ذرادشت كان يتكلم الكردية!!!
تنتمي اللغة الكردية إلى فصيلة اللغات الهندوأوربية قسم اللغات الهندوإيرانية. أما الصلة التي تربط اللغة الكردية بهذه المجموعة اللغوية فهي بالإضافة إلى وجود آلاف من المفردات الأفستية والبهلوية والفارسية القديمة في اللغة الكردية، هي وجود القواعد اللغوية المتقاربة من حيث تصريف الأفعال وتركيب الجمل وكذلك من حيث التغيرات الدلالية وعلم الأصوات اللغوية وحتى من ناحية تقسيم الكلام الدلالية وعلم الأصوات اللغوية وحتى من ناحية تقسيم الكلام إلى مقاطع.
إلا أن هذا الانتماء إلى هذه المجموعة اللغوية لا تعني بأي حال من الأحوال عدم استقلال اللغة الكردية بين لغات العالم الحية، حيث بالرغم من وجود التشابهات الكثيرة بينها وبين لغات هذه المجموعة من النواحي المذكورة على أنها أصولها وقواعدها وتطوراتها ودلالتها واشتقاقاتها الخاصة، وهي ليست فرعا من أي لغة أخرى حيث رغم القرابة اللغوية بينها وبين الفارسية الحالية مثلا إلا أنها لغة خاصة حافظت على استقلاليتها كما دلت جميع الدراسات الصوتية والإثنوغرافية والدراسات المقارنة التي قام بها العالمان الألمانيان– روديجر وبوت عام 1940-حيث أثبتا نتيجة دراسات متواصلة في المقارنة اللغوية بين الكلمات الكردية واللغات الإيرانية، على أن الكردية بقواعدها ومفرداتها وأصولها وأصواتها. لغة خاصة مستقلة رغم انتمائها إلى اللغات الإيرانية.
وأيد هذا الرأي بعد ذلك المستشرق الروسي بيتر ليرخ في أبحاثه القيمة التي نشرها بعنوان دراسات عن الكرد باللغتين الروسية والألمانية عام 1857 و1858 في سان بطروسبورك-ليننغراد– وكذلك بحثه القيم – دراسات عن كرد إيران عام 1856 – بطروسبورك – باللغة الروسية. وأيد هذا الرأي أيضا مستشرقون بارزون أمثال رينان ودوران وآرش –وميولر وجابا.
*يقول الميجر أدموندس الأخصائي في تاريخ القرد في مقالة له نشرت في مجلة جمعية آسيا الوسطي العدد 11 ما يأتي،[ أصبح من الوضوح بمكان أن اللغة الكردية ليست عبارة عن لهجة فارسية محرفة مضطربة بل إنها لغة آرية نقية معروفة لها مميزاتها الخاصة وتطوراتها القديمة] وكذلك كان مينوريسكي البحاث المختص باللغات الشرقية ينفي ذلك وهو يعتقد أنه بينما تنتمي اللغة الفارسية إلى المجموعة الجنوبية الغربية فإن اللغة الكردية تنتمي إلى المجموعة الشمالية الغربية وأنها تتصف بشخصية متميزة تماما عن اللغة الفارسية وهو يورد الدلائل اللغوية التي تثبت الفروق القائمة بين كل منها وفي الفروق الجوهرية بين اللغة الكردية والفارسية.
يذكر العلامة توفيق وهبي ثلاثة فروق متتالية:
[1] لا تعرف الفارسية الحديثة كاسعة التي كانت تستعمل لبناء المتوسط والمجهول في الفارسية القديمة والأفستية كما أنها تركت حتى كاسعة بناء المجهول المتداولة في الفارسية المتوسطة التي كانت بدورها قد تركت كاسعة بناءا لمتوسط والمجهول العائدة للفارسية القديمة.
أما اللغة الكردية فتحتفظ بكاسعة البناء المتوسط والمجهول التي لا تعود إلى الفارسية الحديثة، ولا اللغات الإيرانية المتوسطة كالفرثية والفارسية بل إلى العهد الهندي – الإيراني وكون هذه الكاسعة على وشك الإهمال في الأفستية والفارسية القديمة لدليل يثبت قدم الكردية وأصالتها.
