كنت ذلك المساء أناقش مع سكرتيرتي المصرية المسلمة، سؤالا ناقشته في الصباح على الهاتف مع ابن عبد الله، بالخير مساه وصبحه الله، كان السؤال هو، هل اتباع الإرشادات التي وصلتني على بريدي الإليكتروني والتي ستجعلني أزيد حجم صندوق الهوتميل المجاني من اثنين ميجا (كحال كل الناس الفقراء على النت) إلى خمسة وعشرين ميجا، هل هي فخٌّ أم حقيقة؟ وفي الصباح قال لي ابن عبد الله، لا.... أظنها ستكونُ شكلا من أشكال السرقة، وراح ينصحني كعادته (التي أسعدتني في دنياي، وأسأل الله آخرتي)، أن أزور جوجل فهم يقدمون صناديق هائلة السعة وبالمجان، المهم أنني أخبرته أنني سأفكرُ في الأمر، وأستطلعه.
ومنذ قليلٍ دللت المستشارة الدكتورة/داليا مؤمن على ذلك الطريق الذي تقود إليه الإرشادات، لعلها تساعدني، ولكنها خرجت من الشبكة وأنا مشغولٌ مع مريض من المرضى، ولم أعرف لأي شيء وصلت بعد،..... وأنا الآن أعود لأناقش الأمرَ، هل ستكونُ هذه العملية سرقةً أم لا؟
الإرشادات تقول أنك لن تفعل شيئا أكثر من تغيير محل إقامتك لتصبح مقيما في أيٍّ من الولايات الأمريكية، وبعدها تطلب أن يغلقوا حسابك عندهم ثم تطلب استعادته وتختار الحساب المجاني، ومعنى هذا أن الحساب المجاني الذي يساوي 2 ميجا فقط للمقيمين في بلادنا، يساوي 25ميجا (ويقال أنها ستصبح 250 ميجا) إذا كنا نقيم في الولايات المتحدة الأمريكية! أليس ذلك ظلما!
ياللوقاحة يا أخي لقد منحوك صندوق بريد إليكتروني مجانيا وأنت تطمع في الزيادة، ولكن هل الكذب في بيانات تعطيها للهوتميل كذب؟؟ هل الكذب على الأجهزة كذب كأي كذبٍ أم لا؟ ثم لماذا تريد زيادة حجم صندوقك؟ ألا يكفيك 2 ميجا وعندك بريد جواب وبريد ياهو وبريد مجانين الذي تحتكره أنت وموقع مجانين؟ بالرغم من كل ذلك تطمع أن يكونُ صندوق بريد مجانين @ هوتميل.كوم maganin@hotmail.com كبيرا قدر ما تستطيع! يبدو أنه طمع لمجرد الطمع.
كان لسكرتيرتي النجيبة رأيٌ في الموضوع مؤداه هو"بما أنه أمريكاني يبقى حلال"، وخرجت من عيادتي وأنا غير مقتنع تماما، وفي نيتي مناقشة ابن عبد الله في الأمر، لأنني لا أستطيع اعتباره حلالا ببساطة هكذا، المهم أنني وصلت بيتي وتابعت نشرة أخبار الجزيرة وأنا أبدل ملابسي، توضأت ثم جلست للعشاء، وبعدها تسلمني الفراش، وقالت لي أمي أنعم الله عليها بالشفاء: يا وائل أغلق باب غرفتك جيدا فعندنا شكٌّ في أن فأرا في البيت لأنه تسلل وأطفال أختك يلعبون تاركين باب الشقة مفتوحا؛
والحقيقة أنني أغلقت الباب فقط لكي لا تكرر التحذير، ودعوت ربي وقرأت ما اعتدت قراءته ولم أكد...... وإذا بي أسمع صوتا فسرته بأنه صوت جهاز التليفزيون وهو يبرد فالطقس بارد، ولكنني تملكني شعورٌ بأن معي في الغرفة غيري، وضحكت من نفسي وقلت يبدو أن كلام الوالدة أثر فيَّ لكنني سمعت الصوت مرةً أخرى وكان أقرب....... كان على قائم السرير، وشعرت مرةً أخرى بأن في الغرفة شيئا يتحرك... وتعاظم الشعور داخلي فرفعت رأسي والحمد لله أنني فعلت، فقد شاهدت فعلا ما تحرك جريا على الوسادة خلفي وهنا قمت إلى زر الكهرباء وخرجت من الغرفة وقلت لأمي بهدوء إذن لا داعي للقلق وليغلق كل منكم غرفته عليه جيدا فالضيف في غرفتي أنا، ونصحتني بأن أستعير قطا من عند أختي وكان في ذلك ما مكنني من النوم فعلا في نفس الغرفة مكتفيا بوجود ذلك القط، ولكنني لم أغلق الباب هذه المرة.
