بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على النبي الأمي الذي جعله الله نبراسا ونورا يضئ لنا الطريق ويهدى لنا به الرفيق؛
فإنه عندما أراد ذلك الرجل العبقري صاحب القلب النقي والأيمان القوى والسياسة الحكيمة والعقلية السديدة الذي خفي على الكثير منا ما قام به من تأسيس نظم الدولة الإسلامية الحديثة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أول من صك العملة وسن العسس وجعل التخطيط العمراني ووضع أسس الاختيار في المعمار ذلك الرجل حدث معه في يوم ما يلي:
أراد أن يبعث بكتاب إلى أحد ولاته وفى نهاية الكتاب يريد أن يؤرخ تلك الورقة وعندما أراد أن يؤرخ تلك الورقة أراد أن يكتب التقويم المعروف في هذا الزمان إلى هذه اللحظة وهو التقويم الميلادي وتمنى لو أنه كان هناك تاريخ خاص بالمسلمين وبالفعل كان أول من أرخ للمسلمين وبدأ يستشير الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فمنهم من أشار عليه باتخاذ ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بداية لهذا التاريخ ومنهم من أشار عليه أن يبدأ من حادثة الإسراء والمعراج ومنهم من أشار عليه بانقطاع الوحي عن أصل الأرض ولكنه رضوان الله عليه كان ذا نظره ثاقبة فأراد حدث كان به تغيير وجه التاريخ كله وفكر فكان ذلك الحدث الذي به فعلا تغير وجه التاريخ ذلك الحدث الذي لا يذكره المسلمون في هذه الأيام إلا من رحم ربى وليته حتى يلقى اهتمام من عموم المسلمين كما يلقى الكريسماس وللأسف نحن أمه لا تجيد دراسة ولا استغلال ولا الاستفادة من تاريخها وليتنا كاليهود في استفادتهم في استفادتهم من ذلك الحدث السراب أو ما يسمى بالهولوكوست المهم نرجع إلى موضوعنا مناط الحديث اليوم ألا وهو حادث أعظم هجره في التاريخ حادث هجرة رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم ولنا في تلك الهجرة عدة أمور:
أولاً:- اليوم العظيم:
لماذا اختاره سيدنا عمر رضوان الله عليه ليكون بداية تاريخ جديد للعالمين؟؟ وتأتى الإجابة بديهية وهى لأنه بالفعل كان حدث مناط به تغيير وجه التاريخ فالناظر المتأمل لذلك الحدث يجد أنه ليس مجرد هجرة رجلين مستخفين من مكة إلى المدينة لكن بتلك الهجرة شهد العالم ميلاد الدولة الإسلامية ميلاد الكيان المناط به فيما بعد أضاء ذلك الظلام المسيطر على جنبات هذا العالم الحزين فبعد أن كان المسلمون مجموعه من المستضعفين المضطهدين الذين لا حول لهم ولا قوه أصبحوا لهم دوله ذات سيادة لها رئيس ونواب ووزراء وجيش ووزارة مالية أصبح التحدث لهذا العالم يأتي من كيان معروف له استقلاليته وكينونته المعلومة والتي توضع في الحسبان.
بتلك الهجرة انتقل الإسلام من الضعف إلى القوه بإذن الله والى السيطرة ومن ثم إلى السيادة وبالفعل حل النور في جنبات العالم فظهر من المسلمين من يخاطب قيصر الروم في قوة وعزة وليعلمه الغاية من الإسلام والدولة الإسلامية والمسلمين أنفسهم عندما سأله قيصر عن الغاية من وجود المسلمين في الأرض؟فرد عليه سيدنا الربيعي بن عامر قائلا((إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)) كلمات لا يقولها إلا الواثق في الله وفى دينه وفى نفسه.
ثانيا:-الهجرة دروس وعبر:
(1) التضحية:
أ- فانظر إلى كل الصحابة بشكل عام وتخيل أن تترك أهلك ومالك وبلدك وعملك وأصحابك ووضعك الاجتماعي ومكانتك بين الناس كل هذا تتركه لتفر بدينك إلى مكان ليس لك به أهل ولا مال ولا ولد ولا صديق إلا الإسلام بكل معانيه وشموليته لكل هذه المعاني انه حقا حدث حق له أن يهتز له التاريخ وانظر متى تحدث كل هذه الهجرة أو متى حدثت في التاريخ أن يهاجر شخص بإرادية ويترك كل أشكال النعيم الدنيوي إلى عكس ذلك تماما بل ويريد قومك أن يمنعوك من ذلك كما نعرف عن سيدنا صهيب الرومي رضي الله عنه حينما هم بالهجرة فوقف له المشركون وقالوا جئتنا صعلوكا لا مال لك وتريد الآن أن تخرج من بيننا هكذا؟ دلنا على مالك فيؤثر الله ورسوله على الغنى والدنيا ورفاهيتها التي كان يعيشها وتخيل أن تترك كل أموالك في البنك ومنزلك وشركتك كل هذا من أجل أن تستطيع أن تصلى لله ركعتين خالصتين من الخوف وكان هذا مثال التضحية بالمال.
