تدرس الحضارة العربية الإسلامية في كتب التاريخ في المدارس الإيطالية، وتقدم كتب التاريخ الحضارة الإسلامية في صورة إيجابية، كحضارة وحدت العرب المتفرقين، وحققت نهضة علمية قوية ازدهرت لقرون عديدة، وتعترف هذه المناهج للحضارة العربية بالتقدم والسبق في العلوم الطبيعية كالهندسة والطب والفلك والجغرافيا، ويأتي ذكر العواصم الإسلامية، كدمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة كمنارات للعلوم والثقافة، كما تتفق هذه الكتب على أن الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات القديمة، طورت هذا التراث وأضافت إليه.
وعلى النقيض من ذلك تقدم كتب التاريخ الإيطالية مفهوم الجهاد في الإسلام بطريقة سلبية، وكذا شخصية الرسول محمد الذي يقدم كرجل حرب، وتحت تأثير الحملة الإعلامية الغربية العنيفة ضد الإسلام، يقدم الجهاد في كتب التاريخ المدرسية دائما على أنه الحرب المقدسة التي يحتم الإسلام على أتباعه القيام بها ضد غير المسلمين لإرغامهم قهرا على الدخول على الدخول في هذا الدين، الأمر الذي يتضح من استخدام عبارات مثل [الحرب المقدسة بالمفهوم الصليبي لهذا المصطلح]، و [التوسع الإسلامي] و [السيطرة الإسلامية على العلم].
حيث نجد في الكتاب المقرر على الصف الثاني من المرحلة الابتدائية (ص 248)، طبعة لاسكولا 1996م العبارة التالية:"من واجبات المسلم أن يقوم ينشر دين الإسلام حتى لو بالقوة ويضيف قائلا: ولذا بدأ العرب الحرب المقدسة" ويقول المؤلف (248): لقد احتل العرب أيضا الأماكن التي عاش فيها السيد المسيح عليه السلام، وهي الأماكن المقدسة لدى المسيحيين.
وعلى وجه العموم فإننا ندرك بوضوح أن كتب التاريخ في إيطاليا دائما تخلط بين التاريخ السياسي للدولة الإسلامية والدين الإسلامي، والفرق بالطبع شاسع بينهما، فالقرآن يأمر بمخاطبة غير المسلمين طبقا لآداب الحديث: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (النحل :125 )) وللآخرين حق القبول وحق الرفض،
أما ما قام به بعض الحكام المسلمين من نشاط سياسي فقد جاء بفكر رجال السياسة، والذين يريدون توسيع رقعة دولتهم، وتوحيد ملكهم، ولا ننكر أنهم استخدموا الإسلام لتحقيق أهدافهم السياسية هذه، ولكن الإسلام كعقيدة، إنما يدعو إلى احترام الإنسان عموما وعدم الاعتداء عليه وعلى ماله، ويمنع بجزم إجباره على التحول عن دينه والدخول في دين الإسلام، فحرية الاعتقاد مكفولة ومضمونة للجميع بنص القرآن الكريم:(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) (الكهف : 29 )) .سورة الكهف آية 29 (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) سورة البقرة 256 وتقديم النصوص الإسلامية أو الآيات القرآنية في سياقها يوضح للتلميذ الإيطالي المعنى المراد من النص مما يؤدي إلى انفتاح الثقافتين علي بعضهما وتعاون العالم العربي مع أوروبا والعيش معا في سلام ويتفق مع أهداف المدرسة الإيطالية.
دكتور صلاح رمضان السيد –عميد كلية اللغات والترجمة– جامعة الأزهر
اقرأ أيضاً:
الثقافة الإسلامية في الكتب المدرسية الأوروبية/ الإسلام في المدارس السويدية/ فى مناهج التاريخ الأوربية.. العرب يدرسون/ أوروبا والإسلام في العصور الوسطى/ صفحات مشرقة من التاريخ العربي