عرفت في الصباح أن القطط من النوع السيامي لا تأكل الفئران، وحمدت الله أني لم أعرف تلك المعلومة من قبل فقد مكنني الجهل من النوم في حراسة السيد "بوجي"، وفي الصباح فكرت -وأنا في طريقي إلى المستشفى الجامعي الذي أعمل في كلية الطب التي يتبعها أنا وابن عبد الله-؛
فكرت في الجراد وفي الفئران وتلك الأمم التي سلطها الله علينا، فالزقازيق أصلا بلد زراعي، وكل العمائر التي تحيط بي من كل جانب إنما حلت محل حقول كنت أسير فيها أيام كنت طالبا في نفس الكلية، ولكن ماذا فعلت القطط حتى من الأنواع الأخرى غير السيامي واضح أنها لم تفعل شيئا، ثم ماذا سأفعل الليلة عندما أنهي عمل الكلية والعيادة الخاصة ومجانين، لابد في آخر اليوم أن أنام فماذا سيكون الوضع مع الضيف الثقيل الذي لا تأكله القطط المتوفرة في منزلنا؟ لكنني كنت قد اقتربت من بيت ابن عبد الله؛
ضغطت على ذر الجرس الكهربائي ضغطة ثم لقيت الباب العلوي مفتوحا، وكان ابن عبد الله يشرب كوب اللبن بالشاي، ناولته مشكلات استشارات مجانين وسألني عن حكايات صفية، فقلت له لم تصلني آخر صورة بعد، فقال ناولني محمولك وهاتف الأستاذة صفية فعلا، وخرجنا بعد ذلك إلى العيادة الخارجية للمستشفى، ورغم أن السماء كانت على وشك أن تمطر فقد نزل ابن عبد الله عند إصراري على السير ولم نستجب لرجاء جاره الذي كان يود إيصالنا بسيارته، وفعلا أمهلتنا السماء حتى أصبح مبنى العيادات الخارجية على مرمى البصر.
وأجاب على مشكلتين من ثلاثة، وكانت الأمطار مستمرةً والزقازيق كلها أصبحت موحلة الشوارع، ولم يكن باستطاعتي إقناعه بأن نذهب إلى محطة القطار سائرين فاستقل هو تاكسيا وذهبت كعادتي أسير في المطر، وتأخر القطار كعادته، ولما وصل ودعت ابن عبد الله، وأكملت الخطو في الطريق إلى عيادتي، لكنني اتصلت به لأذكره بأن يجيب على المشكلة الثالثة، فقال لي أنه قرر أن يتوقف عن الإجابة لأن مجانين أصبحت تتأخر في النشر، فرجوته أن يسترنا فهو على علم بحالي مع المستشارين الآخرين، ووعدني بأن يجيب في القطار؛
وذكرني منظر الماشين وهم يتسارعون في السير تحت المطر وصوت السيارات التي تنزلق على الوحل -رغم كوابحها- فتصادم الناس ذكرني ذلك بما يجري في جنوب شرق آسيا، وفجأة وجدتني ممتعضًا وغير راضٍ عن حملة الجزيرة لجمع التبرعات لضحايا أو للناجين من تسونامي كنت أتساءلُ عن الناجين أو الضحايا أو المقاومين في كل أينٍ في فلسطين، وفي العراق، وفي أفغانستان، وأنا أشعرُ أن أحدا لا يستطيع الإعلان عن جمع التبرعات لهم الآن!، وبينما كان الجميع من حولي يشعرون بلسع حبات المطر ويحذرون الانزلاق في الوحل، كنت أستشعرُها تغسل ما أنزلق فيه من الشعور بالهوان، أليس هناك فقه الأولويات؟؟ أليس مسلمو فلسطين والعراق أولى وأليس مسلمو أفغانستان ومسلمو الشيشان؟ لم لا تتولى الجزيرة حملة تبرعات لهؤلاء؟ ........ لا ... لا يكفي ما أصاب قناة المنار، نحن نحتاج إلى الجزيرة مهما كان.
ونزعتني من وعيي المقابلة بين بطش الطبيعة وبطش الأمريكان، فبينما الطبيعة لا تفرق بين الناس على أساس الأديان، لا يلتزم بذاك الأمريكان؟ فهل من فرقٍ بين أن تهب لنجدة المسلم وأن تهبَّ لنجدة غيره من بني الإنسان بغض النظر عن الأديان؟ ثم أن كثيرين من المنكوبين في تلك الكارثة مسلمون، ورنت في خاطري موسيقى مسلمون ...مسلمون ... مسلمون ..... حيث كان الحقُّ والعدل نكون، وهو مطلع قصيدة للقرضاوي، من بحر الرَّمل، يا ترى هكذا تكونُ الـ "كتاباتُ" أو الـ"يوميات" أو الـ".........." التي لم نتفق بعد ماذا نسميها أنا وابن عبد الله؟ ولكننا مبدئيا سننشرها على مجانين، ولعلنا بدأناها بمساحات صافية الرمادية، والمهم الآن أنني على باب العيادة، وعندنا والحمد لله عندنا مرضى يحتاجون التفرغ والإنصات.
14-1- 2005
الزقازيق
ويتبع>>>>>>: الفأر...والناس... وأنا....ومجانين
اقرأ أيضاً:
مجانين في منتدى دافوس الاقتصادي / من العيد إلى يوم العراق البعيد