عقد في مقرِّ جامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة من12-14 كانون الأول (ديسمبر)2004، مؤتمر دولي مهم في نطاق التعاون العربي-الأوروبي، موضوعه:"صورة الثقافة العربية الإسلامية في كتب التاريخ المدرسية في أوروبا"تحت رعاية كل من إدارة حوار الحضارات بالجامعة، ومنظمة اليونسكو، والأيسيسكو، ومجلس أوروبا والمعهد السويدي بالإسكندرية تناولت محاور المؤتمر الكثير من القضايا المهمة الموجودة في كتب التاريخ المدرسية الأوروبية حول الشريعة والجهاد، وصورة النبي" صلي الله عليه وسلم" والمرأة وحقوق الإنسان في الإسلام وبحسب سامية بيبرس مديرة إدارة حوار الحضارات بجامعة الدول العربية:-
0فإن هذا المؤتمر يعد فرصة جيدة لإتاحة الحوار بين المسئولين عن وضع المناهج الدراسية في الدول المختلفة بهدف تلافي الصور النمطية الشائعة التي تؤدي إلي ترسيب أفكار خاطئة عن بعض الشعوب لدي الشباب والناشئة وما يتبع ذلك من تعميق الخلافات ..
وعبر جوزيف هوبر المسئول عن قسم التعليم العالي والبحوث بالمجلس الأوربي عن رغبة الجانب الأوربي في تنقية الكتب المدرسية لدي الطلاب الأوروبيين من الصورة الشائعة للإسلام وتعالميه، ودعا إلي خطوة مماثلة علي الجانب العربي، بينما عبر جان هانينغسون عن احترامه الكبير للإسلام والثقافة الإسلامية، مؤكدا أن هناك وجوها عدة للإيمان وكذلك للتدين منبها إلي أن هناك خطابات إسلامية متعددة منذ عصر الخلفاء الراشدين وحتى العصر الحديث حيث محمد أركون وحسن الترابي ومهاتير محمد ومحمد شمس الدين ومقتدى الصدر.
أما فوزية العشماوي بجامعة جنيف فقد لاحظت أن كتب التاريخ المدرسية في معظم دول العالم تشيد بتاريخها وتندد بتاريخ الآخر عمدا أو من دون عمد وهو ما يظهر بوضوح في كتب التاريخ الأوربية فيما يسمي بالمحورية العرقية الأوروبية EUROCENTRISM ولاحظت أن كتب التاريخ هناك تصِمُ الفاتحين بالغزاة المتوحشين الذين يثيرون الرعب كما وجدت أن المناهج الدراسية الأوروبية قد اهتمت بالحروب الصليبية وصورتها علي أنه حروب كان الهدف الأساسي منها هو تحرير بيت المقدس من أيدي الكفار، كما لاحظت إغفال كتب التاريخ المدرسية التنديد بوحشية الصليبيين وعدم تسامحهم مع سكان القدس المسلمين والمسيحيين الشرقيين حينما قاموا باحتلالها عام 1099 كما لاحظت أن أحد كتب التاريخ المدرسية في فرنسا يتناول الأحاديث النبوية الشريفة بصفتها شروحات قام بتأليفها أساتذة القانون خلال الفترة ما بين القرن السابع والقرن التاسع الميلادي ودعت إلي ضرورة تلافي هذا الجهل الفاضح بأقوال الرسول(صلي الله عليه وسلم).
بينما ركز السفير د.غونتر مولاك منسق الحوار الأوربي بالمكتب الألماني علي أنه لا يجب أن ينظر الأوربيون بخوف تجاه الإسلام وعلي أوروبا وأمريكا ألا تعتبرا الإسلام العدو الأول لهما لأن الإسلام يحمل الكثير من التسامح تجاه الآخر وأنا لمن الخطأ إلصاق التهم بالمسلمين علي طول الخط وأنه يجب عدم وضع التيارات الإسلامية المعاصرة كلها في سلة واحدة، وحيا جهود منظمة اليونسكو والأيسيسكو والاتحاد الأوربي والجامعة العربية لإلقاء الضوء علي الإسلام الحقيقي وضرورة تنقية ما علق به من نواقص في الكتب المدرسية الأوربية .
وتحدث الدكتور جعفر عبد السلام رئيس رابطة الجماعات الإسلامية عن بعض القضايا الإسلامية التي التبست علي الفكر الغربي، ومن ذلك موقف الإسلام من المرأة وبين أن الإسلام منح المرأة حقوقا لم توجد حتى الآن في التشريعات الغربية وشرح موقف الإسلام من ميراث المرأة بصفتها غير مسئولة عن إعالة الأسرة ما يظل واجبا مكلفا به الزوج فقط في الإسلام.
كما تحدث عبد الرحمن بيطار الأستاذ بجامعة حلب عن آليات تعزيز الحوار بين الثقافتين العربية والأوربية عبر مزيد من عمليات تنقية المناهج التعليمية من الأخطاء الواردة فيها كما نبه الدكتور أحمد فؤاد أبو المجد نائب مجلس حقوق الإنسان في مصر إلي مسألة مهمة تتعلق بالمسألة الكامنة بين شعائر وتعاليم أية ديانة وتطبيق أنصارها لها وذكر أنه لم يحدث تطابق من قبل بين المبادئ النظرية للأديان والتطبيق العلمي لها من البشر ولهذا، ولهذا يجب علي المعسكرين الإسلامي والمسيحي مراعاة ذلك البعد التاريخي، والتماس العذر لكليهما،
بينما تحدث المفكر محمد عمارة عن صورة الإسلام والمسلمين في الفكر الأوروبي مستشهدا بكتابات المستشرقين التي قدحت في الإسلام مفسرا ذلك بأنه كان تسويغا طبيعيا من هؤلاء المستشرقين لحركة الاستعمار والإمبريالية الغربية تجاه الإسلام والمسلمين.