ب- سيدنا على رضوان الله عليه حيث ينام مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سن نطلق عليه اليوم(سن المراهقة) وهو يعلم أنه ميت لا محالة فهناك شاب قوى من كل قبيلة ينتظره بالخارج ومعه سيف قد سن ليكون عنوان الضربة الوحيد هو الموت وهذه أروع أمثله التضحية في التضحية بالنفس.
ج- وانظر إلى تلك الصحابية الجليلة التي خيروها ما بين ابنها والهجرة في سبيل الله فتظل عاما كامل تبكى في الطرقات كي يترك أهل زوجها طفلها لتأخذه وتهاجر حتى يأذن الله لها بذلك فتضرب لنا مثال المرأة الصابرة المحتسبة التي لا ترضى بغير سبيل الحق سبيلا.
د- ثم يأتي موقف أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء سيدنا أبو بكر الصديق رضوان الله عليه وحق له أن يكنى الصديق ذلك الرجل الذي صدق الله وصدق رسول الله يضحى بنفسه وماله وولده ومكانته وكل شيء بل وهو سعيد بذلك تذرف عيناه بالدمع ليس خوفا بل حزنا وهناك فرق بين الخوف والحزن...
الخوف يكون من شيء يتوقع أن يضر الإنسان نفسه أما الحزن يكون من شيء يتوقع أن يضر الحبيب.... لله درك يا أبا بكر(لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) هنا الحزن وليس الخوف فها هو يجند كل إمكانياته لإنجاح تلك المهمة والحدث الأعظم فبنته أسماء تأتى إليه والى الرسول صلى الله عليه وسلم بالطعام وتقسم نطاقها نصفين فتسمى ذات النطاقين وهذا ابنه عبد الله يأتي إليهم بالأخبار ومولاه عامر بن فهبره يقوم بالتورية لإخفاء الأثر ولا يترك لأبنائه أي مال حتى تضطر أسماء لوضع الحجر في الكيس كي تقنع أبيه -أبو سيدنا أبو بكر الصديق- أن أباها أبو بكر قد ترك لهن مال.
(2) الثقة في الله:- وتتجلى في موقفين:
الأول:- موقف سُراقة المشهور حيث لاحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلما لحق به وأراد أن يستل رمحه غاصت رجل فرسه في الرمل فيقع من على فرسه ويتكرر الموقف فيقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له ارجع ولك سواري كسرى وتخيل أنك مكان سراقة بن مالك الشخص الذي أمامك معروض لمن يأتي به ملايين الدولارات وهو يهرب من أهله وعشيرته وأبناء قومه فارا منهم ويعدك بالبيت الأبيض مثلا أو شئ من هذا القبيل من يصدق هذا؟؟بالله عليك ماذا ستقول لهذا الرجل؟ مجنون؟؟ لا..أكثر بكثير ولكن سراقة يحكى أنه من شدة ثقة النبي صلى الله عليه وسلم صدقه ورجع وتمر الأيام وعندما تفتح تستر عاصمة الفرس يأمر سيدنا عمر بن الخطاب بسراقة بن مالك فيأتي له ويؤدى له أمانة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان قد وعده إياها ويبكى عمر بن الخطاب ويقول صدقت يا حبيبي يا محمد أشهد أنك رسول الله.
الثاني:- (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {40}).
ما هذا اليقين رجل مطارد ومطرود ومطلوب من كل الجهات يقول لصاحبه مطمئنا لا تحزن إن الله معنا؟؟لكم هي جميله تلك الكلمة إن الله معنا تخيلوا إخواني لو أن الله فعلا معنا ولكن(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11})إننا لم نغير ما بأنفسنا لذا لم يغيرنا الله والناظر المتأمل في حالنا نحن المسلمين في هذه الأيام بعلم جيد إننا لا نتبع الله فالله لا يمكن أن يكون مع العصاة والطغاة أمثالنا نسأل الله العفو والعافية.
تلك كانت نظرة سريعة بسيطة في حدث عظيم تغير به وجه التاريخ فيا ليتنا دائما نجيد النظر فيما وراء الأحداث حتى ولو كان كلاكيت 1426مره.
روابط ذات صلة:
كل عام هجري جديد وأنتم بخير مع مجانين / رمضان دروس و عِبَر / صفحات مشرقة من التاريخ العربي / تعليم مين، تعليم إيه، تعليم ليه!!! يا عم كبر.