[2] نبذت الفارسية الحديثة بناء المفعول في الأزمنة الماضية للأفعال المتعدية الذي كان متداولا في الفارسية المتوسطة والفرثية المتوسطة وفي الفارسية القديمة وأما اللغة الكردية فتحتفظ ببناء المفعول في الأزمنة الماضية للأفعال المتعدية، وقد احتفظت بهذا الغرض بصنفين من الضمائر الشخصية
أ – الضمائر الملكية
ب– الضمائر الفاعلية
[3] تركت الفارسية الحديثة استعمال ضمير الوصل، أما اللغة الكردية فتحتفظ به.
أصل اللغة الكردية
لدراسة أصل اللغة الكردية تجب مراجعة أقدم المؤلفات المكتوبة باللغات الإيرانية ولعل أقدم هذه المؤلفات هو كتاب – أفستا - كتاب الدين الزردشتي والذي كتب في حوالي القرن السابع قبل الميلاد.
*ولد– زردشت في أورمية مدينة الرضائية الحالية– وأصالة قردي وهو النبي الآري كان من أهل ماد– ومن طائفة" ماز" ولقد نادى بعبادة أهورا مزدا– الآلهة العارفة بكل شيء– ليكون إلها لجميع الطوائف البشرية إلا أنه لقي من قومه عذابا كبير، فهاجر شرقا إلى بلاد الملك كشتاسب- في بلخ وأدخل الملك ورعيته في دينه حتى أنهم دافعوا في سبيل هذا الدين بضراوة حتى انتشر رويدا رويدا ولكن الإيرانيين لم يكونوا كلهم على دين زردشتحتي نهاية عهد" الهخنمتسيين"و" الأشكانيين" ولمتصبح الزردشتية دينا رسميا للدولة إلا أيام الساسايين.
وتدل الدراسات التاريخية على أن وصلنا من كتب زردشت نزر قليل من ما كانت عليه فقد ذكر المسعودي في مروج أن الابستاق أي أن الأفستا كتب في اثني عشر ألف مجلد فيه وعد ووعيد وأمر ونهي وغير ذلك من الشرائع والعبادات، لم تزل الملوك تعمل بما في هذا الكتاب إلى عهد الإسكندر وما كان قتلة لدارا بن دارا فأحرق الإسكندر بعض هذه الكتب ثم صار الملك بعد الطوائف أردشير بن بابك جمع الفرس على قراءة صورة منه يقال لها أسناد.
أما الدكتور محمد معين يقول بان "بلينيوس" الروماني من مؤرخي القرن الأول الميلادي نقلا عن "هرميبوسس" المؤرخ اليوناني الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد أنه قرأ مذهب الإيرانيين بذمة في كتابهم الديني الذي نظمه زردشت في ألف بيت.
أما تنسر رئيس علماء الدين في عهد آرديشر بابك فقال في رسالته إلى – جسنف شاه ملك طبرستان بالنص – تعلم أن الإسكندر أحرق كتاب ديننا البالغ اثني عشر ألف جلد بقرة فاصطغر وكان قد بقي منه ثلث الصدور وذلك أيضا كله قصص وأحاديث. أما الشاهنامة فيذكر أن فصول الأفستا البالغ عددها ألف ومائتي فصل كانت مكتوبة على لوحة من الذهب والعالم الإنجليزي ويست يذكر أن الأفستا كان يتكون من 345700 كلمة يبقى منها اليوم غير 83000 كلمة من الأفستا الحالي أي أقل من ربع الأصل.
**وأجزاء الأقستا خمسة 1- يسنا 2 – ويسبرد 3- ونديداد 4- يشتها 5 – خردة أوستا
ونحن لا يهمنا في هذه العجالة غير جزء "يسنا" وذلك لصلته الوثيقة لبحثنا هذا.