0كما استعرضت في المؤتمر أوراق عدة لأساتذة جامعة الأزهر الشريف قاموا بالإطلاع علي كتب التاريخ المدرسية في أوروبا من هؤلاء الدكتور محمد منصور رئيس قسم اللغة الألمانية الذي قدم قراءة نقدية لكتب التاريخ في النمسا، فلاحظ أنه علي رغم احتفائها بالبحث في الحضارة العربية الإسلامية، وقعت في فخ السلبية عندما تحدثت عن الإسلام إذ صورته باعتباره مجموعة من التعاليم المسيحية واليهودية تعرف عليها الرسول(صلي الله عليه وسلم) وصنع منها دينا جديدا!!، بينما قدم مصطفي الحلوجي قراءة في صورة الثقافة الإسلامية في الكتب الدراسية في فرنسا.
لاحظت أيضا احتفاء المناهج بمنجزات الحضارة الإسلامية علي حساب تعاليم الإسلام وصورة النبي(صلي الله عليه وسلم) الذي قدم بصفته محاربا يحض علي العنف والشريعة بصفتها قانونا جاهليا قديما والجهاد بصفته حربا مقدسة ضد الكفار(المسيحيين) كما استخدم الكتاب آيات من القرآن تدعو لقتال كفار مكة باعتبارها تدعو إلي القتال في شكل عام، وعرض صلاح رمضان لكتب التاريخ المدرسية في إيطاليا فلاحظ أنها تخلط دائما بين التاريخ السياسي للدولة الإسلامية والدين الإسلامي وتقدم الإسلام بطريقة سلبية عن اعتساف مفاهيم مغلوطة لأمور كالجهاد بصفته حرب مقدسة ضد المسيحيين.
بينما عرض طارق رضوان لكتب التاريخ المدرسية في اليونان وذكر أنها حاولت عرض صورة الإسلام وإبرازها في شكل منهجي وموضوعي على رغم إيرادها بعض المفاهيم السلبية كانتشار الإسلام بحد السيف وأن الرسول(صلي الله عليه وسلم) كان هو البادئ بالهجوم دائما، كما قدمت موقف الإسلام من المرأة في شكل خاطئ وأن ذلك لم يقلل من كون الكتاب المدرسي اليوناني به الكثير من إيجابيات حضارة المسلمين.
بينما عرض عبد المحسن العقيلي من السعودية تجربته البحثية من فرقه لصورة العرب والمسلمين في الكتب الدراسية في بريطانيا فلاحظ تناول مفردات الحضارة الإسلامية بإيجابية بينما بدت الصورة سلبية تماما عن عرض موضوعات مثل الحروب الصليبية والصراع العربي-الإسرائيلي وكذلك الربط بين الإسلام والإرهاب والجماعات المتشددة كما تربط الكتب الدراسية المدرسية الإنسان العربي المسلم بالتخلف والانهزام والفشل والذل واستخدمت كذلك صور ومن المعلوم أن الصور غالبا ما تكون أكثر إيحاءا من الكلمات بالنسبة إلي التلاميذ تصور الأسري العرب في قبضة الجنود البريطانيين والإسرائيليين في الوقت نفسه الذي تجنبت تقديم صور الأسري الإسرائيليين في حرب 7319 وفي النهاية قرر المؤتمر في توصياته ضرورة الاستمرار في انتهاج أسلوب الحوار بين الثقافات والمسئولين عن وضع المناهج الدراسية في الدول المختلفة وضرورة بذل المزيد من الجهود من جانب الشعوب والحكومات العربية والأوروبية والمنظمات غير الحكومية علي الجانبين من أجل نشر ثقافة احترام الهويات التي تقوم علي التسامح والاعتراف بالآخر واحترام الحقوق الأساسية للرجل والمرأة والطفل من خلال تطوير النظم التعليمية.
د/ حاتم الطحاوي
كلية الآداب جامعة الزقازيق.
وتدعوكم مجانين لقراءة ما ظهر متعلقا بهذا الملف الخطير على تقارير وأخبار مجانين حيث ساهمت معنا صديقتنا جنان عبد الواحد في السويد بتقرير الإسلام في المدارس السويدية، وذلك استجابة لتقريرنا في مناهج التاريخ الأوربية .. العرب يدرسون، ونعدكم تباعا بنشر ملخصات البحوث التي قدمت في ذلك المؤتمر، فانتظروا معنا الصورة الخاطئة عن الإسلام في كتب التاريخ المدرسية ببولونيا، ثم بفرنسا للأستاذ الدكتور مصطفى الحلوجي، ثم الصورة في اليونان للدكتور طارق رضوان، ثم في بريطانيا لعبد المحسن العقيلي، ثم الصورة في النمسا للأستاذ الدكتور محمد أحمد منصور، ثم في إيطاليا ل د. صلاح رمضان السيد، ثم نختتم بما قدمته الأستاذة الدكتورة فوزية العشماوي عن صورة الآخر في كتب التاريخ المدرسية في الغرب وفي الدول الإسلامية.
ومجانين تتقدم بعميق الشكر للأستاذ الدكتور حاتم الطحاوي الذي بدأ معنا على مجانين بمقالة: أوربا والإسلام في العصور الوسطي، وأتحفنا بعد ذلك بالمادة العلمية التي قدمت في مؤتمر اليونيسكو المنشار إليه، ونسأله المزيد ونسأل الله له خير الجزاء.
اقرأ أيضاً:
صورة الإسلام في كتب التاريخ في مدارس إيطاليا/ صورة الإسلام في الكتب المدرسية في النمسا