح من الأسماء الإسلامية في أفراد العائلة، ويقال أحيانا بأن أبوه اعتنق الإسلام في فترة من حياته، والمهم هنا أن ثمة جذور إسلامية تمتد إليه من ناحية أبوه بصرف النظر عن قوة هذه الجذور. وأمه السيدة "ستانلي آن دونهام" المسيحية الأمريكية البيضاء والتي لعبت الدور الأهم في تربيته، وتستحق الإعجاب والاحترام على تنشئتها لهذا الشاب الطموح الصاعد.
ثم إنه عاش في إندونيسيا لسنوات من طفولته المبكرة وإندونيسيا بلد أغلبيته الساحقة من المسلمين، وهذا يجعله قريبا من الثقافة الإسلامية ومن الطقوس اليومية لحياة المسلمين على الرغم من أن زوج أمه على الأرجح كان مسيحيا. ثم يعيش بعد ذلك مراهقته وشبابه في المجتمع الأمريكي ذو التركيبة التعددية دينيا وعرقيا وسياسيا.
ويبدو أن هذه التركيبة تخلق لديه نوعا من التسامح الديني وقبول التعددية وقبول الآخر، خاصة وأنه عاش في أمريكا ضمن الأقلية السود، وعاش في إندونيسيا ضمن الأقلية غير المسلمين، ودائما يتوق المنتمين للأقليات إلى مسألة القبول من الآخر، وبالتالي ينشرون مبادئ القبول تلك ويتمسكون بها عسى أن تنقذهم من مشاعر الرفض أو التمييز المحتملة.
وقد اتضح هذا في خطابه الذي تضمن آيات من القرآن والإنجيل والتلمود، وحاول مخاطبة المسلمين والمسيحيين واليهود بخطاب حاول هو أن يكون متوازنا فنجح في ذلك أحيانا وفشل في أحيان أخرى. ولا يبدو من متابعة سيرته الذاتية أن لديه ميولا دينية قوية أو متطرفة، فالأمر لديه علاقة روحية بالله تأخذ أشكالا مختلفة ولا تستدعي الصراع مع الآخر المختلف عقائديا.
وهذه التركيبة الدينية تؤهله لتركيبة إنسانية حيث يستطيع قبول الآخر على مستويات أخرى عرقية أو سياسية أو غيرها، ولهذا جاء خطابه موجها إلى الإنسانية وحلما بعالم متكامل ومتعاون ومتسامح ونابذ للعنف.
الرؤية الإنسانية:
وتأتي روافدها من أمه التي تقرر أن تتزوج من إفريقي أسود جاء إلى أمريكا طالبا العلم، وقد تحدت في ذلك الوقت كل تابوهات وتقاليد وأعراف المجتمع الأمريكي العنصري والذي كان ينظر إلى السود على أنهم في مرتبة الحيوانات القذرة في ذلك الوقت، وحين تفشل زيجتها الأولى بسبب هجران زوجها وعودته إلى كينيا بلده الأصلي، تتزوج مرة ثانية من شخص إندونيسي وتذهب لتعيش معه في بلده عدة سنوات وفي مجتمع يختلف كثيرا عن المجتمع الأمريكي الذي عاشت فيه.
وحين عادت إلى أمريكا هي وأسرتها، كانت تعمل في مؤسسة فورد الخيرية وهي مؤسسة غير ربحية وكانت تقضي الوقت موزعا بين اهتمامها بأسرتها واهتمامها بعملها والذي كان يتلخص في دراسة مشكلات الناس وإيجاد فرص عمل لهم وإنشاء مشروعات صغيرة للمحتاجين، وعملت أيضا موظفة برامج لشئون المرأة بنفس المؤسسة.
وفي ذات الوقت كانت تعد لرسالة الدكتوراه، ولكن الموت لم يمهلها حتى تتمها حيث أصيبت بسرطان المبيض ووافتها المنية عام 1995م، ولم تر نجاح ابنها الذي ساهمت فيه بالنصيب الأكبر.
وقد تركه أبوه مع أمه بعد ولادته بعامين وتزوجت الأم من شخص إندونيسي عامل الابن معاملة طيبة وترك آثارا طيبة في نفسه، وحمله إلى عالم آخر في آسيا ليرى أجناسا من البشر لم يعهدهم في موطنه الأصلي. وتعداد إندونيسيا حوالي 240 مليون نسمة، فهي الرابعة من حيث العدد بعد الصين والهند والولايات المتحدة، وبها أكثر من سبعمائة مجموعة عرقية يتكلمون أكثر من 742 لغة، وتسعون بالمائة من الإندونيسيين مسلمين. هذا الكلام ذكره أوباما بنفسه في كتابه "جرأة الأمل" صفحة 320 و321 مما يعني وعيه الحاد والدقيق به وتأثره بهذه البيئة التي قضى فيها فترة غاية في الأهمية من حياته المبكرة.
وفي مراهقته ساورته الرغبة –كما ذكرنا- في التواصل مع جذوره في إفريقيا فذهب إلى كينيا وتعرف على عائلته وسعد برؤية أخته وجدته بشكل خاص، وحاول تقديم المساعدات لقريته في كينيا بقدر ما يستطيع في ذلك الوقت.
وحين أصبح في سن الشباب كانت تراوده الرغبة في القيام بأعمال خيرية إنسانية فاجتذبه السود ليشاركهم في النهوض بمجتمعاتهم التي يسودها الفقر والجهل والمرض والجريمة، ولكنه لاحظ أن لدى السود كراهية وعنصرية مقابلة لعنصرية البيض فكره ذلك وحاول أن يعمل بشكل متوازن بعيدا عن الاستقطابات العرقية.
ماذا بعد:
عزيزي القارئ أرجو أن تعيد الاستماع مرة أخرى لخطاب باراك أوباما بناءا على ما توافر لديك من معلومات حول نشأته وشخصيته، وأن تتابع هذه الشخصية الآسرة في حركتها للصعود، وأن تحذر احتمالات السقوط والانكسار، وتحذر مخاطر الانبهار، ولا تنسى الحكمة الخالدة "ما حك جلدك مثل ظفرك فتول جميع أمرك"، فلم ترتقي أمة في التاريخ بالخطب والوعود وإنما ارتقت بالفكر السليم والعمل المتقن والصالح وتذكر قول الله تعالى: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...." (الحجرات:13).
واقرأ أيضا:
لو لم أكن مصريا... لحمدت الله على ذلك / انتبه من فضلك: الجرّار يرجع إلى الخلف / بيّاع مصر يصيبنا بالنكد على بحيرة جنيف