إن جزء "يسنا" يتكون من 72 فصلا من بينها 17 فصلا تعرف بكاتها وتعتبر من أقدم أجزاء "الأفستا" لأن من المعتمد بأنها من كلام "ذردشت" نفسه ومعني كلمة (كاتها) ومفردها (كات) النشيد أو المنظومة التي تتخلل الشعر فكلها كتبت بلغة الشعر ولكن شعرا ليس كالشعر الإيراني الحديث الذي ينظم على أوزان العروض العربية ولكن هو أقرب إلى شعر الأقوام الهندوأوروبية
وفصول كاتها تتكون من خمسة أقسام:
1- هنود أو هوينقة يتى
2- اشتودأواشتاقة يتى
3- سبينتمد أوسبينتاميو
4- هوخشند أوفوهوخشترا
5- هيشتواشت أوفوهيسشتوات أما عدد قطع كاتها فهو238 قطعة وعدد أبياتها 896 بيتا وكلماتها 5560 كلمة .
*تشير الدراسات للغة الحالية إلى أن هناك تقاربا لغويا وصلة وثيقة بين اللغة التي كتبت بها " كاتها" واللغة الكردية الحالية ولذلك نجد الفصول البالغة 17 فصلا كتبت باللغة الميدية.
0 يقول العلامة إحسان نوري بأن كلمة "ذردشت" نفسها هي كلمة كردية أصيلة فهو يقول {كانوا يسمون ذردشت بزرتوشراسبي تمة } ويأتي بمعنى زردشت بياض الأصل وهذه الألفاظ التي كانت من لغة قوم زردشت _ أي لغة ماد نسبة إلي الميديين _ليست لها فروق أساسية مع اللغة الكردية الحالية.
زرنوشداسبي تمة – في اللغة الكردية تعني – الشماع الذهبي للشمس البيضاء.
*الكرد والميديا
تدل جميع الدراسات الأنثوغرافية الحالية على أن الأمة الكردية هي من السلالات الميدية وليعلمن أكبر المستشرقين الذين دافعوا عن هذا الرأي هو العلامة مينو رسكي.
ويقول الأستاذ إحسان نوري بهذا الصدد [في الحقيقة مع أن الألفاظ والكلمات الميدية قد اختلطت بالكلمات والألفاظ الطورانية والسامية منجهة ومرت عليها عصور مختلفة حيث أحدثت فيها تغيرات كبيرة لا يمكن نكرانها واجتنابها من جهة أخرى ولكنها مع ذلك هي اقرب إلى اللغة الكردية من أي لغة أخرى] والأستاذ ديرك كينين على هذا الرأي أيضا [يقول أن اللغة الكردية متفرعة من اللغة الميدية حيث يعتبر الميديين رئيسيا للكرد].
وقد أيد هذا الرأي كثير من المؤلفين العرب أيضا نذكر منهم الدكتور محمد السيد غلاب أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة القاهرة فهو يقول، [وقد ظلت أرض الجزيرة وشمال العراق تستقبل هجرات البدو الهندية- الأوروبي آسيا بما تحمله من صفة الشقرة وهذه المنطقة هي وطن الكرد في الوقت الحاضر وهم سلالة الميديين القديمة التي ظهرت في الألف الأول قبل الميلاد وتنشر بينهم صفات الشقرة بشكل واضح وهم يتحدث وزن لغة هندية أوروبية ويحتلون منطقة الحدود المشتركة بين العراق وإيران وتركيا].
*وهكذا نتوصل أخيرا إلى نتيجة حتمية وهي أن أقدم المؤلفات الكردية قاطبة والتي وجدت حتى الآن هي الجزء– كاتها من كتاب أفستا الذي كتب في القرن السابع قبل الميلاد واستنادا إلي أن زردشت نفسه كان ميديا وكان حول هذا الرأي ميجرسيون- الحاكم البريطاني والمضلع في اللغة الكردية فقد كتب في تقريره عم لواء السليمانية ما يلي:
وقد صار من المسلم به أن-زردشت الذي كان يتكلم اللغة الميدية الأخيرة قد ولد في شمال مقاطعة – ميدية وهي الآن معروفة بمقاطعة– مكري وان لغة– زردشت هذه- كما نراها في زند أفستا – قريبة جدا من اللهجة المكرية الحالية بل أنها– حسبما نذكرها فيما بعد اللغة المكرية بنفسها.
نقلا عن جريدة أخبار الأدب عدد 589
اقرأ أيضا:
كوردستان العراق